الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكّ بالخبز اليابس

حسن مدن

2021 / 9 / 28
العولمة وتطورات العالم المعاصر


قبل أن يذهب لحال سبيله، بوصفه أصبح مديراً عاماً سابقاً لصندوق النقد الدولي، صُفع السيد ميشال كامديسو على وجهه بكعكة بالكريما. كان كامديسو يلقي خطابه الأخير أمام المؤتمر العاشر للتجارة والتنمية التي تنظمه هيئة الأمم المتحدة حين فاجأه شاب أمريكي تسلل إلى القاعة ورماه بالكعكة. وبدا مدير صندوق النقد الدولي أمس أمام كاميرات التلفزيونات وفي الصورة الملونة على صفحات الجرائد وآثار الكعكة بالكريما بلونيها الأبيض والأحمر واضحة على خديه وأنفه. يقال إنه انسل إلى زاوية ليزيل الآثار العالقة قبل أن يعود مواصلاً خطابه.

أما الشاب الذي قذفه بالكعكة فهو واحد من آلاف شاركوا في التظاهرات أطلقت حركة احتجاج جماعية على مستوى العالم ضد سياسات الشركات العابرة للقارات وأدواتها المالية التي يشكل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أبرزها. والواقع أن فكرة قذف كبار السياسيين بالأكل ليست جديدة، سواء كانوا يمشون في الشوارع تحت الحراسة أو يلقون كلماتهم على منصات الخطابة.

وكان البيض الفاسد والطماطم من أشهر المواد الغذائية التي استخدمت لهذا الغرض، وفي التاريخ الحديث أمثلة كثيرة على ذلك، والواضح أن اختيار هاتين المادتين، أعني البيض والطماطم، لم يأت عبثاً ذلك أن لزوجة كل منهما تترك آثاراً واضحة على وجه وملابس المستهدف.

والفكرة إلى ذلك تنطوي على تحقير ضمني، رمزي، فبدلاً من الحجارة مثلاً التي هي أوقع فعلاً وأشد أثراً وإيلاماً لو قذفت على أحدهم يجري اختيار الطماطم الفاسدة والبيض الفاسد في إشارة رمزية ترمي إلى القول: هذا قدركم!، أو هذا كثير عليكم، أو إنكم لا تستحقون أكثر من ذلك. لكن الشاب الأمريكي الذي يدعى روبرت نيمان القادم من مظاهرات سياتل ابتكر طريقة جديدة للاحتجاج على من يسببون الأذى للفقراء وللشعوب المغلوبة على أمرها في العالم الثالث، هي القذف بالكعكة بالكريما. الطريف أن مريدين ومؤيدين ومناصرين للشباب تجمعوا تحت لواء جمعية أو هيئة اختارت لنفسها عنواناً طريفاً هو: "حلوانيين بلا حدود" مذكرين إيانا بأسماء منظمات عالمية أخرى كمنظمة "أطباء بلا حدود"، وإنهم تخصصوا في إلقاء كعكات الحلوى على "هوامير" العولمة.

لكن في اختيار الكعكة تكمن فكرة وجيهة. ما من أكلة يرمز بها إلى تقاسم المنفعة سوى الكعكة. نقول عن المرتشين وسماسرة الصفقات إنهم اقتسموا الكعكة، ولا نقول إنهم اقتسموا الخبز أو الرز مثلاً. الخبز للفقراء، دلالة الكفاف والفاقة والحد الأدنى اللازم لتجديد دورة الحياة، أما الكعكة فدلالة الرفاه، دلالة الغنى. ومن سوء حظ الكعكة أن اقتسامها بات مثالاً يضرب على اقتسام المال الحرام، ألهذا السبب أراد هؤلاء الشباب الظرفاء، وهم في الجوهر أعمق من ذلك بكثير، أن "يؤدبوا" مقتسمي المال الحرام من جهابذة العولمة برمز حرامهم؟

فكرة قذف هؤلاء الجهابذة بالكعكة بالكريما فكرة طريفة، عصرية ومبتكرة، لكن جلود هؤلاء غليظة. إنها بحاجة لأن تحك بكسرات الخبز اليابس الذي يدمي، نعم، الخبز اليابس، تعبيراً عن يباس شعوب بكاملها لا تسأل عن حصتها من الكعكة، إنما تطلب الرغيف، الرغيف فحسب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استهداف فلسطينيين أثناء تجمعهم حول نقطة للإنترنت في غزة


.. طلبة في تونس يرفعون شعارات مناصرة لفلسطين خلال امتحان البكال




.. الخارجية القطرية: هناك إساءة في استخدام الوساطة وتوظيفها لتح


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش خياري إيران ورفح.. أيهما العاجل




.. سيارة كهربائية تهاجر من بكين إلى واشنطن.. لماذا يخشاها ترمب