الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كرد العراق في ذكرى استفتاء لم يقصد منه الاستفتاء!

آلان م نوري
(Alan M Noory)

2021 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


مرت في 9/25 الذكرى الرابعة لما سمي بـ "الاستفتاء" على استقلال إقليم كردستان من العراق. و في هذا الوقت من كل سنة ينقسم الشارع الكردستاني بين من يعتبره رمزا لحكمة و وعي القوى السياسية المهيمنة في الإقليم، أو نصرا سياسيا لتطلعات الشعب الكردي، و أن انتكس. و في الطرف الآخر جمهور أدرك ضحالة الفكر السياسي المنتج للاستفتاء و دعا إلى مقاطعته على خلفية تعارضه مع أهدافه المعلنة.
في الأشهر التي سبقت "الاستفتاء" عام 2017، كانت الماكنة الإعلامية المتنفذة للحزبين الحاكمين في كردستان تصور للمواطن الكردي العادي أن ما يقومان به من الرجوع إلى المواطن هو من اجل إعلان استقلال الإقليم عن الدولة العراقية، بوثيقة تحدد أرضية جديدة لحراك الكرد في العراق، تفاوض منها لا على الانفصال من عدمه، بل على آليات تثبيت انفصال ناجز.
و من الطرف الآخر من أفواهها، كانت قيادات هذين الحزبين تتحدث بلغة مختلفة تماما، عند مخاطبة القنصليات الأجنبية و الهيئات الإعلامية الإقليمية و الدولية، و من تعتبرهم خاصة القوم من الكرد، فتعدهم باستفتاء بلا نتائج ملزمة للقائمين عليه، لا يعدو كونه ورقة ضغط على الحكومة العراقية لإجبارها على مرونة اكبر بشأن الخلافات حول توزيع الثروة بين الطبقات الحاكمة في البلد.

اللغة أداة للتضليل
منذ البدء، ترجم القائمون على العملية كلمة Referendum إلى الكردية و اختاروا، ربما عمدا، كلمة (گشتپرسی) التي تعني بالعربية "الاستقصاء العام" و ليس "الاستفتاء العام". و مرروها على أنها هي هي الاستفتاء العام. في حين أن الاستقصاء، و إن أضيف لها كلمة (عام)، لا تُلزم نتيجته أحدا، بمن فيهم القائمين عليه. كأن تستقصي وزارة النقل، مثلا، المواطنين بشأن رغبتهم في عودة حافلات نقل الركاب الحكومية إلى شوارع المدن الكبرى. وحيث أن عودة هذه الحافلات من عدمها ليس أمرا تستطيع الوزارة أن تُلزم به أحدا، و لا حتى نفسها؛ لأن بنود و مبالغ نفقاتها الكبرى تأتيها من الموازنة العامة التي لا سلطة لها هي عليها، فلا سلطان للتصويت العام هذا على احد. والسؤال إذا، ما نفع استقصاء كهذا؟ المنفعة الوحيدة من هكذا إجراء، هي إطلاع الوزارة و الحكومة على مدى شعبية هكذا مطلب، عسى ولعله يرتفع في سلم أولويات الحكومة في مشروع موازنة قادم، إن توفرت له الوفرة المالية، فتقترحه الحكومة في مشروعها على البرلمان. لذا فاستكشاف رغبات الجمهور يمكن أن يتم بدراسة علمية لعينات من المواطنين، لا تكلف الجهة المستكشفة واحد في المليون من التكلفة التي تتطلبها أخذ رأي كل المواطنين البالغين الراغبين بإبداء رأيهم (وهو ما تسعى له و تنفق عليه أي عملية استفتاء عام قانوني).
أما الاستفتاء العام، فهو في جوهره، تخلي السلطة التشريعية في الكيان السياسي عن صلاحيتها في التشريع في أمر معين و طلبها ممن يحق لهم التصويت المباشر من المواطنين إقرار ذلك الأمر بدلا عنها. و تُلزم السلطة التشريعية نفسها (و من خلالها الكيان السياسي كله) سلفًا بنتائج التصويت. حدث هذا، مثلا، في سكوتلاندا عام 2014، حينما اتفقت السلطات التشريعية في سكوتلاندا و بريطانيا، و ألزمتا النظام السياسي كله سلفًا بقبول نتائج تصويت مواطني سكوتلاندا على البقاء جزءا من بريطانيا العظمى أو الانفصال عنها. فلو كانت الأغلبية صوتت مع الاستقلال لكانت سكوتلاندا دولة مستقلة بالكامل من بريطانيا لحظة إقرار نتائج التصويت.
لكن ما حدث في كردستان هو أن جهة لا تمتلك سلطة التشريع (رئاسة الإقليم) قررت أنها سوف تطلب من المواطنين التوجه إلى صناديق التصويت لتبين رأيها بشأن رغبتها في الاستقلال من عدمه. رغم أن مؤسسة الرئاسة ليست مختصة بتشريع و تنظيم هكذا أمور. لكن هذه الرئاسة، لم تعتد على التفكير في هذه التفاصيل، لأن نظرتها عن الإطار القانوني لسلطاتها ينتمي إلى عصر ما قبل الدولة الحديثة.
لذا، بات لزاما على باقي النظام السياسي في الإقليم أن يلهث وراء الرئيس في محاولة إلباس العملية برمتها مظاهر الجدية و التحضر و الديمقراطية، خصوصا أمام المجتمع الدولي و الصحافة العالمية.
في إطار لملمة الموضوع، و في مناظرة بثتها قناة تلفزيونية كردية، و استضافتها جامعة صلاح الدين في أربيل، يوم 2017/8/14، رسم قيادي مخضرم في الاتحاد الوطني الكردستاني، و أحد مهندسي الإطار العام للاستفتاء، الخطوط العريضة للمرتجى و المؤمل من العملية التي كانوا بصدد صرف ملايين الدولارات في الإعداد لها، فأوضح أن أستفتائـ(هم) هذا لن يعني الاستقلال، حتى و أن صوتت الأغلبية الساحقة من المواطنين بـ (نعم) لخيار الانفصال. أي انه لن يكون ملزما للطرف الآخر (الدولة العراقية، شعبا و حكومة)، أو المجتمع الدولي أو دول الإقليم، بل و لن يكون ملزما حتى للقائمين على العملية نفسها. و تنبأ أن يكون الفاصل الزمني بين نتيجة (نعم) و الانفصال عشرات السنين. قال كل هذا و قيادي آخر من نفس حزب الرئيس (الديمقراطي الكردستاني) يهز برأسه موافقا!

الثقافة الديمقراطية الضحلة للطبقة السياسية الحاكمة الكردية
انتبه بعض من قيادات الحزبين المهيمنين في إقليم كردستان، ممن عاشوا في البلدان الديمقراطية المتقدمة و خبروا آليات العمل السياسي و الإعلامي فيها، انهم إن أرادوا أن يؤخذوا بالحد الأدنى من الجدية، عليهم أن يجدوا مخرجا "قانونيا" لهذا الاستفتاء الذي هم قبل غيرهم كانوا لا ينوون الالتزام بنتائجه. فأقنعوا الرئيس الحاكم بأمر الله، أن البرلمان يجب أن يكون، شكلا في الأقل، مرجع هذه العملية ومنظمها، فانعقد البرلمان الذليل قبل عشرة أيام من موعد ما سمي بالاستفتاء(!) اجتمع لسويعات و اصدر بيانا، و ليس قانونا، من خمس نقاط. يطلب من المفوضية العليا (الإقليمية) للانتخابات أن تنظم العملية في موعد تقرر خارج إطار البرلمان، و يعرب عن قبوله "كافة الإجراءات" التي اتخذتها الجهات "ذات العلاقة" بشأن تنظيم العملية(رغم انه يفترض به أن يكون مبتدأ و مرجع كل الإجراءات هذه)… كما يخول "الجهات ذات العلاقة" أن تتخذ أي قرار أو إجراء لضمان حقوق الشعب في كردستان، على وجه (لا بشرط)، تعود هذه الجهات من خلاله في القضايا المصيرية إلى البرلمان؟ (كيف و تحت أي مسمى؟ لا يهم فلا حساب بين الأحباب). وهذا كله لا علاقة له بالحد الأدنى لما يجب أن يتوفر في استفتاء قانوني. وافق على هذا البيان 62% من أعضاء البرلمان من الحزبين، و توابعهما، بينما قاطع هذه الجلسة برمتها أكثر من 30% من الأعضاء.

خريطة يحددها الدم المراق؟
المسألة العقدية الأخرى، التي تعاملت معها مؤسسة الرئاسة بمنطق ينتمي إلى عالم ما قبل الدول الحديثة، كانت الحدود الجغرافية التي تشملها عملية "الاستفتاء". فلو أن هذه المؤسسة اكتفت بتلك الجغرافيا التي تتفق كل المنظومة السياسية العراقية منذ ما قبل 2003 على أنها إقليم كردستان بلا منازع، لكان رد الفعل العراقي و الإقليمي و الدولي اهون بكثير مما حدث فعلا. لكن منذ اكتساح داعش لموصل و المناطق المعروفة بالمثلث السني و وصوله إلى تخوم العاصمة بغداد، تمددت قوات الحزبين الحاكمين الكرديين لتسيطر على كافة المناطق التي عرفت منذ إقرار الدستور العراقي الجديد، بعد الاحتلال الأمريكي، بالمناطق المتنازع على عائديتها إلى إقليم كردستان، و تعرف أيضا بمناطق المادة 140 من الدستور. وهي المادة التي يفترض بها أن تضع آليات حل مشكلة عائدية هذه المناطق، و التي تماطل النظام السياسي العراقي بكل مكوناته في تفعيلها كل هذه السنين.
أصرت مؤسسة الرئاسة في الإقليم أن "استفتائها" سيشمل كل المناطق التي تسيطر عليها قوات الحزبين الحاكمين في الإقليم فعليا، لأن بسيطرة هذه القوات على مناطق المادة 140، تم حسم النزاع و ما عادت مناطق متنازع عليها...وأطلق رئيس الإقليم جملته الشهيرة: حدود الإقليم هي أبعد بقعة ارض أُريق فيها دم البيشمركة! و احتفل بها مريدوه غافلين عن أن هذه بالضبط هي لغة الممالك والسلطنات السابقة للدول الحديثة و لا تنتمي إلى عالم اليوم.
جرت محاولات عدة لإفهام شخص الرئيس أن فرض إجراءا أحاديا بدعوى حل معضلة دستورية في البلد بمنطق حق الدم المراق، هو بمثابة إعلان حرب على الطرف الآخر في المعادلة، الدولة العراقية، بما هي دولة و ليس حكومة عراقية بعينها أو ائتلاف سياسي حاكم بعينه. استمرت الجهود مع الرئيس لثنيه عن إشراك المناطق المتنازع عليها في العملية حتى آخر يوم قبل بدء عملية التصويت. لكنه فضل إهمال كافة التحذيرات الدولية و الإقليمية و إنذارات الحكومية العراقية وأعلن تحمله بشكل شخصي نتائج هذا الموقف. فأظهرت الأيام اللاحقة فداحة خطأ تقديره شخصيا و معه حاشيته و مقربيه في قراءة الموقف و استشراف عواقبه… كما أظهرت إمتناع النظام السياسي في العراق عن تحميل المخطئ و حاشيته أي عواقب سياسية و إجتماعية تذكر.

الاستفتاء لم يكن عرسا وطنيا كردستانيا
في أجواء مشحونة من التهديدات العراقية و الضغوطات الإقليمية والدولية، و خلافات داخلية عميقة بين منظمي مشروع الاستفتاء و طموحات الرئيس و مقربيه، تم الإتفاق على الاكتفاء بالمظاهر الاحتفالية الحاشدة المحتفية بفكرة استقلال إقليم كردستان، دون المضي قدما بإجراء الاستفتاء نفسه، بسبب مشاكله القانونية و الدستورية و الموقف الرافض قطعا من قبل مؤسسات الحكم في العراق، القوى الإقليمية و خصوصا إيران المهيمنة على المؤسسة العسكرية الموازية للدولة في العراق و المسماة بالحشد الشعبي، و تذمر الخارجية الأمريكية من عدم استيعاب مؤسسة رئاسة الإقليم لموقف الولايات المتحدة الرافض لمشروع الاستفتاء، وذهبت قيادات الحزبين و مؤسسات إدارة الإقليم إلى الاحتفال المركزي في المساء الذي سبق موعد إجراء الاستفتاء، وكلها قناعة أن مسعود البارزاني قبل بإستعراض احتفالي مهيب و وعود ضبابية أمريكية بشأن مستقبل علاقة الإقليم مع العراق، و انه سوف يعلن النصر، و عدم الحاجة إلى الاستفتاء لضمان امن و سلامة مواطني الإقليم. لكن الرئيس فاجأ اغلب هذه القيادات بإعلانه الإصرار على إجراء العملية في وقتها المحدد. وقد عنى ذلك توزيع صناديق الإقتراع بليل في اغلب مناطق السليمانية و حلبجة و كركوك و كرميان التي اعتقد المشرفون على الاستفتاء أن الرئيس سوف يعلن إلغائه.
يوم الاستفتاء ذهل المنظمون من مدى تدني نسبة المشاركة في أكثر مدن و محافظات الإقليم اكتضاضا بالسكان حتى الساعات الأخيرة من انتهاء مهلة التصويت، فقرروا و لأول مرة في تاريخ تنظيمهم للإنتخابات في الإقليم منذ 1992، أن يمددوا مهلة التصويت لا بسبب اكتضاض مراكز التصويت، بل لخلوها. (في التجارب السابقة في الإقليم، كانت مهل التصويت تمدد بسبب تظاهر الناخبين الذين لم يتسن لهم التصويت لإكتضاض المراكز !).
انتهزت الأجهزة الحزبية المهيمنة على المؤسسات الرسمية تمديد المهلة لممارسة التزوير الممنهج على نطاق واسع و بشكل علني، برره لاحقا قيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني في مقابلة له مع وسائل الإعلام في السليمانية، بأنه في قضية مصيرية تمس "الأمن القومي الكردي"، لن يتوانوا أبدا عن التزوير المنظم و واسع النطاق!
رغم كل ذلك كانت نسبة المشاركة (مع التزوير الممنهج) في محافظة السليمانية و معها حلبجة، لا تتجاوز الـ 40%. و السليمانية هي عاصمة مملكة كردستان التي حارب الشيخ محمود الحفيد من اجل تثبيتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. و اجزم أن هذه المحافظة لو أُتيح لها استفتاء حضاري، شرعي و قانوني، لن يكون نسبة تصويتها في استفتاء الاستقلال هذا الرقم البائس… و هنا يحتاج القارئ العربي أن يفهم امرا جوهريا:

الكرد انفصاليون… إفهموها و أريحونا!
منذ انهيار الدولة العثمانية، و محاولات تدشين عصر الدول القومية على أنقاضها ، و الكرد كغيرهم من الإثنيات و الهويات الثقافية المتعددة في الشرق الأوسط، يطمحون في دخول عالم الدول القومية بدولة مستقلة لهم. وهو طموح كان يمكن أن يُقنن و يتسع أفقه إلى أبعد من الإستئناس برابطة الدم، مع ترسيخ أسس ديمقراطيات معاصرة مبنية على المواطنة في البلدان التي تفرقوا بينها، ولكن ليس ذنب الكرد انهم ابتلوا بحكومات دول قومجية تنظر إلى الكردي و هويته الثقافية نظرة من رأى شبحا مخيفا يجب ارضاخه للهوية القومية السائدة، أو ابادته!
على القارئ العربي أن يدرك أن الشعب الذي غُيّب منه أكثر من مئة ألف إنسان خلال سنة واحدة من عمليات الأرض المحروقة، المعروفة بالأنفال (1988-1989)، ثم أنتفض عام 1991 و سحبت الحكومة المركزية كل مظاهر الإدارة المدنية من مناطقه و فرضت عليه حصارا قاسيا يضاف إلى الحصار الدولي على العراق من جراء احتلاله الكويت، وحصار آخر إقليمي يهدف إلى تجويعه وسيلة لإقناعه بالتخلي عن حلم الاستقلال، و عاش محاصرا من الدولة المركزية 12 عاما (حتى الاحتلال الأمريكي و سقوط نظام صدام)… أن شعبا كهذا، يحق له أن يحلم بالانفصال و يفضله على نموذج دولة الفساد و عصابات اللصوصية الطائفية الحاكمة حاليا في العراق.
أخي العربي، لا تسمع للقوى الكردية اللصوصية الموغلة في اللعبة الطائفية و نهب الثروات العامة في العراق، التي لا ترى عيبا في طبيعة الدولة العراقية الحالية، ولا تريد سوى حصة اكبر من الوليمة… فإن كانت نزعة الانفصال في قلب المواطن الكردي لا تروق لك، مد يدك اليه لبناء دولة مدنية ديمقراطية معاصرة في العراق، قبل أن تطالبه بالتخلي عن حلم الاستقلال. الإنسان الكردي البسيط انفصالي لإنه يختنق في فضاء حكم اللصوص الطائفيين و القومجية في العراق… إفهموها و أريحونا من شككم في وطنيتنا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو