الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفصال

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2021 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


هل حقا انّ قضية الريف هي قضية الصحراء ؟ وهل فعلا توجد هناك قواسم مشتركة بينهما ، حتى نطبق حكم الأولى على الثانية ، ونطبق حكم الثانية على الأولى ؟
ما ذهب اليه العديد من الانفصاليين ، عندما اعتبروا انّ ما يهم الريف يهم الصحراء ، وانّ اكبر قاسم مشترك بينهما هو ، من جهة الاستعمار العلوي العروبي للصحراء كما للريف ، ومن جهة إرادة شعب الريف وشعب الصحراء ، في التحرر والاستقلال ، لبناء دولة الصحراء التي اعترف بها الملك في يناير 2007 ، ودولة الريف التي مثلتها الجمهورية الريفية التي دامت ست سنوات في بداية العشرينات من القرن الماضي .. وسعى وراءها حراك الريف الأخير ، بخلاف انتفاضة 1984 التي كانت ضد الدولة العلوية ، ولم تكن ضد الوحدة الشعبية ، ولا ضد الوحدة الترابية ... ، لهو امر مجانب للحقيقة ، و مجانب للصواب ..
كما حاولوا ان يشركوا المحن التي تعرض لها ولا يزال الريف ، بالمحن التي تعرض لها الصحراويون ولا يزالون ، في مواجهة النظام الذي يبني كل خرجاته على القمع ، أي ( طْحن أمّو ) ..
وهنا . هل فقط اهل الريف واهل الصحراء ، هم من يتعرضون لظلم وقمع النظام المغربي ، ام ان قمع واعتداء النظام لا يستثني أحدا ، ويطال كل الشعب المغرب ...
هنا تكمن أوجه المفارقة حين نغمض العين عن قتل ، وتجويع ، وتفقير الشعب المغربي قاطبة ، وبين اختزال القمع فقط في الصحراويين والريفيين ، للركوب على هذا التناقض الذي يخدم النظام ، ولا يخدم في شيء الشعب الذي بعد انْ كان شعب الجبارين ، والصناديد ، اصبح شعب المتسولين الذي عرى الوحش كورونا عن هذه الحقيقة للعلن ..
فهل التفقير يسري فقط على الريف والصحراء ، ام ان التفقير سياسة مُمنْهجة للنظام ، حتى يستمر يستأثر لوحده بالثروة ، والجاه ، والنفود ، وحرمان الشعب الذي يعيش الفقر المفروض عليه منذ زمان وحتى الآن ..
أولا ) لا يمكن مقارنة قضية الصحراء بقضية الريف ، لاعتبارات تخص التاريخ ، وتخص اطوار الصراع ، سواء صراع الريف ضد النظام ، او صراع الصحراويين ضد الدولة ... فتمت فروق واختلاف ، يجعل كل قضية تتصف بمميزات وخصائص ، لا تتوفر لذا الأخرى ، مما يجعل القضيتين تختلفان عن بعضهما ، وتختلفان عند انطلاقتهما ، وعند النتائج التي تصبوان اليها ...
ثانيا ) ان أي متأمل في قضية الريف وفي قضية الصحراء ، سيخرج بخلاصة هي ، انّ كل قضية الريف التي أسست الجمهورية الريفية التي دامت ست سنوات ، كانت مسطرتها مغربية مغربية ، رغم تدخل الجيش الاسباني والفرنسي في تقديم الدعم للنظام السلطاني بفاس ... فالجمهورية الريفية كانت ثمرة من ثمار التمرد والعصيان ، الذي أعلنته القبائل البربرية ضد الحكم السلطاني بفاس ، بسبب اغارته على القبائل التي رفضت تأدية الضريبة للدولة المخزنية .. فكانت الانتفاضات البربرية وباستثناء الجمهورية الريفية ، وحدوية ، وليس انفصالية ، لأنها كانت ضد الحكم السلطاني الباحث عن الضرائب والأموال ، وتحصيلها بالعنف الذي وصل حد التقتيل بأنواعه المختلفة ، ولم تكن ضد وحدة المغرب ارضا وشعبا ، بل انها . أي تلك الانتفاضات والثورات ، كانت ترمي الى بناء نظام جمهوري ، بدل النظام السلطاني الذي اعتبروه نظام احتلال عروبي ، ونظام نهب وتقتيل ..
اما قضية الصحراء وبخلاف قضية الريف ، فهي كانت ومنذ بداية النزاع في سنة 1960 ، قضية بيد الأمم المتحدة التي أصدرت اول قرار بشأنها ، هو القرار 1514 في سنة 1960 ، ومنذ ها والجمعية العامة تبحث في كل سنة قضية الصحراء ، من خلال توصيات اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة ، وتذيّلها دائما بقرار يدعو الى الاستفتاء ... وهنا لم يحصل ولو مرة واحدة ، ان اجتمعت الأمم المتحدة ( عصبة الأمم ) لبحث قضية الريف ، او لبحث مشروعية او عدم مشروعية الجمهورية الريفية . ولم يسبق ان أصدرت ولو قرارا واحدا في مشكلة الريف . لان الأمم المتحدة تعتبر الريف جزءا من الأرض المغربية ..
اما بالنسبة لنزاع الصحراء ، فالجمعية العامة تعتبر وضعها القانوني يحدده الاستفتاء الذي تنص عليها كل قراراتها السنوية ..
واذا كان مجلس الامن منذ نشوب الحرب في سنة 1975 ، يجتمع مرة في شهر ابريل من كل سنة ، لبحث الوضع ، ويذيّل اجتماعاته بقرار ينص فيه على حل الاستفتاء المشروط بتحقق شرطين واقفين ، هما شرط القبول ، وشرط الموافقة لأطراف النزاع عن أي حل قد يطرح لفض النزاع ، فمجلس الامن لم يسبق ولو لمرة واحدة في تاريخه ، ان عقد دورة ولو استثنائية لبحث القضية الريفية ، سواء في عهد عصبة الأمم عند اندلاع الحرب في الريف التي انهت كيان الجمهورية الريفية ، او اثناء المجازر التي عرفها الريف في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي ، والتي شرحها الحسن الثاني بقوله " من الاحسن للريفيين ان يعرفوني كملك وليس كولي للعهد " ، او اثناء انتفاضة يناير 1984 التي رفعت شعارات اسلاموية شيعية ، او مؤخرا عندما نشب الحراك بعد مقتل محسن فكري ..
ثالثا ) بدأ نزاع الصحراء المسلح ضد النظام الملكي سنة 1975 ، رغم ان جبهة البوليساريو تأسست في سنة 1973 ، واعقبها تأسيس الجمهورية الصحراوية التي اعترف بها الملك المغربي في يناير 2017 ، في سنة 1976 .... ومنذ ها والنزاع لا يزال مطروحا بيد الأمم المتحدة التي لم تتوفق في إيجاد حل له ...، لكن صراع الريف لا يعود فقط الى تاريخ انشاء الجمهورية الريفية ، بل يعود الصراع الى خمسينات القرن الماضي ، ويعود الى يناير 1984 ، ويعود مؤخرا الى الحراك الريفي الذي فضه النظام باحترافية بوليسية ، جنبت حصول حمام دم كما حصل في سنة 1984 ، وحصل في 1957/1958..
نزاع الصحراء كان حربا ضروسا سقط فيها اكثر من ثلاثين الف مغربي ، تم دفنهم في مقابر جماعية بدون عنوان، وسقط في الاسر حوالي 4500 اسير حرب ، مكثوا بسجون الجزائر اكثر من ستة وعشرين سنة ، وفي ظروف اكثر من قاسية ، واكثر من قساوة سجن تزمامارت الرهيب .. فكان الهدف من الصراع هو الانفصال ، وانشاء الجمهورية الصحراوية التي تعترف بها العديد من الدول ، والعضو بالاتحاد الافريقي ... لكن نزاع الريف وباستثناء تجربة الجمهورية الريفية الانفصالية التي عاداها العالم ، ولم يعترف احد من الدول بها .. كان صراعا اجتماعيا صرفا ، سواء اثناء انتفاضة يناير 1984 التي كانت تتجه لثورة عامة وعارمة وليس للانفصال . بل ضد النظام لإسقاطه . لان المظاهرات كانت تخرج من المساجد التي اغلقها النظام اليوم بدعوى كورونا . في حين ان سبب الاغلاق ، هو الخوف من القادم انْ حصل فراغ في الحكم ( انطلاق شرارة التغيير الجذري من المساجد ) . او اثناء حراك الريف الأخير الذي كان في بدايته حراكا اجتماعيا ، واقتصاديا . وعند البعض الاخر كان حراكا خبزياً ، قبل ان تتدخل حركة 18 شتنبر الجمهورية التي انساق وراءها الحراك ، فتصبح المطالب سياسية ، وجغرافية ، تنشد تحقيق أمنية الجمهورية الريفية .. التي لا تزال الحلم الازلي لمعظم الريفيين ، بسبب الظلم المسلط عليهم ، وكأن لعنة الظلم قد اصابتهم الى الابد ...
فالفرق بين الدعوة للجمهورية الريفية التي عبرت عنها الشعارات المرفوعة ، وعبرت عنها رايات الجمهورية الريفية التي رفعت بالملايين اثناء الحراك .. انها لم تكن مسلحة .. في حين نجد ان الدعوة الى الجمهورية الصحراوية ، تقف وراءها الجزائر ، ويقف وراءها الجيش الصحراوي الذي تشرف عليه المخابرات الجزائرية ، والجيش الجزائري . فالريفيون وبخلاف البوليساريو ، لا يملكون أسلحة ثقيلة ، ولا يملكون جيشا ، ولا يهددون بإشعال الحرب . بل انهم يعوّلون فقط على الريفيين الذين عزلوا انفسهم عن الشعب المغربي ، فغرقوا في عنصرية خنقتهم في عقر دارهم ، قبل ان يمتد الحراك الى كل المغرب ، أي انهم بعنصريتهم ، وابتعادهم عن الشعب الذي ناصبوه العداء بدعوى عروبيته ، جعل هذا الشعب يصاب بالصدمة الكبرى ، وجعله يتخذ من حراك الريف موقفا سلبيا ، لان الخطر هو الانفصال على حساب المغرب ، وعلى حساب الشعب .... والانفصال والعنصرية ورم خبيث تتغدى منه الصهيونية ، وكل دعاة " سايكس بيكو " الجدد ..
واذا كانت رموز الحراك الريفي بعد فشله لانعزاله عن امتداده الطبيعي ، و بسبب تفشي العنصرية التي غلبت عليه ، تنفي أي إرادة او رغبة نحو الانفصال ، وترفع تمسكها بوحدة المغرب ارضا وشعبا ، فبالنسبة لجبهة البوليساريو ، فهي تنفي النفي القاطع مغربيتها ، وتتمسك بصحراويتها ضمن الجمهورية الصحراوية التي تسيطر على ثلث أراضي الصحراء المتنازع عليها ..
رابعا ) النظام المغربي اعترف بالجمهورية الصحراوية ، ومنها اعترف بالشعب الصحراوي الذي تمثله تلك الجمهورية ، لأنه لا يمكن تصور دولة بدون شعب ، او شعب بدون دولة ... ، فالاعتراف بالدولة ، هو اعتراف بشعب ، يجلس النظام المغربي للتفاوض مع ممثله الجبهة ، التي اعتبرها قرار الأمم المتحدة 34/37 الصادر في سنة 1979 ، بمثابة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي ... تحت اشراف الأمم المتحدة بمنهاتن بالولايات المتحدة الامريكية ، وبجنيف السويسرية . كما سبق للملك الراحل الحسن الثاني ان استقبل اطرها بقصره ، وبحضور ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس ، وبمعية وزير الداخلية السابق ادريس البصري .. في حين سنجد ان الملك لم يسبق ان اعترف بالمشكل الريفي ، ولا اعترف بقادته ، كما لم يسبق للجمعية العامة للأمم المتحدة انْ اعترفت بمحاولة الريفيين الاستقلال عن المغرب ، ولا حتى اتخذت قرارات عن مجازر 1957 و 1958 ، ولا مجازر يناير 1984 ، ولا اتخذت قرارا ولو يتيما بشان حراك الريف الأخير ... لان الأمم المتحدة تعتبر الريف ارضا مغربية ، وشعبه شعبا مغربيا ، في حين تعتبر المشكل الصحراوي من اختصاص مجلس الامن ، ومن اختصاص الجمعية العامة ، اللذين فشلا في إيجاد حل لنزاع المفتوح منذ سنة 1975 .. والنظام المغربي بدوره يشدد على التمسك بالأمم المتحدة ، ويرفض أي تدخل للاتحاد الافريقي ، او غيره من الاتحادات الدولية في قضية الصحراء ..
خامسا ) حين يدعو بعض الخونة المهرجين ، الى ضرورة توحيد نضالات الريفيين ، بنضالات الصحراويين . ويحثونهم على الخروج المشترك ، والمسيرات المشتركة بالدول الاوربية ، فهم يجهلون ان اصل العلاقة بينهما هو عداوة ، وليس صداقة ، او محبة . وقد ترجمت هذه الحالة تصريحات العديد من مسؤولي الحراك الريفي بأوربة ، وتصريحات بعض المسؤولين الصحراويين ، خاصة عندما وجه الريفيون لهم تهمة الانفصال ، وحبّ النظام لهم ...
فاذا كانت الدعوة لتوحيد النضال بين الجمهوريتين ، الريفية والصحراوية تستهدف الجغرافية ، فهي ستصبح مستحيلة بسبب المسافات الطويلة التي تبعد شمال المغرب عن جنوبه . اما اذا كانت تستهدف النظام ، كان اولى ان يوجهوا دعوتهم لكل الشعب المغربي الذي يعيش القهر ، والقمع ، والذل ، والظلم .. وليس فقط الى كيانين متناقضين ، ومتباعدين ، وسبق لكلاهما ان خرج بتصريحات تسيء الى الطرف الاخر . أي اتهام واتهام مضاد ، بخصوص التزلف والتودد للنظام الذي يطحن الجميع ومن دون استثناء ..
واذا كانت أطياف الشعب المغربي منذ بروز المعارضة الجذرية ، والمعارضة الإصلاحية لم تتوحد ، وغلب عليها التشتت والانقسامات حتى صارت عبارة عن جزيئات صُغيّرة في أرخبيل شاسع قاهر للجميع .. فكيف ستنجح دعوة الوحدة والتنظيم ، لكيانين متناقضين ومتباعدين ، عروبي / حساني / ريفي ... كل منهما يطعن الآخر في الوجه وليس في الظهر ؟
ولو كان حقا الريفيون يتقنون فن النضال ، لكان عليهم عوض تنظيم مسيرات فاشلة في اوربة ، ان يوكلوا محامين اكفاء ، لرفع دعاوى قضائية امام المحاكم الاوربية ضد النظام المغربي ، بسبب القمع وخرق حقوق الانسان . ولكان عليهم زيارة والاتصال بالمنظمات الحقوقية المختلفة بأوربة ، وبالمؤسسات الدولية المختصة بحقوق الانسان ، المعتمدة فوق التراب الأوربي . ولكان عليهم زيارة الأمم المتحدة وتقديم شكايات ، او مطالب بالنسبة للملفات التي تعنيهم وتهمهم ... وهذا ما برع فيه الصحراويون الذين يخوضون اليوم معارك قضائية امام محكمة العدل الاوربية ، للطعن في الاتفاقيات التجارية ، واتفاقيات الفلاحة ، والصيد البحري الموقعة بين النظام المغربي وبين الاتحاد الأوربي . واكيد ان قرار الاستئناف القادم سيطعن في الاتفاقيات الموقعة مثل قرار محكمة الدرجة الأولى لمحكمة العدل الاوربية .. والقرار القضائي القادم سيكون ملزما لكل دول الاتحاد الأوربي التي ستتقيد به .. بسبب تغيير طبيعة التحالفات ، وبسبب الازمة المستفحلة بين النظام المغربي ، وبين الاتحاد الأوربي الذي ذكر رئيس وزراء اسبانية مؤخرا Pedro Sanchez بالتمسك بالحل الاممي ..
فمن يعول على مُجمّعات الرقص ، والغناء ، وشرب الجعة بعد المسيرات الفاشلة ، او يركز نضاله في حفل الإنسانية التي ينظمها سنويا الحزب الشيوعي الفرنسي ، ويغرق في اكل نقانق الخنزير ، وشرب الجعة الرخيصة ، والخمر الرديئة ، وتبادل الثرثرة والذكريات الأليمة ، والتمسك بالأطلال التي أضحت راشية ... لا يمكن انتظار أي شيء منه ، فأحرى توحيد النضال بين كيانين متباعدين ، واحد منهما عنصري يلغي وجود الكيان الاخر العروبي والحساني ..
سادسا ) واذا كان النظام المغربي قبل بدأ المسيرة في سنة 1975 ، قد طرق أبواب محكمة العدل الدولية التي أصدرت قرارها الشهير في 16 أكتوبر 1975 ، الذي يعترف فيه بمغربية الصحراء ، عندما اعترف القرار بوجود علاقات قانونية بين القبائل الصحراوية ، وبين سلاطين الدولة العلوية .. حيث انّ من ابرز سيادة الدول هي قوانينها . واعترف القرار المذكور بوجود علاقة بيعة لبعض القبائل الصحراوية مع السلاطين العلويين ، رغم انّ القرار لم يسمي من هي ( بعض ) القبائل المبايعة ، ولم يسمي من هي القبائل ( الغير ) مبايعة ، ولم يحدد ولم يسمي المساحة الجغرافية التي كانت ترحل اليها القبائل المبايعة ، ولا سمى المساحة الجغرافية التي كانت بها القبائل الغير المبايعة .. كما لم يحدد الوضع القانوني للقبائل المبايعة حين تصبح غدا في المناطق غير المباعية ، ولا حدد الوضع القانوني للقبائل الغير مبايعة حين تصبح بالمناطق المبايعة ، وهو امر مقصود ، حين ذيّل القرار تحديد الوضع النهائي للصحراء بالاستفتاء وتقرير المصير ، الذي يتناقض مع اعتراف القرار بالعلاقات القانونية بين الصحراويين ، والسلاطين المغاربة ، ويتناقض مع اعتراف القرار بعلاقات البيعة مع بعض القبائل الصحراوية ... لان الاعتراف فقط بالبيعة هو اعتراف بمغربية الصحراء . لان النظام السياسي المغربي هو نظام ثيوقراطي ، واثوقراطي ، يمارس فيه الحاكم السلطتين الدينية والدنيوية ، بخلاف الأنظمة اللائيكية التي تركز على الدولة المدنية ، وتستبعد الدولة الدينية ... والسؤال هنا : هل خاض النظام المغربي دعوى قضائية لإبطال مشروعية الجمهورية الريفية ، التي لم تعترف بها عصبة الأمم ، ولم تعترف بها ولو دولة واحدة في العالم ؟
وهل خضع النزاع الريفي سواء في خمسينات القرن الماضي ، او في انتفاضة يناير 1984 ، او اثناء حراك الريف الأخير الذي اتجه نحو الانفصال ، للبحث قضائيا من احدى المحاكم الدولية في دعوى قضائية تكون احدى المجموعات الريفية ، ومنها حركة 18 شتنبر الجمهورية ، قد رفعتها في حق الدولة المغربية ؟
فاين إذن القواسم المشتركة بين قضية الريف ، وبين قضية الصحراء كما طرح اليوم دعاة الانفصال الصحراوي ، ودعاة الانفصال الريفي ، والابواق ( المغاربة ) الحاشرة انفها في ملف اكبر منها ، لأنها تجهل ابجدياته من الالف الى الياء ، وتقدم خدمات رخيصة للنظام الجزائري الذي يتحرش بوحدة المغرب ارضا وشعبا ؟ طبعا لا قواسم مشتركة تجمع بين القضيتين المتباعدتين ، والمتناقضتين ...
وبينما خبا نزاع الريف حين فشل بسبب حسابات عنصرية ، أبعدت الحراك عن امتداده الطبيعي الذي هو المغرب الكبير ، والشعب الواحد . واختفت تلك الشعارات الانفصالية التي رددوها في اوج الحراك " عاش الريف " ، وليس عاش المغرب ... مع رفع راية الجمهورية الريفية الانفصالية ، تيمناً بالجمهورية التي لم يعترف بها احد من الدول ، ورفع راية الْفرْشيطة ( الشوكة ) La fourchette ، باسم الراية البربرية والبرابرة منها براء ، لأنها من صنع الصهيوني الفرنسي Jacques Benêt ، وإحراق الراية المغربية التي سموها براية الجنرال ليوطي ، وراية الاستعمار العروبي .. فان نزاع الصحراء اضحى مقبلا على آخر اجتماع لمجلس الامن في أكتوبر القادم 2021 ، الذي سيكون مصيريا ليس فقط بالنسبة لنزاع الصحراء ، لكنه سيكون مصيريا للوضع بالمنطقة بوجه عام ... فاذا عجز مجلس الامن عن إيجاد حل للنزاع الذي دام خمسة وأربعين سنة ، وهو سيعجز لتباعد مواقف اطراف النزاع ، فأكيد ان الوضع بالمنطقة سوف لن يستمر على حاله ، والجبهة تُحضّر للقادم الذي سيكون اسوءً ، وتفرش له بربح المعارك القضائية امام محكمة العدل الاوربية التي عند ابطالها لاتفاقية التجارة ، والفلاحة ، والصيد البحري ، المبرمة بين النظام المغربي وبين الاتحاد الأوربي ، بخصوص المنتجات الواردة من الأقاليم الصحراوية ، وستلتزم به كل دول الاتحاد لأنه سيكون الزاميا .... سيكون القرار هذا تأكيدا على عدم اعتراف الاوربيين بمغربية الصحراء ... وعند اخذنا بعين الاعتبار عضوية الجمهورية الصحراوية بالاتحاد الافريقي ، واعتراف العديد من الدول بها ، وبما فيها النظام الموريتاني .... فالخطوة الأخيرة التي ستحسم الصراع ستكون الحرب القادمة وهي قادمة بشكل يختلف نوعيا عما تسميه اليوم الجبهة الانفصالية بعودة الى الحرب .... لان الحرب التي ستحصل وبنوعية من تخطيط الجيش الجزائري ، تخدم مصلحة البوليساريو والجزائر ، وتضر بمصلحة المغرب وبمغربية الصحراء .. فالحرب ستستعملها الجبهة كوسيلة لتدخل الأمم المتحدة ، ومجلس الامن ، والاتحاد الافريقي ، لتحريك أوراق المفاوضات طبقا للمشروعية الدولية ، التي ستكون مسنودة على الفصل السابع من الميثاق ، حينها سيصبح الوضع مهددا بنسخ تيمورية تيمور الشرقية La timorisation du conflit du Sahara .
الخلاصة انْ لا قواسم مشتركة بين ملف الصحراء ، وبين ملف الريف ... ففي كلا الجانبين هناك دعاة الانفصال ، وهناك دعاة الوحدة ، والمغرب القوي الكبير ... لكن نسبة المتآمرين الانفصاليين جد محدودة ، وليست مؤثرة ، بخلاف القاعدة التي تشد على الوحدة .. وحدة الشعب ، ووحدة الأرض ...
وحتى نختم نود التوضيح بإشكالية تدغدغ بعض العقول القاصرة ، التي تردد الخطابات كالببغاوات ، مع جهلها لأسباب الصراع منذ دخول اسبانية الى المغرب ، وحتى انسحابها من الصحراء بمقتضى اتفاقية مدريد الثلاثية ، التي قسمت الإقليم كغنيمة بين ثلاثة دول ، النظام السلطاني المغربي ، والنظام العسكري الموريتاني ، ونظام فرانكو الفاشي ..
ان القول بتسجيل قضية الصحراء بسجل الأمم المتحدة بالنسبة للأقاليم التي تنتظر تقرير المصير ، هو طرح مغلوط ، ويتنافى مع المشروعية التاريخية التي ترجع الى ما قبل سنة 1777 ، وترجع الى الاطار القانوني والظرف الدولي الذي واكب التوقيع على القرار 1514 الصادر في سنة 1960 من الجمعية العامة ، ويقضي بالاستفتاء وتقرير المصير ، لحل النزاع المطروح على انظار الأمم المتحدة ..
ان مكمن الخلط والتشويه للقرار المذكور ، هو ان من يقف وراء استصداره ، كان ممثل النظام المغربي بالأمم المتحدة . لأنه كان يعتبر ان حل الاستفتاء الذي سيمكن الصحراويين من تقرير مصيرهم ، هو وحده الحل الذي سيحدد جنسية الإقليم السياسية .. وحيث ان النزاع كان ثنائيا يهم المغرب واسبانية ، ولا يوجد طرف ثالث ، او رابع يطرح حلا آخرا يفضي الى الانفصال .. فان السؤال الذي كان مبرمجا لتحديد الجواب المتوقع هو : هل تريدون العودة الى المغرب ؟ ام تريدون البقاء في العيش ضمن سيادة الدولة الاسبانية .. ولم يكن هناك جواب عن سؤال الاستفتاء يدعو الى الانفصال ، وتأسيس دولة مارقة بجنوب المغرب ..
لكن السؤال : كيف ركب النظام الجزائري مؤخرا على القرار 1514 الصادر في سنة 1960 ، وبدأ يوظفه بخبث في غير اتجاهه الصحيح ... وهنا اين كانت الدولة الجزائرية عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، قراراها الشهير 1514 في سنة 1960 ؟
لماذا لم نكن نسمع عن شيء اسمه الجمهورية الصحراوية التي أسسها النظام الجزائري في سنة 1976 ، مع العلم ان جبهة البوليساريو اسسها معارضون مغاربة كانوا لاجئين بالجزائر في سنة 1973 .. وكيف سيتزامن تأسيس جبهة البوليساريو من قبل الفريق السياسي المغربي المعارض واللاجئ بالجزائر ، بالكوماندو المسلح الذي اشرف عليه نفس الفريق الذي أسس الجبهة ، عندما دخلوا مسلحين لإشعال الثورة بالمغرب في مارس 1973 ، وهي الاحداث المسلحة المعروفة بأحداث " خنيفرة ، مولاي بوعزة ، گلميمة " ... وكيف تطابقت كل هذه الاحداث مباشرة ، بعد اختطاف الضباط ، وضباط الصف ، والجنود المتورطين في الانقلاب العسكري في سنة 1971 و 1972 من السجن المركزي بالقنيطرة ، والاتجاه بهم في سنة 1973 صوب سجن تزمامارت الرهيب ، الذي ظلوا به ثمانية عشر سنة في وضع رهيب ، واكثر من مأساوي ، ولم يطلق سراحهم الا بفضل تدخل الرئيس الأمريكي جورج بوش الاب ، الذي رفض استقبال الحسن الثاني ، حتى اطلاق سراح المختطفين .. وكان المختطف الأول المسرح هو الملازم الطويل زوج الامريكية نانسي الطويل ... وهنا يجب ربط كل هذا التحول ، خاصة تأسيس جبهة البوليساريو لتحرير الصحراء ، وتوظيفها لقلب النظام الملكي ، مع دخول الكوماندو المسلح في مارس 1973 لإشعال الثورة ، وخطف الضباط ، وضباط الصف ، والجنود من السجن المركزي بالقنيطرة في سنة 1973 ، والتوجه بهم الى سجن تزمامارت .... ، بمشاركة الجناح المسلح لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة الفقيه محمد البصري ، في عملية انقلاب الطائرة في سنة 1972 ...
فكيف للنظام الجزائري ان يوظف القرار 1514 لخدمة اجنداته التوسعية ، مع العلم ان في تاريخ صدور القرار 1514 في سنة 1960 ، كانت الجزائر لا تزال مستعمرة فرنسية ولم تستقل حتى سنة 1962 ..
ان قول النظام الجزائري بمشروعية الأمم المتحدة ، بناء على القرار 1514 ، هو قول مغلوط .. بل ان النظام الجزائري يستخدمه بشكل خبيث ، لاستمالة المجتمع الدولي ضد مغربية الصحراء ، التي كانت ضحية محام فاشل L’avocat des causes perdues ..
ومرة أخرى . كيف انّ السؤال الذي هدفه القرار 1514 ، هو تحصيل جوابين عنه ، تم تزييفهما بشكل خبيث من قبل النظام الجزائري .. فالجواب عن السؤال كان محصورا في :
-- العودة الى الوطن المغرب ..
-- او الاستمرار في العيش في ظل السيادة الاسبانية ..
وبما ان اصل القرار هذا ، هذه هي حقيقته ، فان خروج اسبانية من الصحراء عن طيب خاطر ، ومن دون استفتاء رأي السكان ، وعودة الصحراء الى المغرب .. يكون قد ابطل مضمون القرار 1514 في الحالة المغربية ، حين اضحى القرار لاغياً في الحالة المغربية .. فلماذا لم يتضمن السؤال عن القرار 1514 حل ثالث يدعو الى الانفصال ، كما اصبح يغرد النظام الجزائري منذ سنة 1975 ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر