الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أف تي أم

عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)

2021 / 9 / 26
الادب والفن


(ثلاثة قرود هرمة جداً. يستمعون إلى دقّات غريبة يزداد تسارعها بمرور الوقت. شُعلة ضخمة تُنير المكان)
قرد1: صَدَقَ وعدُ إلهِنا!
قرد2: هو اختبارٌ عسيرٌ أكثرَ من كونهِ سخاءً أو هِبة!
قرد3: لا نملِكُ من الوقتِ إلّا أقلّ من ساعة.
قرد1: لنصلِّ شُكراً للقردِ الأعظم.
قرد3: أَجّلْ تقواكَ الآن!
قرد2: نتّبعُ الطّريقةَ الدّيمقراطيةَ حتى نضمنَ العدالةَ وتكافؤَ الفرص!
قرد3: نظام التّصويت؟
قرد2: نعم. لا يُظلَمُ فيه أحدٌ ولا يتسبّبُ بمشاكلَ لأحد.
قرد3: الديمقراطيةُ فوضى عارمة!
قرد1: لا أعلمُ متى جرّبتُ التصويت، لكنّني أتذكّرُ أنّه أدّى إلى الحربِ الأهلية!
قرد2: بل تناقضُ المصالحِ والأهداف.
قرد3: لا أُنكرُ أنّ ثمّةَ أصابعَ قد لعبتْ بالعقول؛ لكن، هل نصلحُ للتعدد؟
قرد2: كانت أفضلَ طريقةٍ ممكنةٍ لجمعِ المُختلفين!
قرد1: وانتهتِ بمأساة! تهجّرنا، أَفْلَسْنا، وانتشرتْ بَيّنَنا جميعُ آفاتِ الكون!
قرد2: حينما تُعطي طفلاً نَزِقاً قنبلةً نووية؛ فلا تنتظرْ منهُ أن يزرعَ الزّيتون!
قرد1: القرودُ بطبيعتِها غير منسجمةٍ مع نفسِها، تُعاني من شيزوفرينيا مُرَّكَبة، ولو تُرِكَ القِردُ وحدَهُ أمامَ خيارينِ لتمزّق! فما بالُكَ بجمهرةٍ من القرود؟ ألن يَسودَ رأيُّ الغوغاءِ والجهلةِ والسّفلةِ وأصحابِ النّفوذ؟
قرد3: طبعاً.. الصّوتُ الأعلى للقطيعِ دائماً.
قرد2: من نعدّهُ قطيعاً يحسبُنا مُغفّلينَ وأغبياء!
قرد1: لكنّ النتائجَ غيرُ مؤكدة.
قرد2: كيف؟
قرد1: لا نضمنُ اختيارَ الأفضل!
قرد2: وما هو الأفضل؟
قرد1: ما يوافقُ العقل.
قرد3: عقلُ من؟
قرد1: عقلُ من يملكُ عقلاً!
قرد2: ومن يُحدّدُ أنّ أمراً يوافقُ العقل أو لا؟
قرد1: إذا قلتُ إنّنا معشر القرودِ نطيرُ ونتناسلُ كالنّوارس.. هل تَعدُّ ذلكَ منطقيّاً؟
قرد2: وما رأيكَ بمن يُهيلُ على رأسِهِ التُرابَ أو يمشي على الجمر؟
قرد1: غبيٌّ معتوه!
قرد2: لكنّهُ يرى أنّ ما يفعلُهُ هو الصّواب! ويوقِنُ أنّ من لا يُهيلُ الترابَ على رأسِهِ ومن لا يمشي على الجمرِ مُخالِفٌ للعقلِ والإيمانِ على حدٍّ سواء!
قرد3: مع غيرِنا نستخدمُ قمّةَ المنطقِ وهو أوّلُ ما نضّحي بهِ حين ندافعَ عن خزعبلاتِنا!
قرد1: لكي تُبرهنَ على ما هو معقول فمن غيرِ المعقولِ أن تضربَ مثلاً لا معقولاً على إعتبارِهِ مُمثلاً للمعقول!
قرد2: أردتُ بذلكَ أنّ أدحضَ تصوّرَكَ للمعقول. ثمّ متى كانَ المعقولُ معقولاً للجميع؟ وهل وجودُنا أو وجودُ الكونِ معقولٌ برأيك؟ هل خَلَقَنا القردُ الأكبرُ من لا شيء أم جئنا إلى الوجودِ بانفجارٍ كونيٍّ ومن لا شيء أيضاً؟ ومن يؤمنُ بإلهِنا غيرُنا؟ من يتعبّدُ بطقوسِنا الغريبة؟ ألسنا مسخرةً عند الصّراصرِ والفئرانِ من النّاحيةِ العقلية؟ خذْ في الإعتبار أنّ ظواهرَ الطبيعةِ تندرجُ ضمنَ المعقول؛ لكنّ الخلافَ في تَصوراتِنا واعتقاداتِنا وميولِنا الشّخصيّة!
قرد1: حتى الطبيعة مليئة بالمعجزات!
قرد3: مُعضلتُنا ليست عقليّة؛ بل نفسيّة.
قرد1: نفسيّة؟
قرد3: نحن في اختبارِ الرّغبة. والرّغبةُ تنتمي إلى النّفسِ وليسَ إلى العقل. ويجبُ أن نفكّرَ بإحساسِنا وليسَ بمخّنا.
قرد1: الهوى أعمى، قد يأخذُكَ إلى التّهلكةِ ظانّاً أنكَ ذاهبٌ إلى الخلاص!
قرد3: وهل تعتقدُ أنّ الإيمانَ بألهِنا القرد من الهوى؟
قرد1: لا طبعاً!
قرد3: هناكَ من يرى ذلك!
قرد1: سببُ مصائبِنا أنّنا ابتعدَنا عن التّقوى وأخذتَنا الشّهوةُ الدنيئةُ إلى الهلاك!
قرد2: لو فكّرَتِ الغاباتُ المتطوّرةُ بطريقتِكَ لانهارتْ قبلَ أنْ تنشأ!
قرد3: ليسَ كلّ رغبةٍ ضلال.
قرد2: ترتهنُ الرّغبةُ بالفردي ونحنُ أمامَ هدفٍ جماعي.
قرد3: والهدفُ الجماعي ألا يتكوّنُ من مجموعةِ أهدافٍ فرديّة؟ وكيفَ نُذيبُ هذهِ الجموعَ المختلفةَ في هدفٍ واحد؟ لو إتبّعنا أنفسَنا لن نتيه!
قرد2: غالباً ما يتبعُ الأنانيُّ نفسَهُ؛ فتكونُ النتيجةُ أن يختفي الآخرون!
قرد3: قصدتُ أن خلاصَنا في الهاجس، ذلكَ النّداء الدّاخليَّ العميق لا النّزوة العابرة!
قرد1: عقلياً، لا يُمكن..
قرد2: نعم. فما يُبنى على الإحساسِ ينتفي بالتّوَهُّم!
قرد1: وهذا هو عيبُنا الأساسي: كلُّ واحدٍ منّا يظنّ أنّهُ الكون، يتغنّى بذاتهِ ويُشبِعُ رغباتِها. وحينَ تتقاطعُ الرّغباتُ ماذا نفعل؟ نذهبُ إلى الصّراعِ والقتلِ والموت. بينما في أيدينا حلٌّ ناجعٌ وبسيط.
قرد3: أوه! بسيط! نحن نختلفُ حولَ الأُسسِ وأنتَ تتحدّثُ عن حلٍّ بسيط!
قرد2: التّصويت. ولا سبيلَ آخرَ أمامَنا.
قرد1: لا هذا ولا ذاك. الأرجحُ نأخذُ به.
قرد2: تتحدّثُ بثقةٍ مُبالغٍ فيها.. وما ميزاتُ الأرجح؟
قرد1: يأتي من الأكبر سِنّاً وخِبرةً في الحياة.
قرد3: بعضُ القِرَدةِ بلغتْ مئاتٍ من السّنين وأيُّ قردٍ مراهقٍ يفوقُها عقلاً! العُمرُ لا يُدلّلُ على النّضج.
قرد2: صحيح، والزّهايمر دليلٌ آخر.
قرد1: الزّهايمر استثناءٌ، وإذا ذَهَبْنا مع الإستثناءاتِ فحتّى وجودُنا سيتعرّضُ للشّكّ. الإلهُ القِردُ الأعظمُ نفسُهُ لن يكونَ لهُ مكان. سيُصبحُ أمنياتِنا التي تحوّلتْ إلى كائن، أو رغباتِنا على شكلِ إله! وكلُّ برهانٍ سيغدو دَحضاً لما يُبرهِنُ عليه!
(دقّات على الباب. بطيئة. يزداد إيقاعها سرعةً ثمّ يحلّ الصّمت)
قرد3: أحبائي، إلهُنا الأعظمُ مَنَّ علينا بعدَ أنْ بلغْنا أَرذلَ العُمرِ بعطاياهُ الكريمة، وسمحَ لنا بأُمنيةٍ أَخيرةٍ تقفُ الآن خلفَ الباب، أُمنية واحدة فقط! تذّكروا أنّنا ضيّعْنا أملاكَنا وحياةَ الرّفاهِ بسببِ خلافاتِنا، وها نحنُ نقبعُ في آخرِ السّلّم. لا يحترمُنا قردٌ ولا يهابُنا قردٌ ولا نثيرُ اهتمامَ قرد. هذهِ الطَرَقاتُ التي تسمعونَها تنبيهٌ لنا كي لا نُضيّعَ الفرصةَ التي لن يتلوها سوى الندم.
قرد1: عينُ العقل.
قرد2: أتّفِقُ معكَ تماماً.
قرد3: جميل. على الأقل إتّفَقْنا على شيءٍ واحد: أنّنا أمامَ أهمِّ اختيارٍ على الإطلاق. سنسمحُ لشيءٍ واحدٍ فقط أن يُغيّرَ حياتَنا. بعدَ القرار، نفتحُ لهُ بابَ الكهف. بالنّسبةِ لي، نحنُ فقراءُ جدّاً، وحلُّنا الأكيدُ في المال.
قرد1: أيُعيدُ المالُ شبابَكَ المهدور؟ أيُرجعُ بهجةَ النّفْسِ والأمان؟ أيوقفُ طقطقاتِ عظامِكَ؟ أيُرجعُ البَصرَ إلى عينيك؟ أيجعلُ المالُ عمودَكَ الفِقَري أكثرَ انتصاباً وشرفَكَ أكثرَ نصاعة؟
قرد3: بالمالِ نُرمّمُ الزّمنَ، ولأجلِهِ تتعامى القرودُ عن شَرَفِ العائلة!
قرد1: وكيفَ تُعالِجُ التجاعيدَ التي تغزو وجهَكَ؟
قرد3: بالمالِ يَتجمّلُ القبيح!
قرد1: كنّا أغنى قرودِ الأرض، فهل عَرَفْنا طعمَ السّعادة؟ لَهَثْنا خلفَ مزيدٍ من المال حتى ذهبَ المالُ وبقيَ اللُّهاث! القلقُ على فقدانِ الثّراءِ أوقعَنا في فقدانِهِ وصارَ مآلُنا هذا الكهف! إستغفلَنا الآخرون وسرقونا حتى تحوّلنا إلى شحّاتي الغابةِ بعد أن كنّا نملكُها.
قرد2: المالُ مهمّ؛ لكنّ السؤال: هل هو الأهمّ من بينِ جميعِ الأماني؟
قرد3: لماذا برأيكَ تتقاتلُ القِرَدةُ ويُهلِكُ أحدُها الآخر؟! من أجلِ المبادئ السّاميّة؟! كلا. من أجلِ الثّراءِ والمزيدِ من الثّراء!
قرد1: القوّة!
قرد3: المالُ يجلبُ القوّة.
قرد1: بل بالعكس. إذا إمتلكتَ القوّةَ يسجدُ لكَ المال.
قرد2: أحدُهما يخدمُ الآخر. لكن من يُنتجُ من؟
قرد1: تذكرونَ القردَ العملاق؟ بقوّتهِ كانَ يأخذُ الإتاواتِ منّا جميعاً. بيومٍ واحد كان يكسبُ ما لا يستطيعُهُ بنكُ الخنازيرِ المُتحدةِ في سنة.
قرد3: غُرفةُ التجارةِ القِرديةِ تقفُ خلفَهُ، ورئيسُ مجلسِ نوّابِ الخرافِ يسندُهُ.
قرد2: رجعنا إلى السُّلطة وليسَ القوّة. من يملكُ السّلطةَ يستخدمُ القوّةَ ويَجني الثّروة.
قرد3: أينَ هو الآن؟ قردُكَ العملاق؟
قرد1: قَسَماً لو كانَ أكثر حذراً لكانت نهايتُهُ أفضلَ بكثير.
قرد3: لقد تعرّضَ إلى محاولةِ اغتيال، اُصيبَ بالشّلل، وماتَ في دارِ العجزة!
قرد1: على الأقلّ عاشَ ثلاثينَ عاماً في نعيم.
قرد2: ما قيمةُ النعيمِ الخائف، القلِق؟
قرد3: وهل خَدَمَتْهُ قوّتُه!
قرد1: مثالٌ فاشلٌ واحدٌ ليسَ بُرهاناً على خطأ الفكرة!
قرد2: ومن يَضمنُ أنّ مصيرَنا أفضلُ من مصيرِهِ!
قرد1: نتجنّبُ أخطاءهُ.
قرد2: وهي؟
قرد1: أنْ نعي توازناتِ القوى ولا نتجاوزَ حجمَنا، أنْ نُصبحَ إمبراطوريةً بانهيارِها ينهارُ كلّ شيءٍ فلا يتمّنى إنهيارَنا أحد، أنْ نجعلَ شبكةَ المصالحِ تتقاطعُ عندنا..
قرد2: ومن يستطيعُ أن يُحقّقَ كلّ هذهِ التوازناتِ الدقيقة؟ حضرتُك، أم حضرتُك أم حضرتي؟ ألم نهدرْ ملياراتِنا في أتـفهِ المشاريع؟ ألم نركضْ وراءَ ملذّاتِنا؟ ألم يُعمي الجشعُ عيونَنا حتى تآمرَ علينا بنكُ الجرابيعِ المركزي وتسبّبَ في افلاسِنا؟
قرد1: بل تكالبَ علينا جيرانُنا وحطمّونا.
قرد3: ليس لأننا بلا عقل. بل لأننا بلا انتماء. أنتَ خدمتَ مصلحتَكَ فاستغلّكَ جارُنا الشمالي، وأنتَ استغلّكَ جارُنا الجنوبي!
قرد2: وكنتَ قرداً وطنياً حضرتكَ؟ لا تُضحكْني أرجوك!
قرد1: أوه! سنبقى نتعايرُ بالوطنية! كلُّنا خَوَنة! وقد تسبّبنا في دمارِ قصرِنا القِردي! هل يُرضيكم ذلكَ؟ والآن جاءنا الحلُّ عن طريقِ إلهِنا القرد. لنفكّر في خلاصِنا ونترك ماضينا للديدان.
(طرقات سريعة على الباب)
قرد2: مشكلتُنا ليست في اختيارِ ما نريدُهُ؛ بل بالإتفاقِ على ما نُريد. والسرُّ في ذلكَ يكمنُ في.. الإحتقار!
قرد3: مَن يحتقرُ مَن؟
قرد2: حتّى إن أنكرنا ذلك، نفوسُنا مستنقعٌ آسن!
قرد3: والحلّ؟
قرد2: مهما حاوَلَ؛ لن يَهرُبَ القردُ من الجدران، ولا من الجسدِ، ولا من السّاعة. هو عَبدٌ للحتميات، وقشّةٌ في ريح. في كلّ حين، تُعمينا الإستمراريةُ وتوقِعُنا في فخّ الخلود؛ حتّى تَنبلِجَ صدمةُ الزّوال!
قرد3: أنتَ واهم! إذا خَلَتِ النّفسُ من الشّعورِ بالإحتضان، إذا افتقرتِ العلاقاتُ إلى الحميمية، سيكونُ الناتجُ عَجَزَةً مثلَنا بلا قيمةٍ أو أهمية. فحينما لا تتجذرُ عميقاً في تُربةٍ خَصْبةٍ، ستُمطرُ الغيمةُ على بذارٍ بعيد، والشّجرةُ لا تَنبُتُ في الصّخر.
قرد2: يصلُ القردُ أحياناً إلى موضعٍ يصعُب بعدَهُ الإدّعاء. فأنتَ تدّعي السّعادة، تدّعي الهدوء، تدّعي التّعقّل؛ وتستمرُّ ما دمتَ تخلِقُ المُبررات؛ إلا أنّكَ – مهما كنتَ- غير قادرٍ على خلقِها أو إقحامِها إلى ما لا نهاية. موجةٌ ضخمةٌ أو صدمةٌ قاسيةٌ تجعلُ الجبلَ حصىً يتناثر! الشّيخوخةُ تفضحُ جميعِ الإدّعاءات، الوحدةُ تكشفُ رخاوةَ الكائن ويبابُ الأرضِ يُقنِعُ بذرةَ البرتقالِ بالتّواضع.
قرد1: وماذا تُحقّقُ هذهِ الفلسفةُ سوى اليأس؟! القلبُ العامرُ بالأيمانِ دليلُ القِردِ إلى سعادتِهِ! خُذِ التّاريخ، لن تجدَ مُصيبةً إلا ويسبقُها الغرورُ والصّلفُ والتكبّر. في حالةٍ واحدةٍ نصلُ المُبتغى: أنْ نتواضع، أنْ نعرفَ حجمَنا الضئيلَ في هذا الكونِ الهائل. بغير ذلكَ، نصطادُ ريشَ الفكرةِ لا قلبَها النابضَ بالحياة!
قرد3: تمنيتُ لو أَعطى الإلهُ القردُ لكلِّ واحدٍ أمنيتَهُ الخاصّة بدلَ توريطِنا في أمنيةٍ واحدة. نحن لا نجتمع. نكرهُ بعضَنا، نشكُّ في بعضِنا، نختلفُ من أخمصِ أقدامِنا حتّى شَعرِ رأسِنا.
قرد2: يتنازلُ كلُّ قردٍ عن شيءٍ للآخر، ونلتقي في المُنتصف.
قرد1: سنختلفُ على موقعِ المُنتصفِ أيضا.
قرد3: وسنرفضُ التنازل!
قرد1: بهذهِ الطّريقة، سيغضبُ الإلهُ القردُ ويطردُنا من رحمتِه.
(دقّات على الباب. تزداد سرعةً. صمت)
قرد2: ستنتهي المهلةُ قريباً!
قرد3: وجدتُها! نسمحُ للشّبابِ أن يدخلَ فهو ما نحنُ بحاجةٍ إليهِ الآن!
قرد1: إطلالةٌ واحدةٌ على الذين انتحروا في شهرٍ واحدٍ كافيةٌ لتغييرِ رأيك!
قرد2: الشّبابُ العاطلِ نقمةٌ على صاحبِه!
قرد1: لقد كنّا شباباً ذاتَ يوم، ماذا فعلنا؟
قرد3: مع الشّباب تأتيكَ الصّحةُ والقوة!
قرد1: نطلبُ الصّحةَ إذن، لأنّكَ قد تكون شاباً بقلبٍ ضعيف أو عينٍ واحدة، فما الجدوى؟
قرد2: نفرضُ أنّنا امتلكْنا الصّحة، ماذا نأكلُ حينها؟
قرد1: نعمل!
قرد2: الكسادُ يُخيّمُ على جميعِ الغابات. ولو عملَنا من الصّباحِ حتى المساء لن نوّفرَ لقمةً واحدة!
(طرقات متسارعة. تخفت رويداً رويداً. صمت)
قرد3: الجمال! الجمال!
قرد1: القردُ قردٌ مهما بلغَ من الجمالِ فسيبقى قرداً.
قرد3: الجمالُ مفتاحٌ لكثيرٍ من المغاليق، فهو طريقُ الحبّ وهو سبيلُ المال.
قرد2: بمعنى أن يتاجرَ الجمالُ بنفسِهِ ويصبحُ مُبتذلاً؟
قرد1: الجمالُ يرتبطُ بالتّفاهة. شاهدْ أجملَ قِرْدَة، بل ملكة جمالِ القِرَدة، وحين تتحدّث إليها تعرف أنها غباءٌ ملوّن!
قرد3: إذن، الخلود!
قرد1: الخلود؟
قرد2: على أيّةِ حالةٍ نخلد؟ على فقرِنا الحالي؟ على صحّتِنا المتدهورة؟
قرد3: الزّمنُ ينقضي!
قرد2: وستنقضي جميعُ الفُرَص، طالما لا نشتركُ في هَدَفٍ واحد!
قرد1: عقيدتي تختلفُ عنك، وثقافتي، وميولي؛ فلن نجتمعَ على هدف!
قرد2: لكنّنا الآن نبحثُ عن الهدفِ الواحد!
قرد3: لو تخلّينا عن حبّ الذّات، لو زارنا الصّدق، لو أبصرنا النّور، لو أزلنا الغشاوة، سنصل!
قرد2: حبلُ الأماني أوهنُ من بيتِ العنكبوت!
قرد3: لا نملكُ إلا أن نحلُم. أقلّها نجدُ سبباً كي نستمر!
قرد2: ولو بخداعِ ذاتِنا؟
قرد3: ولو بخداعِها!
(طَرَقات، ضوءٌ ساطع خاطف ثم صمت)
قرد1: انتهى الوقت.. سأُنهي الجدالَ وأفتحُ الباب.
قرد2: من غيرِ أن نتّفق؟
قرد1: إلهُنا القرد سيختارُ لنا إن فشلنا في الإجماع.
قرد3: وهو كذلك.
(قرد1 يفتح الباب ويضحك ضحكاً هستيرياً)
قرد1: أُنظروا.. أُنظروا ماذا أرسلَ لنا!
(يتجمّعون بالقرب من الباب ويبدءون بالتراجع إلى الخلف)
قرد2: يا لنا من حمقى!

(تنطفئ الشُّعلة)
...................................
نشر هذا النص ضمن كتاب (شيزوفرينيا) الصادر عن دار أحمد المالكي، بغداد 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر


.. وصول نقيب الفنانين أشرف زكي لأداء واجب العزاء في الراحلة شير




.. عزاء الفنانة شيرين سيف النصر تجهيزات واستعدادات استقبال نجوم


.. تفاعلكم : الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحته ويتألق مع س




.. المخرج التونسي عبد الحميد بوشناق يكشف عن أسباب اعتماده على ق