الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستشفاء بالفن وسيلة للنضال

رزان الحسيني
كاتبة ادبية وشعرية، ومترجمة.

2021 / 9 / 29
الادب والفن


"القيام برسم لوحة هو عبارة عن قلب يخبر قلباً أخر أين وجد طريق الخلاص" هكذا يلخّص الفنان العظيم فرانشيسكو غويا رحلة فنّه السوداوي، الذي ما انفك يحدّثنا عن مشاعر غويا الشخصية. كما أن رفيقه بالمبدأ "فان گوخ" يُشاركهُ رأيه حين قال: "إن الوقت الوحيد الذي أحس فيه أنني حيٌ هو عندما أرسم" والكثير من قصصٍ أُخرى للفنانين على مر العصور تشترك بفقرة واحدة مهمة: إن الفن وسيلة لعلاج الروح.
ليس مهماً نجاحها فعلاً، في الحقيقة إن العلاج بالفن والأدب والموسيقى -رغم أنه يُعد علاجاً مُثبتاً ومُتبّعاً بأساليب علمية منظمة- فإنه يظل نوعاً ما دواءً طبياً وعلاجاً كمثلِ بقية العلاجات، ونتيجة العلاج لم ولن تكون واحدة، لأنها تتبعُ حالة المريض نفسه. لكنّه يعدّ مضاداً قوياً للأمراض النفسية، والانهيارات العصبية، والافكار الخطيرة التي تدفع بالمرء إلى التوتر والقلق اللانهائي. لأنه يولّد للإنسان دافعاً بالاستمرار، والنضال، والمقاومة.. وما يحتاجه المرء أكثر من غايةٍ لحياته؟

لقد أُثبت علمياً بأن الإمساك بالفرشة والبدء برسمٍ -عشوائيٍّ كان أم مخطط- ينقلُ ما يدور برأس الرسام من أفكار وما يعتمل بداخلهِ من مشاعر، لذلك فالعملية تُساعده مرّتين، مرةً حين ينطلق حرّاً بالتحدث مع اللوحة دون عبئ التحدث مع الآخرين، ومرةً حين يكتشف الآخرين أو الأطباء عوالم رأسه فيتعرّفون على كيفية التصرّف معه. وكذا ينطبق الحال على الموسيقى، والأدب..
كثيرٌ منّا من يلجئ للموسيقى بأنواعها لأنها تُشعرنا بأنها خُلِقت لنا، لتواسينا وتُربت على أكتافنا، لتُبكينا حين نحتاج بكاء أنفسنا، وتُسكننا حين تعصف الرياح بنوافذنا.. ونحن نُميل إلى كل ذلك دون أن نُدرك عملية الاستشفاء التي نُجريها على ذواتنا، نتبع فطرتنا العلاجية في البحث عن الأصوات المُثيرة للسكينة، والحركات المادية بأيدينا أو أعيُننا أو حتى أرجلنا بالرقص، تلك التي تعمل على فتح مقبض أبواب داخلنا ببطءٍ لنواجه ما هو خلفها. نبحثُ عن القصص المُشابهة لقصصنا، ولحيواتٍ أُخرى نتمنى عيشها، وتفاسير شعورنا وتحليلها، فنجد ضالّتنا بالأدب.. مُتناسين بهِ آلامنا ومعاناتنا الشخصية، ونغرقُ فيه غرقاً لذيذاً، حتى يغدو لعيشنا هدفاً واضحَ المعالم.

إن الفن مرآة الطبيعة، والطبيعة كثيرة التنوع والألوان، وكذا مرآتها الفن، فجبالهُ الألوان، وغيومه الكتب، وسماءها الشعر، وبِحارها الموسيقى والأنغام، وأوديتها الصور والسينما.. وما بين المرآة وانعكاسها جسرٌ صغيرٌ يُدعى الإنسان، يعمل على نقل دواخله وما يختاره من الطبيعة إلى المرآة، ومن المرآة إلى الطبيعة. لأن الروح تأنسُ بالعزلة، لكنّها من الحين إلى الآخر تستبدُّ بها الحاجة إلى كتفٍ آخر تستندُ عليه، ورفيقٍ تفيض الروح بجانبه، وما أفضل للمرء رفيقٌ سوى نفسه؟

لذلك فالفن والكُتب والموسيقى، ما هنّ سوى أدوات لرسمِ لوحةٍ أكبر، وصُنع مضادات حيوية خاصة لكل فرد تُساعدنا على اجتراع مرارة الواقع، بل وعلى خلقِ واقعٍ جديد نُغرق به أنفسنا رويداً رويداً، برضا وهدوء.

9/21








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل