الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الامبريالية أداة لتعزيز وتوسيع الهيمنة على مصالح الشعوب

خليل اندراوس

2021 / 10 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



الفلسفة الماركسية تنظر إلى الواقع من خلال منهج علمي جدلي يتيح لكل ماركسي تكوين نظرة علمية إلى العالم، وهذه النظرة ضرورية لإتمام وممارسة عملية التغيير الثورية في المجتمع. فالفكر الجدلي ينظر إلى الأشياء والظواهر والمعاني في ترابطها بعضها بالبعض، وتدرس ما يقوم بينها من علاقة متبادلة وتأثير كل منها في الآخر، وما ينتج عن ذلك من تغيير كما تنظر إليها عند ولادتها ونموها وانحطاطها (انجلز: ضد دوهرينج – ص 392).
والفلسفة الجدلية تتعارض في كل ناحية مع الفلسفة الميتافيزيقية. خلافًا للمنهج الجدلي يعتبر المنهج الميتافيزيقي، الأشياء "وكأنها تامة الصنع" (انجلز! لودفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ص – 35). وكلمة ميتافيزيقيا مشتقة من "ميتا" اليونانية وهي تعني ما "وراء" و "فيزيقا" وهي تعني علم الطبيعة وموضوع الميتافيزيقيا (ولا سيما عند أرسطو) هو دراسة الكائن الذي يوجد وراء الطبيعة، وبينما الطبيعة متغيرة، فإن الكائن الذي يوجد وراء الطبيعة أبدي لا يتغير يسميه البعض الله. ويسميه الآخرون المطلق. ولما لم يصل قدماء الاغريق إلى تفسير الحركة فقد اضطر بعض فلاسفتهم ان يقيموا وراء الطبيعة المتغيرة، "مبدأ أبديا". وعندما نتحدث عن منهج ميتافيزيقي نعني بذلك المنهج الذي يجهل حقيقة الحركة والتغير، ويؤكد هذا المنهج الميتافيزيقي وجود السكون والتماثل وشعارها "لا جديد تحت الشمس". وفي عالمنا المعاصر هناك من يقول بأن الرأسمالية أبدية، وبأننا وصلنا إلى نهاية التاريخ وان مصائب الرأسمالية وعيوبها من فساد وإفساد وأنانية وقسوة واضطهاد وصراع طبقي وقومي وفقر، التي تولدها في المجتمع والناس مخلدة ودائمة ما هي الا ضرب من التفكير الميتافيزيقي الرجعي. لأن لدى كل مفكري الفلسفة والنهج الميتافيزيقي يتمثل لديهم ومن خلال ممارساتهم وسياساتهم وايديولوجياتهم بأن الانسان كفرد والمجتمع كمجتمع والشعوب كشعوب أبدية لا تتغير. ومن هذا المنطلق وعلى هذا الأساس تقوم مفاهيم ونهج وفلسفة "صراع الحضارات" لدى هاميلتون ونهاية التاريخ لدى فوكوياما.
مفكرو طبقة رأس المال وخاصة في عصرنا الحالي الامبريالي – عصر السوق الحرة المتوحشة وتركيز رأس المال يحاولون بشتى الوسائل السياسية والاعلامية والثقافية والأيديولوجية فصل الانسان عن بيئته وعن مجتمعه، بادعاء أن في تغيير التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية للمجتمعات من اقطاعية إلى رأسمالية مثلاً ظل الانسان كما هو لا يتغير.
فالنهج والفلسفة الميتافيزيقية تفصل بصورة اعتباطية بين ما هو في الواقع لا انفصال بينه. الانسان ثمرة لتاريخ المجتمعات وهو ليس كذلك خارج المجتمع بل بتأثيره.
وعلى هذا الأساس الفلسفي الميتافيزيقي الذي لا يرى الانسان كثمرة لتاريخ المجتمعات، يتغير ويتطور، ويكتسب العلم والمعرفة بالممارسة والمشاركة الاجتماعية والتطور الاقتصادي.
يغير ويتغير، يأتي من يبرر الحروب العدوانية الامبريالية المحلية وحتى العالمية وكأنها تعبير عن ما أسماه هنتنجتون "صدام الحضارات" مدعيًا بأنه لو اندلعت حرب عالمية ثالثة فستصبح حربًا من نوع جديد نتيجة لمواجهة بين الحضارات... بين المركز وهو الغرب وبين الأطراف أو المستعمرات القديمة. بل هناك تفسير عنصري أبعد من ذلك طرحه هنتنجتون حيث أعطى كلا من المجموعتين صبغة دينية! اذ سيكون الصدام بين حضارة "يهودية مسيحية" وأخرى "اسلامية كونفوشية".

وهذا الطرح المبني على نهج ميتافيزيقي يهدف إلى الغاء الطابع الامبريالي العدواني الرأسمالي الطبقي للحروب المحلية والنزاعات العسكرية والتي تنشب بصورة دورية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الآن في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية، والتي أصبحت أي هذه الحروب نقاطًا تحدد طريق الامبريالية التاريخي التي هي المذنب المباشر في أكثرية هذه الحروب، وخاصة دور الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط ودورها العدواني ضد شعوب المنطقة خدمة لطبقة رأس المال واحتكارات شركات صناعة السلاح وانتاج النفط وخدمة لمصالح اسرائيل الاستراتيجية في المنطقة، وخدمة لمشروعها الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني. فالصراع الحاصل في منطقتنا ليس صراعًا حضاريًا بل سياسة عدوانية امبريالية أمريكية صهيونية اسرائيلية رجعية عربية تهدف فرض الهيمنة والسيطرة على الشعوب العربية بواسطة القوة العسكرية والاحتلال والاستيطان.

إن القوة العسكرية التي يعتمد عليها الامبرياليون والفكر والأيديولوجية العنصرية الشوفينية الصهيونية والتي هي أي الصهيونية من تقيحات وافرازات المرحلة الامبريالية في فترة أزماتها، تعمل بشتّى الوسائل الاعلامية والسياسية والعسكرية ضد أي تحول تقدمي انساني تحرري في منطقة الشرق الأوسط وهذا ما يجمع هذه القوى مع الرجعية العربية الاستبدادية وخاصة السعودية ودول الخليج. لقد بينت الامبريالية عمليًا أنها تمتاز من بين جميع التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية الاستغلالية بأنها التشكيلات "الأقل حبا للسلام" و"الأكثر توقا إلى العنف" ولذلك فهي "الأكثر إثارة للنزاعات" حسب أقوال لينين (راجع لينين مقالة "الاشتراكية والحرب").
وهذا التحليل اللينيني للرأسمالية في مرحلتها الامبريالية على ثوريي جميع الشعوب وخاصة الشعوب العربية ان تتسلح به وتحمله وتنشره وتضعه في أساس نضالها ضد سيطرة الاحتكارات والاستعمار الجديد الامبريالي – الصهيوني وضد الاضطهاد القومي وضد الامبريالية ومختلف أشكال ظهورها في الواقع بما في ذلك مكافحة نهجها وفلسفتها الميتافيزيقية الرجعية.
وهكذا أصبح كل من يقاوم الاحتلال والاستيطان ومن يكافح من أجل حقوقه الوطنية الانسانية العادلة، يشمله مفهوم الارهاب، بالمفهوم الأمريكي الاسرائيلي. بعد كل هذا علينا دائما عند تحليل أي أحداث وتطورات وصراعات تحدث في عصرنا الحالي عصر ارتقاء الرأسمالية إلى مرحلتها العليا – الامبريالية الاستناد إلى التحليل الجدلي المادي لهذا العصر وكشف الترابط بين سياسة الامبريالية والحروب المحلية الامبريالية والعنف عالميًا والحروب والاحتلال والاستيطان في منطقة الشرق الأوسط، كل هذا ما هو الا أداة لتعزيز وتوسيع السيطرة الطبقية للبرجوازية الاحتكارية عالميًا والطبقة البرجوازية الكومبرادورية – الوسيطة – في العالم العربي.
وكان مؤسسا الماركسية، بتقييمها الواقعي لعدم تكافؤ القوى في الحروب الاستعمارية يريان المصاعب الهائلة التي كانت تقف في الطريق إلى نجاحات الشعوب المستعبدة في النضال ضد المستعمرين. بيد أنهما كانا في الوقت نفسه على ثقة راسخة بانتصار القوى التي تدافع في غمار الحرب عن الأهداف العادلة. ولذلك على كل ثوري يحمل الفكر الجدلي الماركسي أن يثق بانتصار الشعوب في نضالها من أجل تحررها وقضاياها العادلة وخاصة الثقة بانتصار الشعب العربي الفلسطيني وقضيته العادلة شاء من شاء وأبى من أبى.

لهذا نرى أن طبقة رأس المال وخدمة لمصلحتها الطبقية تعلن الحرب على النهج والفلسفة الجدلية لأن الجدلية فضيحة بالنسبة للطبقات المسيطرة ومفكريها، ولأن النظرة الموضوعية للأشياء الموجودة تتضمن إدراك زوال هذه الطبقات وفناءها الضروري، لأنّ الجدلية تدرك الحركة ولا يمكن لأي شيء أن يفرض عليها هذه الحركة (لا أصحاب رأس المال الامبريالي ولا أصحاب الفكر العنصري الصهيوني، ولا الفكر الرجعي الوهابي). اذ هي حركة جدلية نقدية ثورية تحررية.
ان النظريات التي تؤسس لها وتنشرها طبقة رأس المال والتي تدعوها باسم نظريات ما بعد الحداثة التي تشدد على أهمية "شخصانية المعرفة" والتشكيك بموضوعية المعرفة تهدف إلى تحدي ومكافحة الفكر الماركسي المادي الجدلي، ولكنها بهذا العمل تتحدى وتشوه أسس المعرفة الموضوعية عن عالمنا المعاصر. ان المادية الجدلية تشدد على موضوعية الوجود وامكانية دراسته باستقلالية عبر المراقبة والدراسة والاختبار، لقد حذر لينين بأن السلاح الأخير في يد الامبريالية والرأسمالية هي أبستمولوجيا المعرفة التي سوف تعمل على هدم الأسس النظرية للمعرفة بسبب فشلها في ربح المعركة الفلسفية والمنطقية مع المادية الجدلية والمادية التاريخية للفكر الماركسي. ويؤكد الفكر المادي الجدلي الماركسي أن الناس لا يفكرون ولا يستطيعون أن يفكروا في عزلة عن المجتمع وبالتالي في عزلة عن المصالح الطبقية والمعارك الطبقية التي تسود المجتمع، تماما كما لا يستطيعون أن يعيشوا ويتصرفوا في مثل هذه العزلة، فالفلسفة هي نظرة عامة إلى العالم.. هي محاولة لفهم العالم والبشرية.. ومكان الانسان في العالم ولا يمكن أن تكون مثل هذه النظرة العامة الا نظرة طبقية، ويؤدي الفيلسوف وظيفة الممثل الفكري لطبقة، فنحن لا نستورد الفلسفات من كوكب آخر بل هي تنتج هنا في هذه الأرض، في هذا المجتمع، وينتجها أناس ينغمسون – أرادوا ذلك أو لم يريدوه – في علاقات طبقية قائمة وفي الصراع الطبقي القائم، ومن هنا مهما أجهدنا أنفسنا في البحث فلن نجد فلسفة غير متحيزة ولا متحزبة ولا طبقية. ولا نستطيع أن نخرج من ذلك إلا بأنه على الطبقة العاملة وحزبها الثوري إذا أرادت اليوم أن تشغل مكان القيادة في المجتمع أن تعبر عن نظرتها الطبقية العامة في شكل فلسفة وأن تعارض بفلسفتها الفلسفات التي تعبر عن مصالح طبقة رأس المال.
لذلك نقول بأن المادية الجدلية الماركسية التي كانت استمرارًا وتتويجًا لمنجزات الفلسفة في الماضي فإنها استمرار يضع حدًّا ويشكل نقطة انطلاق جديدة، فهي تندفع وفق خطوط جديدة بالمقارنة بفلسفات الماضي وانها ثورة في الفلسفة، نهاية لمذاهب الماضي، فلسفة من نوع جديد، فالفلسفة الماركسية اللينينية فلسفة تخدم الطبقة العاملة وكل جماهير الشعب والناس في نضالهم لتطويح كل استغلال ولبناء مجتمع لا طبقي، فالماركسية فلسفة تسعى إلى فهم العالم من اجل تغييره، يقول ماركس: "كان كل ما قام به الفلاسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة بيد أن القضية هي تغييره" (ماركس قضايا عن فورباخ رقم 11)، وهكذا فاذا كان في وسعنا أن نقول عن فلسفات الماضي إنها كانت محاولة لفهم العالم ومكان الانسان منه ومصيره فيه – محاولة تحدها بالضرورة النظرة الطبقية وتحيزات وأوهام مختلف فلاسفة الطبقة المستغِلة –فعلينا أن نقول عن الفلسفة الماركسية إنها فلسفة لفهم العالم من أجل تغييره ومن أجل تشكيل وتحقيق مصير الانسان فيه، إن الفلسفة المادية الجدلية هي سلاح نظري في أيدي الطبقة العاملة والشعب لاستخدامه في تغيير العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اضغاث احلام-اصبحت اكسباير-وسقطت هلوسات الامبريالية
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 10 / 9 - 08:48 )
الاقطاعية والاستبداد الاسيوي قاتل الملايين من الروس المساكين تلك الامبريالية مستعبدة الشعوب والتي كانت تسمى تضليلا بالسوفيتيه سقطت ولم يخرج شخص واحد للدفاع عنها لانها دريمه كبرى بحق الانسانية

اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024