الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصحيح مفاهيم تاريخية خاطئة

خالد محمد الزنتاني
كاتب

(Khaled M. Zentani)

2021 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يصادف أحيانا أن يتسرب إلى سمعك مقطع أغنية أو نغمة جميلة فتصبح عالقة في ذهنك تترنم بها لساعات دون شعور .. ظاهرة لا نجد لها تعريف في ثقافتنا تسمى إصطلاحا Earworm دودة الأذن.
دودة من نوع آخر تكتسح إعلامنا الشعبي حاليا جملة تقول (نحن البلد الوحيد الذي ماضية أفضل من حاضره)! ينقلها كثيرين بحماسة ونقرأها بجميع اللهجات بالليبي والمصري والسوري واللبناني والعراقي والتونسي والسوداني وحتى الصومالي .. جملة يعتقد البعض أنها تصف الوضع العام التي كانت عليه الحياة في البلدان العربية ويُراد بها التعبير عن الفرق في التحضر والمدنية بين ذلك الزمن والزمن الحالي - زمن حكومات الإستقلال الذي إعتدنا على نعته بالجميل وزمن مابعد الحكم الوطني أو بالأصح مابعد حقبة "الإنقلابات الوطنية"!
فهل نحن ماضينا أفضل من حاضرنا فعلا أم هي مجرد ترهات وسوء تفسير للتاريخ؟

أولا : هذه العبارة بلا أدنى شك وبدون أي مجاملات هي كذب وطني من النوع الفاخر، فأنت عندما تنسب رقي وروعة الحياة في الماضي وتتغزل بنظافة ودرجة إنضباط ودقة مواصلات ذلك الزمن وتضع على صفحتك صورة راقية لجماهير تتابع مبارة كرة قدم ببدل رسمية وربطات عنق وتنسبها إلى شعوب كانت ترزح إلى وقت قريب تحت خط الفقر والجوع والأمية وتغط في غيبوبة حضارية مفجعة من 1400 عام فأنت تنسب الأمور إلى غير أهلها بما يمثل تزوير للحقيقة وجب تصحيحه والتنبيه إليه ..

ثانيا : الذي تغير وجعل الحياة في البلاد العربية تصل إلى الشكل المأساوي المنحط الذي تغرق فيه حاليا ليس تغيير مفاجئي طرأ على سلالة المواطن الكريم كما يعتقد البعض بل الذي تغير فعلا هو غياب أداة فرض النظام والقانون الذي كان يمثلها الوجود الأجنبي في ذلك الزمن وإستبداله بحاكم وطني متخلف من نفس البيئة المتخلفة والمجتمع المتخلف وحدوث إنقلاب كامل في الأولويات ..
فبعد أن كانت أولويات الدولة التي تشرف عليها الإدارة الإنجليزية في ليبيا ومصر والسوادن هي التنمية والنظام والقانون جاء المشحونين بكتب الخيال القومي وأستبدلوها بمشاريع فردية حالمة لأستعادة صور وهمية عن هانيبعل والإسكندر المقدوني وصلاح الدين واستخدموا الموارد لخدمة أمجاد شخصية ليس لها أي مردود إيجابي على الواقع الذي تعيشه شعوبهم ولو أمعنت النظر قليلا في ماضي كل هؤلاء من عبدالناصر إلى صدام إلى القذافي إلى حافظ الأسد لن تجد بينهم من عاش مواطنة حقيقية بكل ما فيها من معاناة وإنكسارات وهزائم وخيبات أمل - واحد مثل صاحبنا العقيد هرب من جحيم الفقر إلى مدرسة داخلية تعفيه من التفكير في ضروريات الحياة اليومية ثم من هذا الهوتيل الداخلي إلى هوتيل الكلية العسكرية (واكل شارب نايم متآمر ببلاش) ومعها مرتب مجزي وبدلة إنجليزية كاملة وحذائين ومن هناك بدأ مشواره المريح إلى سدرة المنتهى في الدولة الليبية – لم ينشغل في حياته بمورد رزق ولم يدير حتى محل بقالة صغير ولم ينتظر تعيين في دولة أكتظ ملاكها الوظيفي ولم يدخل سوق العمل وينشغل بهموم الربح والخسارة كل شيء كان أمامه جاهز ومرتب بعناية لم يبذل أي مجهود ثم يتعجب الناس لماذا تحولت البلدان بعد هؤلاء قاعا صفصفا في كل شيء!!

فاقد الشيء لا يعطيه وفاقد الحضارة لا يبنيها وفاقد روح التسامح لا يعرف قيمة التعايش في مجتمع تعددي متنوع يصطف بكل ألوانه تحت إرادة القانون وعندما ترى الشوارع تخلو من مظاهر الدولة والمدن تتحول إلى مزابل وعشوائيات ومطبات وشبكة المجاري يفتحها جارك المتخلف على مياه الأمطار وفوضى وغياب تخطيط فأعلم ببساطة أنك تعيش عصر ماقبل الدولة وكونك تسكن بيت عصري وتقود سيارة مكيفة وتستعمل هواتف ذكية وإنترنت وفرته لك العلمانية الحديثة لا يعني أنك مشبع بروح المدينة والتحضر، فنحن في واقع الحال لم نتغير، نحن فقط تحولنا من قبائل بخيام إلى قبائل إسمنتية تعيش بالطريقة ذاتها التي كانت قبل ظهور عصر النفط، كل سلوكياتنا تشير إلى ذلك في الشجارات التي تنتهي بحرق بيوت بكاملها والتهجير والثأر على الهوية والولاء القبلي الذي يتغلب على قيم المواطنة في الإنتخابات ثم نأتي بعد كل ذلك بدون خجل وأدنى حس بالمسؤولية وبكل جرأة نتحسف على ماضي جميل ونتبنى قيم لم تكن لنا فيها أي يد بيضاء ونكرر المغالطات على مسمع الأجيال الجديدة واحدة تلو الأخرى نريد بها تزييف التاريخ مع أن كل شيء حولنا يشي بالمكانة الحقيقية التي إستحقيناها ونقبع فيها بكل جدارة وتغيب في الزحام حكمة ليبية قديمة تقول : ثلاثة لا يمكن أن تتوازى العرب وحزمة الكرناف وساعات الدنيا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا