الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة العروبة وحقيقة الاستعراب

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2021 / 9 / 28
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



بالقطع هناك فرق كبير بين العروبة والاستعراب، وبالتالي بين العربي والمستعرب. وفوقهم الدولة العربية، والدولة المستعربة. فالعربي هو ابن الجزيرة العربية في نجد والحجاز، الذي ينتمي للقبائل العربية الساكنة هناك، وهذا العربي، أو لنقل أجداده، هم من غزوا الدول والحضارات المجاورة واحتلوها ودمـّروها في القرن السابع الميلادي، وفرضوا اللغة والعادات والمعتقدات الوثنية والطقوس الغيبية والخرافية التي كانت سائدة هناك (ومنها مثلاً طقوس تقديس حجارة وأصنام مكة والسجود لها والطواف حولها والتبرك بها والتي-أي الأصنام- كانت كثيرة ومتعددة وكان هناك عشرات الكعبات كالكعبة التي حطمها وأبقى منها نبي الإسلام الحجر الأسود فقط) وحملوا سلوك وطباع الناس ونمط تفكيرهم وتقاليدهم الاجتماعية أي ما تعرف بـ"الثقافة العربية" والتي أعطوها مسمى "الإسلام"، وكان الغزو والاحتلال والعدوان والاستعمار العربي هذا بحجة نشر هذا "الإسلام"(ثقافة وتفكير العرب) بين الناس تحت مسمى دين "جديد" أنزله من يسمونه بـ"الله" على أحد البشر الذين اختارهم، ولمشيئته، سبحانه، بنفسه من سكان تلك الصحراء القاحلة الموحشة الجرداء المقفرة الغبراء.
وأما المستعرب قهو ابن تلك المستوطنات والمستعمرات و"الإمارات" التي خضعت للاستعمار العربي والإسلامي، وهو أحد سكان تلك البلدان المحتلة، من غير الأصول العربية وهو الذي تم تعريبه، وأسلمته بالقوة، والإرهاب و"سيف الله المسلول"، وأصبح بالوراثة، والتقادم، عربياً، وناطقاً باللغة العربية، رغم أنه يعيش بمدينة أو قرية، تحمل اسما آرامياً، أو سيريانياً، أو آشورياً، وكردياً، وقبطياً، وأمازيغياً، ونوبياً، ووو.إلخ، مع الاعتراف بوجود عرب أقحاح في هذه المستعمرات من أحفاد قبائل العرب بنجد والحجاز أتوا واستوطنوا مع مجيء المحتلين الغزاة.
ومن هنا، لا يوجد هناك، ولا يمكن الحديث عن عرق ودم عربي صاف، اليوم، وكامل وعام في مجمل المستعمرات، والمستوطنات المستعربة، التي يريد القوميون العرب "المستعربون" توحيدهم في كيان خرافي طوباوي واحد اسمه الوطن العربي، يعتقدون، ويفترضون، أن جميع سكانه، أو هكذا ينبغي، هم من العرق العربي، ومن أصول عربية فحة وخالصة، وهذه استحالة، لا تعادلها، إلا استحالة تطبيق قيام "وحدة عربية"، أو أن تسمح لهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإنشاء وقيام كيان سياسي إمبراطوري، يقوض كيانات ويلغي سيادة وحدود وخرائط دول قائمة وذات سيادة ومعترف بها بالمجموعة الدولية، ناهيكم عن أن الطرح القومي، "العرقي"، عموماً، هو عادة طرح عنصري فاشي شوفيني قائم على فكرة تمجيد قوم، وعرق، وإثنية، بعينها، مقابل أعراق وإثنيات أخرى، وهو بدعة أوروبية، استجلبت الحروب والدمار في القارة العجوز، لكنها أعجبت "الرفاق" مؤسسو البعث، والقومية العربية، الذي كانوا بعمومهم من أبناء أقليات، (كردي، وعلوي، ومسيحي)، فاستوردوها للدول المستحدثة حديثاً، بعد سايكس-بيكو، في محاولة، لاستعادة "أمجاد" دول الخرافة المنهارة والمدحورة والساقطة.
فالمستعرب، الناطق بالعربية، ذو الميول السلفية والرجعية والظلامية الدينية عموماً، وهو صنو والوجه الآخر للمتأسلم، والذي يكابد، عادة، من أزمة هوية وانتماء وضياع حادة، امتطى صهوة الفكرة القومية، لإثبات الوجود في عالم فقير متخلف منحط مفكك هش ضعيف عاجز، من جهة، مقابل عالم قوي ينمو بالعلم والتكنولوجيا وقيم العصر الباهرة، من جهة أخرى، لاكتساب شرعية هوياتية وتحقيق أطماع وأغراض سياسية، والاتجار والاستثمار، بفكرة العروبة ووهجها ورمزيتها المقدسة، ومن ورائها، الإسلام، باعتبارها "عقيدة" وإيمان الغالبية العظمى من السكان، بغض النظر عن انتمائهم العرقي، والإثني، مع اعتقاد المستعربين، والاستيهام بإمكانية أن تكون هذه العقيدة، هي الإطار والوعاء الجامع، لكل تلك الخلائط والمجاميع المتنافرة والمتناحرة والمكونات المتباينة عرقياً، وثقافياً تحت راية "العروبة" (الإسلام)، الذي قال عنها مؤسس البعث ميشيل (أحمد) عفلق: "العروبة جسد روحه الإسلام"، وحين ينطق، ويقول مؤسس البعث ويعترف بحقيقته، فلا حاجة لأحد أن يزيد، أو يزاود عليه، فالفكرة القومية العربية، (العروبة) هي حركة دعوية دينية خالصة، والدليل مناهج البعث والمقررات التعليمية في معظم الدول المستعربة ذات الطابع والمحتوى الديني السلفي الظلامي الدعوي التحريضي العنصري الفاشي.
ومن هنا فالدول "العربية" الحقيقية، في معقل العرب الأقحاح، ومنبتهم وأصولهم، هي غير الدول "المستعربة"، والكيانات التي احتـُلت من قبل العرب، وصارت عربية، أو ناطقة بالعربية، وهي من أصول عرقية وإثنية غير عربية، كسوريا، ومصر والعراق، وليبيا، ومصروالجزائر، والسودان وتونس والمغرب، ولبنان..إلخ والتي تخلت عن هوياتها الأصلية وخسرتها بفعل الغزو والاستيطان العربي وعمليات التطهير الثقافي، ولكنا لم تستطع بالوقت نفسه أن تكون عربية، ومن هنا وجدت هذه الفجوة الوجودية وأزمة الهوية والضياع والفراغ الثقافي والتذبذب الهوياتي.
ومن المفارقات الغريبة، فعلاً، أن تكون العروبة خرافة ووهم، بينما الاستعراب حقيقة، وألا يكون هناك أي وجود مادي وحقيقي ملموس للعروبة، فيما نلمس ونتلمس الاستعراب وضجيجه وزعيقه وفحيحه في كل مكان. قفي الوقت الذي تجد فيه المستعربين متحمسين ولاهثين وراء فكرة العروبة متباهين متفاخرين بها، والتعلق والتمسك بأهداب العرب الأقحاح والمناداة بالوحدة العربية "الاندماجية" معهم، ويؤسسون لها الأحزاب الهزلية الكاريكاتورية "العربية"، (كان مهرج وكراكوز الاستعراب الأكبر سيادة العقيد قذافي مهووس بعملية الاندماج الفوري وهي نزعة نفسية ذات جذور جنسية عند المحرومين عاطفياً بالصغر) ترى العرب الحقيقيين، لا يعطون أية أهمية للفكرة، ولا يأتون على ذكرها، أبداً، وغير متحمسين لها، ولا يوجد أي حزب "قومي عربي" في الجزيرة العربي، لإدراكهم ومعرفتهم، بخبث الطوايا، وحقيقة النوايا المدمرة لأصحابها، وحملتها، الطبالين الزمارين المتاجرين بها الرافعين للوائها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص