الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمر أربيل وصفقة القرن

الخليل علاء الطائي

2021 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ساعات من إنعقاد ما يسمى مؤتمر (السلام والإسترداد) حتى بدأت تتكشف الحقائق تلقائياً, وتوقف كلام النفي من خلال خطب الحاضرين ودعاة السلام ورعاة المؤامرات في الإقليم؛ فيما تواصلت المقالات ممن يشجب هذا العمل وممن يبرر قيامه, وحول ذلك تكون مادة مقالنا هذا؛ لآننا وفي هذا الوقت نقرأ كلام من يتحدث صراحةً عن رفض وجود بلد ديمقراطي, تعددي, وهناك من يريد تقسيم العراق على أُسس طائفية أو قومية, أو يريد إعادة العراق إلى الحكم البعثي الدكتاتوري الطائفي.
في الديمقراطية نواقص وفي الإدارة خروق وفساد, لكن الخط العام يتمثل في أُسلوب تداول السلطة بطريقة تضمن مشاركة جميع القوى والأديان والطوائف والمذاهب وتسمح للجميع في الكلام والتعبير عن وجهات نظرهم, بما فيهم أعداء الوضع السياسي الجديد من السياسيين والطائفيين وبقايا البعثيين؛ لأول مرة يمتلك العراقي حق الكلام المباشر والصريح؛ في الكتابة والمقابلات الفضائية والمواقع والصفحات الشخصية.
يوم 25/9/2021إنعقد في أربيل مؤتمر مايسمى (السلام والإسترداد) وللإسم دلالة سنأتي عليها وللتوقيت دلالة أُخرى؛ فهو تأريخ الذكرى الرابعة للإستفتاء الفاشل, ولمكان الإنعقاد الدلالة الأهم؛ ومفادها التحدي والتجاوز على القرار العراقي, خصوصاً وإن المؤتمر خُصص للدعاية الصهيونية والتحدي للقرارات الدولية التي تتنصل عنها إسرائيل وتمارس كل أنواع التجاوز وإحتلال الأراضي وضمها. المؤتمر؛ بإعتقاد مُنظميه المحليين بما فيهم الطرف الكردي, سيشكل إحراجاً للحكومة العراقية من جهة وسيخلق فجوة في علاقات الأطراف السياسية الداخلية؛ وهو بالدرجة الأساس محاولة لإثبات أن السنَّة والبعثيين يتحركون بشكل مُنظم وهم لاشك (قادمون) وهي مسألة وقت كما يرددون دائماً. فالأطراف الحاضرة مُشكَّلة من أميركيين وإسرائيليين وعراقيين عرب (سنَّة) وممثلين عن حكومة كردستان. ومن خلال التنوُّع لهويات الحاضرين وإنتماءاتهم القومية والطائفية؛ وكيفية جمع هذا العدد وعقد المؤتمر بشكل مُفاجئ وبدون إعلان مُسبَّق؛ دلالة هامة على طول الوقت الذي إستغرقه التحضير وكما صرّح بذلك براودي رئيس منظمة مركز السلام الصهيونية ومقرها نيويورك. وقد فوجيءَ العراقيون بالصراحة, حد الوقاحة, التي إتسمت بها خطابات العراقيين الحاضرين وهم مشاركون في العملية السياسية والحكومة؛ وكشفت التصريحات هذا الحب العجيب للسلام مع إسرائيل بدون ذكر للشعب الفلسطيني وحقوقه التي يعرفها الجميع.
كياننا العراقي مُخترق يا سادة بغداد؛ مُخترق بأكثر من حصان طروادة ملغوم من الداخل. ومن هذه الحصن الطروادية؛ ما يُسمى رؤساء العشائر, ورئيس ما يُسمى (الصحوات) وسام الحردان. والصحوات إسم للعشائر التي وقفت مع تنظيم القاعدة وقاتل أبناؤها ضد الشعب العراقي وضد الشيعة في عقر دارهم بحجة مُحاربة الإحتلال الأمريكي.
واجهت أمريكا تنظيم القاعدة بإسلوب (الإحتواء) إنطلاقاً من القاعدة الإجتماعية الإقتصادية مثل تخلف هؤلاء, و البطالة بإعتبار أغلبهم من جيوش النظام البعثي وأمنهِ ومخابراته, فشككَّلت منهم مليشيات, ملغومة من الداخل, وصرفت لهم رواتب وسلمتهم أسلحة وأسندت قيادتهم إلى شيخ عشيرة ( منهم وبيهم) وأن يكون وسيطاً بينهم وبين الأمريكان وبين الحكومة العراقية, وهكذا تم إحتواء حركاتهم ضد الأميريكيين التي كانت تُسمى (مقاومة المُحتل) لكن الدور الحقيقي لم يتوقف عند هذا الحد؛ فالمشروع الأمريكي غالباً ما يستحضر أدواته القديمة والجديدة عند الطلب؛ وها نحن الآن نرى هذا المشروع بعنوان صفة القرن ومن موجباته التطبيع مع إسرائيل.
أقتبس هنا فقرات من مقال الكاتب عليان عليان بعنوان ( مؤتمر أربيل يحصد الفشل والشعب العراقي عصيٌ على التطبيع) ( وكان وسام الحردان قد قال في مقال في " ذا وول ستريت جورنال" إن المُجتمعين إتخذوا الخطوة الأولى بهذا اللقاء وستكون الخطوة الثانية هي مُحادثات مُباشرة مع الإسرائيليين, لافتاً إلى أنه لاتوجد قوة محلية أو أجنبية ستمنعهم من التقدم إلى الأمام). والحقيقة إنها ليست الخطوة الأولى فقد سبقتها لقاءات ومؤتمرات بمساعدة الدول الخليجية وفي أمريكا مع ما يُسمى المُعارضة العراقية, فالوضع العراقي مطروح على طاولة البحث في أروقة وزارة الخارجية الأمريكية والمُخابرات الأمريكية وإسرائيل منذ وقتٍ بعيد.
بما أن الفعّالية سنيَّة فالقوة المحلية المانعة هي الشيعية والقوة الأجنبية التي يقصدها هي إيران؛ ويستحيل على هؤلاء عقد مؤتمر من هذا النوع خارج أربيل فهي المكان المُناسب للتآمر والتجسس والنشاطات الصهيونية.
وهناك تبرير سخيف في دعوتهم للتطبيع حيث يقول الحردان (... ندعوا إلى تطبيع كامل للعلاقات مع إسرائيل وتبني سياسة جديدة للتنمية والإزدهار..).
وهل التنمية والإزدهار مشروطة بالتطبيع الكامل مع إسرائيل؟.. أما كان ممكناً النهوض بهذه التنمية خلال هذه السنوات بدلاً من كل مالحق الشعب العراقي من عمليات إرهابية حصدت آلاف الأرواح وعطّلت التنمية والإزدهار, خصوصاً في المناطق الغربية التي إحتضنت الإرهابيين أمثال القاعدة وداعش.
يقول احد هؤلاء الذين يتحدثون بكل صراحة ووقاحة الطائفية, المدعو أحمد شهاب في مقاله المعنون (مؤتمر أربيل والصدمة الإرتدادية) وهو ينقل وقائع المؤتمر( أن حضور الشخصيات السنيَّة ال(120) وليس (300) كما ذُكر وهم يُعدون انفسهم أنهم حققوا (أول إختراق) في تفكير المجتمع العراقي الراغب في قرارة نفسه أن يكون هناك " سلام" من أي نوع مع إسرائيل, على عكس المزاج السياسي الذي يكون في غالبيته من الموالين لإيران ويجدون في خطوةٍ كهذه تهديداً مستقبلياً لوجودهم.).
يحلم هذا الطائفي بتغيير النظام في العراق والعودة إلى حكم البعث و سلطة الطائفة السنيَّة المُطلقة على العراق؛ وهي سذاجة لأن تركيبة المُجتمع العراقي تختلف جذرياً عن دول التطبيع العربية كمصر والمغرب والسودان ودول الخليج؛ لأن العراق مُتنوِّع في قومياته وطوائفهِ, وإن الشيعة لم يعودوا كما كانوا في عهد الدكتاتورية البعثية؛ بوجود مُتغيرات في الوعي المُجتمعي لسنوات الإضطهاد وإمتلاك العراقيين, وليس الشيعة وحدهم, لقوة ضاربة إسمها الحشد الشعبي التي أجهضت المخططات الإرهابية في أظلم فترات التأريخ المُعاصر.
لايرى الطائفي المهزوم أي نشاط لطائفته, وحتى النشاط الصهيوني إلاَّ بوصفه إنتقاماً من الطائفة المُقابلة المُشاركة في الحكم معه, ويرى نشاط أسياده يتقدمون خطوةً جديدة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
يقول حامد شهاب في تبرير حضور ما يسميهم ممثلي السنَّة..( إن السنَّة يأسوا من تغيير الوضع العراقي الحالي, المُحتل من قبل إيران والتهميش والظلم الذي لحق مناطقهم السنيَّة فإختاروا الحل الأمثل وهو اللجوء إلى التطبيع مع إسرائيل.) المقصود بالسنَّة أولئك الذين إحتضنوا القاعدة وداعش وجميع الإرهابيين وفي مقدمتهم البعثيين ومن كانوا يشغلون الأجهزة الأمنية والإستخبارية ولجان التحقيقات والتعذيب والجواسيس والخونة؛ وليس مجموع الطائفة السنيَّة المشاركين في العملية السياسية ولهم ممثليهم في البرلمان؛ بل حصتهم رئاسة البرلمان بموجب الشراكة (المحاصصة) في الحكم.
مفهوم التغيير الذي يريده هذا الكاتب ومن على شاكلته إنما يعني طرد الشيعة من الحكم, بل من العراق لإعتبارات ومزاعم كثر الكلام فيها وقبرت مع أصحابها.
مؤتمر أربيل خطوة أولية في المسار المرسوم لدور العراق وهي خطة قديمة تشمل إسكان الفلسطينيين في الأنبار, وحرمانهم من العودة إلى بلدهم المُغتصب, وإلى الأبد, وحالياً يتحدثون عن إسكان الأفغانيين الذين عملوا مع القوات الأمريكية المُنسحبة من أفغانستان.
وماذا سيقول هذا الكاتب عن مصير مناطق السنَّة لو حصل فيها تغييراً ديموغرافياً كهذا؟.
الخطة قديمة مبنية على أساس تغيير البنية الديموغرافية السكانية بزيادة النسبة الطائفية السنيَّة على حساب الطائفة الأخرى في ميزان القوى, بحسابات العقل المُخطط لمستقبل العراق.
يقول.. (وراح الكثيرون منهم [البعثيين السنَّة] لايُخفون أنهم يتعاطفون مع " دعوات التطبيع" إن كان فيها تحقيق لآمال العراقيين [ الإنقلاب الطائفي البعثي السنِّي] بأن يجدوا لهم ضوءاً في نهاية النفق بعد كل تلك السنوات العجاف, ليودعوها إلى غير رجعة.). في بدء مقاله يُثني على الشخصيات المُشاركة في المؤتمر فيصف الأزياء العشائرية( الكوفية والعقال) وتعليقنا على ظاهرة الأزياء العشائرية؛ أنها أشبه بالمظاهر المسرحية يستخدمها البعثيون للتظاهر بالإنتساب إلى العشائر, وقد يلجأون إلى تنويع أشكال الكوفيات والعُقل [جمع عقال] لتظهر في الصور الفضائية وكأنها خليط من عشائر سنيَّة وشيعية؛ ويلجأ البعض من الحاضرين إلى التمويه بإرتداء الزي العربي مع إضافة مكياج صبغ الشوارب واللحى.
ويتطرق حامد شهاب إلى شخصية المرأة التي قرأت البيان الختامي وهي سحر كريم الطائي الموظفة في وزارة الثقافة وقد ركزَّ العديد من الكتّاب على ذكر هذه الشخصية فضلاً عن ظهورها على منصة المؤتمر؛ سأتوقف عند هذه النقطة قبل أن أواصل التعليق على المقال الطائفي والمؤتمر المشبوه؛ فوجود إمرأة على منصة المؤتمر, مقصود بشكل أساسي في نشاط تآمري كهذا, وقد أُسند لها دور قراءة البيان الختامي؛ إلى جانب تشكيلة الإنتماءات التي أُعدت للإعلام الصوري الثابت والمُتحرك, فالمشهد ودور المرأة يُعيد إلى ذاكرة العراقيين صبيحة الثامن من شباط 1963 لمّا إستخدم الإنقلابيون صوت هناء العمري, خطيبة علي صالح السعدي, يُلعلع بالبيانات وأسماء الشيوعيين الذين يتم إعدامهم أو قتلهم في بيوتهم, واليوم يُعيدون إلى الذاكرة ذلك الصوت العاهر بإسم جديد, وتلك علامة من علامات الإسترداد لتأريخ البعثيين.
يُثني حامد شهاب على أزياء الشيوخ ومراكزهم السابقة والحالية والعشائرية؛ ( ومن وجهة نظر مراكز أبحاث نفسية [؟] فإن المؤتمرين أدركوا وإن كان بعضهم رافضاً لتوجهات كهذه في [العلن] إن لدى غالبية شعبية عراقية وبخاصةٍ من المكون السنِّي [ بيت القصيد] الذي تعرَّض لمختلف صنوف الإرهاب والتعدي على حقوقه وكرامتهِ,[ المقصود هزيمة داعش] والمئات منهم [ الدواعش والإرهابيين والمجرمين] في السجون والمعتقلات والتغييب القسري, في تلك الخطوة مرحلة (البحث عن بديل) للخلاص مما يعاني منه شعبهم من تشريد وقتل وترويع والآلاف منهم أوُدعوا في السجون [ فنادق خمس نجوم].. يجدون مبرراً لتوجهات من هذا النوع, فربما يكون (اليهودي) أقل أذىً مما يُعانيه منه العراقي من ظلم ومعاناة, من بني جلدته الذي يسومونه سوء العذاب.).
هذا الكاتب, وفي كل مناسبة للكتابة, يطرح قضية (مظلومية السنَّة ومظلومية المدن السنيَّة) وبمنطق التعميمات وشمول الشعب العراقي بهذه المظلومية مثل (الشعب العراقي المظلوم) وهو يقصد (الطائفة السنيّة بل يقصد داعش والقاعدة والإرهابيين.).

الخطاب الطائفي لم يعفُ عليه الزمن؛ فهو الورقة التي تنسجم مع المحيط العربي المُجاور للعراق؛ والذي مازال يعتبر العراق (بستان قريش).
في مكان آخر من كتابات حامد شهاب يدعوا دول (العمق العربي) إلى التدخل لإقامة (إمارة الأنبار السنيَّة) بعدما فشلت جميع المحاولات لإعادة الحكم لهم.
يُجبرك الخطاب الطائفي على الخوض في مستنقع الطائفية؛ فالرد لا يعفيك من تهمة الطائفية, ولا تستطيع أن تتقبل عدم الرد أو التعليق.
نعود إلى المؤتمر وما ذكرناه في مُستهل مقالنا حول دلالات المكان والزمان والعنوان فالنفي الذي صدر على لسان ناطق بإسم حكومة الإقليم يُجيب عنه براودي الذي قال في كلمته [ النص من مقال حامد شهاب] ( نحن نشكرهم [حكومة الإقليم] على منحنا هذه الفرصة. ونعتبرها [حكومة الإقليم] من الحكومات المميزة في المنطقة والراغبة في السلام, وأما حضور شخصيات من المجتمع الكردي فلأن الدعوة جاءت برغبة شرائح من تلك المحافظات التي ذكرناها, ثم أن الإقليم الكردي يتمتع بعلاقات واسعة مع معظم البلدان في المنطقة وهو الذي منحَ لنا هذه الفرصة وقد حضر مسؤول عنه..
نختصر هنا بعض الإستفهامات حول ما يبدو غامضاً مثل عنوان المؤتمر (السلام والإسترداد) وبتقديرنا أن الغموض هو بيت القصيد؛ إذ يترك لمن حضر ولم يحضر, أو سمع فقط ان يبحث ويُحلل ويربط الحوادث والمناسبات ويستنتج منها الغايات؛ وقد تكون أكثر من غاية وهدف.. فالسلام مفردة لابد من تعليتها خاصةً أن الجهة المُنظِّمة لهكذا مؤتمرات هي منظمة صهيونية بلافته شاعرية, أمّا عبارة الإسترداد فغامضة فعلاً, نختصر هنا تساؤلات الكاتب خلف الناصر في مقاله بعنوان(خيط الدخان الأسود ورأس الأفعى/ الحوار المتمدن 28/9/2021 )( بعضهم قال الإسترداد تعني روح عملية " إستفتاء الإنفصال" عقد المؤتمر في نفس يوم الذكرى الرابعة للإستفتاء, ولا يمكن ان يكون التوقيت بعيداً عن نوايا مسعود وبطانته, وسعيها في إيذاء العراق والتأريخ يسجل لهم تلك الصفحات الخبيثة مثل التحالف مع داعش, ومع الإعتصامات في المدن الغربية [ التي مُثلَّت في المؤتمر] ودورهم في سقوطها, وإيواء المجرمين والبعثيين والهاربين من القانون, والبعض قال يعني إستعادة يهود العراق لممتلكاتهم في العراق (بعد التطبيع)؟!). – إنتهى الإقتباس-
بتقديرنا أن هذا الإحتمال وارد ولكنه لايُشكل سببا من أسباب المؤتمر الآنية؛ فالسبب الجوهري يتمثل بدور العراق في ما يعرف بصفقة القرن ومن حيثياتها تقسيم المنطقة وتفتيت الجغرافيا الشرق أوسطية في العقد الحالي في أعقاب إنتهاء مرحلة سايكس بيكو المتوافقة مع وعد بلفور, ومن حيثيات صفقة القرن أن تستسلم كافة دول المنطقة, بإستثناء إسرائيل, للقرار الأمريكي الصهيوني بعدم الإستقواء أكثر مما هو مُقدر لها, أي لاتمتلك سلاح نووي بأي شكل وتكون تحت المراقبة الدائمة.
إيران هي الدولة الوحيدة المُشاكسة في هذا الإتجاه وتتعرض للعقوبات وللتهديد الإسرائيل المتواصل وقد نفَّذت بعض مخططاتها مباشرةً أو بالمشاركة مع المخابرات الأمريكية؛ كالإغتيالات التي طالت الجنرال قاسم سليماني أو العالم النووي الإيراني فخري زادة, وهنا يجب أن لانغفل موقع كردستان الجغرافي, وتضاريسها الأرضية المُشتركة مع إيران, في هذه المُعادلة.
ونضيف لهذه التأويلات ما يخص حضور ممثلي البعث والسنّة وكلاهما يندمجان في رؤية (إسترداد الحكم الطائفي السني) وهو ما يتوافق مع تطلعات دول الخليج [ يقال دولة خليجية تبنت رعاية المؤتمر بالأموال والتحضير والضيافة. وقد ذكر براودي في كلمتهِ أن التحضير إستغرق وقتاً غير قليل.], وسيتم الإنقضاض على حكم الشيعة بخطوات مُتأنية أولها هذا المؤتمر.
في الحقيقة أن خطوات العمل على تغيير النظام في العراق جارية على قدمٍ وساق منذ الإطاحة بالنظام البعثي عام 2003. في البدء وقفوا مع القاعدة وإشتركوا وساهموا في جميع العمليات الإرهابية, وشاركوا مع داعش بل كانوا حاضنتها وأذرعها في المناطق التي يتواجدون فيها؛ وفي نفس الوقت يُشاركون في الحكم وفي كل الدورات الإنتخابية السابقة؛ ويمكن ملاحظة نشاطهم في ترشيحات القوائم البعثية في الإنتخابات التي ستجرى في الأيام القادمة.
أين حقوق الفلسطينيين في هذه الصفقات المشبوهة؟ يقول الكاتب عليان عليان في مقاله عن المؤتمر تعليقاً على تعاطف سحر كريم الطائي مع اليهود الذين أُضطهدوا في العراق الملكي..( ولم تكتفِ الطائي بتريج الأكاذيب بل راحت تُبدي تعاطفها مع ضحايا المحرقة النازية المزعومة, مُتجاهلةً المحارق والمجازر التي إرتكبها ولايزال يرتكبها العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وضد الجماهير العربية في أكثر من قطر عربي.)(عليان عليان/ مؤتمر أربيل التطبيعي يحصد الفشل والشعب العراقي عصيٌ على التطبيع./ الحوار المتمدن).
الآن أداروا ظهورهم للقضية الفلسطينية, التي صدعوا رؤوسنا بها بوصفها ( القضية المركزية) ومن كان يستطيع مناقشة هذه القضية (المصيرية)؟ وكانت من أسباب مُعارضاتهم للأحزاب الشيوعية العربية؛ ومن أسباب المجازر الدموية وحملات الإبادة ضد الشعب العراقي؛ بل ضد الدول العربية التي يُفكر حكامها بالحل السلمي مع إسرائيل؛ ولم تنسَ الذاكرة العربية تلك الحملات الديماغوجية البعثية ضد الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لأنه طرح إمكانية الحل السلمي للقضية الفلسطينية بدولتين؛ دولة فلسطينية ودولة إسرائلية, وتكرر الضجيج ضد الرئيس السادات؛ وكان الإعلام البعثي يسعى إلى تحطيم إرادة الشعب العراقي بالشعارات والتجويع والتجنيد ووضع الإنسان في قالب عدم التفكير والتوقف عن الإنتاج وقتل الإبداع الفردي بعسكرة المُجتمع من أطفال المدارس الإبتدائية إلى أجيال المُتقاعدين, وطوال حكم البعث كان العراقيون يدفعون ضريبة البقاء في الحياة؛ تطالهم العقوبات والتهجير والنفي والفصل من الوظائف.
كان المفروض بهؤلاء القوميين البعثيين (أصحاب الكوفيات) أن يتفهموا الواقع الجديد وأن يصطفّوا مع محور المقاومة؛ مع الشيعة في العملية الديمقراطية الجارية في العراق, ومع إيران كدولة جارة مُقاوِمة ويمكننا إستثمار وجودها وعدم تدخلها في الشأن العراقي الداخلي.
بهذا الخصوص كتب الدكتور داخل حسن جريو حول مؤتمر أربيل بعنوان (عجيب أمور.. غريب قضية) المنشور في الحوار المتمدن 28/9/2021..(ولعل الأغرب في حيثيات مؤتمر أربيل, تبنيهِ ورعايتهِ من قبل مجموعات كانت حتى وقٍت قريب تتغن بشعارات القومية والوحدة العربية, وتساند المجموعات المُسلحة بما فيها المجموعات الإرهابية التكفيرية بدعوى محاربة القوات الأمريكية المُحتلة ومن تحالف معها, وإذا بها ترمي نفسها في أحضان المُحتل وتكشف بنفسها عن زيف دعاواها وبطلانها من منطق الغاية تبرر الوسيلة).
كل طرف, من أطراف الحضور في المؤتمر, له حصَّة في شعار(الإسترداد) بعد التطبيع.
الأكراد يتطلعون إلى المناطق (المُتنازع عليها) وشراكة (حقيقية!) تؤمن لهم الأخذ من كل العراق وبلا حساب, مع الإرتباط بالجسد العراقي؛ القيادات الكردية تعتاش على رمزية الماضي, المظلومية والكفاح المسلح, وبأمل ديمومة الماضي كورقة إستثمار مادي ومعنوي؛ مايضمن بقاء القيادات الحزبية على رأس السلطة في الإقليم. وهذا الخطاب القومي نجح في إخفاء ترددات الصراع الطبقي داخل المُجتمع الكردي. فقدإستطاع دعاة الإستفتاء على الإنفصال مايزيد على نسبة(7, 92%) من عدد المشاركين البالغ( 61, 72%)( حسب مقال سوزان آميدي حول الإستفتاء). ولم يسال أحد السؤال المشروع (أين ومتى الإنفصال ياسادة؟) بينما بقيت الإجراءات الإقتصادية الترقيعية على حالها, والأهم من ذلك بقيت تهمة الظلم الإقتصادي موجهة إلى الحكومة المركزية بدلاً من المسؤولين الحقيقيين الذين يُهيمنون على المال والإقتصاد ويتحكمون بمصير الشعب الكردي.
أصحاب الكوفيات في المؤتمر, البعثيين, يتطلعون إلى يوم الإنقلاب على الشيعة ويتركون الأزياء الشعبية ويرتدون البدلات الزيتونية, والرتب العسكرية بالجملة, يتوسلون بأي (بديل) كما يقول حامد شهاب؛ أصبحوا الآن دعاة سلام مع إسرائيل وإن الحروب معها طوال نصف قرن كانت عبثية؛ لكنهم يصمتون عن أطول حرب عبثية كانت مع إيران وبعدها حرب الكويت؛ بل إنهم ينظرون إلى التطبيع مع إسرائيل على أنه خطوة تُعزز النوايا العدوانية ضد إيران, والمُستهدف الحقيقي هو الشيعة؛ ودون ملاحظة المُتغيرات العالمية والإقليمية التي تميل لصالح إيران ومحور المقاومة في المنطقة؛ ومن أهم تطوراته دخول العراق وسيطاً بين إيران والسعودية في مفاوضات تتواصل لإعادة العلاقات بينهما وإنهاء حرب اليمن؛ وقد أشار ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز إلى هذه العلاقات في خطابه في الأمم المُتحدة قائلاً مامعناه أن إيران دولة جارة في المنطقة ولنا معها مفاوضات وسنتواصل معها في حل مشاكل المنطقة, وهي المرة الأولى في تأريخ المملكة التي يتحدث فيها ملك سعودي عن رغبة السعودية للعلاقات الطبيعية مع إيران, ما بعد الشاهنشاهية, بهذا الوضوح, الأمر الذي يؤكد جدّية الموقف السعودي.
كان نفي حكومة الإقليم ساذجاً وسطحياً فكما يتساءل الكاتب خلف الناصر ( وكما يعلم الجميع أصبحت [كردستان] دولة داخل الدولة ولا تسمح بدخول الإقليم إلاّ بموافقتها مسبقاً- فكيف يمكن أن يُعقد مؤتمر بهذا الحجم وهذه الضخامة على أراضيها.. من دعا إلى هذا المؤتمر ومن موَّله وكيف أمّنوا هذا العدد.؟) أجاب براودي على هذه الأسئلة صراحةً.
يُعلِّق الكاتب أياد الزهيري (كل ما ذكرناه وخاصَّةً ممن تبنى هذا المشروع من أميركيين وإسرائيليين, أمر مفروغ منه واضحٌ للشعب العراقي, ولكن ما يؤلم الشعب العراقي هو تواطؤ أطراف عراقية في هذه المؤامرة الخطيرة وهي تطعن في كرامة الشعب العراقي... وهذه الأطراف وهي كردية عراقية ممثلةً بحزب مسعود البرزاني الذي هيأ للمؤتمر على أرض عراقية.)(أياد الزهيري/ مؤتمر أربيل للتطبيع مع إسرائيل حلقة في مسلسل التآمر العراق/الحوار المتمدن/27/9/2021). ويُضيف الزهيري ( خلاصة القول إن مشروع داعش الخطير, وإحتجاجات المنصات في الرمادي والموصل, وما تخلل مظاهرات تشرين من خطوط مشبوهة أحرفتها عن أهدافها الحقيقية, كلها تصب في هدف جوهري واحد ألا وهو الوصول بالشعب العراقي إلى قناعة ودرجة من اليأس تجعله يستسلم لمطالب التطبيع والتقسيم, وما هذا المؤتمر, المُقام في أربيل, إلاّ جس نبض وحلقة متقدمة لتمهيد الطريق إلى التطبيع مع إسرائيل.
وعلى نفس الموضوع يُعقب الكاتب أياد السماوي في مقاله بعنوان (لامكان لمؤتمرات القمامة في بلد الإمامة/ موقع الأخبار 26/9/2021( الشيء الوحيد الذي يدعوا للإستغراب هو موقف حكومة إقليم كردستان التي تربطها بإسرائيل علاقات تأريخية وطيدة وعلاقات إقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية فلا أدري لماذا الخجل والتراجع عن دعمها وتأييدها لإنعقاد المؤتمر والتضاهر بعدم العلم به؟؟ علماً إن حكومة الإقليم تبيع على إسرائيل وبأسعار مُخفضَّة غالبية إحتياجاتها من النفط الخام..).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد