الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفغانستان: الصراع والاحتلال والتحرير والوضع اليمني!

منذر علي

2021 / 10 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


عبر التاريخ، و في كل المجتمعات الإنسانية، الناس يختلفون، بالنظر إلى مصالحهم الاقتصادية المتنافرة، ورؤاهم السياسية المتباينة. فهم لا يتوافقون، بسهولة، على نوعية الحكم، فيتصارعون وأحيانًا يتناحرون، ولكنهم، بعد معاناة شديدة، يتعلمون من تجاربهم المريرة، ويصلون إلى نوع من التوافق بعد تجاربهم الإنسانية القاسية، وهذا أمر طبيعي.
***
غير أنَّ الأمر غير الطبيعي، هو أنَّ بعض المواطنين المتصارعين في بعض البلدان يقبلون بالاحتلال الأجنبي لوطنهم للاستقواء به على خصومهم السياسيين، ويغيب عن بالهم في لحظات الغضب المنفلت وانكماش العقل، والميل الجموح إلى الثأر من الخصم، إنَّ الوطن حينما يقع تحت الاحتلال الأجنبي لا يصبح لدي هؤلاء الحمقى المتخاصمين شيئًا جوهريًا يختلفون عليه ثم يتفقون بشأنه، كما هو الوضع في أي مجتمع بشري سوي. ذلك أنَّ الذين يقبلون بالاحتلال الأجنبي لبلادهم يصبحون مجرد بيادق متنافسة في خدمة القوى الأجنبية المحتلة، كما كان عليه حال القوى السياسية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، وكما هو عليه حال القوى السياسية في بلادنا.
***
الأفغان اليوم حرروا وطنهم من الغزاة الأجانب أو بالأحرى هم على وشك أنجاز هذه المهمة الوطنية، وهذا مكسب كبير على الرغم مما أسفر عن التحرير من نتائج مأساوية، ليس فقط على عملاء المحتل، ولكن أيضًا على المشوشين والحالمين بحياة عصرية خارج سيطرة القوى الدينية المتخلفة.
لقد تحررت الأرض من القوى الاستعمارية الخارجية، ولكن لا يبدو أن الأفغانيين سيتحررون من العبودية الداخلية قريبًا، ومع ذلك يمكن القول بثقة إن تحرير الأرض يشكل الخطوة الأولى لتحرير الشعب الأفغاني.
تحرير الإنسان في أفغانستان ليست من مهمات الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الأخرى، ولا ينبغي أن تكون من مهمات أية قوى خارجية. التحرير مرهون بالشعب الأفغاني والقوى السياسية الأفغانية: الدينية والليبرالية والديمقراطية التقدمية.
***
لا شك أنَّ حركة طالبان تعلمت من تجربتها المريرة بين 2001- 2021، وتجلى ذلك في التصريحات السياسية لقادتها، وخاصة تصريحات ذبيح الله مجاهد في الأسبوع الماضي، تلك التصريحات المتصلة بالعفو الشامل والسماح للنساء بالعمل، والتشاور مع القوى السياسية الأخرى، والانفتاح على روسيا والصين، ولكن هذه التصريحات، على أهميتها، مرهونة بالممارسات السياسية الفعلية على الأرض في الأيام القادمة.
***
حركة طالبان، وخلال كفاحها الطويل، تصلبت وغدت تمتلك الوسائل الفعالة للنصر، فلديها قيادة سياسية مجربة، وجيش عقائدي مدرب ومسلح، وقاعدة شعبية وطنية واسعة، ولديها "رؤية إسلامية" للحكم.
ولئن كانت حركة طالبان، كأي جماعة ثيوقراطية، Theocratic، لديها رؤية ضيقة للحياة، تنكر على البشر حرية الاختيار، وتضع نفسها، نيابة عن الله، وصية على الشعب، فأنها أيضًا كأي مجموعة بشرية، تعلمت من تجاربها السابقة، وستتعلم من تجاربها العملية القادمة، ولا بد لها أن تتعلم وما لم تتعلم فمآلها الزوال.
***
على الصعيد النظري فأن حركة طالبان، كأي حركة سياسية تزعم أنها تسعى لإطعام الناس من الجوع وتأمين حياتهم من الخوف، ولكن النيات الحسنة وحدها لا تكفي، ففي الممارسة العملية قد تجلب حركة طالبان للشعب، دون تعلم، الجوع، والمرض، والخوف، والموت، وليس الخبز والأمان كما تأمل، كما عملت شقيقاتها في اليمن والصومال والسودان.
***
من جانب آخر، فأنَّ أفغانستان تحررت وغدت السلطة السياسية في قبضة القوى التي اضطلعت بالتحرير، ولكن مازالت الأوضاع مقلقة والمخاطر قائمة. ذلك أنَّ الأوضاع في أفغانستان ، بطبيعتها، معقدة للغاية، فالقوى الاستعمارية لن تترك أفغانستان وشأنها بعد انسحابها النهائي المذل منها في 31 أغسطس الجاري، وستعمل على إثارة التناقضات العرقية والدينية والثقافية، وستستعين بالطابور الخامس من الأفغانيين، وبالقوى المتمردة، هناك أو هناك ، وخاصة في المناطق الشمالية، المحاذية لدول مثل طاجيكستان و أزباكستان وتركمانستان، حيث تتواجد فيها قواعد عسكرية لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والهند وروسيا ، وستمدالقوى الموالية لها في أفغانستان بالمال والسلاح لتقويض الاستقلال السياسي.
لكن الأفغانيين تعلموا من التاريخ، وعرفوا يقينًا أنَّ استدعاء الاستعمار أسهل من طرده، وأن طرده لا يعني عدم احتمال عودته بطرق مختلفة ومراوغة. كما تعلموا أنَّ تحرير الأرض أسهل من تحرير الوعي، وأن تحرير الوعي شرط لضمان الحرية والاستقلال.
***
ولا شك أنَّ طالبان تعلم كل ذلك، وتدرك أن الأوضاع في أفغانستان ستظل مقلقة ما لم تتمكن الحكومة الأفغانية الجديدة من ترسيخ وجودها واكتساب شرعية شعبية حقيقية، وتتصالح مع القوى السياسية المحلية، وتخمد نار الفتنة الداخلية، وتعمم السلام، و تحقق التناغم بين المكونات العرقية الأفغانية، وتحبط المؤامرات الخارجية، وتحرر الوعي من الأوهام الاستعمارية بعد أن تحررت الأرض من السيطرة الاستعمارية المباشرة.
***
بالنسبة لنا في اليمن، لا ينبغي أن نتشاءم ونُصاب بالقنوط جراء سيطرة حركة دينية رجعية، كطالبان، على بلدٍ إسلامي، تشبه من نواحي كثيرة بلادنا، اليمن، وعلينا أن نتعلم من التجربة الأفغانية لكي نتحرر من الغزاة الإقليميين، وننال الاستقلال، ونتصالح سياسيًا ثم نتشاور فيما بيننا ونتفق بشأن طبيعة النظام السياسي المأمول.
إذْ لا يمكننا أن نقذف بالقوى التيوقراطية إلى البحر لأننا لا نتفق معها، ولا ينبغي أن نسمح لها بأن تقذف بنا إلى البحر لأنها لا تتفق معنا، ولا ينبغي، كخيار يائس، أن نسمح للمستعمر الخارجي أن يسرق وطننا ويستعبدنا، ولا نستطيع أن نكفر بالوطن ونحزم حقائبنا ونهاجر إلى الخارج لأن العالم سيرفضنا. إذن، لنتعقل، ونبحث عن سُبل أخرى لتجاوز الأزمات المختلفة التي تعصف بنا.
نحن جميعًا أبناء الله، وأبناء الأرض اليمنية، وأبناء الشعب اليمني، ولذلك فأنَّ ما يهمنا جميعًا، في المقام الأول والأخير، هو أن نصون وطننا، ونتحرر من العبودية، ونقي أنفسنا من الجوع والخوف، ونحقق الحرية والعدالة للشعب، ونعيش بسلام ووئام ما بقي لنا من العمر، وبعدها نغادر الدنيا بسلام، ونترك الوطن سالمًا للأجيال القادمة. فهل سنعمل ومن لديه الاستعداد على التعلم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر