الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا غنى عن حقوق الإنسان حتى في أوقات المحن

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 10 / 3
حقوق الانسان


لو نظرنا بإيجابية لإمكانيات الحركات الاجتماعية ومناصرة حقوق الإنسان حول العالم، ستتبلور مجموعة مختلفة من الحلول للمشاكل الحالية.

غرين دي بوركا
أستاذة القانون بجامعة نيويورك ومؤلفة الكتاب، "إعادة صياغة حقوق الإنسان في حقبة مضطربة".

استعرض في كتاب صدر مؤخراً عدداً من حملات حقوق الإنسان حول العالم وما حققته من نجاحات وما سُجل عليها من مآخذ. وأزعم أنه حتى في أحلك الأوقات حين تواجه حقوق الإنسان التحديات من كل مكان، تظل مقاربات حقوق الإنسان تشكل أهمية بالغة للنشطاء، وقد حققت بالفعل نتائج طيبة عبر الزمن. أقترح أنه إذا ما تحول الاهتمام بعيداً عن تركيز مبالغ فيه على حفنة من المنظمات غير الحكومية البارزة في النصف الشمالي، نحو القدرات الكامنة لدى الحركات الاجتماعية ومناصرة حقوق الإنسان في بقية أنحاء العالم، ستتبلور مجموعة أشمل من الحلول لمشاكل حقوق الإنسان. يعرض الكتاب نظرية تجريبية حول فاعلية قانون حقوق الإنسان والمناصرة تتصف بالآتي: التفاعل (إشراك الحركات الاجتماعية ونشطاء المجتمع المدني الملتزمين بالأعراف الدولية جنباً إلى جنب مع الشبكات والمؤسسات)، المثابرة (عدم اليأس ومداومة النشاط) وبُعد النظر (استهداف تغييرات اجتماعية وأساسية نادراً ما تتحقق بسرعة).

من ناحية أخرى، ليس فيما سبق ما يستوجب الإفراط في التفاؤل أو التشاؤم. نحن نعيش أوقاتاً بالغة الصعوبة والتحدي لحقوق الإنسان وللمدافعين عن حقوق الإنسان، والنشطاء والمناصرين في كل مكان. وتشهد معاداة الليبرالية مداً متصاعداً في كافة أرجاء العالم، بينما تعاني الديمقراطية الليبرالية من حالة انحسار وتردي. وقد ازداد الوضع سوءً بسبب التغير المناخي وجائحة كوفيد-19، علاوة على سعي حثيث من جانب الشركات لمراكمة النفوذ والإفلات من الرقابة الحكومية، وظهور تحالفات متنفذة جديدة بين الفاعلين الدينيين والسياسيين هدفها قمع حقوق الأقليات المستضعفة وإعادة صياغة مفهوم حقوق الإنسان في اتجاهات شديدة المحافظة والإقصائية والمعاداة لليبرالية. لذا أصبحنا نشهد في كل عام تزايداً ملحوظاً في قمع المجتمع المدني وحرية التجمع والتعبير والتظاهر، وارتفاعاً في أعداد القتلى من النشطاء البيئيين وغيرهم.

في الوقت نفسه، هناك انتقادات قديمة العهد تستهدف حقوق الإنسان مصدرها اليسار التقدمي قد اكتسبت شعبية وقبولاً واسعاً، خاصة بعد ظهور كتب مؤثرة خلال السنوات الأخيرة تشجب وتفضح أوجه الضعف والإخفاق والقصور في حقوق الإنسان، وتواطؤها من الاستعمارية والليبرالية الجديدة. كان أغلب تلك الانتقادات قوياً ومؤثراً، لدرجة استوجبت المراجعة الذاتية وتقديم مقترحات الإصلاح من طرف ممارسي وباحثي حقوق الإنسان.

حقوق الإنسان تبقى على نفس القدر من الأهمية لمن ينشدون العدل (وليس بالضرورة للنقاد الأكاديميين).

لكن ثمة بعض الانتقادات الأبرز تمضي لما هو أبعد من مجرد الدعوة لإعادة التفكير أو الإصلاح، بل تزعم بأن عصر حقوق الإنسان قد ولى، وأن قانون حقوق الإنسان وحركة حقوق الإنسان غير مهيأة لمعالجة أوجه الخلل المعاصرة، وأن إخفاق مقاربات حقوق الإنسان في تلمس أو تحقيق التغيير الهيكلي أو العدالة الاجتماعية يسلط الضوء على طبيعتها شديدة التأثر والارتباط بالليبرالية الجديدة، وأنه ربما يجدر بمناصري حقوق الإنسان التوقف عن ادعاء الدفاع عن حقوق الإنسان، بل ينبغي عليهم إفساح الطريق من أجل حركات أكثر جرأة وإقداماً.

أزعم في كتابي أن بعض هذه الانتقادات اللاذعة مبالغ فيه وسطحي. فعلى شاكلة النظرة التقليدية للأمور، تركز أشرس الانتقادات على جانب واحد فقط وبدرجة أساسية من منظومة حقوق الإنسان، وتميل إلى اختزال مجموعة معقدة ومتنوعة ونشطة من الحركات إلى شيء واحد مصمت وعاطل. بينما في الوقت الذي يكتب المنتقدون الأشد تشاؤماً رسائل النعي لحقوق الإنسان، هناك جماعات متعددة حول العالم تحشد وتستخدم لغة وأدوات حقوق الإنسان لطلباً للعدالة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وغيرها. بدءاً من #وأنا كذلك (#MeToo) وحياة السود مهمة (Black Lives Matter) وحركات المطالبة بالعدالة المناخية وحقوق السكان الأصليين، إلى الحركات الاحتجاجية في بيلاروسيا وميانمار ونيجيريا وتشيلي، تبقى حقوق الإنسان على نفس القدر من الأهمية لمن ينشدون العدل (وليس بالضرورة للنقاد الأكاديميين).

هذا لا يعني إطلاقاً أن نشطاء حقوق الإنسان غير مطالبين بمراجعة نظرياتهم ومؤسساتهم واستراتيجياتهم وإعادة تقييمها باستمرار. بل على العكس، قد أفادت الانتقادات الأشد إيلاماً ضد حقوق الإنسان لإخفاقها في معالجة أوج الخلل الهيكلية والتفاوت الاقتصادي في تحفيز التغيير وإعادة توجيه الأولويات والمقاربات من جانب عدد كبير من الفاعلين والمؤسسات. وبات يتعين على نشطاء وحركات حقوق الإنسان تسخير مجهوداتهم لخدمة مصالح الأشخاص المعرضة حقوقهم للخطر والاسترشاد بها، وعدم عرقلة حركات وتكتيكات تقدمية أخرى، وضمان أن تكون مقارباتهم على قدر التحديات الجسام التي يطرحها زمن الجائحة الحالي، متضمنة تسارع التغير المناخي والتحول الرقمي والتفاوت المطرد ومناهضة الليبرالية. لدى تحويل الاهتمام لتلك المخاطر والأخطار، يصبح أمام التنوع الخصب من الفاعلين المؤلفة منهم الجماعة الدولية لحقوق الإنسان دوراً لا غنى عنه لأدائه، في حقبة مضطربة، ضمن الإطار الأشمل للحركات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية التقدمية.
_________________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.openglobalrights.org/the-vitality-of-human-rights-in-turbulent-times/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسل الجزيرة: أي غارة إسرائيلية على رفح توقع شهداء وجرحي لت


.. لحظة اعتقال مواطن روسي متهم بتفجير سيارة ضابط سابق قبل أيام




.. واشنطن: طرفا الصراع في السودان ارتكبا جرائم حرب


.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش




.. برنامج الأغذية العالمي: السودان ربما يشهد -أكبر أزمة غذائية