الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربنا يستر

منى نوال حلمى

2021 / 9 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ربنا " يستر " !!
-------------------------------------------------

من أكثر المقولات التى تتردد على ألسنة النساء والرجال فى مجتمعاتنا ، هى
" ربنا يستر " ، " استر يا رب " ، " مستورة ان شاء الله " ، " يسترنا دنيا وآخرة " ، " استرنى ربنا يسترك ".
نحن بلا منافس ، بلا شك ، بلا تردد ، مجتمعات عاشقة للستر ، واقعة فى غرامه منذ الميلاد وحتى التستر بالكفن .
ماذا تطلب من الدنيا ؟ . ماذا تطلبين من الدنيا ؟. الجواب النموذجى للغالبية من رجال، ونساء مجتمعاتنا، هى «لا أطلب إلا الستر».
لكن ماذا يعنى «الستر» ؟ . إن الشىء «المستور»، هو الشىء «المحجوب»، «المخفى».. «المستخبى».. لا تراه عين ، ولا تسمعه أذن. الشىء «المستور»، شىء لا يعرف أحد عنه شيئًا. نحن نقول «الليل ستّار».. بمعنى أن الليل بظلامه، وعتمته، يخفى «الأسرار».. و«العيوب».. و«الملامح».. و«الحركات». و«كل شىء» يفضحه، ويكشفه، ويظهره الصبح أو النهار.
هناك عادة مذمومة قبيحة ، لدى الكثيرين ، أنه عند تراكم التراب على أرض المنزل ، لا يواجهونه بالتنظيف ، وانما بوضع سجادة فوقه تخفيه عن الأعين ، سواء لأصحاب المنزل ، أو للضيوف .
مة «الساتر» تعنى الحاجب، الذى نستخدمه حتى لا يرانا الآخرون، فى مواقف نعتبرها غير لائقة.. فى مجتمعاتنا، تحتل قيمة «الستر» مكانة عظمى فى تعامل الناس مع الحياة. إذا سألنا امرأة، أو رجلًا، عن الأحوال، والصحة والشغل، والعيال، والفلوس، فيكون الرد: «مستورة». وفى جميع المواقف نسمع «استرها يا رب». وأقصى الطموح، والأمنيات، والأحلام، هو «الستر».. من البداية، وحتى النهاية.
رأيى الشخصى أن مقولة «لا أطلب إلا الستر»، هى أحد العوائق الأساسية المعطلة للتقـدم، واقتحام تجارب الحياة دون خوف، والمخاطرة لاكتشاف المجهول، والجديد، والمبتكر.
إن الحضارات تصنع نفسها، ليس بـ«الستر».. ولكن بـ«كشف المستور».. والإبداع الخالد، ذو المكانة العالية فى الشكل والمضمون، ليس الإبداع الذى «يستر» التناقضات، والكذب، والزيف، والقهر، والظلم . لكنه الإبداع، الذى «يفضح» كل هذه الأمور.. والأفكار الرائدة التى تبقى فى ذاكرة الشعوب، وعلى صفحات التاريخ، هى التى تثور، وتتمرد، على «الستر» فى السياسة، والأخلاق، والثقافة، والاقتصاد، والموروثات المكبلة للتحرر.
إن البشر، وكذلك المجتمعات، التى لا «تطلب إلا الستر».. تحتوى فى أجسادها على الكثير، والعديد من الأمراض الحضارية المتوطنة، والأورام الأخلاقية المنتفخة، والدمامل الثقافية المزمنة. ولذلك، فهى تخاف «الكشف».. وترتعب من «الفضح».. ولا شىء يربكها، ويلخبط كيانها، ويزعج منامها، قدر «الوضوح»، و«الصدق»، و«الفضيحة».
إذن «الفضائح»، ليست إلا «الحقيقة الغائبة»، التى يفشل الناس فى تجنبها.
إن الرجل الذى لديه الكثير من الفساد الأخلاقى، والخوف من الناس، نجده دائمًا فى حاجة إلى «الستر».. وأفضل أنواع «الستر»، أو التخفى، التى تضحك على العقول بجدارة، هو «الستر» باسم الأديان.. و«التخفى» باسم شرع ربنا.. أو كلام الله، أو حكمته.. والمرأة أيضًا، التى لديها الكثير، والعديد، من الفساد الأخلاقى، والخوف من الناس، تحتاج دائمًا، إلى «ستارة» مادية، أو معنوية، لإخفاء ما تخشى كشفه.
والمجتمعات، كلما زاد فسادها، ولصوصيتها، وتناقضها، وكذبها، وظلمها، وقهرها ، زاد ميلها إلى «الستر» و«التخفى».. و«التغطية».
إن «الستر» موقف الضعيف.. الخائف.. العاجز.. الذى يشعر بالإحباط، والدونية، والعبودية.
و«الكشف» أو «الفضح».. موقف القوى.. الشجاع.. القادر، الذى يشعر بالتحقق والتفوق والحرية.
إن القضاء على كل أنواع الفساد الأخلاقى ، يستحيل دون فضح مظاهره ،
وجرائمه، وتورطاته، ولجوئه إلى «التستر». إن الأفراد وكذلك المجتمعات، المستقيمة أخلاقيًا، ليست لديهم «أسرار» تستوجب «الستر»، و«التخفى».
إن «الشفافية»، التى نطالب بها، ليست إلا حربًا موجهة ضد ثقافة «التستر»، وحضارة «التغطية».
نحن نقول دائمًا: «البداية من أول السطر». وأنا أقول: «البداية من أول الستر».
ان عدم الستر ، وعدم التستر ، ، يبين لنا النظيف من الملوث ، والحقيقى من المزيف ، والجوهر من الشكل ، والأصل من الصورة ، والحميد من الخبيث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل طلب الستر عيب ؟
عبد الفادي ( 2021 / 9 / 27 - 03:56 )
مع احترامي لك استاذة منى انا لا ارى اي ضرر من استعمال كلمة ستر او مستورة للدلالة على القناعة او كردة فعل من مصائب الدنيا فهذا ليس ضعف من الإنسان ، فما الضرر إن طلبت الأم الستر لأبنتها عندما تذهب ابنتها الى المدرسة او عندما تركب الحافلة او تسوق سيارة او تطلب الستر لها من التحرش ...الخ . طلب الستر بأعتقادي هو نوع من التفاؤل بالخير لأعزائنا وأحبائنا ، كما انني لا ارى ضرر عندما يسألني صديق ويقول كيف الأحوال وأجيبه مستورة للدلالة على القناعة والتواضع فهذه الكلمة جميلة في المجتمع ، اما اتخاذك للستر ومشتقاته للهجوم على المجتمعات التي كلما زاد فسادها، ولصوصيتها زاد ميلها إلى «الستر» و«التخفى».. و«التغطية» فالفاسد واللص لا يهمه المجتمع ولا يبحث عن الستر لأنه انكشف ولا يفيدة التستر بل هو يبحث عن غنائم جديدة ، وبخصوص تطرقك الى موضوع آخر وهو (عدم التستر) فهذا الموضوع بحد ذاته قائم لوحده يخرج عن موضوع الستر ومستورة المتداول عند المجتمع المسالم وعليه ارى ان هذا التداخل بالموضوعات ادى بأعتقادي الى خليط غير متجانس ، تحياتي وأحترامي


2 - تحية كبيرة للكاتبة
ايدن حسين ( 2021 / 9 / 27 - 08:45 )
اهنيء الكاتبة على هذه العقلية الناضجة
و لكن الامور نسبية
مثلا .. لماذا تضع اغلب النساء المكياج
اليس لستر بعض العيوب في وجوههن
و هناك الحديث الذي يقول .. لعن الله النامصة و المتفلجة الخ
الا يعني ذلك ان تمتنع المراة من ابراز نفسها بشكل مخالف لما لديها في الحقيقة
و قد يكون ذلك لكي تزداد الاجيال القادمة في الجمال .. حيث سيختار الانسان شريكة حياته كما هي و ليس بشكل مزيف
و لكن .. ايضا .. جمال مستور .. حيث لا معنى لجمال لا يمكننا رؤيته .. لانه حرام
و احترامي
..


3 - cherche le rideau /فتش عن الستار
أنور نور ( 2021 / 9 / 27 - 16:52 )
لعل عامة المصريين يستخدمون كلمة الستر ببعدها الميتافيزيقي .. بمعني وجود رب , يستعينون به ليستر لهم كل أمورهم .. بمعني يحميها ويدعمها ويقويها , في كل الحالات البريئة وغير البريئة
كثيرون من أصحاب سيارات النقل التي تسافر بين المحافظات البعيدة يكتبون خلف سياراتهم :
الستار موجود - أي سياراتهم في حماية الله . وهم متوكلون عليه
ذات مرة كنت مسافراً , وفجأة توقفت السيارة . وكان السبب حادث سير أغلق الطريق.. فلما طال الوقوف , نزلت من باب الفضول لأعرف التفاصيل . فكان حادث تصادم بين سيارتين , إحداهما كانت مهشمة ولم تعد صالحة إلا لرميها في الزبالة.. شعرت بالأسف .. ورحت أتأمل هيكلها. فقرأت كتابة سليمة في الجزء الخلفي المحطم . تقول : الستّار موجود / و كتمت ضحكة عالية كادت تخرج مني . كي لا يحسبني الناس مجنوناً . فالموقف مأساوي
قبل تلك الحادثة كانت أغلب أمور الحياة تقنعني بأن الله غير موجود
لكن بعدما شاهدت عبارة - الستار موجود - في الجزء السليم الصغير الباقي من السيارة المحطمة بالكامل , ولأنني رجل أهبل , فمنذ ذاك الحين وأنا أؤمن بأن الله موجود . و بأن : الستار موجود
تحياتي


4 - تأميم الستر
أنور نور ( 2021 / 9 / 30 - 00:29 )
من يُؤْمِن بالقول : خبزنا كفافنا اعطنا كل يوم / ينحاز للستر ( وهي الصلاة التي جاءت بالانجيل كما قال المسيح ) ..
وانا لا أؤمن بتلك المقولة لا جملة ولا تفصيلا .. لماذا الكفاف ؟؟ لماذا لا نُعطي سعة الرزق ووفرة النعمة وليس الكفاف مع الستر ؟! ان كان الله كريما باذخ الكرم لدرجة التضحية بابنه الوحيد ! ( إنجيل يوحنا 3 : 16 ) فلماذا نطلب منه الكفاف من الخبز فقط !؟ كلا , بل نطلب رغد العيش وليس الكفاف
حيث يكون الانسان مهددا دوما بأية كارثة ليست علي البال لعدم وجود قانون نافذ ، فقد يدخل السجن بالصدفة ! وتكثر بالبلاد الغيلان البشرية بأنواعها .. فلا يملك الناس سوي تمني الستر ( السير بجانب الحائط ، والعيش بالكفاف ، ولو بأقل من القليل لأجل ألا يتعرون ماديا أو أدبياً
لكن عندما يتوفر مستوي معقول من الكفاية والعدل . فلا لزوم لكثرة الحديث عن الستر . وتمني مجرد الستر !؟
تأميم الستر : نكتة قديمة عن عبد الناصر - زمن التأميم . وجد فلاحاً بائساً
وسعيداً ! سأله كيف تعيش !؟ فأجاب : بالستر
فأمر عبد الناصر مساعديه : أمموا الستر
بالطبع لا نقصد جرح مشاعر الأخوة المتعصبين دينياً - ولا يرضيهم ألا نعبر عن رأينا

اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي