الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفاعلون الأساسيون في إرساء الحكم الرشيد وأبعاده وتأثيراتهم في التنمية المستدامة

سيف ضياء
(Saif Diaa)

2021 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يعتمد بناء الحكم الرشيد وتأسيسه على الترابط المتفاعل بين ثلاثية المواطن والمجتمع المدني والسلطة الدستورية المدنية، ويقوم الحكم الرشيد على أساس الشرعية الديمقراطية التي تستند إلى عنصرين هما الشرعية المتمثلة بـ(الرضا والقبول بالانتخاب) والمشروعية التي تعني (المنجز المتحقق من خلال التقدم بمسارين، وهما مسار الضمان والتنظيم ومؤسسة الحقوق والحريات لتمكين ممارساتها)، أما بصدد الفاعلين الأساسيين في بناء الحكم الصالح القائم على الشرعية الديمقراطية فان هؤلاء الفاعلين يتمثلون بـ(الفرد المتحول الى مواطن، والجماعات المتحولة إلى مؤسسات المجتمع المدني، والسلطة المتحولة من سلطة كيان سياسي الى سلطة دولة دستورية مدنية)، لذلك لابد من وجود بنى وهيئات تعمل على تجسيد الحكم الرشيد ميدانياً وضبط ايقاع الفاعلين فيه، فبدون ذلك يصبح هذا المفهوم مجرد مصطلح نظري أو شعار يرفع في المناسبات فقط، ولذلك ينبغي أن يكون الحكم الرشيد مشروعاً مجتمعاً بكل مكوناته، تساهم فيه أجهزة الدولة الرسمية والقيادات السياسية المنتخبة والإطارات الإدارية، كما يصبح من الضروري إشراك المؤسسات غير الرسمية إلى جانب المؤسسات الرسمية، كمؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص، حيث يمكن لهذه المؤسسات مجتمعة أن تعمل على بلورة و تجسيد الحكم الرشيد، ويمكن تلخيص الأطراف المساهمة في ذلك كما يلي:
1ـ صناع القرار: يُعتبر صناع القرار أحد الفواعل الأساسيين في إرساء مبادئ الحكم الرشيد حيث لهم تأثير في التنمية المستدامة وبناء الامن المجتمعي، ويمكن تبيان ذلك من خلال تعريف البنك الدولي للحكم الرشيد على أنه " أسلوب ممارسة القـوة في إدارة المـوارد الاقتصادية والاجتماعية لهدف التنمية"، وكذلك تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي عرف الحكم الرشيد على أنه "ممارسة السلطات الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون المجتمع على المستويات كافة، ويرتكز على آليات وعمليات ومؤسسات تسمح للمواطنين والجماعات بالتعبير عن المصالح وتسوية النزاعات، والحصول على حقوق والقيام بالتزامات" ، ويمكن القول إن مفهوم الحكم الرشيد المُعطى من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد قام على ثلاث ركائز أساسية، وكما يلي:
• ركيزة سياسية: تتضمن عمليات صنع القرارات المتعلقة بصياغة وتنفيذ السياسات العامة.
• ركيزة اقتصادية: تتضمن عمليات صنع القرارات التي تُعنى بالشؤون الاقتصادية والمؤثرة
على الأنشطة الاقتصادية للدولة وعلاقاتها بالاقتصاديات الدولية الأخرى.
• ركيزة إدارية: تتعلق بالنظام الإداري الخاص والمعني مباشرة بتنفيذ السياسات العامة المنتهجة.
وعلى هذا الأساس فإن مفهوم الحكم الرشيد يعني عملية صنع القرارات في السياسات العامة
والتي تتضمن جملة من القرارات العملية المتخذة سواء تم تنفيذها أم لم يتم ، كما أنه يشير إلى الجهات الرسمية وغير الرسمية المشاركة في عملية صنع وتنفيذ القرار، وهنا يتضح دور صناع القرار الذين يمثلون المحدد الاول للتنمية الناجحة بالنسبة للدولة التي تتمتع بحكم رشيد حيث أن وجود صناع قرار مستنيرين بفلسفة تنموية معدة وفق معلومات ومعطيات دقيقة مسبقاً تسعى الى تطبيقها سيكون ضرورياً لها، وفي غالب الاحيان يكون صناع القرار هم القادة كـ(رئيس الدولة، رئيس الوزراء)، حيث يكون هو الاداة الرئيسة او مهندس تحقيق التنمية في بلاده، وكمثال على ذلك، (ماو تسي تونج في الصين، لي كوان يو في سنغافورة، بول كاغامي في رواندا، مهاتير محمد في ماليزيا)، حيث تقترن هذه القيادة المستنيرة بأيديولوجية تنموية تقوم على "ضرورة التدخل الفاعل للدولة في المجال التنموي"، حيث ينظر هنا الى التنمية على أنها رسالة مقدسة يتعين على القائد الوفاء بها، من خلال ما يتخذه القادة وصناع القرار من قرارات لتحقيق التنمية، كما انهم يقومون ببناء التحالفات مع البيروقراطيين ورجال الاعمال لتطوير سياسات تنموية تثمر على المدى الطويل باتجاه تحقيق التنمية المستدامة، وبالتالي فان ذلك سينعكس على استقرار المجتمعات مما يفضي الى بناء أمنها المجتمعي المستدام، وهكذا فإن التنمية ستكون بحاجة الى صناع قرار من قادة متبنين للفكر التنموي لتحقيق هذه التنمية، فحتى ان توفرت جميع العوامل والخصائص اللازمة لذلك، فان صناع القرار هم من يعتبرون المحرك الاساسي الذي يخطط ويرسم الاستراتيجيات والسياسات العامة لذلك.
2ـ القطاع الخــاص: إذا كانت الدولة تعتبر القوة الأكبر لتحقيق التنمية المستدامة، فإنها لن تكون الوحيدة في هذا المجال لكون أن العولمة غيرت الطرق التي يتم من خلالها تحرير الانظمة المالية والنقدية والتجارية، حيث أن تحولاً واضحاً ظهر لإشراك القطاع الخاص في تحقيق التنمية المحلية المستدامة في معظم الدول مع تحولها نحو اقتصاد السوق، ولتكثيف الجهود التي تهدف إلى تفعيل دور القطاع الخاص الذي يعرف على أنه "ذلك الجزء من الاقتصاد الذي يملكه ويديره الافراد، أو الشراكات، الشركات المساهمة"،كما يُعرف على أنه "ذلك الاقتصاد الذي لا يخضع للسيطرة الحكومية المباشرة"، وزيادة قدرته للمشاركة والمساهمة في التنمية المحلية المستدامة غير الممكنة الا من خلال توفير فرص عمل للمواطنين وتوزيع مصادر الدخل في اطار النظام الليبرالي العالمي الجديد الذي ينادي بتحرير اقتصاد السوق وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي من خلال اعطاء القطاع الاقتصادي دوراً فاعلاً والتخلي عن نموذج الاقتصاد المسيّر أو (المركزي) نحو نموذج اقتصاد السوق الحر أي (اللامركزي)، لتصبح الدول التي تحتاج إلى إصلاح في منظومتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تدرك ضرورة أن يتولى القطاع الخاص مسؤولية استثنائية في تكريس مبادئ الحكم الرشيد لتلك الدول، وهنا يصبح القطاع الخاص شريكاً أساسياً للحكومة بهذا الدور لكونه سيمثل أحد أهم الموارد الرئيسية لها في المجال الاقتصادي بالإضافة إلى وظيفته الاجتماعية من خلال تحسين دخل الأفراد بواسطة توفير فرص العمل وتشغيل الايدي العاملة على المستويات كافة والمساهمة في إنجاح البناء الاقتصادي للدولة وتأهيلها لتتمكن من تحقيق نتائج ايجابيةإتسهم في تنمية المجتمع إلى جانب أجهزة الدولة الرسمية ومنظمات المجتمع المدني فضلاً عن الإسهام في رفع المستوى المعاشي للأفراد وتحسين مستوى الخدمات المقدمة في مجالات التعليم والصحة وغيرها، وبالنتيجة ينعكس هذا الأمر بشكل مباشر على استقرار المجتمع وعملية بناء أمنه المجتمعي المستدام وعلى أمد بعيد، ولهذا اتجهت الحكومات في تجارب التنمية المستدامة الناجحة إلى بناء الشراكات مع القطاع الخاص عبر إتاحة الفرص له من خلال تسهيل الاجراءات لتمكينه من تقديم الخدمات للمواطنين لتحقيق عدد من المزايا المتمثلة بـ(خلق نظام جديد للتمويل، سد العجز في البنى التحتية، رفع جودة الخدمات المقدمة مع تخفيض تكاليفها، توجيه المشاريع ذات الجدوى، دعم الابتكار، معادلة القوة الشرائية، تخفيض مستوى الخطر، توفير رؤوس الأموال لتنفيذ مشاريع خدمية).
3.وسائل الاعلام المحوكمة: أن وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في أمن وتنمية المجتمع سلباً كان أم إيجاباً، إذ ساهم الإعلام كثيرا في تأجيج وإشعال الحروب التي راح ضحيتها الكثير من الأفراد ومثال على ذلك حرب البوسنة والهرسك التي ما زالت حديث العالم حتى اليوم وكذلك مجزرة سربرنيتشا التي قتل فيها الآلاف بتحريض من وسائل الإعلام الصربية على القتل والإبادة الجماعية، والنموذج الثالث والأكبر والموثق دولياً على قيام الإعلام بدور المحرض على الكراهية والعنصرية والقتل أيضاً هو حرب الإبادة الجماعية في رواندا حيث لعب الإعلام وعلى وجه الخصوص إذاعة "ألف تلة" دوراً كبيراً في نشر ثقافة الكراهية وبشكل متصاعد في أوج الازمة السياسية التي كانت تعصف بالبلاد في ذلك الوقت وكانت تحث الناس على القيام بعمليات القتل ليس فقط بطريقة مباشرة بل حتى من خلال الأناشيد والأغاني التي تقوم ببثها والتي تحرض من خلالها المليشيات التابعة لمكون الهوتو الحاكم وقتها على مواصلة إبادة التوتسي الذين كانت تصفهم بالصراصير وكانت تبث أسماء الشخصيات المستهدفة والأماكن التي يتواجدون فيها، وفي نفس الوقت كانت كانت صحيفة "كيناماتيكا" تبذل جهدها للتعبئة العرقية والتحريض على الكراهية بين أبناء الوطن الواحد مدعومة بأكثر من 20 صحيفة كان تصدر ما بين عامي 1991-1993 وهي الفترة التي عُرفت بفوضى الحريات، وفي 6-نيسان-أبريل-1994 وبعد سقوط الطائرة التي كانت تقل الرئيس الرواندي آنذاك "جوفيونيل هابياريمانا" ونظيره البوروندي على أثر هجوم صاروخي أودى بحياة جميع من كان على متنها، ضاعف الإعلام من خلال إذاعة "الألف تلة" وصحيفة "كيناماتيكا" نشر خطاب الكراهية والتحريض على قتل ما أسماهم "الشعب الوضيع" في إشارة الى التوتسي وهو ما كان انعكاسه كبيراً على الارض باشتعال دائرة القتل والابادة الجماعية التي راح ضحيتها آلاف الضحايا من مكون التوتسي، وهذا إذاً النموذج الذي يمثل الدور السلبي لوسائل الاعلام وتأثيره على استقرار وامن المجتمعات وبالتالي تراجع التنمية بشكل كبير جراء ذلك، لذا فإن الإصلاح التنظيمي لقوانين الإعلام والقدح والذم يمثل خطوة ضرورية في طريق إرساء الحكم الرشيد وتحقيق التنمية المستدامة نحو بناء الامن المجتمعي، حيث تساهم وسائل الإعلام المحوكمة والحرة في الحكم الرشيد، والتمكين والقضاء على الفقر وتحقيق الشفافية، ووفقاً لتقرير الفريق الرفيع المستوى حول برنامج عمل التنمية لما بعد العام 2015، والذي اعتبر مفهوم الحكم الرشيد بأنه قدرة المجتمع على (ضمان سيادة القانون، وحرية التعبير، والحكومة المنفتحة والمسؤولة)، وبما أن الحكم الرشيد يهدف الى احترام حقوق الانسان وأن حرية التعبير هي حق من حقوق الانسان التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وعلى وجه الخصوص المادة (19) من الاعلان والتي تؤكد على حرية التعبير ،فإن حرية التعبير تمثل ركناً أساسياً في الحكم الرشيد باعتبار ان هذا الحق يمكّن أكبر عدد من المواطنين في المجتمع من المساهمة في رصد وتطبيق القرارات العامة حول التنمية المستدامة والمشاركة فيها، كما أن حرية التعبير تحتاج لوسائل تعبير عنها وهذه الوسائل تتمثل بـ(وجود وسائل إعلام مستقلة وتعددية تكون قادرة على تقديم التقارير بشكل مستقل عن الرقابة الحكومية او السياسية او الاقتصادية)، لذا على السلطات الوطنية تهيئة بيئة مناسبة ومؤاتية لقيام وسائل إعلام حرة ومستقلة، وإن عليها أن "تعترف بالحق في الوصول الى جميع المعلومات التي تمتلكها الهيئات العامة"، وهذا من أجل تحقيق الشفافية التي تعد مسألة مهمة في الحكم وعلاقته بالتنمية المستدامة باعتبار أن غياب الشفافية وانتشار الفساد يعتبران من أكبر المشاكل والقضايا التي يتعين على الدولة مواجهتها في عملية التنمية، لذا فإن حرية الإعلام المحكم والمقننه تعزز من تجربة الحكم الرشيد وتعزز معها تنمية البلد الاجتماعية والاقتصادية من حيث أن وسائل الإعلام الحرة والمستقلة والتعددية على جميع المنابر ستكون مهمّة لتسهيل الحكم الرشيد وتحقيق الشفافية، وهذا ما أكد عليه إعلان احترام حرية الصحافة والحصول على المعلومات ،وإلغاء العمل بالأحكام القانونية المتعلقة بالتشهير الذي تم اعتماده من قبل 150 ممثلاً عن وسائل إعلام ومنظمات تناضل من أجل حرية التعبير في المؤتمر العالمي الذي نظمته اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة المنعقد في العاصمة السنغالية دكار في الفترة (1الى 3-أيار-مايو 2005)، والذي أكد على ان "وجود وسائل إعلام مستقلة وتعددية هو الاساس لقيام الشفافية والمسؤولية والمشاركة، وهي العناصر المقومة للحكم السليم والتنمية المبنيين على حقوق الإنسان" حيث تعتبر تلك القنوات مركزية لعمليات التقييم العام المستمرة حول أنشطة الحكومة وغيرها من المؤسسات التي لها أثر إنمائي، فهي توفر منبراً لمناقشة العديد من القضايا المتعلقة بالتنمية مثل (البيئة، العلوم، النوع الاجتماعي، الشباب، السلام، الفقر والمشاركة) وبهذه العناصر يمكن للحكم الرشيد أن يترسخ داخل المجتمع فقط عندما يكون جميع العاملين في هذا المجال أحراراً في رصد سياسات وإجراءات المجتمع والتحقيق فيها ونقدها، بشرط أن يكون ذلك النقد نقداً بناءً.
3ـ قوى المجتمع المدنــي والمجتمع المحلي:
تعتبر قوى المجتمع المدني والمجتمع المحلي فاعلاً موثراً من الفاعلين الاساسيين في إرساء الحكم الرشيد حيث لهذه القوى أثرٌ كبير على أعمال اهداف التنمية المستدامة وبناء الامن المجتمعي، و كما يلي:
اولاً. المجتمع المدني:
أكدت بعض الوثائق الدولية للامم المتحدة على أهمية المجتمع المدني وحددته من حيث المضمون وفقاً لبرنامج الامم المتحدة الانمائي بمجموعة من الروابط والجمعيات التي ينظم إليها أفراد المجتمع بصورة طوعية، وتشمل المؤسسات غير الحكومية والنقابات المهنية والجمعيات الثقافية والنسائية واللغوية والدينية والجمعيات الخيرية ورابطات رجال الاعمال والنوادي الاجتماعية والرياضية والتعاونيات ومنظمات تنمية المجتمعات المحلية، وجماعات البيئة والمؤسسات الأكاديمية ومؤسسات الابحاث السياسية، ووسائل الاعلام وتدخل بها ايضاً الاحزاب السياسية، وان كانت تعد جزءاً من المجتمع المدني ومن الدولة على حد سواء في حال تمثيلها في البرلمان) (، وهو ما أشار إليه ستفين ديلو في تعريفه للمجتمع المدني الذي نص على ان" المجتمع المدني يتخذ اشكالاً عديدة ومختلفة من الجمعيات، وغالباً ما يطلق عليها مجموعات طوعية او مؤسسات ثانوية ،وللمجتمع المدني مكانة مرموقة لدى المنظمات الدولية من حيث الاهتمام بها والعمل على تطويرها وتحديثها وتمكينها من لعب أدوارها، وذلك لكونه يستطيع احداث التغيير الايجابي في الحياة العامة وتدعيم اركان الحكم الرشيد باعتباره "المسؤول عن احداث التغيير" بسبب اعتماد تكوينه الداخلي على تبني شروط الحكم الصالح لبناء واقعه وتنظيم شأنه الذاتي وفق رؤية لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا والتي تفيد بأن "المجتمع المدني يمثل افراداً ومجموعات غير حكومية غير ربحية تنشط في الحياة العامة بهدف تحقيق تغيير في المجتمع ،سوء كان تغييراً اقتصادياً أو سياسياً أو ثقافياً أو تربوياً وحتى بيئي ومن الممكن ان ينظم المجتمع المدني ضمن منظمات تعتمد شروط الحكم الصالح وتكون مستقلة استقلالاً سياسياً ،ولا تميز بين فئات المواطنين على اساس سياسي او ديني، او عرقي، او قبلي، او عائلي"، كما واشار الامين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان لأهمية المجتمع المدني ودوره المجتمع المدني بالنسبة للتنمية والامن من خلال قوله "تعاملت الامم المتحدة مرة واحدة فقط مع الحكومات ولكننا نعرف الآن ان السلام والازدهار لا يمكن ان يتحققا دون شراكة بين الحكومات والمنظمات الدولية ورجال الاعمال ومنظمات المجتمع المدني، في عالمنا اليوم نحن نعتمد على بعضنا البعض"، حيث أن المجتمع المدني يستطيع أن يساهم بشكل فعال في تجسيد الحكم الرشيد من خلال توجيه الرأي العام وتنبيه الوعي الاجتماعي إلى ضرورة حماية الطبقات الهشة في المجتمع والدفاع عن الفئات المحرومة والمهمشة، بالإضافة إلى إدماج الشباب في مسارات التنمية و تنظيم المهن المختلفة، هذا من جانب، ومن جانب آخر يكون المجتمع المدني المراقب لأداء وعمل الأجهزة الرسمية عند تطبيقها للسياسات العامة ما يتطلب اعتماد مبدأ الشفافية في كل مجالات تدخلها، وبهذا الشكل يمكن أن تتحول المنظمات المدنية إلى منظمات تنموية يكون لها دور في تطوير المجتمع ،و ترقيته وبناء الامن المجتمعي المستدام، ولذلك ازدادت أعداد هذه المنظمات وتنوعت تشكيلاتها بشكل كبير، لكون أن المجتمع المدني بمثابة جماعات ضغط على الدولة والقطاع الخاص من جهة، وهو بمثابة حلقة وصل بين الدولة والمواطن أو بين المواطن والقطاع الخاص والدولة، من جهة أخرى.
ثانياً. المجتمع المحلي:
يعتبر المجتمع المحلي فاعلاً اساسياً في إرساء الحكم الرشيد من خلال تحقيقه لمجموعة من الغايات كالديمقراطية والتعددية والكفاءة وذلك للمساهمة في إيجاد البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وتقويته لأفراد المجتمعات الذين لم يشعروا بالانتماء الى دولهم وشعوبهم دون السماح لهم بإدارة شؤونهم المحلية ، حيث ان تنمية المجتمع المحلي تعمل على تحسين قدرته على استخدام رأس المال الاجتماعي مما يتيح تحسين مشاركة المجتمع في عملية التنمية، فتنمية المجتمع ستمنحه القدرة على التحكم في القرارات والموارد فضلاً عن القدرة في ممارسة النفوذ على الحكومات لتوفير الخدمات ما يمهد السبل لتمكين هذه المجتمعات المهمشة ويخفف من حدة الفقر ويحقق الاهداف الاخرىالمتعلقة بالتنمية الاجتماعية، وهكذا يتم اتباع النهج من القاعدة الى القمة وتتحول متطلبات المجتمع المحلي الى سياسات عامة تهدف الى تنمية تلك المجتمعات ، نحو تحقيق استقرارها وبناء امنها المجتمعي، وهذا من خلال عملية تشاركية تساعد على خلق شبكات من المنظمات والآليات تعزز العمل المجتمعي على المستوى المحلي، حيث ان المجتمع المحلي يعمل وفق مبدأ "عدم إشغال المستويات العليا بما يمكن للمستويات الدنيا عمله"، وبهذا تتفرغ المستويات العليا للتخطيط والاشراف على المستويات الدنيا، حيث يسمح للمستويات الدنيا بتحديد حاجاتها وأولوياتها وتخصيص مواردها في إطار الهيأة المحلية وفقا لظروفها، ويعطى الحق للتجمعات المحلية بادارة بعض شؤونها وهذا ما يجعلها تشعر بانها شريك مع الحكومة المركزية في اتخاذ القرارات ،وهذا سيساعد على تحقيق الرقابة ومشاركة الشعب نحو تقليل التوترات وترسيخ الاستقرار كما أنه سيوفر الجهد والوقت ليؤثر ايجاباً في عملية التنمية المستدامة وتحقيق الرفاه الاجتماعي ما يساعد على بناء الامن المجتمعي.
4. المؤسسات التربوية والأكاديميات العامة والخاصة:
تأثير المؤسسات التربوية والأكاديمية على عملية التنمية المستدامة من خلال ما يوفره التعليم لكل انسان من اكتساب المهارات والاتجاهات والقيم اللازمة لتشكيل مستقبل مستدام، وهذا ما أكدته المبادرة العالمية للأمم المتحدة "عقد الامم المتحدة للتعليم من اجل التنمية" 2005-2014 والتي تهدف الى تضمين القضايا الرئيسية للتنمية المستدامة في التعليم والتعلم، ومنها التغير المناخي والحد من مخاطر الكوارث والتنوع البيولوجي والحد من الفقر، والاستهلاك المستدام وغيرها من قضايا تفضي بدورها الى استقرار المجتمع وبناء أمنه المستدام، والذي يتطلب اساليب تدريسية وتعليمية تحفز وتمكن المتعلمين من تغيير سلوكهم واتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، حيث اصبحت اليونسكو هي الوكالة الرائدة المعنية بتنفيذ هذا العقد، والذي اصلت العمل بمبادئه واكمال مسيرته واتبعته بإعلان "ايشي – ناغويا" بشأن التعليم من أجل التنمية المستدامة والذي تمخض عن المؤتمر العالمي للتعليم من أجل التنمية المنعقد في اليابان عام 2014 ،إذ اكد على أهمية المؤسسات التربوية والأكاديمية وتأثير التعليم على التنمية المستدامة، وأكد على أهمية ضمان توفير الموارد الكافية، بما فيها التمويل اللازم للتعليم من أجل التنمية المستدامة ، لذلك يبرز الدور الاساسي لتلك المؤسسات في خدمة المجتمع وتطوير البيئة من خلال ما تقدمه من برامج خدمية تنموية، واعدادها لخطط وسياسات عامة واستراتيجيات مستقبلية وتنفيذها لمناهج تعليمية الهدف منها اعداد وتأهيل الملاكات المستقبلية التي تتحمل مسؤولية إدارة التنمية في مجتمعاتها وفي المجالات المختلفة (اجتماعية، اقتصادية، سياسية)، وتعتمد المؤسسات التربوية والأكاديمية في عملية نهوضها وتأثيرها في المجتمع على ثلاثة مكونات رئيسية، تتمثل بما يلي:
اولاً. الطالب
ثانياً. المعلم:
ثالثاً. البنى التحتية والدعم المادي:
5. القوة العسكرية وشبه العسكرية.
تمثل القوة العسكرية وشبه العسكرية أيضاً فاعلاً من الفواعل الأساسية في إرساء الحكم الرشيد وتؤثران تأثراً مباشراً على التنمية المستدامة والأمن المجتمعي، ويمكن تبيان ذلك كما يلي:
أولاً. القوة العسكرية:
وتبرز أهمية القوة العسكرية في الدور الذي تؤديه في اي مجتمع بشري قديماً وحديثاً وطالما ان السياسة الامنية من اهم واجبات الدولة فان المؤسسة العسكرية جزء من بناء النظام السياسي ورشادة حكمه، حيث ان تطور المؤسسة العسكرية إدارياً وفنياً سيسهم حتماً في تطور الدولة وإرساء الحكم الرشيد فيها، خاصة وان تطور النظام السياسي ينعكس على الاجهزة المرتبطة به وهذا سينعكس على تطور المجتمع وتنميته لكون الامن هو اساس للتنمية ومقوم هام من مقومات البناء الاجتماعي، حيث ان التنمية ترتبط عملياً بعملية الدفاع عن حدود الدولة باعتبار ان تحرير الارض وحماية مكتسبات التنمية لا يتحقق الا في تدعيم القوة الدفاعية التي تتطلب تطوير الإمكانات الاقتصادية وتعبئة الموارد المادية والبشرية كما ان نمو قدرات المجتمع في الدفاع عن موارده يعطيه الامكانات الاوسع في تحقيق المزيد من البناء، وعليه لا يتحقق الأمن ولا الازدهار الا في ظل امن حقيقي فالإبداع والتخطيط كمرتكز اساسي للتنمية هي امور غير ممكنة الحدوث إلا في ظل امن واستقرار يطمئن فيه الانسان على (نفسه، ثرواته، استثماراته) واذا كان الامن والاستقرار شرطين ضروريين لاستمرار وجود الجماعة البشرية، فان التنمية شرط اساسي لدوام الامن والاستقرار كما ان لا وجود للتنمية من دون امن ولأن التوازن والانسجام يختل ويجب ان يسود العلاقات والمصالح المتداخلة بين الافراد او المجموعات وبالتالي يفقد المجتمع احد اركانه الجوهرية وتعم الفوضى بشكل لا يسمح بتنظيم العلاقات الاجتماعية ، وبالتالي يفقد المجتمع أمنه، وهكذا فإن العلاقة متعدية بينهما حيث لا يمكن تحقيق وتعزيز الامن دون توفر تصور مستقبلي عن التنمية او إعداد سياسات عامة تنموية ناجحة من خلالها يتم منع اسباب ومظاهر العنف، وهذا ما أكد عليه روبرت ماكندر الرئيس السابق للبنك الدولي ووزير الدفاع الاسبق للولايات المتحدة في كتابه (جوهر الأمن) حينما ربط بين التنمية والامن عندما قال انه "لا يمكن للدولة ان تحقق أمنها الا اذا تضمنت حد ادنى من الاستقرار الداخلي، الامر الذي لا يمكن تحقيقه الا بتوفر حد ادنى من التنمية على المستوى الوطني، وبالتالي تحقيق علاقة تكامل بين قضايا الامن وقضايا التنمية، فالتنمية المستدامة تحتاج الى إحداث تطوير وتحسين في جميع العناصر المادية والبشرية التي يتكون منها المجتمع ويمثل العنصر البشري حجر الزاوية التي لا يتصور ان تتم التنمية الا في اجراء تغيير ايجابي فيه لأنه يعتبر في حقيقة الامر هدفاً ووسيلة للتنمية، اما العناصرالمادية فإنها عبارة عن الوسائل والعمليات والاجراءات ذات الطابع الاقتصادي الذي عن طريقها تتم مواجهة عقبات الطابع الإقصائي الذي يمكن عن طريقه أن تتم مواجهة عقبات النمو للتخفيف منها بل والقضاء عليها.
ثانياً. القوة شبه العسكرية:
ويمكن تقسيم هذه القوة الى قسمين..
أ‌. القوة التكنولوجية المتمثلة بالأمن السيبراني:
مع انفجار الثورة المعلوماتية ودخول العصر الرقمي وتحديداً في (القرن الحادي والعشرين) وتبلور مصالح الدول في الفضاء الإلكتروني إثر تزايد الاعتماد على ربط البنية التحتية للدول في ذلك الفضاء وفي بيئة عمل تشابكية (تعرف بالبنية التحتية القومية للمعلومات) والتي تتمثل بقطاعات عديدة للدولة مثل (الطاقة، الاتصالات، النقل، الخدمات الحكومية المالية والتجارية والإلكترونية)، وما نتج عنها من تداعيات عديدة بسبب ظهور جرائم سيبرانية، أثرت على استمرار عملية التنمية، لذلك طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم (65-230) الى لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية ان تنشئ وفقا للفقرة 42 من إعلان سلفادور بشأن الاستراتيجيات الشاملة لمواجهة التحديات فريق خبراء حكومي دولي تكون عضويته مفتوحة، من اجل إجراء دراسة شاملة لمشكلة الجريمة السيبرانية والتدابير التي تتخذها الدول الاعضاء والمجتمع الدولي والقطاع الخاص للتصدي لها، وتبادل المعلومات عن التشريعات الوطنية وأفضل الممارسات والمساعدة الفنية والتعاون الدولي، حيث أصبحت الجريمة السيبرانية تشكّل تحدياً كبيراً للأمن القومي وكذلك الدولي، إلى الدرجة التي اعتبر العديد من الباحثين أن الفضاء السيبراني بمثابة المجال الخامس في الحروب بعد البر والبحر والجو والفضاء، وذلك مع تمدد الاعمال العدائية الإلكترونية الى البنى التحتية المعلوماتية للدول لتحقيق اغراض متداخلة (اجتماعية، اقتصادية، سياسية، اجرامية) ،وهو ما استدعى ضرورة وجود ضمانات أمنية ضمن هذه البيئة الرقمية، تبلورت بشكل أساسي في ظهور الأمن السيبراني كبُعد جديد ضمن أجندة حقل الدراسات الأمنية كقوة شبه عسكرية توثر بشكل كبير في أعمال اهداف التنمية المستدامة والامن المجتمعي للدولة أيضاً، لذلك نال الامن السيبراني اهتمام العديد من الباحثين في هذا المجال، ويمكن فهم دور الأمن السيبراني من خلال أعمال مدرسة كوبنهاغن وروادها أمثال (باري بوزان، وأولي وييفر) حيث كانت لأعمالهم أهمية كبرى خاصة عند التفكير في الأمن السيبراني، لأن تركيزهم لم يعتمد على محاولة موضوعية لتصنيف ما هو التهديد أو ما هي الثغرة الأمنية، بل استند على ما هي الشروط أو الحالة الراهنة التي يجب أن تباشرها جهات فاعلة محددة من أجل إظهار فعل ما بأنه تهديد وهو ما يعرف بعملية الأمننة، والتي تمثل الإجراء الذي يحدد من خلاله المنظرين ما ينبغي وما لا ينبغي تعريفه بأنه مشكلة أمنية (أي إضفاء الطابع الأمني على قضية معينة)، ومن الأمور المتعارفة أن مصادر قوة الدولة وأشكالها تتغير، فإلى جانب القوة الصلبة المتمثلة بالقدرات العسكرية والاقتصادية، تزايد الاهتمام ايضاً بالأبعاد غیر المادیة للقوة، ومن ثم ظهور القوة الناعمة التي تعتمد على جاذبية النموذج والإقناع، ومع ثورة المعلومات ظهر شكل جديد من أشكال القوة وهو القوة السیبرانیة التي عرفها جوزيف ناي بانها "مجموعة الموارد المتعلقة بالتحكم والسيطرة على أجهزة الحواسيب والمعلومات ،والشبكات الالكترونية والبنية التحتية المعلوماتية والمهارات البشرية المدربة للتعامل مع هذه الوسائل"، وترتكز عناصر تلك القوة على وجود نظام متماسك يعظم القوة المتحصلة من التناغم بين القدرات التكنلوجية والسكانية والاقتصادية والصناعية وارادة الدولة، بما يساهم في دعم امكانية الدول على ممارسة الاكراه او الاقناع او ممارسة التأثير السياسي في اعمال الدول الاخرى بغية الوصول الى الأهداف الوطنية من خلال قدرت التحكم والسيطرة على الفضاء الالكتروني ، لذلك فان تلك القوة لها تأثير كبیر على المستوى المحلي والدولي، فهي أدت من جانب إلى توزيع وانتشار القوة بین عدد أكبر من الفاعلين ما جعل قدرة الدولة على السيطرة موضع شك، ومن جانب آخر منحت الفاعلين الأصغر قدرةً أكبر على ممارسة كل من القوة الصلبة والقوة الناعمة عبر الفضاء السيبراني، وهو ما یعني إحداث تغييرات في علاقات القوى، لذلك فان للأمن السيبراني الذي يعتبر من القوة شبه العسكرية للدولة دوراً فاعلاً في إرساء الحكم الرشيد وهو يؤثر في التنمية المستدامة والامن المجتمعي من خلال الحفاظ على البنية التحتية للمعلومات القومية للبلد.
ب‌. القوة البشرية:
يمكنا وصف القوة البشرية شبه العسكرية مجموعة مدنية منظمة تحت هيكل عسكري ، وكثيرا مايكون تشكيل مثل هذه القوة كرد فعل على ضعف الدولة وعدم قدرتها على حماية مواطنيها مما يؤدي الى سعي المجتمعات المحلية للقيام بهذا الدور الذي عجزة الدولة عن ادائه ،فعلى سبيل المثال وضع ليبيا بعد سقوط نظام القذافي في عام 2011 الذي ادى الى تقسيم الدولة الى مجموعة اقاليم وبلديات تسيطرعليها مجاميع وحركات متمردة ،مما ادى بالنتيجة الى تشكيل مواطنين تلك البلدات تشكيل مجاميع مسلحة كقوة شبه عسكرية لحماية انفسهم ولتامين حد ادنى من النظام العام ، وبما ان قوات الامن "القوة العسكرية" قد انهارة جزئيا بعد سقوط نظام القذافي اعتمدة الحكومة الجديدة على هذه المجاميع لضمان امنها الداخلي ، مما يجعل من الصعب احلال السلام في ليبيا ،وكنتيجة لذلك ، تترسخ هذه المجاميع في المجتمع الليبي واصبحت جزء لايتجزء من الديناميات السياسية الفئوية ، وقد اندمجت هذه المجاميع وحلفائهم في مجموعتيين سياسيتين متنافستين ،تطمح كل واحده منهم لجني المكاسب وبهذا فان ذلك اثر على عملية التنمية المستدامة بالسلب وبالنتيجة على امن واستقرار المجتمع وعملية بناء امنه المجتمعي ،كون ان تلك المجاميع من الصعب جدا التنبؤ بأفعالها او التفاوض والتواصل معها الذي يجعل حالة الصراع قائمة بالمجتمع وتنعكس على رفاه المواطن وامنه وامانه .
6. العاملون في القطاعات غير الرسمية:
العاملون في القطاعات غير الرسمية هم أيضاً من الفاعلين الأساسيين في إرساء الحكم الرشيد ولهم تأثيرهم على التنمية المستدامة والأمن المجتمعي، وتتعد اشكال هؤلاء العاملين وتشمل الحرفيين العاملين في الصناعات والحرفية اليدوية وكذلك العاملين في الشركات الامنية الاجنبية، ولتلك الحرف اهمية مميزة في تنمية المجتمعات المحلية لكونها تقوم بدور هام في التنمية الصناعية وتلك الصناعات تمثل احدى القطاعات الاقتصادية التي حظيت باهتمام كبير من قبل دول العالم كافة والمنظمات والهيئات الدولية أيضاً ،لتلك الصناعات التي غالبا ما تكون يدوية وتعتمد على مهارة الحرفين ،دور محوري في الانتاج والتشغيل وادرار الدخل والابتكار والتقدم اضافة الى تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية، فهي تساعد على الحد من البطالة والاستفادة من جميع موارد الدولة البشرية وهذه الصناعات تستطيع أن تساهم في حشد وتعبئة القوى العاملة الوطنية وتحسين مدى مشاركتها في الأنشطة الاقتصادية من أجل دفع عجلة الاقتصاد وتحقيق التنمية، إضافة إلى ذلك فإن طبيعة العملية الإنتاجية والتسويقية المرتبطة بهذه الحرف تجعل من الممكن للمرأة ولكبار السن أو غيرهم من الفئات التي لا ترغب أو لا تستطيع ترك مكان إقامتها، أن تعمل فيها لتوفير مصدر الدخل والشعور بقدراتها، وتتميز الصناعات اليدوية بتحقيقها الاستفادة من الخامات المحلية لاسيما المتوفرة منها في المناطق الريفية، مع إمكانية إيجاد فرص عمل أكبر عن طريق تخصيص موارد أقل مقارنة بمتطلبات الصناعات الأخرى وقابليتها لاستيعاب وتشغيل أعداد كبيرة من القوى العاملة بمؤهلات تعليمية منخفضة، وقدرتها على ممارسة المرأة كأم وربة بيت للحرفة في الأوقات التي تناسبها وفي الأماكن التي تختارها أو حتى في منزلها، كما تتميز بانخفاض التكاليف اللازمة للتدريب لاعتمادها أساساً على أسلوب التدريب أثناء العمل فضلاً عن استخدامها في الغالب للتقنيات البسيطة غير المعقدة، والمرونة في الانتشار في مختلف المناطق وخاصة التي تتوفر فيها خامات أولية بما يؤدي إلى تحقيق التنمية المتوازنة بين الريف والحضر ويؤدي إلى الحد من ظاهرة الهجرة الداخلية ونمو مجتمعات إنتاجية جديدة في المناطق النائية، فضلاً عن المرونة في الإنتاج والقدرة على تقديم منتجات وفق احتياجات وطلب المستهلك، كما يساهم قطاع الحرف والصناعات اليدوية بدور إيجابي وفعال في التنمية السياحية حيث يحرص السائحون على اقتناء منتجات تللك الحرف.
7. القادة الدينيون:
تلعب المؤسسة الدينية دوراً بارزاً ومؤثراً في حياة الشعوب من خلال القادة الدينيين لكون ان جميع الاديان تحمل رسالة اخلاقية اجتماعية عملية مفيدة وسامية تستطيع من خلالها التأثير على رشادة الحكم، وتقع على عاتق القادة الدينيين ادوار بارزة ومسؤولية مستقلة عن السلطات العمومية وذلك بموجب مرجعيات قانونية وطنية ودولية على حد سواء، فعلى سبيل المثال فان المادة 2 (1) من اعلان الامم المتحدة لعام 1981 بشان القضاء على جميع اشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين او المعتقد نص على وجوب ان "لا يتعرض احد للتمييز من قبل اي دولة او مؤسسة او مجموعة اشخاص او حتى شخص على اساس الدين او المعتقد " ، كما وحددت احكام هذه المادة المسؤولية للمؤسسات والقادة الدينيين وكل فرد داخل تلك المؤسسات والمجتمعات الدينية والعقائدية بما ينعكس بالتالي على أعمال اهداف التنمية المستدامة وبناء الامن المجتمعي، فالقادة الدينيون على سبيل المثال لهم دورهم في بناء الاسرة التي تعد الخلية الاولى التي يتكون منها المجتمع لأن بقائها واستمرارها هو ضامن لبقاء المجتمع واستمراره ولذلك فان تحقيق التماسك والسعادة في المجتمع مرتبط بتحقيق التماسك والسعادة داخل الاسرة لكونها المصدر الاساسي للتوجيهات الاجتماعية للأفراد كما انها العامل الاساسي الاكثر تأثيرا في عملية تغيير او تعديل التوجيهات الاجتماعية لهم في مختلف القضايا والظروف التي من الممكن ان تتعرض لها الاسرة والمجتمع على حد سواء، وهذا ما اكد عليه مصطلح الجماعة الاولية في علم النفس الاجتماعي والخدمة الاجتماعية حيث يشير إلى أنها "اكثر الجماعات الاجتماعية التي ينتمي اليها الفرد تأثيراً في اكسابه السلوكيات او الاكثر قابلية على تغيير السلوكيات والافكار المكتسبة نظراً لأنها من جماعات التفاعل المباشرة ، لذلك فان الاسرة تمثل المصدر الذي يعتمد عليه الفرد في تلقي الدين وتلقينه ونقل العادات والتقاليد والسلوكيات من جيل الى آخر وفق عملية توريث الثقافة الى الاجيال اللاحقة والتي تسمى اصطلاحاً بالتنشئة الاجتماعية، وهذا ما ورد عن رسول الله (ص) بقوله (يولد الرجل وابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) ،لذلك ومن خلال هذا الدور الفاعل للأسرة في المجتمع تبرز اهميتها بالنسبة للقادة الدينيين لأن دورهم يكون كبيراً على الاسرة من خلال التوجيهات الدينية التي تعتبر آليات ضبط اجتماعي غير رسمية تفرض قوانينها على الافراد والاسرة بصفة دينية تحث من خلالها الاسرة وأفرادها على تعزيز مفاهيم العدالة والمساواة والقيم والمبادئ وتقبل الآخر والشراكة والمساواة وتنمية الروح الوطنية لديهم والحفاظ على الهوية الوطنية، وهو ما ينعكس بالتالي على سلوك الفرد في المجتمع ومساعدته على تحقيق العدالة والاصلاح ومكافحة الفساد وصولاً إلى إرساء مبادئ الحكم الرشيد مما يصب ويؤثر ايجاباً في التنمية المستدامة واستقرار المجتمع وبناء أمنه المستدام، كما يبرز دور القادة الدينيين من خلال الخطابات، فان الكلمة الطيبة بأشكالها كافة تمثل اداة اساسية من اجل النماء الفردي والجماعي والانفتاح على الآخر، فان الخطابات وعلى وجه الخصوص خطابات رجال الدين تشكل اكثر الادوات اهمية وفاعلية على المجتمع من حيث الاستقرار او انتشار الفوضى والكراهية، حيث ان الحرب تبدأ بالأذهان وتطورها افكار غالباً ما تؤججها الى الكراهية حيث ان ما يطلقه القادة الدينيون من محتوى في خطاباتهم يحرض على الكراهية والعنف باسم الدين قد يؤدي الى الصراع وفقدان السلام والامن داخل المجتمع، خلافاً للخطاب الايجابي الذي يشكل اداة شفاء ومصالحة وترشيد حكم وبناء امن وسلام في القلوب والاذهان، لذلك نجد ان الامم المتحدة قد أكدت على أهمية الخطاب،وفي مناسبات عدة نخص بالذكر منها المادة 20 "2" من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي أكدت على وجوب حظر اية دعوة الى الكراهية القومية او العنصرية او الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز او العداوة او العنف بما في ذلك التحريض على العنف من قبل بعض القادة الدينيين باسم الدين، وان حظر مثل هذا الخطابات التي ترتقي الى التحريض على الكراهية والعنف ليس كافيا ،فالدعوة الى التصحيح والمصالحة تكون واجباً يقع على عاتق القادة الدينيين بسبب ما يمتلكونه من درجة مرتفعة في النفوذ على قلوب واذهان اتباعهم، ولهذا فان دورهم فاعل في إرساء الحكم الرشيد وهو مؤثر على التنمية المستدامة وبناء امن المجتمعات واستقرارها.
8. الرسميون المنتجون:
ونقصد بهم هنا النخب البيروقراطية المتمثلة بـ(الوكلاء الفنيين والمدراء العامين ومدراء الدوائر وحتى مدراء الاقسام)، حيث يعتبرون فاعلاً اساسياً في الحكم الرشيد ولهم تأثيرهم على التنمية المستدامة والامن المجتمعي حيث من الضروري أن تكون هنالك نخب بيروقراطية فعالة ملتزمة بالأهداف التنموية تمتاز بالكفاءة والتماسك الداخلي والجدارة، ويجب ان تكون هذه النخبة البيروقراطية مستقلة عن القيادة السياسية، بحيث لا تصل إليها المصالح الفئوية لبعض السياسيين، ويكون هدفها هو مساعدة صناع القرار والقيادة الملتزمة بتحقيق التنمية في عملية وضع السياسات العامة لترشيد الحكم ، وذلك من خلال ما يقع على كاهلها من المهام المتمثلة بما يلي:
• وضع سياسة صناعية من خلال تحديد واختيار الصناعات التي تحتاج للتطوير حيث تقوم الدولة ممثلة بالجهاز البيروقراطي بعملية تمويل المشروعات التنموية من خلال تقديم المساعدات للصناعات الوليدة، ووضع هدف دفع عجلة التصنيع وتوفير التكنولوجيا اللازمة للصناعات المختلفة.
• تطوير هذه الصناعات من خلال اختيار انجع الطرق واسلمها وفي اسرع وقت، بمعنى اتباع سياسة الترشيد الصناعي حيث يضع الجهاز البيروقراطي السياسات المالية التي تمنع التضخم ،ويقوم بصياغة الألواح والاجراءات التنظيمية لتحقيق الترشيد والاستغلال الامثل للموارد المتاحة، ومنع وتقويض انتشار الفساد من خلال وضع نظم محاسبية تحول دون ذلك.
• ضمان جودة وتأثير عمل القطاعات الاستراتيجية من خلال الاشراف على هذه القطاعات وتوفير الخدمات العامة من نظم تعليم وتدريب ونظم الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات اللازمة لتوفير مدخل بشري كفوء في العمليات الاقتصادية والانتاجية.

المصدر :
كتاب التنمية المستدامة وبناء الامن المجتمعي في ظل الحكم الرشيد
نماذج مختارة
فيتنام ، رواندا ، تشيلي
تاليف: سيف ضياء دعير
مراجعة :أ. د عماد صلاح الشيخ داود








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دراسة: السعودية ستشهد ظواهر مناخية أكثر حدة في السنوات المقب


.. تحديث في -واتساب- يغضب المستخدمين.. والشركة تتراجع




.. مصادر العربية: البيت الأبيض يطلب التزام الصمت بشأن هجوم أصفه


.. الحرس الثوري: هجوم إسرائيل لا يستدعي الرد




.. لحظة انهيار مبنى سكني مكون من 4 طوابق في مدينة نيودلهي الهند