الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل استطاع نظام السوق القضاء على ظاهرة الاحتكار؟

محمد رضا عباس

2021 / 10 / 10
الادارة و الاقتصاد


حسب التعريف الاقتصادي للاحتكار هو عندما يوجد في السوق بائع سلعة واحد ولا يوجد بديل اخر لسلعته. البائع في مثل هذه الحالة يقرر سعر سلعته بالسعر الذي يرغب به , ولا يحتاج الى تطوير انتاج سلعته طالما وان هناك لا منافس له , وعلى المشتري دفع ثمنها بكل ممنونية. على سبيل المثال, يعتبر الغرب ان منظمة تصدير النفط اوبيك , منظمة احتكارية على فرض انها هي التي تقرر حجم انتاج النفط وهي التي تفرض سعره على المشترين. هذا ما كان الغرب يقوله حول اوبيك حتى الفترة القريبة , ولكن انهيار أسعار النفط في الآونة الأخيرة ودخول الولايات المتحدة الامريكية سوق تصدير النفط خف الاتهام وأصبحت الولايات المتحدة هي التي تطالب أوبك برفع سعر برميل النفط في الأسواق العالمية لتتمكن شركات النفط الحجري عندها المنافسة مع المنتجين الكبار في منظمة أوبك. ولكن المثال واضح , وهو ان الغرب كان يتهم أوبك على انها منظمة احتكارية طالما وإنها لا تجابه منافسة لها في السوق وطالما كانت هي من تقرر أسعار النفط فيه.
نظريا , الاحتكار ممنوع ويحاسب عليه القانون , حيث ان المحكمة الفيدرالية الامريكية اعتبرت شركة AT&T العملاقة للاتصالات شركة احتكارية مما أدى القرار الى تهشيم الشركة الى سبع شركات عام 1985 وبيعها الى مستثمرين اخرين من اجل تنافس الواحد الأخر.
ولكن الشركات العملاقة الصناعية او الخدمية من العادة لا يقفوا مكتوفي الايدي امام القوانين ولابد من البحث عن طرق خلاقة لممارسة الاحتكار وجني الربح الوفير منه, ولهذا السبب فان نظام السوق ما زال يعاني من محاولات ممارسة الاحتكار من قبل أصحاب الاعمال. على سبيل المثال , شركات صناعة السيارات تستخدم الاحتكار في تقديم خدمة صيانة سياراتها , حيث تحث مشتري سياراتها مراجعة مراكز خدمة اصلاح السيارات التابع لها لعدم وجود أدوات مخصصة للتصليح عند باقي محلات صيانة السيارات. وهكذا يضطر صاحب السيارة بدفع أجور خدمات أغلي ,بحجة عدم وجود بديل اخر لتقديم الخدمة له.
وهذا بالضبط ما يدور الان من مشاكل بين الفلاح الأمريكي في الولايات الزراعية وبين شركة John Deere العملاقة لصناعة المكائن الزراعية. الفلاح الأمريكي اعتاد منذ البداية على تصليح ما لديه من المكائن الزراعية على ارضه وفي ورشته, حيث وانت تتجول في الحقول الزراعية في المناطق الزراعية تجد ان هناك ورش للتصليح على الأرضي الزراعية , وان مالكها (الفلاح) يعرف تماما كيفية إصلاحها وعندما تحتاج الماكنة الى أدوات احتياطية لا عليه الا زيارة أي محل مختص ببيع الأدوات غير مكترث عن اسم صانعها او مكان صناعتها. بهذه الطريقة , أصبح الفلاح الأمريكي من أكبر المنتجين للمنتجات الزراعية ومهيمن على الأسواق العالمية. انه استطاع ان يقدم منتوج زراعي عالي النوعية مع أسعار تنافسية ترضي المشترين.
التكنلوجية الحديثة لا تسمح للفلاح الأمريكي تصليح معداته الزراعية ولا تسمح له شراء أدوات احتياطية الا من شركة John Deere , لان الشركة المذكورة لا تسمح بإعطاء البرنامج الالكتروني الى الفلاح وتعتبر ان هذا البرنامج هو ملك لها ولا أحد يستطع استخدامه الا وكلائها المخولين. وهكذا أصبح الفلاح في حاجة الى انتظار عمال الصيانة مع كل خلل في المكائن الزراعية وهذا يكلف الفلاح وقت ومال. في بعض الأوقات يضطر الفلاح بانتظار ساعات لوصول عمال الصيانة , وبعدها ينتهي بدفع فاتورة الصيانة والتي كان لا يحتاجها قبل التعامل مع التكنلوجيا الحديثة. البيت الأبيض تفهم مشكلة الفلاح ومن المؤمل ان تحل المشكلة في قادم الأيام.
في العراق ظهر نوع اخر من الاحتكار , ولكنه على حساب المرضى ولا يوجد امل لإصلاح الامر لا من قبل وزارة الصحة ولا من قبل نقابة الأطباء. أصبحت هناك ظاهرة جديدة في العراق وهو الإعلان عن قدوم طبيب " خبير" او "مستشار" من خارج العراق لتقديم خدماته للمرضى العراقيين في أيام محددة من كل شهر. ولكن في الحقيقة ان هؤلاء "الخبراء "او "المستشارين" ليس الا أطباء غير معروفين في بلد عملهم , يوجد في العراق ناس من تسوق لهم على انهم الوحيدين في مهنتهم , وما على المريض المبتلى الا زيارتهم. ولكن المريض سوف يفاجئ عندما يشاهد هناك عشرة مرضى اخرين في غرفة "الخبير" يصف لهم الدواء دفعة واحدة , وهذا الامر مرفوض قانونيا واخلاقيا , واني متأكد جدا ان هذا "الخبير " لا يستطع ممارسة هذه المخالفات في بلد عمله. لقد أصبح العراق لهؤلاء "الخبراء " كنز من ذهب لا ينضب وطريق لجمع مال الحرام , طالما لا توجد وزارة صحة تراقب او نقابة أطباء تحاسب.
بالمقابل فان بعض الدول تمارس الاحتكار لان السوق ليس من الضروري ينظر الى مصلحة الزبائن بدون النظر الى أرباحه , وهذا اخفاق واضح في النظام. على سبيل المثال , ان الدول الاسكندنافية تستخدم الاحتكار من اجل حماية صحة مواطنيها. هذه الدول تعرف حجم اضرار تناول الخمور على الصحة وعلى السلامة العامة. ومن اجل هذا فان الدول هي التي تبيع المشروبات الروحية وبأسعار مرتفعة وهي التي تقرر كميتها ونوعها.
مثال اخر من العراق , حيث تحتكر وزارة التجارة شراء المحاصيل الزراعية من الحنطة والشعير من اجل حماية الفلاح من المضاربة. وزرارة التجارة هي التي توفر اسطول نقل الحبوب للفلاحين وهي التي تقوم بتسعير الحبوب (أسعار مجزية) , وبذلك تشجع الفلاح على زيادة انتاجه مع تامين أسعار مجزية.
في النتيجة , ان الاحتكار سيعيش مع الانسان , وعلى الدول الانتباه له لإنه يحمل مخاطر جسيمة على المجتمع وسبب مهم في تفاوت الدخول والثروة بين أبناء المجتمع الواحد , وعلى الدول ان تقضي على الفاسد منه واحتضان الصالح خدمة للبشرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يعتزم تجميد الأصول الروسية في البنوك الأمريكية.. ما ال


.. توفر 45% من احتياجات السودان النفطية.. تعرف على قدرات مصفاة




.. تراجع الذهب وعيار 21 يسجل 3160 جنيها للجرام


.. كلمة أخيرة - لأول مرة.. مجلس الذهب العالمي يشارك في مؤتمر با




.. كلمة أخيرة - 60 طن ذهب..رئيس-أيفولف-: مصر الأولى عربيا والثا