الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفساد في -الكون- المغاربي

سعيد هادف
(Said Hadef)

2021 / 10 / 12
الفساد الإداري والمالي


الكون والفساد (De la Génération et de la Corruption)، هو أحد كتب أرسطو الفيلسوف الإغريقي الذي عاش في القرن الرابع قبل المسيح، ويطرح الكتاب مجمل آراء الفلاسفة الإغريق حول الكون، ثم يقوم بمناقشتها ونقدها. ويدور الكتاب حول الكون ومكوناته ووحدة الخالق والوجود والأجسام وماهيتها وفسادها.
مضامين المقال لا صلة لها بمضامين الكتاب سوى في إحالة القارئ إلى مفهوم "الفساد" بمعناه المادي والمعنوي وصلته بالكون والخلق والحياة كأنساق لها قواعد وقوانين ومعايير وضوابط كلما انحرفت عنها فقدت جوهرها وطالها الفساد.
وفساد الشيء هو انتهاء صلاحيته، أي أنه لم يعد صالحا للهدف الذي وجد من أجله، وقد يحمل الفساد معنى التحلل والتعفن والتفسخ وما شابه، كفساد المواد الاستهلاكية مثلا.
لكن ما قصة الفساد في الساسة؟ وكيف يعيش كوننا المغاربي معركته ضد الفساد؟ وهل هناك تعريف قانوني للفساد؟ وهل هناك وعي؟ وهل هناك تعريف دقيق للفساد؟
إلى وقت قريب كانت صفة الفساد يطلقها الناس على الأشخاص من منظور ديني اختزالي وضيق، فيوصف الرجل الذي يتعاطى الخمر بالفاسد، أو توصف المرأة بالفاسدة لمجرد أنها لا تغطي رأسها أو ترتدي ملابس قصيرة. أما إذا تعاطت السجائر فقد أصبحت في درجة متقدمة من الفساد، والأخطر أن المرأة نفسها حالما كانت تدخن سيجارة تشعر أنها خرجت من "المجتمع الصالح"، ومن ثمة قد تقطع صلتها بمحيطها الأسري. وفي الوقت الذي كانت المرأة، مثلا، تتعرض إلى المعاناة بسبب نمط لباسها، فلا أحد كان يحاسب المرتشي والراشي أو يصفه بالفاسد، بل تصبح الرشوة مرحبا بها لدى الجميع.
قد يطول الحديث عن تمثل ثقافتنا المغاربية الشعبية للأخلاق بمفهومها الضيق، وانتقال ذلك التمثل إلى الإعلام والسياسة والإدارة، وقد يطول الحديث عن تطور الوعي الأخلاقي وترفعه عن بعض السلوكات الشخصية وتصحيحه لتمثلاته الخاطئة. ويطول الحديث أيضا عن تجديد الثقافة في بعدها الأخلاقي والسياسي وإعادة تعريف الفساد وخلق حركية جديدة لمكافحة الفساد.
في تونس كما في الجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا حراك سياسي وجمعوي وقانوني ضد الفساد والمفسدين. تبدو المعركة ساخنة، متابعات ومقاضاة وأحكام بالسجن وتفتيش في الجيوب. لكن الغريب في الأمر أن الذين تم وصفهم بالعصابة في الجزائر، وأثناء محاكمتهم لا أحد منهم اعترف أنه كان "فاسدا"، بل تجد الواحد منهم يرافع عن نفسه من موقع "الضحية والبطل" الذي قدم خدمات جليلة للوطن الذي تنكر "لتضحياته".
إن شخصا خرج من صلب المجتمع الجزائري، كان عاديا كأيها الناس، دخل غمار السياسة، تقلد منصبا، وفي ظرف سنوات قليلة أصبح يسكن منزلا فاخرا ويمتلك سيارات وعقارات ورصيدا من المال، ولا ينتابه أدنى شعور أنه "فاسد". وكيف ينتابه هذا الشعور إذا كان وسطه الاجتماعي لا يشعره بذلك؟ إذا كان أهله وجيرانه وأصدقاء طفولته وشبابه يعاملونه باحترام ويعتبرونه ناجحا "مرضي الوالدين"، وأن النعمة التي تدفقت عليه فهي من الله؟ فمن الطبيعي أنه عندما تغمره حملة مكافحة الفساد يشعر أنه مظلوم، وأن الأمر وما فيه مجرد حسد وتصفية حساب لا غير.
في غياب ثقافة أخلاقية تتطابق مع ثقافة قانونية وحقوقية من المستحيل أن يحدث التغيير الإيجابي، وسيبقى الكون المغاربي عرضة للفساد، وعرضة للتحلل والتعفن والزوال مادام المجتمع يحمي الفاسدين بل يخلقهم خلقا من بعد خلق، ومادامت مكافحة الفساد مجرد تصفية حساب بين الفاسدين أنفسهم. ذلك أن تدبير أي مجال من المجالات يتعرض إلى الفساد حالما يفتقد إلى ثلاثة شروط: الكفاءة والنزاهة والالتزام.
ـــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي