الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة حزن وعذاب بحثاً عن الحرية/ معايشة حقيقية شخصية لتداعيات الانتفاضة الشعبانية عام 1991/ الحلقة الرابعة عشر

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2021 / 9 / 27
القضية الكردية


قد اكون مخطئا في انفعالي بالأمس مع ذلك الوفد، لان العاطفة اثارتني في لوحة كتبت على أحد قبور اللاجئين (متى نعود للوطن كوردستان)! ولكننا نتعلم من اخطائنا ونعقل، ومعنى العقل في اللغة العربية ان تعقل شيئاً اي تعقده عقداً وتحبسه (تعتقله)، والمطلوب منا ان نعقد ونحبس عاطفة الغضب والغِلظة داخلنا، لندع المجال للفكر لاتخاذ القرار بتروي وهدوء وعلى هدي (الكاظمين الغيظ).
خرجت فجر الْيَوْمَ التالي وتوجهت الى تازه آباد، وجدت أحد الكورد الإيرانيين الذي كان متعاطفاً معي، كان يبالغ في مدحي لما تفوهت به من قول معارض بالأمس امام الوفد دون خوف، وكان يخشى في نفس الوقت الكلام معي لئلا يراه الحراس الفرس! وتوسلت به للتوسط مع المسؤولين لتسهيل امر السماح لمغادرتنا، وكنت مكتئباً من الحزن، تعاطف معي وقدمني للضابط الخفر من الاطلاعات، سألني الضابط بعض الأسئلة، ماذا تعمل؟ أين موقع شركتكم؟ أين موقع دائرة الأمن في بلدتكم؟ اسماء مسؤوليك؟ … أجبته بوضوح وبكل دقة. قال انت مهندس برق (أي كهرباء)، رمى قلمه مع قصاصة ورقة على المنضدة، واسترسل "كيف توصل دائرة انارة مع المفتاح الكهربائي"!! ابتسمت ورسمت له خارطة بتوصيلات الانارة المختلفة (التوصيل المباشر بمفتاح واحد، والتوصيل بمفتاحين يستخدم في السلالم لإنارة مصباح واحد، والسيطرة على انارة مصباح بثلاث مفاتيح من ثلاثة مواقع، وشرحت له طريقة السيطرة على انارة المصابيح بالمتحسسات الضوئية!)، وحرك براسه جانبا بربع دوران مائل، عاقف الفم مندهشا، وهو ينظر للورقة!! وطلب هويتي، فأعطيته جواز سفري، مؤشر عليها الأسفار الى أوروبا فتردد مرة اخرى، وهز براسه سلبا، وطلب مني الانتظار خارجاً، فخرجت منهار المعنوية وفاقد للأمل تماماً… بقي الحارس الكوردي مع الضابط، ويبدو بانه كان يتوسل به بكوننا عائلة كبيرة في وضع سيء متجمعين بسيارة واحدة... خرج بعد عشرة دقائق وقبل نصف ساعة من الدوام الصباحي، ابتسم فقال أبشِر وتشجع كاكه (اخي الكبير)، فهذه ورقة السماح بخروجك الى العراق، وكانت قصاصة ورقة صغيرة يعلوها لفظة (باسمه تعالى) ومذيلة بختم الاطلاعات. كدت اطير من الفرح وبكيت وحضنت الحارس وقبلت جبينه ووجهه ويده، وهو يبكي أيضا متأثرا، وخرجت مسرعاً الى قلقلة وجمعت الأهل وودعت باختيار واهله وقد فرحوا لنا كثيراً، وودعنا ح ف وأختي حيث جاءا إلى قلقلة لتوديعنا، وقالوا بان الحرس كانت تبحث عنك ليلاً في المخيم، وحثنا نسيبي على ضرورة الإسراع في ترك البلدة، وكانت سيارتي بوضع سيء اضطررنا ان ينتقل ابي مع سيارة اجرة كانت في القافلة ومن معارف نسيبي في حلبجة، وقد تكلم معه ودفعنا ثمن إيصاله للحدود، ولَم يكن لنا خيار اخر للتخفيف عن الأوزان التي زادت في السيارة. توجهنا مع القافلة صوب السيطرة العسكرية، تم تدقيق ورقة الموافقة على الخروج من قبل الحارس، وسمحوا لنا بالحركة، وكان باختيار وأخوه يرافقاننا بسيارتهم ويلوحون لنا في الطريق الى جوان روود. وقفت في الطريق بسبب صعود حرارة المحرك، وبعد توقفنا للتبريد، وجدت حزام تبريد المحرك مقطوعا، فواصلت السياقة الى جوان روود بشكل متقطع، كنّا نتوقف بين الفينة والأخرى لئلا يعطب المحرك. انفجرت احدى اطارات سيارتي عند وصولنا جوان روود. بحثت ارجاء المدينة ووجدت حزاما مطابقا وكذا الإطار. وواصلنا المسير مع القافلة مساءاً الى باوة، ووصلناها الساعة التاسعة مساءاً. ووقفت قرب الحديقة الوسطية للبلدة بسبب ثقب في احدى اطارات السيارة الخلفية! وبحثت عن محل لإصلاحه دون جدوى، وأوصاني صاحب أحد الدكاكين بالتريث الى يوم غد. ورأينا مطعما للكباب، وطلب الأهل شراء ما يزيد عن كفايتنا، وكانت متعة لا توصف. وجدت والدي أمامنا، قال بان سائق التاكسي نكل به وقال بان پاوه هو محطته الاخيرة، توسلت بوالدي ان يعود وندفع للسائق ما يشاء لإيصاله الى الحدود، وكان وضع سيارتي قلقاً ولا يعول عليها وكنت أتمنى ان نصل بأمان وسلام الى ديارنا.
توجه ابي للبحث عن سيارة التاكسي ليبقى معهم، وتوجهت لأحد الدكاكين لشراء بعض الفاكهة، وقد كان رجلاً كوردياً طيباً، سألته فيما لوكان هناك فندق للمبيت فيه ليلا، استهجن طلبي باستغراب! وطلب ضيافتنا في داره القريبة، وبعد اصراره الشديد توجهنا صوب الدار، واغتسلنا ثم هيء لنا مائدة طعام عليها كل ما لذ وطاب، وتبادلتا الحديث الى ساعة متأخرة ليلاً مع شرب القهوة والشاي، وفرشوا لنا ارض قاعة المضيف، ورأى الأهل عقرباً كبيراً في الارض دخل الى الفراش، بحثت عن العقرب وقتلته، وأخبرت الرجل، فأشر لي الى السقف وكان من الخشب المتراص ما يسمى بالعامية (العگاده)، قال نادراً ما تسقط العقارب من السقف، فلا تقلقوا! مرت الليلة بأمان، وانا اتقلب وأفتش هنا وهناك خصوصاً حول فرش الاطفال، وفِي الصباح جاء المضيف ودعانا للفطور، شاي وخبز ولبن، شبعنا وشكرنا الرجل كثيراً وتبادلتا العناوين! ودعناه ثم توجهنا الى قائمقامية پاوه للحصول على اذن الخروج الى العراق مع القافلة، وعند شرائي للوقود وجدت سيارة التاكسي الذي يقل والدي ولَم اجده في السيارة! سالت السائق عن ابي، قال انه تركهم ليلاً ولَم يعد إليهم… يا إلهي خرجنا جميعاً وتركنا زوجتي وأطفالي في السيارة التي ركناها قرب القائمقامية، وبحثنا في جميع ارجاء پاوه عن والدي التائه، وذهبت الى جامع البلدة ورجوت شيخ الجامع ان يذيع اسمه وأوصافه على الناس، لإبلاغ الجامع عنه لاننا أهله بانتظاره في الجامع. انتظرنا قرابة ساعتين، ثم عدت لإصلاح إطار سيارتي، ووجدت (كو) ابن شقيقة نسيبي، وبدأنا البحث معاً عن والدي في الشوارع والأزقة، وفِي أحد الشوارع قرب نهاية البلدة لمحت رجلاً يترنح في المشي تعباً، وهرعت نحوه وإذا هو بأبي، فحضنته وبكينا سوية، وقال بان صاحب التاكسي تركه في احدى القرى الكوردية القريبة التي تستضيف العراقيين طوعاً، اضطر على العودة الى پاوه مشياً على الأقدام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة.. قيود غربية على حرية التعبير؟ • فرانس 24 / FR


.. شبكات | أبو عبيدة يحذر من مصير الأسرى في قبضة القسام.. ما مص




.. ضرب واعتقالات في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في جامعات أمريكية


.. -الأغذية العالمي-: غزة ستتجاوز عتبة المجاعة خلال 6 أسابيع




.. التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية: العالم على حافة الهاوية