الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس : الفرز

فريد العليبي

2021 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


اللحظة السياسية التونسية لحظة فرز هذه الأيام، حيث يتسارع الانقسام ، خطط تُسطر ، شعارات تُرفع.، جبهات تنشأ ، أحزاب تتجمع ، ، أخرى تنتقل بسرعة من خندق الى خندق، دون تكليف النفس حتى تبرير ذلك الانتقال فالمهم هو ما تقتضيه المصلحة ، تحدث قيس سعيد في خطابه الأخير في سيدي بوزيد عن الفرز قائلا انه ترك الوقت يفعل فعله ، ليكشف الطامعين والمتلونين ، فالبعض حدثته النفس بتولي رئاسة الحكومة وعندما خاب أمله غادر الى الضفة الأخرى .
الفرز رسم حدود ، فصل ، تمييز ، عزل ، نجده في الفلاح وهو يخلص القمح من التبن ، وفي الحرفي وهو يخلص الذهب من الحديد ، وفي الفلسفة منطقا بالفصل بين الحقيقة والكذب ، وأخلاقا بين الخير والشر ، وقانونا بين الحق والباطل، وفنا بين القبح والجمال .
الفرز ممارسة تتطلب معرفة تسبقها ، ومن لا معرفة له لا فرز صحيح له ، فالجاهل يحدد أصدقاءه وأعداءه على قاعدة جهله ، مُوجها الخنجر الى صدره وصدور أصدقائه ، إنه عدو نفسه وصحبه ، والعالم العارف يقوم بذلك التحديد على قاعدة العلم بما ظهر من الأشياء وما خفيي ، فيحسن التصويب ويبلغ سهمه هدفه ، لذلك يتطلب النجاح في الحرب والسياسة معرفة صائبة .
الفرز ظاهرة موضوعية ، هو لا نجده في المملكة الإنسانية وحدها ، بل في المملكة الطبيعية أيضا ، فالجرح يفرز قيحه قبل اندماله ، والشجرة أوراقها الصفراء قبل اخضرارها ، والبحر زبده قبل جفائه ، فالفرز حياة وسيروة وتغير وتطور، إنه بهذا المعنى أمر جيد.
الفرز يعني وجود تناقض ، والتناقض في حاجة أولا الى دراسة و تحليل وفهم ومناقشة ، وهو في حاجة ثانيا الى حل، وادراكه سبيل اليه ، ويكون التناقض بين طرفين أساسيين وأكثر ، ومنه رئيسي وثانوي ، تناقض في صلب الشعب وهو ثانوي وآخر بين الشعب وعدوه وهو رئيسي ، وذلك العدو يمكن أن يكون في الخارج كما في الداخل .
والتناقضات الثانوية السابقة يمكن أن تتحول الى تناقض رئيسي تناحري، ويجد وقتها المتأرجحون المترددون أنفسهم على هامش الصراع ، بل خارجه ، فيخوضون معاركهم مع طواحين الرياح التي تنتهي بطحنهم ، بمعنى أنهم يستنزفون الطاقة في مُلهيات فيكون كلامهم كثغاء النعاج في تشبيه لديكارت.
الفرز يسبق معركة ، خلاله تكون اللغة الحربية هي الرائجة ، و المعارك أثناء الفرز باردة وحامية ، فالسياسة فرز بارد والحرب فرز حامي الوطيس، وكثيرا ما تكون كل الأسلحة مباحة ، والمهم تحقيق النصر على العدو والعبرة بالخواتيم.
في الفرز يتم تنظيم حلفاء الداخل في معسكر يجمعهم ، كما اللجوء الى الخارج بحثا عن المدد والعون ، بما يًذكر بإمرئ القيس وقد قُتل أباه وكان أمير قومه ، فقصد القسطنطينية ضاربا بعصاه في الصحراء صحبة صديق ، ولما طالت الطريق أنشد قائلا : بكى صاحبي لما رأي الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصر فقلت لا تبكي عينك انما نحاول ملكا أو نموت فنُعذرا ، فسُمي بالملك الضليل .وفي تونس اليوم كم هناك من أمراء ضلوا السبيل ، يسبون الغرب أيديولوجيا ويرجونه المدد سياسيا .
مع تعيين رئيسة الحكومة يوم الأربعاء 29 سبتمبر 2021 بلغ ذلك الفرز درجة أخرى من درجاته ، فأولا هناك رمزية تعيين مرأة في مجتمع ذكوري ، أبوي ، خاطب يوما فيه رئيس دولة سابق صحفية قائلا : لست غير امرأة ، واعتبر شيخ دين وسياسة وصل الى رئاسة البرلمان المرأة وعاء جنسيا ، وثانيا هناك قطع ألسن أيديولوجية تتهم قيس سعيد بالمحافظة ومعاداة النساء، وثالثا هناك مخاطبة لخارج متجبر تحركه النزعة الكولونيالية، يرى في العرب سجن نساء ، وفي عرب يرونها فيالق من مجاهدات النكاح.
في تونس اليوم يلاعب قيس سعيد الشياطين بعصيها ، مُدركا أن الأمر يتطلب تفكيك منظومة ، وقد جردها من سلاح الدين والحداثة الهجينة نظريا ، ولا يزال أمامه عمليا مهمة تجريدها من أسلحة ظاهرة مثل المال والاعلام وأسلحة خفية كثيرة أخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار