الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءات في كتاب - الثروة، الفقر والسياسة- الممرات المائية (4)

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2021 / 9 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الفصل الثاني: الممرات المائية WATERWAYS
"يجب أن يكون المهد الجغرافي هو السند الأساسي لأية حضارة." Fernand Braudel. ( فرنان بروديل 24 أغسطس 1902 - 27 نوفمبر 1985 مؤرخ فرنسي، من مؤسسي مدرسة الحوليات الحديثة. ركزت دراساته على ثلاثة مشاريع رئيسية، تطلب كل منها عدة عقود من الدراسة المكثفة: البحر الأبيض المتوسط (1923-1949 ومن 1949-1966)، الحضارة والرأسمالية (1955-1979) والهوية الفرنسية غير المكتمل (1970-1985). من أقواله: "لا يمكن للمؤرخ أن يكون على قدم المساواة إلا مع تاريخ بلده، فهو يفهم بشكل يكاد يكون غريزياً تطوراته المفاجئة وتحولاته، تعقيداته وجوانب أصالته وضعفه، ومهما كانت ثقافة المؤرخ عظيمة، فإنه لا يمكنه التمتع بهذه الميزة عندما يرحل إلى ساحة أخرى". من الويكيبيديا)
تلعب الممرات المائية العديد من الأدوار الحيوية - كمصادر لمياه الشرب للإنسان والحيوان، كمصدر للغذاء مثل الأسماك والكائنات المائية الأخرى، كمصادر لري المحاصيل وشرايين لنقل البضائع والأشخاص. تختلف الممرات المائية عن بعضها البعض في كل هذه الأدوار، بطرق تجعل من قيمتها أكثر أو أقل للبشر. بعبارة أخرى، فهي تساهم في عدم المساواة الاقتصادية وغيرها من أوجه عدم المساواة.
من الواضح أن الممرات المائية تختلف من حيث النوع - من الأنهار إلى البحيرات والموانئ والبحار - ولكل نوع بدوره اختلافاته الداخلية الخاصة، قابلية الملاحة على سبيل المثال. الأنهار التي تتدفق برفق عبر سهول واسعة النطاق، كما هو الحال في أوروبا الغربية، أكثر قابلية للاستخدام، سواء بالنسبة للتجارة أو نقل الناس، من الأنهار التي تنحدر من ارتفاعات كبيرة عبر المنحدرات والشلالات، كما هو الحال في معظم أفريقيا؛ جنوب الصحراء الكبرى. في الواقع، يمكن أن يختلف تيار المياه نفسه في أماكن مختلفة على طول طريقه إلى البحر: السيل الذي يتدفق من منبعه في الجبل ليس النهر الذي يصل البحر. بعد أن يتلقى المياه اللبنية من جداول تغذيها الأنهار الجليدية خلال رحلته الطويلة من المرتفعات إلى الأراضي المنخفضة، موحل بسبب مروره عبر الأراضي الزراعية، بينما كان مياهً صافية أثناء تدفقه من هضبة مكونة من الحجر الجيري، متحملا عبء التربة المفتتة على ضفتيه خلال جريانه من المنبع الى المصب.
على الرغم من أن الدور الذي لا غنى عنه للممرات المائية وهو توفير مياه الشرب للإنسان والحيوان، والتي بدونها لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة، إلا أن أحد أهم أدوارها بالنسبة لتطور الاقتصاد باعتبارها "شرايين النقل transportation arteries". الحقيقة الحاسمة حول دور الممرات المائية كشرايين لنقل البضائع والأشخاص هي البون الشاسع في التكلفة بين النقل البري والنقل المائي، والتي كانت أكبر خلال آلاف السنين قبل ظهور النقل البري الآلي؛ قبل أقل من قرنين من الزمان.
كلف نقل طن من البضائع مسافة 300 ميل على اليابسة أكثر من 30 دولارًا، مقارنة ب 10 دولارات فقط لشحنها مسافة 3000 ميل عبر المحيط الأطلسي في عام 1830، على سبيل المثال. إحدى نتائج هذه الفوارق الكبيرة في تكلفة النقل هو أن الناس الذين يعيشون في مدينة تفليس في القوقاز، على بعد 340 ميل من حقول النفط في باكو برا، لكنها استوردت النفط، على بعد 8000 ميل، من الولايات المتحدة، عن طريق البحر. وبالمثل كان الوصول إلى سان فرانسيسكو من ضفاف نهر ميسوري أسرع وأرخص عبر المحيط الهادئ من ميناء في الصين من النقل برا قبل إنشاء خط السكك الحديدية العابر للقارات في أمريكا، منتصف القرن التاسع عشر.
لا يوجد لغز في سبب تحديد مواقع العديد من المدن حول العالم على الممرات المائية الصالحة للملاحة، خاصة قبل ثورات النقل خلال الـ 200 عام الماضية التي أنتجت النقل الآلي على الأرض، بالنظر لحاجة نقل كميات هائلة من الطعام والوقود وغير ذلك من ضروريات الحياة إليها، ونقل كميات هائلة من إنتاجها للبيع. تقع بعضها عند نهاية الأنهار العظيمة التي تصب في البحار المفتوحة (نيويورك، لندن، شنغهاي، روتردام)، وأُخرى تقع بجوار بحيرات ضخمة أو بحار داخلية (جنيف، شيكاغو، أوديسا، ديترويت) وأُخرى تقع في مناطق رائعة. الموانئ التي تفرغ في البحار المفتوحة (سيدني، سان فرانسيسكو، طوكيو، ريو دي جانيرو). غالبًا ما تخدم المدن الداخلية الكبرى مثل باريس عدة أنهار. كما قال المؤرخ الفرنسي فرناند بروديل: "لولا أنهر: Seine, Oise، Marne و Yonne لم يكن لباريس ما تأكله أو تشربه أو تدفئ به.
حتى بعد إنشاء النقل البري الآلي، لم تختف التكلفة التفاضلية بين النقل البري والنقل المائي. في أفريقيا القرن العشرين، كانت التكلفة المقدرة لشحن سيارة براً من جيبوتي إلى أديس أبابا (342 ميلاً) هي نفس تكلفة شحنها عن طريق المياه من ديترويت إلى جيبوتي (7386 ميلاً).
عند النظر إلى الأمر بشكل مختلف، حيث كان هناك نقص في الممرات المائية الصالحة للملاحة، غالبًا ما كانت إمكانية الوصول إلى العالم الخارجي محدودة للغاية، مما أدى إلى تقلص العالم الثقافي بشكل كبير - ومعه تقلص فرص الشعوب للتواصل مع الشعوب والثقافات الأخرى البعيدة. في بعض الحالات، كان ندرة الممرات المائية ووجود حواجز جغرافية يعني أن الأشخاص الذين يعيشون على بعد 10 أو 20 ميلاً فقط من بعضهم البعض غالباً ما يكون لديهم اتصال ضئيل للغاية. كان هذا هو الحال بشكل خاص في الأماكن التي تفتقر إلى الخيول أو الجمال أو غيرها من الحيوانات الثقيلة، خلال القرون العديدة التي سبقت تطور وسائل النقل والاتصالات الحديثة. من الحقائق الرائعة حول قارة إفريقيا أنه على الرغم من أن مساحتها تزيد عن ضعف مساحة أوروبا، إلا أن الساحل الأفريقي أقصر من الساحل الأوروبي الذي يمكن للسفن أن ترسو فيه، محمية من المياه الهائجة للبحار المفتوحة. علاوة على ذلك، يزداد الخط الساحلي لأوروبا من خلال العديد من النتوءات والالتفاف حول الجزر وشبه الجزر التي تشكل أكثر من ثلث إجمالي مساحة اليابسة في تلك القارة الأوروبية. على النقيض من ذلك، فإن الساحل الأفريقي سلس، فيها عدد قليل من الموانئ الطبيعية الجيدة، وعدد أقل من الجزر وشبه الجزر- التي تشكل 2 في المائة فقط من مساحة اليابسة في إفريقيا. بينما تبلغ نسبة الساحل الأوروبي إلى مساحتها أربعة أضعاف مثيلتها في إفريقيا. علاوة على ذلك، فإن المياه الساحلية حول إفريقيا - جنوب الصحراء غالبًا ما تكون ضحلة جدًا بحيث يتعذر على السفن العابرة للمحيطات أن ترسو في مثل هذه الأماكن، يجب أن ترسو السفن الكبيرة العابرة للمحيطات في البحر، وتفريغ حمولتها على سفن أصغر يمكن أن تبحر في المياه الضحلة. لكن هذه العملية التي تستغرق وقتًا طويلاً، والكمية الأكبر من العمالة والمعدات المطلوبة، تزيد التكلفة - وغالبًا ما تكون باهظة. أبحرت التجارة البحرية بين أوروبا وآسيا حول أفريقيا لقرون، ونادرًا ما توقفت حتى في تلك الأماكن القليلة التي يمكن أن تدخل فيها السفن الكبيرة إلى إفريقيا خلال أنهار عميقة، فإن سواحل إفريقيا الاستوائية فيها سهول ساحلية ضيقة تنتهي غالبًا بشكل مفاجئ مقابل الجروف escarpments. إحدى النتائج الهامة لهذه الطبيعة من الأرض هي أنه حتى في الأماكن التي يمكن للسفن دخول القارة على الأنهار الأفريقية ، فإنها نادرا ما يمكن أن تبحر بعيدا الى العمق قبل مواجهتها مع الشلالات.
و للسبب نفسه، نادرًا ما تكون القوارب القادمة من المناطق الداخلية الشاسعة للقارة قادرة على الاستمرار الى البحر المفتوح، كما تفعل القوارب - وحتى السفن الكبيرة - في أماكن مختلفة على اليابسة الأوراسية أو في أجزاء من نصف الكرة الغربي.
على النقيض من إفريقيا، تمتلك الصين شبكة ضخمة من الممرات المائية الصالحة للملاحة، والتي توصف بأنها "فريدة من نوعها في العالم"، تكونت من نهر اليانغتسي وروافده، بالإضافة إلى خط ساحلي مليء بالموانئ. القرون التي كانت فيها الصين هي الدولة الأكثر تقدما في العالم ، عندما ماكان أوروبا في مرحلة العصور الوسطى.
أنهار RIVERS:
لم تكن الممرات المائية في الصين فقط في الموانئ، ولكن في الأنهار أيضاً، بعكس ما موجود في إفريقيا. أفريقيا قارة جافة نسبيًا، والعديد من أنهارها ليست عميقة بما يكفي لحمل السفن الكبيرة ذات الأحمال الثقيلة التي يتم نقلها على أنهار الصين أو أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة. حتى نهر النيل لم يكن قادرًا على حمل أكبر السفن في أيام الإمبراطورية الرومانية، ناهيك عن السفن الأكبر الوقت الحاضر.
لا يقل أهمية متوسط ​​عمق النهر عن الحد الأدنى لعمقه على طول مسار رحلة سفينة معينة، وهو ما يحدد إلى أي مدى يمكن أن يذهب قارب أو سفينة بحجم ووزن معينين. يمكن تطبيق نفس العبارة - "قابل للملاحة" - على العديد من الممرات المائية المختلفة جدًا، ولكن بمعاني مختلفة جدًا في ظروف محددة. على الرغم من أننا قد نتحدث بشكل عام، عن ظروف الممرات المائية أو السمات الجغرافية الأخرى لبلد معين، إلا أنه يجب الحذر دائمًا أن هذه الشروط لا تسود بالضرورة بشكل موحد في جميع أنحاء ذلك البلد أو في جميع أنحاء مناطق معينة داخل ذلك البلد. نادرًا ما تسود المساواة الجغرافية على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي.
حتى في أمريكا الشمالية، مع العديد من الأنهار الطويلة والكبيرة، حيث توجد في السهول الغربية الجافة من الممرات المائية للولايات المتحدة "صالحة للملاحة فقط في فترات نادرة وقصيرة، وفقط للزوارق أو الزوارق المسطحة جدًا". كما تبين أن نهرا موهوك Mohawk River, في شرق الولايات المتحدة، الذي كان صالحًا للملاحة لزوارق البتولا birch canoes التي كانت تحمل الفراء للتجارة في الأيام الأولى للبلاد، غير مناسب لحمل الأسلحة الثقيلة المستخدمة في حرب 1812. يوجد في نهر Cumberland River عقبات الشعاب المرجانية، وفي بعض الأحيان انقطاعات طويلة في الملاحة، بسبب تغير أعماق مياهها في المواسم المختلفة.
اتخذت التدخلات التي من صنع الإنسان في الأنهار الأمريكية، وفي أجزاء أخرى من العالم، أشكالًا مختلفة، بما في ذلك بناء النواظم والسدود أو الكري، ولكن هذه التدخلات لم يتم بشكلٍ متساوٍ بأي حال من الأحوال، لأن بعض المجتمعات أو المناطق أو الدول لديها كانت قدرة أكثر على دفع ثمن هذه الأشياء، تبرر بعض الظروف النفقة والبعض الآخر لم يفعل ذلك. في القرن الماضي كانت هناك عدد قليل من الجسور للمركبات في جبال كنتاكي Kentucky حتى في أوائل العشرينات الرغم من أن جسور المشاة كانت أكثر شيوعًا. لذلك كان من الضروري، في كثير من الأحيان، للمسافرين عبور الأنهار، وهو أمر اشتكى منه توماس جيفرسون في فيرجينيا، منذ أكثر من قرن.
الممرات المائية، مثل الميزات الجغرافية الأخرى من حقائق الحياة التي كان على البشر التكيف معها بأفضل ما يمكنهم خلال آلاف السنين الماضية. مع نمو المعرفة البشرية وتطورها، تمكن تغيير العديد من هذه السمات الجغرافية بدرجات متفاوتة بالتكاليف التي لم تكن بالضرورة متساوية في جميع أنحاء العالم، ولم تكن في متناول الأشخاص ذوي الثروات المتفاوتة على نطاق واسع.
تمكن بناء القنوات في بعض الأماكن لربط الأنهار، وفي أماكن أخرى - مثل السويس أو بنما - تم بناء قنوات تربط البحار أو المحيطات، مع تأثيرات اقتصادية وعسكرية كبيرة. يمكن بناء الموانئ حتى على اليابسة، وحفر الجبال لتوفير أنفاق للسكك الحديدية ولاحقًا لحركة مرور السيارات. وبالطبع يمكن للطائرات في نهاية المطاف أن تحلق فوق أخطر الحواجز الجبلية التي هيمنت على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للشعوب منذ زمن بعيد. ولكن، مثل السمات الجغرافية التي أثروا عليها، نادرًا ما كانت هذه العوامل التي من صنع الإنسان متساوية تقريبًا في عواقبها على شعوب مختلفة في أجزاء متفرقة من العالم. كما لم تكن التفاوتات خلال حقبة واحدة هي نفسها من حيث مآلاتها في العصور اللاحقة، حيث أدت المعرفة البشرية المتزايدة إلى تغييرات جديدة، والتي أثرت حتماً على البيئات الطبيعية القائمة والتي من صنع الإنسان.
على الرغم من أن طريق سانت لورنس البحري الكندي صالح للملاحة بواسطة بعض السفن العابرة للمحيطات، وصولًا إلى البحيرات العظمى، هذا لا يعني أنه صالح للملاحة بواسطة جميع السفن العابرة للمحيطات. عندما تم إجراء تحسينات كبيرة من صنع الإنسان على طريق سانت لورنس البحري في عام 1959، ولسنوات عديدة بعد ذلك، كانت صالحة للملاحة من قبل معظم السفن العابرة للمحيطات في العالم في ذلك الوقت، ولكن مع نمو السفن العابرة للمحيطات بشكل أكبر وأكبر على مر السنين، لم تعد اليوم صالحة للملاحة من قبل معظم السفن العابرة للمحيطات، على الرغم من أنها لا تزال صالحة للملاحة من قبل الكثيرين.
يتسم نهر زامبيزي Zambezi في أفريقيا بأعماق شديدة التباين من مكان إلى آخر ومن موسم الأمطار إلى موسم الجفاف. في بعض الأوقات والأماكن بالكاد يكون نهر زامبيزي صالحًا للملاحة بالقوارب التي تتطلب 3 أقدام فقط من الماء، على الرغم من أنه في أوقات وأماكن أخرى يكون مستوى المياه أعمق 20 قدمًا خلال موسم الجفاف، حتى نهر كبير في غرب إفريقيا مثل النيجر يمكن أن يحمل الصنادل barges التي لا يزيد وزنها عن 12 طنًا في بعض الأماكن. ولكن في الصين، تمكنت السفن التي تزن 10 آلاف طن الملاحة لمئات الأميال في Yangtze River بشكل مستمر. تم وصف أفريقيا -جنوب الصحراء من حيث معالم الأرض بأنها اللعنة التي تحول كل نهر إلى سيل منغمس عند اقترابه من البحر تقريبًا. تقع معظم أراضي إفريقيا الاستوائية على إرتفاع تزيد ب1000 قدم فوق مستوى سطح البحر ويزيد إرتفاع جزء كبير منه عن مستوى سطح البحر بأكثر من 2000 قدم. وهكذا يبدأ نهر زائير Zaire على ارتفاع 4700 قدم وبالتالي يجب أن ينزل تلك المسافة العمودية قبل أن يصب في المحيط الأطلسي، مما يخلق منحدرات وشلالات في الطريق. على الرغم من أن نهر زائير فيها مياه أكثر من المسيسيبي أو نهر اليانغتسي أو نهر الراين، فإن ذلك لا يجعلها معادلة لهذه الممرات المائية التجارية الرئيسية وغيرها في أماكن أخرى، لأن الانغماسات العديدة في زائير تعيق قدرتها على الملاحة، على الرغم من أنها قد تحمل حركة داخلية مكثفة للعديد من الممرات المائية. هذا النمط شائع بين أنهار إفريقيا جنوب الصحراء.
هناك نمط آخر شائع في أجزاء من إفريقيا الاستوائية وهو التقلبات الواسعة في مستوى المياه في أنهارها، بسبب كميات الأمطار المتفاوتة للغاية في المواسم المختلفة. على عكس أوروبا الغربية، حيث يسقط المطر بشكل متساوٍ إلى حد ما على مدار العام، باستثناء شبه الجزيرة الأيبيرية، فإن أنماط هطول الأمطار في أجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تشمل فترات طويلة خلالها يتقطع لمطر نهائياً، تليها هطول أمطار غزيرة خلال مواسم الأمطار. بسبب أنماط هطول الأمطار الموسمية، كان الرافد الرئيسي لنهر النيجر Niger River، نهر بينوي Benue River، صالحًا للملاحة في بعض الأماكن لمدة شهرين فقط من العام. وقد أدى ذلك إلى نمط شحن محموم في فترة محددة: إذا سمحوا للمركبة بالبقاء في Benue لمدة يوم طويلاً، فيتعلق السفن على الضفاف الرملية لمدة عشرة أشهر! ومع ذلك، إذا قاموا بسحب الأسطول من خلال التحذير أو المعلومات المضللة في وقت مبكر جدًا، فسيتم ترك الكثير من البضائع القيمة وراءهم ولا يمكن إخلائها إلا عن طريق البر بتكلفة أكبر بكثير. . . القوارب الأولى التي تدخل هي الزوارق التجارية ،commercial canoes ثم تتبع الزورق الأكبر حجمًا larger craft، وأخيراً، عندما يكون هناك ما يكفي من المياه في Lokoja ، تبحر أكبر مركبة كهربائية وصندلها largest power-craft and their barges عبر النهر بأسرع ما يمكن. مع اقتراب نهاية الموسم القصير، يجب أن تخرج المراكب الكبيرة أولاً بسبب انخفاض منسوب المياه وقد تستمر الزوارق الصغيرة بالابحار لبعض الوقت لإخلاء كميات صغيرة من البضائع. في بعض الأحيان، يمكن لزورق الإبحار إلى الشاطئ وإفراغ حمولته قبل الوصول إلى الشلال، حيث يتم نقل كل من الزورق والبضائع حول الشلال، بحيث يمكن للزورق المعاد تحميله المضي قدمًا. فهذه عملية تستغرق وقتًا طويلاً - وبالتالي مكلفة - وتحد من حجم كل من الزورق وحمولته. والنتيجة الصافية هي أن البضائع ذات القيمة العالية فقط بما يتناسب مع حجمها ووزنها تكون مجدية اقتصاديًا للنقل لأية مسافة كبيرة في مثل هذه الأماكن.
على النقيض من ذلك، في أجزاء أخرى من العالم، حيث تكون الأنهار صالحة للملاحة باستمرار لمئات الأميال عبر السهول المستوية، كما هو الحال في أماكن مختلفة على الكتلة الأرضية الأوراسية أو في نصف الكرة الغربي، فإن الشحنات الضخمة ذات القيمة المنخفضة نسبيًا بما يتناسب مع حجمها ووزنها - الخشب أو الفحم أو القمح، على سبيل المثال - قد تكون مجدية اقتصاديًا للنقل لمسافات طويلة حتى داخل القارة نفسها. كانت أنهار أوروبا الغربية مختلفة تمامًا عن الأنهار في أوروبا الشرقية أو جنوب أوروبا، فضلاً عن اختلافها جذريًا عن أنهار إفريقيا جنوب الصحراء. السهل الساحلي الواسع، حيث لا تصل الأرض في أي مكان إلى ارتفاع 1000 قدم فوق مستوى سطح البحر، أوروبا الغربية فيها أنهار بطيئة التدفق، والتي كانت ذات قيمة خاصة في العصور الطويلة قبل أن تتمكن القوارب الآلية من التحرك بسهولة ضد تدفق التيارات سريعة الحركة. غالبًا ما تؤدي أنهار أوروبا الغربية إلى البحار المفتوحة، مما يتيح الوصول إلى الموانئ البحرية حول العالم. لكن معظم الأنهار في أوروبا الشرقية وجنوب أوروبا مختلفة تمامًا، بطرق تؤثر على كل من النشاط الاقتصادي وحجم العالم الثقافي المتاح للسكان الذين يعيشون في المناطق التي تتدفق من خلالها هذه الأنهار. نظرًا لتقليل تأثير الاحترار لتيار الخليج على مناخ أوروبا الغربية كلما اتجهنا إلى الشرق، في كثير من الأحيان تتجمد الممرات المائية لأوروبا الشرقية في الشتاء لمدة أطول .
عندما تتدفق أنهار أوروبا الشرقية، فإنها تصب في البحيرات أو البحار الداخلية في كثير من الأحيان، بدلاً من الخروج إلى البحار المفتوحة التي تتصل ببقية العالم. تصب مياه نهر الدانوب والدون و الدنيبر في البحر الأسود، على سبيل المثال، وتتدفق مياه نهر الفولغا إلى بحر قزوين. لكن معظم المياه في الأنهار الروسية تتدفق نحو المحيط المتجمد الشمالي، الذي يصعب الوصول إليه من بقية العالم مثل المحيطين الأطلسي والهادئ. من بين الأسباب العديدة التي جعلت أوروبا الشرقية متخلفة اقتصاديًا عن أوروبا الغربية لعدة قرون هذه الاختلافات في المجاري المائية .
ساهمت أنهار جنوب أوروبا بشكل أقل في التنمية الاقتصادية لتلك المنطقة. يرجع ذلك جزئيًا إلى وجود عدد أقل من الأنهار الرئيسية في هذه المنطقة مقارنة بأوروبا الغربية أو أوروبا الشرقية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن المناخ في أراضي البحر الأبيض المتوسط أيضاً، ​​ يتميز أوروبا بأمطار غزيرة في الشتاء وأمطار قليلة جدًا في الصيف، حيث تكاد تكون الأنهار جافة تحت تأثير أشعة شمس البحر الأبيض المتوسط ​​التي لا هوادة فيها في ذلك الموسم. المناخات المماثلة في أجزاء أخرى من العالم، مثل ساحل كاليفورنيا أو جنوب غرب أستراليا، سبق الإشارة إليها على أنها مناخات "البحر الأبيض المتوسط". ومع ذلك، حتى داخل منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​نفسها، هناك اختلافات - حيث يكون الصيف أكثر جفافاً في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأكثر جفافاً في الأراضي الجنوبية منها في الشمال.
بالانتقال من الغرب إلى الشرق، يكون هطول الأمطار في روما من يونيو إلى سبتمبر أقل من هطول الأمطار في برشلونة خلال تلك الأشهر الصيفية نفسها، وهطول الأمطار الصيفية في أثينا أقل من ثلث هطول الأمطار الصيفية في روما. الذهاب من الجنوب إلى الشمال، تصبح أنماط هطول الأمطار صيفاً في البحر الأبيض المتوسط ​​أكثر تشابهًا مع تلك الموجودة في بقية أوروبا، ومن الواضح أن هذا يؤثر على الأنهار. لدى ميلانو، في شمال إيطاليا، أكثر من ضعف معدل هطول الأمطار في روما من يونيو حتى سبتمبر، وهي حقيقة أكثر أهمية في الريف الزراعي بالقرب من هذه المدن مقارنة بالمدن نفسها. نظرًا لأنماط هطول الأمطار هذه، يعتبر نهر بو Po River في شمال إيطاليا استثنائيًا بين الأنهار في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​حيث يحتوي على كمية وافرة من المياه على مدار العام، يتلقى نهر بو المياه من الأمطار الصيفية ومن ذوبان الثلوج في الجبال. كما أنها استثنائية من حيث المسافة التي يمكن الملاحة فيها، حيث يتدفق النهر بلطف عبر السهول المستوية .
ليس من المستغرب أن وادي نهر بو، الممتد من تورين إلى البندقية، كان منذ فترة طويلة أحد أكثر المناطق ازدهارًا في إيطاليا. كان شمال إيطاليا أكثرازدهارًا وتعليمًا وتقدماً من الناحية التكنولوجية من جنوب إيطاليا بشكل عام لعدة قرون. معظم الإنجازات الثقافية العظيمة المعترف بها دوليًا لإيطاليا - من جاليليو ومايكل أنجلو وليوناردو دافنشي، على سبيل المثال - جاءت من الشمال. ساهم الموقع، و الممرات المائية أيضاً، في حصول شمال إيطاليا على هذه المزايا، منذ أن كان الجزء الشمالي من البلاد على اتصال وثيق بثقافات أوروبا الغربية.
تؤثر التضاريس على الأنهار أيضًا. حتى بعض الأنهار في إسبانيا التي تتدفق على مدار العام لم يكن لها سوى "امتدادات قصيرة صالحة للملاحة"، بسبب حدود الأرض. غالبًا ما تتدفق الأنهار في منطقة البلقان الجبلية بشدة بحيث لا يمكن الملاحة فيها، باستثناء بعض الأنهار الصالحة للملاحة محليًا. القوارب الصغيرة والطوافات. يمكن أن يصبح الندى مصدرًا مهمًا للمياه في الأماكن التي يكون فيها هطول الأمطار نادرًا جدًا، كما هو الحال في مرتفعات البحر الأبيض المتوسط. حيث الاختلاف الكبير بين درجة حرارة النهار والليل، يسبب في تكوين ندى كثيف بين عشية وضحاها، بحيث يوفر ما يكفي من الماء لتمكين بعض النباتات من البقاء، حيث لا يمكنها البقاء على قيد الحياة إذا اعتمدت على هطول الأمطار فقط.
في نصف الكرة الغربي، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا جغرافية هائلة في مجاريها المائية، كما هو الحال في نواحٍ أخرى - "خط ساحلي جيد تتخلله موانئ رائعة"، على حد تعبير المؤرخ الاقتصادي البارز ديفيد س.، ومن أبرزها نهر المسيسيبي. على عكس كمية المياه المتساقطة للعديد من الأنهار الإفريقية - أكثر من ثلاثين فيضاناً، ينحدر نهر زائير نحو الأسفل من ارتفاع ما يقرب من ألف قدم على مسافة 150 ميلًا - بينما ينحدر نهر المسيسيبي نحو الأسفل بمعدل 4 بوصات لكل ميل تقريباً.
على الرغم من أن نهر النيل هو أطول نهر في العالم، إلا أن نهر المسيسيبي يصب في خليج المكسيك أضعاف كمية المياه التي يصبها النيل في البحر الأبيض المتوسط. قد تكون أنهار إفريقيا أكثر جمالًا بشلالاتها، ولكنها لا تقدم شيئًا مثل نطاق النقل والاتصالات للأنهار التي تتدفق بلطف أكثر عبر السهول المستوية في أجزاء أخرى مختلفة من العالم.
على عكس القدرة المحدودة لنهر النيل على حمل السفن الكبيرة، فإن نهر هدسون Hudson River والمرافئ في سان فرانسيسكو وسان دييغو كلها عميقة بما يكفي لحاملات الطائرات للرسو مباشرة على الرصيف. تشكل البحيرات العظمى نظاماً واسعاً من الممرات المائية المتصلة، أما بحيرة ميشيغان أكبر من دولة إسرائيل وحدها، و بحيرة سوبيريور Lake Superior أكبر من بحيرة ميشيغان. هذه البحيرات عميقة أيضًا بما يكفي للتعامل مع العديد من السفن العابرة للمحيطات، كما كانت منذ عام 1959، عندما سمحت تحسينات من صنع الإنسان ل "نهر سانت لورانس" لمثل هذه السفن بتمديد رحلاتها من المحيط الأطلسي إلى شيكاغو ومدن أخرى تقع على شواطئ البحيرات العظمى في الغرب الأوسط.
كما قال عالم جغرافي مشهور: لا توجد مساحة أخرى كبيرة بنفس القدر من الأرض مجهزة بسخاء بطبيعتها لإنتاج وتوزيع المواد التجارية مثل جنوب كندا وهذا الجزء من الولايات المتحدة شرق جبال روكي. يتميز البناء البسيط لقارة أمريكا الشمالية، التي تتكون من حوض مركزي عريض بين سلاسل جبال بعيدة، بمنحدرات لطيفة إلى المحيط الأطلسي وخليج المكسيك، قد ولّد أنهارًا كبيرة وصغيرة مع سهولة انتقال التيارات، التي فتحت الأرض في كل مكان للمستكشف والتاجر والمستوطن.
لا يمكن افتراض الإعداد الجغرافي المحدد لا يتغير بمرور الوقت، ولا يتغير بالتساوي في أجزاء مختلفة من العالم في نفس الوقت بالنسبة للممرات المائية والميزات الجغرافية الأخرى. العديد من الأنهار، على سبيل المثال، كانت منذ آلاف السنين شرايين ذات اتجاه واحد لحركة المرور في العديد من الأماكن خلال تلك الحقبة الطويلة، يمكن أن تطفو جذوع الأشجار نحو أسفل النهر على سبيل المثال، حتى عندما تكون الطريقة الوحيدة للأشخاص المسؤولين عن تلك الأخشاب للعودة إلى ديارهم عن طريق البر.
ومع ذلك، في بعض الأحيان، عندما يسافر الناس بالقارب وحيث تهب الرياح السائدة في الاتجاه المعاكس للتيار، يمكن رفع الأشرعة وأخذ القارب إلى أعلى النهر، إذا لم يكن التيار قويًا جدًا. وبالمثل عندما كان تدفق النهر بطيئًا ولطيفًا بدرجة كافية بحيث يمكن للمرء أن يجدف بوعاء صغير ضد التيار. في ولاية كنتاكي، على سبيل المثال، يمكن للقوارب المسطحة المجهزة بمجاديف أن تتحرك في اتجاه المنبع في بعض الأنهار. الوضع الأكثر شيوعًا، لعدة قرون، كان هناك حركة مرور في اتجاه واحد فقط على الأنهار. في العصور القديمة، كانت حركة المرور على نهري دجلة والفرات في اتجاه مجرى النهر فقط، كما كان الحال بالنسبة للعديد من الأنهار الأخرى حول العالم لعدة قرون بعد ذلك.
جاء التغيير الحاسم في حركة المرور النهرية مع اختراع القارب البخاري في أوائل القرن التاسع عشر. لقد غير نهر المسيسيبي من شريان أحادي الاتجاه لحركة المرور إلى شريان يمكن فيه للقارب البخاري، بعد عام 1815، العودة إلى أعلى النهر من نيو أورلينز إلى لويزفيل. ضاعف هذا التقدم التكنولوجي بشكل أساسي قدرة النقل للعديد من الأنهار، خلال السماح بسفر الأشخاص وحركة المرور التجارية في كلا الاتجاهين. لكن هذا التطور الثوري جاء أولاً إلى الأماكن التي يمكن أن تحمل القوارب البخارية كلما كانت كلفة النقل النهري تبرر النفقات. كانت معظم حركة المرور على الأنهار في شرق سيبيريا في اتجاه مجرى النهر الى وقت متأخر من أوائل القرن العشرين. وهنا، كما هو الحال في سياقات أخرى كثيرة، تتوقف النتائج على التفاعلات interactions بين مختلف العوامل الجغرافية وغيرها، في هذه الحالة تيارات الرياح ، التكنولوجيا المتغيرة والظروف الاقتصادية المختلفة.
كانت تفاعلات المجاري المائية مع العوامل الجغرافية وغير الجغرافية الأخرى مهمة أيضًا، حتى بصرف النظر عن التغيرات التكنولوجية. نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية، على سبيل المثال، هو أكثر أنهار العالم إثارة للإعجاب من الناحية المادية، من حيث حجم المياه أكبر من أي نهر في العالم، قابلية الملاحة فيه وطوله، وهو ما يقرب من نهر النيل، في حين أن الأمازون تفرغ عشرات المرات من المياه في المحيط الأطلسي أكثر مما يفرغها النيل في البحر الأبيض المتوسط. يفرغ الأمازون أيضًا عدة أضعاف كمية المياه التي يفرغها نهر المسيسيبي في خليج المكسيك. مصدر خمس المياه العذبة التي تدخل جميع محيطات العالم من نهر الأمازون الذي يصب في المحيط الأطلسي.
ومع ذلك، فإن المنطقة التي يتدفق عبرها نهر الأمازون، بغاباتها وتربتها الرديئة، لم تشهد تنمية اقتصادية تجعل منطقة الأمازون قابلة للمقارنة على الإطلاق، كشريان للتجارة، بنهر المسيسيبي أو نهر الراين والدانوب وغيرها، الأنهار التي لا تحتوي ، مجتمعة،على كمية من المياه مثل الأمازون. على العكس من ذلك، فإن نهرًا متواضعًا جدًا مثل نهر التايمز، أقل من 10 في المائة من نهر الأمازون، لعب دورًا اقتصاديًا رئيسيًا كمنفذ شحن لمنطقة الصناعة والتجارة المزدهرة في إنجلترا*. في روسيا، يحتوي كل من نهر ينيسي ولينا على أكثر من ضعف كمية المياه الموجودة في نهر الفولغا، لكن نهر الفولغا هو الذي يحمل حمولة شحن أكبر من أي نهر روسي آخر، لأنه يتدفق عبر المناطق التي تضم معظم سكان البلاد و معظم صناعتها وأراضيها الزراعية.
ما تعنيه هذه الاختلافات بين الممرات المائية، وداخل نوع معين من الممرات المائية، بمنافعها للبشرية هي أن التوليفات والتبادلات المحتملة للعوامل التي تجعلها مفيدة للإنسان عديدة للغاية لدرجة تجعل القيم المتساوية للممرات المائية للبشر الموجودين في أجزاء مختلفة من العالم ، بصرف النظر عن حقيقة وجود الممرات المائية في بعض مناطق العالم أكثر من مناطق أخرى، وهي غير موجودة في الصحاري فعليًا.
المحيطات OCEANS
ليست الأنهار الممرات المائية الوحيدة التي يمكن أن تتغير أدوارها الاقتصادية بمرور الوقت، مع تغير المعرفة والتكنولوجيا البشرية. ربما تكون حالة المحيطات أكثر وضوحا. كانت المحيطات ذات يوم حواجز رئيسية أمام الاتصال والنقل أمام الإنسان. كان البحر الأبيض المتوسط ​​ممرًا مائيًا أكثر جاذبية من المحيط الأطلسي لقرون، للسفر والتجارة، قبل حدوث تطورات لاحقة في المعرفة، بسبب سهولة التنقل حول البحر الأبيض المتوسط: قدم الصيف الطويل للسفن المغادرة والقادمة إلى الوطن موسمًا مناسبًا للإبحار؛ الأيام الصافية والليالي المرصعة بالنجوم والرياح الثابتة والجو الخالي من الضباب، ساعدت لرؤية النتوءات والجزر الجبلية التي لا حصر لها أثناء الإبحار، قبل اختراع البوصلة.
على الرغم من أن البحارة لم يتمكنوا من رؤية كل الطريق من أحد شواطئ البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الشاطئ المقابل، إلا أنهم عادة ما يرون من جزيرة إلى أخرى، وبالتالي يمكنهم شق طريقهم عبر العديد من المعالم المألوفة في طريقهم من الشاطئ إلى الشاطئ. لكن من الواضح أن هذه لم تكن عملية يمكن استخدامها في معظم الأماكن لعبور المحيط الأطلسي الشاسع أو حتى المحيط الهادئ الأكثر اتساعًا.
تغيرت المحيطات من كونها حواجز مواصلات إلى طرق مواصلات فقط بعد أن تعلم البشر كيفية التنقل حيث لا توجد معالم لاتباعها، ولكن ببساطة يمكن رؤية الماء في جميع الاتجاهات وصولاً إلى الأفق فقط. أصبح التنقل في المحيطات ممكنًا فقط بعد أن تطورت العلوم والرياضيات والتكنولوجيا بما يكفي للتغلب على هذا العائق الأساسي. تم ذلك من خلال طرق مختلفة للتنقل أولاً باستخدام موقع الشمس في السماء أثناء النهار ومواقع النجوم ليلاً، مع توفير "معالم" في السماء لتحديد الاتجاهات على المحيط. في النهاية، وبشكل حاسم، أصبح التنقل في المحيطات أقل تعقيدًا وأكثر موثوقية مع تطور البوصلة المغناطيسية، والتي يمكن استخدامها بسهولة أكبر، وحتى عندما تحجب الغيوم السماء. هذه القدرة على عبور المحيطات، لم تكن مجرد قلة جريئة من المستكشفين فعلوا ذلك، ولكن كمسألة تجارية روتينية، وسعوا إلى حد كبير العالم الثقافي للشعوب في الأراضي البعيدة.
كانت الموانئ البحرية حول المياه اللطيفة للبحر الأبيض المتوسط ​​مشغولة لقرون أكثر من الموانئ البحرية على ساحل المحيط الأطلسي الأكثر اضطرابًا من أوروبا، قبل أن يكتشف الأوروبيون نصف الكرة الغربي. غَيّر هذا الاكتشاف الاتجاه الرئيسي للتجارة الدولية لأوروبا، مع ذلك.
نظرًا لأن أنواعًا مختلفة من السفن كانت مطلوبة للتعامل مع المياه القاسية المختلفة جدًا للمحيط الأطلسي، فقد تراجعت القوى التجارية والبحرية الرائدة في البحر الأبيض المتوسط ​​أمام القوى التجارية والبحرية الرائدة في المحيط الأطلسي، والتي كانت لديها سفن تتكيف بشكل أفضل مع التجارة الجديدة عبر المحيط الأطلسي. حيث أخذ الإيطاليون دور الريادة في مجالات مثل تصميم السفن والملاحة عندما تركزت التجارة الدولية لأوروبا في البحر الأبيض المتوسط ، البرتغاليين والهولنديين الفلمنكيين أخدوا زمام المبادرة في تقنيات ومهارات الملاحة البحرية عندما واجهت التجارة الدولية في أوروبا تحديات مختلفة للغاية لعبور الأطلسي لم تتغير البحار، لكن أهميتها الاقتصادية وغيرها تغيرت مع تقدم المعرفة والتكنولوجيا.
على الرغم من الأهمية الحاسمة للزراعة كمصدر لإمدادات غذائية يمكن الاعتماد عليها للسكان المستقرين وهم كُثر، كان صيد الأسماك مصدرًا آخر، ومصدرًا متاحًا في المناطق التي لم تكن فيها الزراعة منتجة بشكل كافٍ للحفاظ على حياة الإنسان بمفردها. كان هذا مهمًا بشكل خاص في المناخات شديدة البرودة، لكن مجتمعات الصيادين كانت شائعة أيضًا في غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ينتج بما يكفي لدعم السكان بمفرده. تُمثل قرى الصيد خطوة للأعلى في مجتمع الصيد والجمع نحو حياة مستقرة، على الرغم من أن هذه القرى قد لا تمثل نفس درجة التركيز السكاني مثل المدن التي تغذيها الزراعة.
في المناخات الأخرى أيضًا، يمكن أن يكون الصيد نشاطًا اقتصاديًا رئيسيًا. قيل ذات مرة أن أمستردام بنيت على سمك الرنجة herring، 50 وكان الصيد مهمًا أيضًا لاقتصاد اليابان، من بين أماكن أخرى. يمكن أن يوفر الصيد التجاري سوقًا تمتد إلى ما هو أبعد من المنطقة المحلية، كما هو الحال في نيو إنجلاند New England، حيث يوفر اسم مثل كيب كود Cape Cod دليلًا لتاريخه. تنتج التربة القليل جدًا من الزراعة في بعض الأراضي حول البحر الأبيض المتوسط، لدرجة جعل الكثير من الناس كسب الرزق من خلال الجمع بين منتجات البر والبحر، كما يفعل الآخرون في تلك المنطقة من خلال الجمع بين الزراعة ورعي الحيوانات.
ومع ذلك، فإن فرص الصيد ليست موزعة بالتساوي حول العالم أكثر من الفرص الأخرى. يخلق الجرف القاري الطويل الممتد إلى المحيط الأطلسي بيئة تحت الماء حيث يمكن للأسماك والحياة البحرية الأخرى أن تزدهر. لكن الأرض تتشكل بشكل مختلف حول البحر الأبيض المتوسط ​​وتحته، الذي يفتقر إلى الطبقات الضحلة للمحيط الأطلسي. ونتيجة لذلك، بينما كان الصيد تُمارس منذ فترة طويلة في البحر الأبيض المتوسط​، فإنه لم يكن مشابهًا لمناطق الصيد الغنية التي تجذب سفن الصيد التجاري لمسافات طويلة إلى مياه المحيط الأطلسي بالقرب من نيوفاوندلاند وأيسلندا، أو في مناطق الصيد في بحر الشمال. كانت النتيجة الصافية في أوائل القرن العشرين هي أن متوسط ​​دخل صياد إيطالي بلغ نحو ربع أرباح الصياد الفرنسي وثُمن دخل الصياد الإنجليزي. ولم يكن هذا بسبب الاختلافات في أسعار الأسماك، التي لم تكن أعلى في فرنسا أو إنجلترا مما كانت عليه في إيطاليا. كان الأمر مجرد أن عددًا أكبر بكثير من الأسماك يمكن صيده في وقت معين في شمال المحيط الأطلسي منه في البحر الأبيض المتوسط.
(*) منذ القرن الثامن عشر ، قيل إن نهر التايمز به "غابة من الصواري" مع أكثر من 13000 سفينة هناك في عام 1798. فرناند بروديل ، هياكل الحياة اليومية: حدود الممكن ، ترجمة سيان رينولدز (نيويورك: هاربر ورو ، 1981) ، ص. 548.
ج من المفهوم أن الأوروبيين ، الذين اعتادوا على المحيط الأطلسي ، أطلقوا على المحيط الجديد الذي اكتشفوه في نصف الكرة الغربي ، المحيط الهادئ. كان المحيط الأطلسي بعيدًا عن كونه سلميًا.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على