الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخنا الانساني و حقوق المرأة

احمد الحمد المندلاوي

2021 / 9 / 25
حقوق الانسان


# إن المتأمل في تاريخ المجتمعات الانسانية عامة يجد ان تاريخ المرأة مليء بالإذلال والتحقير والاضطهاد، وان الحضارات البشرية التي تعتقد أنّها متقدمة على حضارات الشرق وخاصة الأغريقية والرومانية والجرمانية نجدها لا تختلف عن المجتمعات المتخلفة والمنغلقة، فعلى الرغم من التعاليم الفلسفية والدينية لهذه الحضارات والتي تؤكد على مكانة الانسان وترصد كل تحركاته وسكناته وتناقش معتقداته الا انّها تحتقر المرأة وتبيح استخدام القوة والقسوة ضدها،وتحث على عزلها و اقصائها ، وكان نتيجة لكل هذا طغيان المجتمع الذكوري رغم التعاليم السماوية وغيرها من القوانين الوضعية،يقول مونتسيكيو:
كانت نظم الرومان والجرمان تضع النساء تحت وصاية ما لم يكن تحت سلطان زوج ، وكان يعطي هذه الوصايا أدنى الأقرباء من الذكور،ويظهر من تعبير عامي انّهن كن في ضيق شديد،وكان هذا طبيعيا في الجمهورية، غير ضروري في الملكية مطلقا (روح الشرائع)،وفي بلاد الاغريق لم يكن رجل الأسرة شغوفا بأسرته وخاصة زوجته كما يقول ارسطو،حتى قيل ان مركز المرأة في اثينا كان ادنى مركز قياسا في المجتمعات الاخرى،وانها لم تظفر من الرجال بأي احترام وكانت تعيش في عزلة عن المجتمع وتعامل معاملة مهينة،وجاء في بعض النصوص الأدبية:
انّ المرأة كانت بطبيعتها دون الرجل كفاءة ، و أدنى منه منزلة ، وانها كانت وسيلة لا غاية ، وكان محرم عليها الاختلاط بالرجال ، وكان في البيت الاثيني جناح مخصص للنساء ولا يجوز ان يدخل رجل جناح الحريم سوى رب المنزل، وقد حرمت من التعليم ولم ترسل الى المدارس ولا تستطيع اداء الشهادة في المحاكم او ان تكون طرفا في عقد قانون، وهي دائما تحت وصاية زوجها او اقربائها من الذكور(المرأة في التاريخ)، وفي الصين القديمة فأذا ولد لأسرة بنات أكثر من حاجاتهم تركن في الحفور ليقضي عليها البرد والحيوانات(كما في العصر الجاهلي- وأد البنات)، وفي عهد كونفوشيوس كان بوسع الأب أن يبيع زوجته وأولاده عبيدا، واذا مات ينتظر من زوجته ألا تتزوج من بعده فيطلب اليها في بداية الأمر ان تحرق نفسها تكريما له،وكان النساء يعشن في جناح خاص من المنزل وقلما يختلطن بالرجال، وقد كتبت احدى بنات الطبقة العليا في الصين ( بان هو بان):
نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري، ونحن اضعف قسم من بني الانسان ويجب ان يكون من نصيبنا أحقر الأعمال، وفي اغنية صينية (الا ما اتعس حظ المرأة ، ليس في العالم كله شئ اقل قيمة منها، فالبنت لا يسر أحد مولودها ، ولا تدخر المرأة شيئا من ولائها،ولا يبكيها احد اذا اختفت من منزلها، وهي تطأطأ رأسها وتجمل وجهها)(المصدر السابق) ورغم ان التشريعات في الهند كانت في الماضي السحيق موجهة ضد المرأة وهي مأخوذة من اللاهوت اليهودي القائل (ان مصدر العار هو المرأة)، وان هذا التشريع ينص على ان تبقى المرأة طول حياتها تحت اشراف الرجل فأبوها أولا وزوجها ثانيا وابنها ثالثا، وهي تخاطب زوجها بخشوع يا مولاي و أحيانا يا الهي،ولم تتلق تعليما الا اذا كانت من سيدات الطبقة الراقية الا ان مونتسيكو يقول:
في الهند وأفريقيا يطبب الناس نفساً من حكومة النساء، وهن يعطين عددا من الرجال ليساعدونهن في حمل أعباء الحكومة ، ويعتقد ان حكومة المرأة في الهند و أفريقيا يؤدي الى حكومة صالحة على الحكومة الجافية عند الرجال(روح الشرائع)، ورغم أن المرأة فقدت مكانتها الرفيعة في التاريخ ، وفي ضوء اختلاف الثقافات وتغير القيم الاجتماعية اثر تحولات الوضع السياسي في فترات كثيرة ، الا انها كانت في بلاد مابين النهرين تتقلد الزعامة وتساهم في تأسيس المدن والدولة والدفاع عنها، وتعكس أساطير الخلق السومرية مكانة رفيعة للمرأة سواء على المستوى الأرضي ام الميتافيزيقي، وهي تتحدث عن دور مهم للنساء في الحياة الحضارية للعراق القديم ولحقوقها القانونية والأُسرية ، وقد قام حمورابي سادس ملوك بابل بإصلاحات استهدفت علاج مشكلات المرأة ، واستطاع تشريع قوانين راعت مصالحها بشكل أفضل من النماذج القانونية الاخرى منها (ان الزوجة واحدة، لكن من الممكن اقامة علاقة مع امرأة أخرى بعقد قانوني اذا كانت الزوجة عقيمة والا فأن الزواج لا يكون شرعيا اذا تجرد من العقد، واذا طلق الرجل زوجته فعليه ان يرد جهازها، ولا يرث الرجل زوجته لان مالها لأولادها، لكن الزوجة تأخذ سهما من تركة زوجها هدية، ويمكن للمرأة أن تدير اموالها بنفسها فتؤجر وتهب وتمارس التجارة ، ولها ان تنخرط في سلك الكهان ،....) ويرى المؤرخون وعلماء الآثار ان قوانين آشور كانت اكثر رأفة وملائمة للمرأة من القوانين التي سبقتها ، ورغم حالات الاضطهاد والقسوة التي عاشتها المرأة في الكثير من الحقب التاريخية، الا ان معظم التقدم الذي صاحب الحياة الاقتصادية في المجتمع البدائي كان يعزى للمرأة اكثر مما يعزى للرجل ، فقد كانت المرأة في الماضي ذات مواهب متعددة تركت آثارها على الصناعة والزراعة والفكر والمشاعر والاقتصاد فيما ظل الرجل قرونا متمسكا بأساليبه القديمة من صيد ورعي.. فكانت تتطور الزراعة على مقربة من محال السكنى ، وثبات تلك الفنون المنزلية التي أصبحت فيما بعد من أهم ما يعرف الانسان من صناعات ، فهي تغزل الخيط وتنسج الثياب القطنية وهي التي تقدمت بفنون الحياكة والنسيج وصناعة السلال والخزف وطورت الدار..،(قصة الحضارة)، الا ان هذه الرحلة الشاقة التي عاشتها المرأة منذ القدم بقيت حتى ظرفنا الراهن وهذا ما يؤكد عليه الدكتور الجعفري فيقول ( ان الذي يتتبع مسيرتها منذ أقدم العصور الى اليوم يقدر كم كانت رحلة المرأة شاقة ، فقد غصت مجتمعات الغرب عموما بظاهرة البطرياركية والذكورية ، واستفراغ المؤسسات من المرأة ، والحكم على المرأة بأنها مخلوق شان ، وليت هذه المجتمعات اليوم استيقظت من سباتها العميق الذي سدرت فيه عبر أجيال طويلة توالت على مر التأريخ ، ومثلما كان فعلها التاريخي سيئا كان رد فعلها الحاضر أسوأ ، لأنها بشرت بثقافة الأنوثة وثقافة الاشارة ،....)(المرأة صوت المجتمع ) وبما ان الأعراف والتقاليد تشكل ضغطا كبيرا وقسوة وهي تكبل الانسان وخاصة في مجتمعاتنا وبالخصوص المرأة ، ورفعها أي هذه التقاليد الى درجة القدسية يعتبر الجعفري ان مأساة المرأة وما تعانيه سببه كان من العادات والتقاليد ويقول :
( قصة المرأة قصة طويلة مملوءة بالعذابات والمحن ، ولا استثني مجتمعا من المجتمعات ، ولا نظاما من الأنظمة الاجتماعية ، وبلدا من البلدان في تاريخه وحاضره ، دون ان احكم عليه بأنه ساهم بشكل من الأشكال في مأساة المرأة ، وعزاؤنا ان ما تعانيه المرأة في مثل بلداننا ليس ثقافة ، و إنما من ركام من العادات والتقاليد ...) (المصدر السابق) ويرفض الجعفري العودة الى شرنقة التاريخ.. بعد ان اقتحمت المرأة الكثير من المجالات في العالم .. ويقول( نحن ابناء اليوم ، نذكر التاريخ ليس من موقع العقدة الماضوية للتاريخ، وانما من موقع الاستفادة من التاريخ، وقطع طريق العودة مرة اخرى الى شرنقة التاريخ.. المرأة اليوم اقتحمت العالم وعليها ان تبرهن انها جديرة تنتج فكرأ في مجال الفكر، وسياسة في مجال السياسة، وتربية في مجالات التربية، وفي كل مجال من المجالات، والآفاق امامها مفتوحة..) (نفس المصدر)

ان المعتقد السائد سواء في المجتمعات القديمة اوالحديثة ، ان المرأة مكانها البيت وهي لا تصلح لغير شؤونه وتربية الأولاد ، وهي اعتقادات وعادات فيها اختزال شخصيتها في جسدها حيث انوثتها هي قدرها ومصيرها، ولا يصبح وجودها الا بالرجل ، فهي تابعة له وخاضعة لارادته وسطوته ، ولم تؤهلها طبيعتها لغير الولادة وتربية الاطفال وخدمة الزوج والسهر على راحته ، وهذه النظرة بقيت حتى عصرنا الراهن ، فعالم المرأة الخاص لدى الكثير هو (مطبخ وسرير)، والمسوغات لديهم ان الطبيعة هكذا خلقت المرأة ، رغم الاهتمام بقضاياها وما تعانيه ،ومن ازدياد المعرفة والوعي بأدوارها ومساهماتها الفعلية والمحتملة في المجتمع الانساني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل: إسرائيل لم تقدم إلى الآن أدلة على انتماء موظفين


.. البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل يتيح ترحيل المهاجر




.. كاريس بشار: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى البعض..


.. مشاهد لاعتقال العشرات من اعتصام تضامني مع غزة بجامعة نيويورك




.. قانون ترحيل طالبي اللجوء من بريطانيا لرواندا ينتظر مصادقة ال