الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجهولو النسب .. ضحايا غياب العدالة

محمد فُتوح

2021 / 9 / 28
حقوق الاطفال والشبيبة


مجهولو النسب
ضحايا لغياب العدالة
------------------------------
عندما أتامل حركة الحياة على كوكب الأرض الذى يستضيفنا ويأوينا بين جنباته ، أشعر أن هناك عالمين . عالم فيه الكل يدور فى فلك التقدم والتطور ، الكل يحاول اللحاق بقطار التغير السريع ، لم يعد هناك مجال للتمهل أو التردد وإضاعة وإهدار الوقت . تغيرات نشهدها على كل الأصعدة ، إنهم يسكبون الماء الملوث ليستبدلوا به ، الماء النقى ، ويهيلون التراب على القوانين الفاسدة ، لتستبدل دون ابطاء بأخرى ، تحمى الناس وترعى مصالحهم.
ونحن فى مصر لنا عالمنا الخاص ، الذى من أهم صفاته البطء الشديد فى كل شىء . نتعاطى البطء منذ أن نصحو وحتى ننام ، نتوهم أننا نتحرك ولكنها فى الحقيقة حركة دائرية ، توصلنا لنقطة البدء ، لا نتقدم على أثرها خطوة . وإذا حدث وتقدمنا على استحياء خطوة متواضعة إلى الأمام ، نكون فى المقابل قد خسرنا خسائر فادحة ، بعد تفننا فى إهدار الوقت ، فيتشرد ويهلك الناس وتضيع الحقوق بسبب هذا البطء الجاسم على عقولنا وأرواحنا ومؤسساتنا . إننا نزحف بدلاً من أن نخطو ، نزحف وكأن عادة الزحف قد طمست من ذاكرتنا الخطوات ، ويمضى الوقت طاوياً العمر فى سجالات سفسطائية عقيمة تؤخر ولا تقدم.
هذا البطء ينسحب على كل النواحي فى حياتنا ، وخاصة فى مجال تشريع القوانين . مثلا قانون اكتساب الجنسية المصرية ، لم ير النور إلا بعد أن عانت الأم المصرية وأولادها الأمرين ، وحتى وبعد صدوره ، تتعثر الأم حتى تنتزع هذه الجنسية لأولادها.
مؤخرا هناك جدل لاستصدار قانون جديد لمجهولى النسب. ففى الآونة الأخيرة ومع سيادة مناخ الكبت الجنسى ، وفى ظل المعوقات الاجتماعية الكثيرة ، لجأ الشباب والشابات لعمل علاقات متعددة الأشكال ، علاقات خارج الزواج ، وأخرى من داخله ، بالزواج العرفى .
نتج عن هذه العلاقات ضحايا من الأطفال مجهولى النسب فالمحاكم المصرية تنظر فى أربعة عشر ألف حالة أو أكثر ، من الأطفال مجهولى النسب لا يمتلكون أى نوع من الأوراق الرسمية التى تدل على انتسابهم إلى أب معروف . انهم ضائعون بسبب قانون قديم ، يحكم لصالح الرجل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ، ضارباً بعرض الحائط كل المتغيرات العلمية ، التى يمكن أن تحسم هذه المشكلة ، بما لا تدع مجالاً للشك.
لقد كان الفقهاء يحددون إثبات النسب بعدة طرق ، وهى الفراش أى فراش الزوجية والاستلحاق وهو الإقرار بالنسب ، والبينة هى إثبات الأبوة والإقرار بها ، والفراسة لمعرفة الملامح المميزة للمولود والتى يتشابه فيها مع الأب الحقيقى . ولهؤلاء الفقهاء العذر فى استخدام هذه الطرق فى الماضى . لكن أن يتمسك ويتشيث بها البعض هذه الأيام ، فهذا ما لا يتفق مع متغيرات الزمن والعصر.
بالإضافة إلى المعوقات الاجتماعية ، وترهل وبطء المنظومة الحكومية وخاصة فى الجوانب التشريعية ، يأتى المشتغلون بالدين ، نساء كانوا أم رجالاً ، يتدخلون فى كل صغيرة وكبيرة ، الأمر الذى يؤدى إلى الإبطاء فى إيقاع القضايا المختلفة ، فتتزايد وتتفاقم المشكلات التى تنتج عنها.
فى مسألة مجهولى النسب ، كل فقيه يأتى برأى يرى أنه الصحيح مستنداً على أيات من القرآن ، أو مستنداً على رأى البعض من الفقهاء . منهم منْ يرى أن ينسب الطفل لأبيه ، والبعض الآخر يرى أن ينسب الطفل لأمه. لقد أفتى د. على جمعه ، بأن الطفل الذى ينتج عن علاقة الزنى ينسب لأمه. إن إقرار المفتى بأن ينسب الطفل لأمه ، هونوع من أنواع " التجريس " على فعلتها ، وهو بذلك يعفى الرجل الذى أخطأ الخطأ نفسه ، من تحمل نتيجة فعله. فالمرأة تدان وتعاقب اجتماعياً ، أما الرجل فيترك طليقاً... أين العدل هنا ؟ .هذا بالإضافة إلى أن الطفل الناتج عن هذه العلاقة ، والذى لا ذنب له فى ذلك ، هو الذى سوف يوصمه المجتمع بالتجريس والفضيحة طوال حياته ، الأمر الذى ينعكس على تكوينه النفسى . الأمر الذى قد يحوله عندما يكبر، إلى مجرم يقتص لنفسه من هذا المجتمع الظالم.
وتعليقاً على رأى د . على جمعة ، ترى الدكتورة نوال السعداوى ، " أن المجتمع الذى يقبل أن يدفع الأبرياء خطأ الآباء ، هو مجتمع لا إنسانى ، وبلا ضمير وبلا دين ....... الدين الحقيقى ، لا يعاقب البرىء ، ويطلق سراح الجانى .. القانون غير عادل والشرع كما يطبق الآن أيضاً غير عادل ، ان النسب إلى الأم يجب أن يحظى بالشرف الذى يحظى به النسب الأبوى ، ويكون الطفل طفلاً شريفاً وشرعياً كالأبن الذى يحمل اسم أبيه ". إن هذا الرأى يمهد لخلق قيم جديدة على أساس من العدل والمساواة ، ولرفع الظلم بسبب هذا القانون الفاسد.
فى كثير من البلاد الإفريقية والأوروبية ، ينسب الطفل إلى أمه . وهذا ليس شيئاً مخزياً ، بل هو مدعاة للفخر والاحترام ، للدور الذى قامت وتقوم به الأم . بالإضافة إلى أنه يلغى التفرقة بين الابن الشرعى وغير الشرعى .
ان رجال الدين يشيعون باختلافاتهم التخبط والبلبلة ، لن ينقذنا منهم إلا الأخذ بتقنيات العلم الحديث . إنه يساعدنا على الحسم فى القضايا والمشكلات التى تواجهنا ، والتى نتعثر فى حلها أو نحلها بشكل ظنى .
ان تقنية البصمة الواثية D.N.A تعد جازمة وأكيدة فى إثبات النسب ، اذا تهرب الرجل ، وأنكر الأبوة . ومع ذلك ترى إحدى المشتغلات بالدين والتى تؤيد خضوع الرجل لتحليل D.N.A أن ينسب الطفل إلى الرجل ، كنوع من العقاب ، ولكن يمنع الطفل من الميراث . والسبب فى ذلك كما ترى، أن تغلق الباب أمام افتراءات وكذب النساء على الرجال فى هذا المجال . وكنوع من التجريس ، أيضاً يكتب فى بطاقة الرجل أن له ابناً غير شرعى ، أما المرأة فيكتب فى بطاقتها " لم يسبق العقد عليها " . وهنا أيضاً ومع هذا الرأى ، يدان كل من طرفى العلاقة . ولكن يظل الطفل هو الضحية ، فليس له نصيب من الميراث وهذا ما يريده الأب ويتمناه . كما أن تجريس الأبوين ، عار للطفل ، طوال حياته .
إن هناك ضرورة ملحة ، لحل جذرى ، قانونى وتشريعى ، لا يحتمل البطء ، والتكاسل . فى أى مشكلة تواجهنا ، نجد الخوف من الجديد ، هو العائق الرئيسى . لقد ألفنا كل ما هو قديم واعتدنا عليه . فنحن نعيش فى الماضى ، نجتره من وقت لآخر كى نبحث فيه عن حلول للحاضر . لقد تم إلغاء عقولنا ، لتظل أسيرة كهوف السلف .
اللافت للنظر ، أن هناك شبه إجماع على خضوع منكرى النسب من الرجال، لتحليل البصمة الوراثية من المشتغلين بالدين وأصحاب الفكر والتشريع . هل يمكن أن نأمل خيرا ، ويترجم هذا الاجماع ، الى حركة فعالة حقيقية على أرض الواقع ؟؟.
ان التقدم آت لا محالة ، ليس فقط فى اعتماد وسائل علمية حديثة ، ولكن أيضا فى التخلى عن ثوابت شرعية . فكما تم تجريم الرق وأخذ العبيد والجوارى ، وهى من الثوابت الاسلامية ، فسوف تزول الغمة عن العقول ، ونبدأ فى تحدى شئ آخر ، من الثوابت ، مثل " تحريم التبنى " . لماذا يحرم الاسلام ، التبنى الذى يعود بالنفع والفائدة ، على أطفال محتاجين ، محرومين من الرعاية ؟؟. والتبنى ، له أيضا فائدة ونفع ، على منْ قام به ، وليس فقط على الأطفال .
منفعة الناس ، وسعادتهم ، وشعورهم بالحرية ، هى التى يجب أن تكون
من " الثوابت المقدسة " ، التى لا نحيد عنها .
من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ " 2007
-------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقف الأونروا عن تقديم خدماتها يفاقم معاناة الفلسطينيين في ق


.. تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.. عشرات الطلاب يتظاهرون بالموت




.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي


.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة




.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل