الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الصحافة .... ازمة الصحافة العربية واعلان ال (نيويورك تايمز) !

ليث الحمداني
(Laith AL Hamdani)

2021 / 9 / 27
الصحافة والاعلام


أعلنت صحيفة (نيويورك تايمز) ألامريكية في مطلع شهر آب الحالي تخطيها عتبة 8 ملايين مشترك بنسختيها الالكترونية والمطبوعة معربة عن املها في أن يرتفع هذا الرقم الى 8 ونصف بحلول نهاية العام ، الخبر حمل تحليلا اقتصاديا مفصلا حول موارد الجريدة من الاشتراكات اشار الى ان ايراداتها ارتفعت بنسبة 16% لتبلغ 339مليون دولار وقفزت عائدات الاعلانات بنسبة 66% مقارنةً مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
توقفت امام هذا الخبر الذي حمل تفاصيل آخرى وسرحتُ طويلاً مع واقع للصحافة العربية التي باتت تعاني من سكرات الموت وتضع اسباب ذلك في سلة واحدة هي (تطور تقنيات الاتصالات و وسائل التواصل الاجتماعي) رغم ان الصحافة في العالم كله تعاني من هذه المشكلات ولكنها تعمل للتغلب عليها، وصحيفة (النييورك تايمز) نموذجاً فقد ادركت ان التقدم التكنولوجي امر واقع يجب التأقلم معه واستخدامه لتطوير اعمالها، ومكنها ذلك من استخدام عناصر مهمة في هذه التكنولوجيا كالصوت والصورة والالوان والفيديو والانفوغراف لدعم مادتها الاعلامية، لقد اعادت النييويورك تايمز صياغة عملها المهني في ضوء المتغيرات و وظفت التقنيات الجديدة في تغطياتها الصحفية، فمكنها ذلك من جذب القراء اضافةً الى دخولها الى المحتوى الترفيهي البعيد عن القضايا الجادة حتى قبل وباء الكورونا وهي بذلك لبت رغبات الملايين ممن يرغبون بالابتعاد عن اخبار السياسة والكوارث والازمات فضمت الى موادها ارشادات الطهي، وحل الكلمات المتقاطعة، وايضاً بدأت منذ العام 2017 بنشرتها الصوتية المجانية (اليومي) التي تشرح قضية تشغل بال الرأي العام في ذلك اليوم وتستغرق 20-30 دقيقة يومياً وقد حققت نجاحاً هائلاً بحيث تجاوز عدد المستمعين المليوني مستمع خلال اليوم الواحد،هذه الصورة من التأقلم مع التكنولوجيا.
نعود الى قضية ولاء القارئ للصحيفة ودوره في دعمها ، كنت قد كتبت قبل شهور في مدونتي على (الفيس بوك) مقالة سريعة بعنوان ( الصحافة و ولاء القارئ .. ملاحظات سريعة) أشرت فيه يومها الى ان صحيفة (الغارديان) البريطانية كشفت في تقرير لها ان اكثر من مليون قارئ ساهموا بتمويلها خلال السنوات الاخيرة مع دفع 500 الف شخص مبالغ مالية بانتظام للجريدة، يومها قالت رئيسة تحريرها كاترين ماينر ان ذلك يظهر طريقة جديدة للصحافة من اجل استعادة اهميتها ومكانتها الموثوقة.
وفي مقالتي تلك استشهدتُ بعبارة للصحفي اللبناني فارس خشان رثى بها جريدة (المستقبل) التي عمل فيها لسنوات طويلة قال خشان: (ازمة الصحافة الورقية مجرد فقر خيال وعسر على التأقلم والاستجابة)، اليوم اكرر تلك العبارة لأنني أرى ان ماحققته الـ نيويورك تايمز هو ثراء في الخيال وقدرة على التأقلم والاستجابة.
نعود للصحافة العربية وسأركز على لبنان حيث كانت عاصمته بيروت عاصمةً للحرية وللصحافة العربية في الخمسينات والستينات، في لبنان توقفت العديد من الصحف ابرزها (السفير) (الحوادث) (البيرق) وصحف دار الصياد (الانوار) (الصياد) (الشبكة) وصحيفة (صدى البلد) و(المستقبل)، واتوقف هنا امام سطور وردت في مقالة للصحفي المخضرم جهاد الزين كتبها قبل العديد من هذه التوقفات قال فيها: (لقد احدث المال السياسي كسلاً يمكن ان نعتبره تاريخياً في الصحافة اللبنانية، احدث رخاء منذ العهد (الناصري - السعودي) في الخمسينات الى العهد (القذافي - الصدامي - الجزائري) في السبعينات ثم (الخليجي - الايراني) في التسعينات وماتبقى من كل ذلك اليوم) .
شخصياً عاصرت الصحافة اللبنانية في نهاية الستينات من قرب واعتقد ان هذا (الكسل) وفيما بعد (الحرب الاهلية) والظروف الحياتية الصعبة وتبعاتها اضعفت من ولاء القارئ للصحيفة، كنتُ المس هذا الولاء قبل الحرب وتحديدا نهاية الستينات بوضوح يوميا من قراء غير مؤدلجين يتابعون جريدة (النهار) احدى ابرز الصحف المؤسساتية في لبنان ، بعضهم كان يعتبرها صحيفة يمينية ولكنه لا يستغني عن قراءة عمود ميشيل ابو جودة أو غسان تويني يومياً، اما القراء المؤدلجين فضلوا على ولائهم لصحافة الانظمة العربية الممولة والكسولة وصحافة الاحزاب التي تحولت الى نشرات دعائية تخلو من اي جهد مهني والتي انتهت نهاية طبيعية بنهاية تلك الانظمة وتراجع تلك الاحزاب جماهيريا وابتعادها عن الشعارات التي كانت ترفعها في ممارساتها اليومية وفي تحالفاتها.
يجب ان لاننسى ايضاً ان تضييق هامش الحريات في لبنان الذي بدأ مع دخول النظام السوري الى لبنان واعتبر ذلك امر طبيعي اذ لايمكن لنظام سياسي مثل نظام البعث السوري ان يسمح بحرية الصحافة في بلد مجاور له اصبح تحت سيطرته العسكرية وهو أي النظام السوري كان قد الغى مفهوم حرية الصحافة في بلده سوريا، بل انه اجهز على التاريخ المهني الطويل للصحافة السورية وطرح بديلاً لها صحافة موحدة هي صحافة (الحزب القائد).
في ظل تلك الاوضاع وماتبعها من هيمنة سلاح حزب الله على الدولة انعدمت الحريات الصحفية وتراجعت المهنة الصحفية في لبنان ، تم اغتيال العديد من الصحفيين المعارضين للسياسة السورية ومنهم (سليم اللوزي الناشر ورئيس تحرير مجلة الحوادث مارس 1980)، (رياض طه ناشر ورئيس تحرير جريدة الكفاح اليومية ومجلة الاحد الاسبوعية تموز 1980)، (سمير قصير الصحفي المعروف يونيو 2005)، (جبران تويني رئيس تحرير النهار ابرز الصحف اللبنانية ديسمبر 2005) واخر القائمة (الناشر والكاتب لقمان سليم فبراير 2021).
ولايمكن ان نتجاوز احداث 7 ايار حين اقتحمت ميليشيات حزب الله وانصاره مقر تلفزيون المستقبل وهددت الصحفيين واوقفت البث، هذه الاحداث اسهمت قبل العامل التكنولوجي في انحسار الصحافة العربية في عاصمتها بيروت واضعفت الولاء للصحيفة في اوساط القراء.
الصحافة المصرية ليست افضل حالا فقد تم مؤخرا ايقاف الصحف المسائية وتحويلها الى مواقع الكترونية وهناك احاديث الان عن توقف صحف يومية قريبا رغم ان الصحافة الحكومية التي يسمونها (الصحافة القومية) مدعومة من الدولة التي تنفق عليها مليار و600 مليون جنيه مصري سنويا ، وبالتاكيد فأن تراجع الحريات الصحفية والتضييق عليها اسهم في فقدان هذه الصحافة لولاء القاريء الذي بات يراى فيها نشرات دعائية لسياسات الحكومة .
الصحافة الاردنية التي كانت تتمتع بهامش محدد من الحرية وكانت تعتمد في تمويلها على الاعلان وتحقق ارباحا سنوية تعرضت هي الاخرى لانتكاسة كبيرة نتيجة تقلص سوق الاعلان واليوم تعاني (الراي) و(الدستور) كبريات الصحف الاردنية من مشكلات مالية تهدد وجودها .
لن اتحدث عن الصحافة السورية فما موجود في سوريا من اصدارات حكومية هو نشرات دعائية لاترقى مهنيا الى مستوى صحافة سوريا في الاربعينات والخمسينات ، اما العراق الذي شهد فوضى في سوق الصحافة بعد الاحتلال الامريكي تراجعت الان فهو بحاجة الى مقالة تفصيلية .
ان تراجع الصحافة العربية عموماً ليس سببه التكنولوجيا فقط كما يصورون بل غياب الحريات الصحفية الذي ادى الى غياب المؤسسات الصحفية المستقلة عن المشهد ولبنان كان نموذجاً، ايضاً عزوف القارئ العربي عن صحافة تحولت الى اداة اعلامية ساذجة تابعة لأنظمة واحزاب سياسية لم تقدم لجمهورها سوى الشعارات الرنانة ، تلك هي الجقيقة التي لا يراها البعض ممن يعلق الفشل برقبة التطور التكنولوجي.
ويؤكد خبراء في الاعلام (ان المؤسسات الاعلامية العربية بشكل عام تفتقد الى استراتيجيات مبتكرة في مجال المحتوى الاعلامي بكل مجالاته، فاذا كانت المادة المقدمة ضعيفة المحتوى ولم تعد تقنع الجمهور لمتابعتها او قراءتها فكيف سيدفع ثمنا لها؟ وكيف ستتحقق الصلة والارتباط مع الجمهور في المقام الاول ؟)
ان الصحافة العربية التي تمكنت من الاستمرار حتى الان بحاجة فعلا الى تطوير الية عملها وتقديم وابتكار خدمات صحفية تحترم عقل القاريء وتواكب التطورات التقنية السريعة .
(النيويورك تايمز) قالت مع تحقيقها للارباح في نسختها الرقمية ،ان لاوصفة سحرية للتقدم، انه المحتوى الصحافي المتميز الذي يحظى بتقدير القراء ويغريهم بالدفع ..
فهل ستدرك الصحف العربية هذه الحقيقة ؟
*صحفي عراقي عضو سابق في مجلس نقابة الصحفيين العراقيين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا