الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص وحواديت من العالم القديم (22) تراجان

محمد زكريا توفيق

2021 / 9 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


.

نيرفا. تراجان. بلوتارخ. ادريان:

عندما كانت روما تغرق في الترف والزهو والغرور، كانت البلاد التي تتبعها، تحاول النهوض من تخلفها وجهلها. كانت بريطانيا وألمانيا والغال تتقدم بشكل ملحوظ في التعلم وعناصر الحضارة الأخرى من علوم وفنون وآداب. إلا أنها في طورها الابتدائي، وجلها منقول عن الرومان.

لقد استفادت البلدان المتخلفة التي عزاها الرومان، بقدر استفادة الرومان من هذه البلاد بما فرضته من جزية وسلطة. وقد بذلت بعض هذه البلدان جهودا كبيرة لاستعادة حريتها. وبالرغم من فشل هذه الجهود، إلا أنها أيقظت روح هذه الأمم الوطنية، وأزكت وحدتها. ومن خلال تعلمهم فن الحرب بالاحتكاك والممارسة، تم تحريرهم في نهاية المطاف.

أخذ دوميتيان لقب الجرمانيكوس، لأن أحد جنرالاته أخضع ثورة الألمان. على الرغم من أنه لم يكن هو نفسه قد رأى العدو. لقد سار فقط بجيشه من روما، ثم رجع إليها. وهذا كل ما فعله.


بعد مقتل دوميتيان، اختار مجلس الشيوخ نيرفا إمبراطورا لهم. كان نيرفا رجلا عجوزا، لكنه كان فاضلا. تصرفه كان لطيفا جدا، بالمقارنة بأي روماني في ذلك الوقت.

لقد رأينا الرومان قد أصبحوا يعيشون في رغد، ويحيون حياة كلها رفاهية. لذلك، هم بحاجة إلى ضبط النفس وجدية أكثر. بدون حزم، لا يمكن أن يكون هناك فضيلة. فمثلا، العدل بدون قوة تفرضه، ليس عدلا. والحاكم الصالح الضعيف، لا ينفع أحدا.

هذا ما حدث مع نيرفا. فقد كانت لديه أفضل النوايا، إلا أنه لم يقدم شيئا يذكر لبلده. ثم توفي من الحمى، بعد فترة حكم قصيرة، أكثر قليلا من اثني عشر شهرا.

اختار نيرفا تراجان لخلافته. وربما كان هذا الاختيار هو الحسنة الوحيدة التي عملها لخدمة رعاياه. تراجان كان جنرالا عظيما. حكيم مهاب، جيد كرجل. غزا العديد من الدول الأجنبية. ومع ذلك، عند عودته إلى روما، دخلها دون أبهة أو ضوضاء. مما جعله يحظى بإعجاب وحب الجميع. في البلدان التي غزاها، لم يفرض جزية أو يقم بتدميرها. فهو لم يكن يبحث عن السعادة من خلال إظهار سلطة وجبروته.


بلوتارخ، كاتب السير الذاتية الساحر، الذي كتب الكثير عن تاريخ الرجال العظماء، كان معلم تراجان. كان بلوتارخ فيلسوفا يونانيا، ولا يكبر تلميذه بكثير. يذكر بلوتارخ، أن تراجان، لم يعاقب أي شخص، عندما يكون غاضبا أو تحت تأثير عاطفة ما. لأن هذا يعني أن حكمة لن يكون حكيما أو عادلا.

قال ذات مرة لعبد له، استفزه كثيرا، "لن أعاقبك الآن، لأنني غاضب". عندما أصبح تراجان إمبراطورا، كتب له بلوتارخ رسالة مبهجة، يمكن أن نجدها في سيرة بلوتارخ، عن الرجال المشهورين.

العديد من الحكايات المثيرة للاهتمام والمسجلة عن تراجان، هناك واحدة تدل بشكل خاص على طريقة تفكيره الليبرالية. قال وهو يعطي سيفا لضابط: "إن كنت تراني على حق، استخدم هذا السيف في صالحي؛ وإذا كنت تراني سيئا، استخدم هذا السيف ضدي".

بنى تراجان جسرا عبر نهر الدانوب. كان لديه سفراء من الهند لتهنئته. أظهر ثقته في صديقه سورا، تماما كما أظهر الإسكندر ثقته في طبيبه فيليب. القصة كاملة نجدها في تاريخ روما ل جولد سميث.

هذا القائد العظيم، قد أظهر رجاحة العقل عندما تقترن بجلال السلطة. فقد أسر الدوسكان الجنرال الروماني لونجينوس، وقال ملكهم ديسيبالوس، إنه سيقتل أسيره إن لم يوافق تراجان على شروط السلام.

رد تراجان قائلا، إن حياة الفرد يجب ألا تقف حائلا في طريق رفاهية شعب بأكمله، ورفض المعاهدة المطلوبة. فقام لونجينوس بقتل نفسه، حتى لا يكون سببا للنزاع.

في البداية كان تراجان يضطهد المسيحيين. لكنه بعد أن علم بالسلوك الهادئ والفاضل للمسيحيين، أوقف هذه الاضطهادات. ثم قام اليهود مرة أخرى بالتمرد، ومات الآلاف منهم في جزيرة قبرص، وغيرها من الأماكن التي كانوا يقيمون فيها. وسرعان ما تم إخماد الثورة.

قام تراجان بالعديد من الفتوحات، ولكن ليس بسببها نال شهرته. الرومان يكرمون ذكراه، لأنه، خلال ما يقرب من عشرين عاما، كان يعمل على ازدهار بلده، ويمارس كل ما فيه الخير لشعبه. توفي في مدينة سلوقية على نهر دجلة، عام 117 م. المدائن أسست على أنقاض سلوقية.

أدريان الإمبراطور القادم، كان ابن شقيق تراجان، من عائلة إسبانية. عندما اعتلى العرش، كانت الإمبراطورية الرومانية، في قمة مجدها وقوتها.

كان أدريان شجاعا، متعلما، ودودا، وله إنجازات. كان يعتقد أن الإمبراطورية الرومانية كبيرة جدا أكثر من اللازم. لذلك، تخلى عن جزء من فتوحات تراجان. زار ألمانيا والغال وهولندا وبريطانيا وإسبانيا. أقام جدارا قويا من الطين والألواح الخشبية، بين إنجلترا واسكتلندا، عبر الجزيرة، لمنع البرابرة الشماليين الآخرين من إزعاج البريطانيين.

ذهب إلى أثينا، حيث أقام لفترة طويلة، وتم اختياره رئيسا لتلك المدينة الشهيرة. ثم عبر إلى أفريقيا، وأعاد بناء قرطاجة، تحت اسم أدريانوبل، نسبة إلى اسمه.

خفف من اضطهاد المسيحيين. لكن اليهود ثاروا على المسيحيين والرومان في يهودا، وقتلوا أعداد منهم كبيرة. فقام الرومان بالانتقام بذبح ما يقرب من 600 ألف يهودي. وهو عمل بربري شنيع. توفي أدريان، بعد مرض عضال، في السنة الثانية والعشرين من حكمه، عام 138 م.

عصر الأنطونيين:
عصر الأنطونيين، هي الفترة التي حكم فيها إمبراطوران فاضلان، اتسمت بالسلام والسعادة في كل أنحاء العالم. الرومان كانوا يسيطرون على كل بلاد العالم تقريبا في ذلك الوقت، فيما عدا بلاد فارس والهند والصين. سلوك حكامهم، له تأثير مباشر على كل الدول الأخرى.

أنطونيوس، ولقبه التقي، من صلاحه وأخلاقه غير العادية، اختاره أدريان لخلافته. حمى المسيحيين، وأعلن حرية التدين، وعدم السماح بمضايقة أي طائفة بسبب دينها.

كان كريما لدرجة أنه، لتخفيف العبء عن الفقراء، تخلى حتى عن ممتلكاته الخاصة. كان يعتقد أن الشخصية العامة، لا ينبغي أن يكون لها مصالح أو ممتلكات خاصة. كان معتدلا، لكنه كان حازما. كان أنيقا، ولكن بدون ترف أو ابتذال.

لقد توسعت الامبراطورية الرومانية وشملت الآن جزءا كبيرا من أوروبا وجزء كبيرا من آسيا وأفريقيا. الواقع أن الصينيين عاشوا دون إزعاج، إلا بسبب المشاكل المحلية، كانوا في هذا الوقت في حالة حضارية عالية.

الأمراء الصغار كانوا يتشاجرون أحيانا فيما بينهم، لكنهم لم يغزوا الدول الأجنبية أبدا. ولا الدول الأجنبية كانت تغزوهم. التتار، أو الترتار، جيرانهم، كانوا خصومهم الوحيدين. ولكي يبقوهم خارج الصين، تم استخدام طريقة دفاع قديمة. بناء سور مرتفع. بالغرم من أن السور قد بني جزئيا في فترة سابقة، إلا أنه لم يكتمل حتى عام 214 ق م.

تاريخ الصين قديم جدا. الأمراء أو الملوك كانوا يحكمون، في وقت مبكر، إمارات صغيرة، نيابة عن إمبراطور واحد عظيم.

ذكر البعض أن لعبة الشطرنج من اختراع الصين، وذلك في القرن العاشر قبل الميلاد. اخترعها جنرال صيني لتسلية قواته أثناء فترة راحة طويلة. لكن الروايات قد اختلفت في أصل اللعبة.

بعضهم نسبها إلى القائد الإغريقي بالميداس، ومنهم من نسبها إلى الكلدانيين، بينما الأرجح، أنها اختراع هندي من شخص يدعى شانو نانا في القرن السادس ق. م. ثم انتشرت بعد ذلك إلى بلاد فارس وباقي دول العالم.

عندما كانت روما مزدهرة، تمتلك كل الدول الأوروبية، كان الصينيون متحضرين يمتلكون ثروات كبيرة، وأراضيهم تمتد إلى أجزاء كبيرة من آسيا.

كان شعب الهند أيضا، في هذا الوقت، شعب رائع، من أصول عريقة. في الماضي، غزا سيزوستريس جزءا من الهند، والإسكندر الأكبر زار أيضا شواطئ نهر الجانج، وغزا بوروس، الملك الهندي.

لكن هؤلاء الناس استمروا يحكمون بأمرائهم، ويتمتعون بقوانينهم وعاداتهم وأديانهم. وقد أرسل بعض أمرائهم، سفراء إلى روما، لتقديم التهاني إلى تراجان. وبالتالي، كانت الصين والهند متحضرتين في ذلك الوقت، بعكس معظم دول أوروبا.

والآن، نعود إلى أنطونيوس بيوس. كانت مقولته المفضلة: "أجد متعة أكثر في إنقاذ حياة مواطن واحد، من تدمير حياة ألف عدو". إن سلوك هؤلاء الأباطرة الرومان، الأكثر تميزا، يثبت بوضوح أن الملوك الطيبين يحبون السلام أفضل من الحرب، وأن الأمم تمتلك أكبر قدر من الراحة والفضيلة في فترة السلام.

الحرب قد تجلب الفتوحات والشهرة، ولكن نادرا ما تزيد من الازدهار الوطني. إن الحرب الدفاعية ضرورية ومشرفة. وهذا واجبنا لحماية حريتنا وحقوقنا. لأن القتال لمجرد الغزو والمجد، ليس ضروريا، ولا هو خيار الشرفاء، ولا من أصول الأخلاق الحميدة.

أنطونيوس، وفقا لتوصية أدريان، جعل ماركوس أوريليوس خليفته، وزوجه من ابنته الصغرى، فوستينا. توفي هذا الإمبراطور الطيب من الحمى عام 161 م، بعد 23 عاما من الحكم السلمي، عن عمر 75 عاما.

خلف ماركوس أوريليوس حماه في الحكم، وأخذ اسم أنطونيوس. شارك شقيقه لوسيوس فيروس في الحكم. لكن لوسيوس كان شخصية تجلب العار أينما يذهب. لحسن الحظ، توفي بعد فترة وجيزة، لكي ينفرد أوريليوس بالحكم، ويكون هو الامبراطور وحده.

كان متعلما ومثقفا إلى درجة عالية جدا، لذلك، كان يدعى في التاريخ أنطونيوس فيلوسوفوس، أي أنطونيوس الفيلسوف. كتب عملا بعنوان "تأملات"، يحتوي على الكثير من النصائح الممتازة التي تصلح لكل إنسان وكل عصر.

باع كل ما يملك من لوحات ومجوهرات لدفع نفقات بعثة حربية، بدلا من إجهاد رعاياه بضرائب جديدة. من أخطائه، إن كانت له أخطاء، هي تساهله بالنسبة لأخيه الشرير وزوجته الحمقاء، وتفاخره بعلمه.

من أخطائه أيضا، تسامحه الشديد. لقد كان يغفر أخطاء، في أوقات لا يجب أن تغفر فيها. لأنه من واجب الجميع، وخاصة الملوك والحكام، محاربة الرذيلة، بمعاقبة مقترفها؛ وتعزيز الفضيلة، بمكافأة صاحبها.

سعى أفيدوس، وهو جنرال عند الإمبراطور، إلى إزاحته، لكي يصبح هو نفسه إمبراطورا. فأعلن أوريليوس أنه سيتخلى عن الإمبراطورية دون إراقة دماء، إذا كانت مصلحة شعبه تقتضي ذلك.

لكن تم قتل أفيدوس بأيدي ضباطه. عندما أُحضر رأسه إلى أوريليوس، أمر بدفنه بشكل لائق، وتصرف بتساهل كبير مع بقية المتمردين. عندما قال أحدهم، أفيدوس لم يكن ليتصرف برحمة، لو كان هو المنتصر. أجاب أوريليوس ببساطة، " لم أكن حاكما سيئا، أو مقصرا في حق الآلهة، لكي أخاف من أفيدوس عندما يعتلي الحكم".

أصيب أوريليوس بالطاعون في فيينا، وتوفي عام 180 م، في السنة التاسعة والخمسين من عمره، بعد عهد مجيد، وحكم دام 19 عاما.

خلفه ابنه كومودوس. الذي كان يجب أن يفهم أنه: "لا ثروة ترضي طاغية، ولا قوة تحميه". حكم هذا الظالم لم يدم طويلا. وكما يبدو، أن الحكام، لا يعرفون كيف يحكمون أنفسهم، قبل حكم رعاياهم.

لم يستفد كومودوس من علم وسلوك والده شيء. كان جاهلا ومحتقرا، بقدر ما كان شريرا وقاسيا. كان خائفا جدا، لدرجة أنه كان يحلق لنفسه، خشية أن يقوم الحلاق بقطع رقبته بالشفرة.

ومع ذلك قتل في سن الواحدة والثلاثين من عمره، عام 192 م. ربما، مشكلة كومودوس نشأت من اعتدال والده وتساهله مع ابنه. فالتربية السليمة، تتطلب الشدة والحزم في بعض الأحيان. ولا شيء يدمر مستقبل الأطفال مثل تدليلهم والتساهل معهم عندما يخطئون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن