الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (288) ضابط الارتباط

بشير الوندي

2021 / 10 / 14
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (288)
ضابط الارتباط
------------
مدخل
------------
قلنا في مباحث سابقة ان الجهاز الاستخباري يقسم الى قوتين رئيسيتين هما القوة العاقلة التي تكون في مراكز التخطيط والتحليل داخل الجهاز وتكون مرشقة في الاجهزة المحترفة , والقوة الفاعلة وهي اذرع الجهاز الاستخباري من جواسيس وعملاء ومتعاونين ومحطات وسفارات ومؤسسات مموهة وغير ذلك وهي اذرع يفترض ان تكون طويلة ومتشعبة مختصة بتنفيذ ماتؤمر به من جمع واختراق وعمليات , والقوتين بمثابة الجهتين التشريعية والاخرى التنفيذية , ان من يوفر للجهاز الاستخباري لُحمته بين القوتين ويربطهما ببعض هم مجموعة من الضباط المميزين الذين يسمون بضباط الارتباط , وبدونهم ينفرط عقد هيكلية الجهاز ويصبح بمثابة الجزر المبعثرة .
------------------------------
عمل ميداني متواصل
------------------------------
ان ضابط الارتباط هو ضابط يقوم بانجاز مهام ميدانية في الغالب , قد تكون لأيام او ان تمتد لعدة سنوات , وهو من ضباط اذرع الجهاز الميدانيين , فهو حلقة الوصل بين الجهاز واذرعه المنتشرة خارج الحدود , فمدير شبكة التجسس في ارض العدو هو ضابط ارتباط , والضابط المسؤول عن علاقة الجهاز مع مليشيا مسلحة هو ضابط ارتباط , والضابط المكلف ببناء علاقات مع شيوخ عشائر او سكان منطقه جغرافية هو ضابط ارتباط.
وإذا ما اراد الجهاز ان يقول بعملية اغتيال لشخص ما , فإنَّ الشخص الذي يقود المجموعة ويوجهها ويمتلك معلومات الهدف هو ضابط ارتباط , واذا اراد الجهاز ان يتواصل مع شريحة من الناس عبر وسائل التواصل , فإنَّ من يجلس خلف الحاسوب هو ضابط ارتباط , واذا اراد الجهاز القيام بنشر اعلامي من خلال القنوات والصحف فإنَّ من يتواصل معهم ويبلغهم بالأمر هو ضابط الارتباط , وعندما يريد الجهاز ان يستحصل معلومات من المخبر والمصدر , فإنَّ حلقة الوصل هو ضابط الارتباط فكل الجواسيس والمصادر والمخبرين والمتعاونين وعناصر الاغتيال والمجموعات كلها مرتبطة بضابط الارتباط في الميدان.
كما ان الضابط الذي يتردد على الشريط الحدودي او المنافذ البحرية ليلتقي الادلاء والمخبرين والجواسيس هو ضابط ارتباط , وضابط الاستخبارات العسكرية الذي يذهب الى خلف خطوط العدو في مهمات استكشاف واستطلاع هو ضابط ارتباط , والضابط الذي يسافر الى بلد اخر تحت غطاء مموه ليلتقي مع جواسيس ليديرهم او ليستلم منهم التقارير هو ضابط ارتباط , والضابط الذي يتواصل مع مصدر ضمن داعش او مافيا او عصابات جريمه منظمة هو ضابط ارتباط .
وقد يكون هنالك ضباط ارتباط في الشرطة والجيش واجهزة الامن وبعض الموسسات الحكومية , فضابط استخبارات الشرطة او الاستخبارات الجنائية المتواصل مع المواطنين والمخبرين داخل البلد هو ضابط ارتباط للشرطة , وحتى من يجلس ليرد على هاتف الخط الساخن او هاتف الطوارى في الشرطة هو ضابط ارتباط يمثل الجهة المستخبرة ويسعى لتنفيذ برامجها من خلال ذراع المعلومات التواصلي مع المخبرين , والضابط المكلف بين قوات بلده وقوات اخرى كقوات حفظ السلام في بعض البلدان (كما في لبنان) هو ضابط ارتباط للجيش.
وفي بعض المهام الخطيرة والاستراتيجية يتم اعتماد القيادة السياسية لأحد قيادات الجهاز ليكون ضابط ارتباطها بصلاحيات واسعة كما هو الحال مع رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية المصرية الراحل عمر سليمان الذي كان مكلفاً بمهمة القضية الفسلطينية , فهو رأس الجهاز ولكنه في هذه الحالة بمثابة ضابط ارتباط .
نستنتج من ذلك ان اي عنصر من الجهاز الاستخباري يخرج من المحطة لتنفيذ مهمة ما , هو ضابط ارتباط بغض النظر عن كون المحطة سرية او علنية او شبه سرية او داخل البلد او خارجه او من خلال السفارة او من خلال اجتياز غير رسمي للحدود او بغطاء شركة او منظمة مجتمع مدني او اية صفة منتحلة .
وننوه هنا الى ان التنظيمات السرية الارهابية تعتمد كثيراً اسلوب المعتمد او ما يشبه ضابط الارتباط , فالخلية المتواجدة في منطقه ما يتم تحريكها وتفعيلها و تنشيطها ودعمها وتزويدها بالاهداف من خلال المعتمد .
------------------
مهام جسيمة
------------------
لعل ابرز اعمال الاستخبارات الميدانية البشرية هي تلك التي تقع على عاتق ضابط الارتباط , فضابط الارتباط هو القائد الميداني الذي يتخذ احيانا قرارات ( مهمه ومستعجلة ) وهو محرك الاذرع ومنسق العقل مع الاطراف وهي من اخطر المهام في عالم الاستخبارات والتجسس.
فهو حلقة الوصل بين الجهاز الاستخباري وبين الجواسيس او محطة تجسس او شبكة تجسس او مليشيا اومتمردين اومجموعة قتل اومافيا اومجموعة هكر اواستخبارات لبلد جار او فريق عمل مع اجهزة اخرى او اي ارتباط يحتاجه الجهاز الاستخباري .
وعلى عاتق ضابط الارتباط ان ينقل التوجيهات والتعليمات والاوامر والمتطلبات من الجهاز الى المحطات خارج البلد او داخله , مع العدو او ضمن البيئة الصديقة , هو من يتولى ادارة المتطلبات اللوجستية من تجهيزات واموال , وهو الذي يستلم النتاجات والاعمال والبريد ويشرف على حسن تنفيذ الاوامر بين الاعلى والادنى , وهو يمنع سوء الفهم ويوضح الغايات و يقصر المسافات.
وحتى عند انتشار فرقتين عسكريتين في منطقة متقاربة , تعمد هيئة الركن الاستخبارية على ان يوضع ضابط منها في كل فرقة للتواصل ضمن هيئة الركن ويعتبر ضابط اتصال او ارتباط وهذا ياخذ على عاتقه نقل اوامر الحركة وفتح النار وتفسير ما يحدث في جبهة فرقته مع العدو حتى لا يحدث سوء فهم او خدعة او تضارب.
ان ضابط الارتباط هو لسان حال متطلبات مركز التحليل الذي يستفيد من المعلومات فهو حلقة الوصل , ويوفد احياناً من المحطة ومركز المعلومات الى التحليل لفهم متطلباتهم من الهدف , ماذا يريدون ؟وفهم ما يبحثون عنه ؟ واين يجب التركيز؟ , ثم يحوّل تلك المتطلبات الى توصيات للمصدر بشكل دقيق قابل للتنفيذ.
ومن امثلة ضباط الارتباط الذين اشتهروا في صفحات تاريخ الشرق الاوسط هو لورنس العرب ضابط الاستخبارات البريطاني , فهو لم يكن جاسوسا بل ضابط ارتباط عمل في جغرافيا محددة وكان له الدور الميداني الفاعل في اسقاط جنوب الامبرطورية العثمانية من خلال اتقان عملية الارتباط.
-----------------------------
التواصل لصق الموت
-----------------------------
يعمل ضباط الارتباط ضمن مختلف الظروف وفق طبيعة المهام والجغرافيا , ضابط الارتباط قد يعبر الحدود متخفيا ليتواصل مع المثابات هناك , وقد يجلب المصدر لمكان آمن فيوجهه ويستمع اليه ويزوده بالمال والتوجيهات (شفاهة ) .
وقد يتطلب الامر تدريب المصدر على بعض الاشياء من خلال خبراء فنيون يرافقون ضابط الارتباط الى المكان الآمن للقاء المصدر وتدريبه كالتدريب على كاميرا او لاقط او التزوير او خبير اسلحة او فاحص اجهزة تنصت او ضابط اتصالات يرتب هاتف خاص للمصدر او خبير في مجال الهكر او فاتح الاقفال.
ان الخبير الفني يصبح بحكم ضابط مهمة مع ضابط الارتباط فهو يذهب معه الى الهدف ويدربه وتنتهي مهمته عند هذا الحد , فضابط المهمة يرافق ضابط الارتباط لمرة واحدة لغرض انجاز التدريب ولقاء مع المصدر او المخبر او القناص او رئيس الشبكة او قائد الخلية.
ويتحدد اللقاء ومكانه بحسب الظروف المتاحة , فيمكن ان تكون المحطة داخل سفارة بلده فتأتيه المصادر والشخصيات ليلتقوا به , وهو امر يتم في حالات السيطرة الاستخبارية على البلد الهدف , اما في حالة الخطر فقد ينتحل صفه سائق تكسي ليلتقي بالمصدر في السيارة , او ان يتم ترتيب سفر المصدر لبلد ثالث او لمنطقة حدودية نائيه.
وقد يكون ضابط الارتباط جالس خلف حاسوبه في مقر الجهاز , ومرتبط بالعشرات من العناصر المجندة في الدول الضعيفة امنياً , فيوجه ويأمر و ينسق ويدعم ويدرب , فحتى من يجند "الذئاب المنفردة" في التنظيمات الارهابية هو ضابط ارتباط لتجنيد الشباب عبر شبكة الانترنيت.
وعندما يتم تغيير مدير محطة الاستخبارات الخارجية (اي ضابط الارتباط ) ويحل محله آخر جديد , فإن كان البلد الاجنبي آمن ومسيطر عليه , فيلتقي المسؤول القديم بالعناصر التي يديرها ويقدم لهم بديله ويتم التعريف والوصل , اما في حالة الخطر والتهديد الأمني , فإنَّ المصادر والمتعاونين يُبلّغون في اخر لقاء من المسؤول الذي سيستبدل بأنه راحل وسياتي شخص بعده , ثم يترك رمزا لكل شخص ككلمة السر للتواصل مع مدير المحطة الجديد.
ويكتب ضابط الارتباط تقييماً نهائياً لكل شخص عمل معه عند انتهاء مهمته , كما يتم تقييم فترة عمله من قبل جهاز الاستخبارات , ويعتمد الجهاز الاستخباري كثيراً على تقييم المصادر والمخبرين من خلال ضابط الارتباط , حيث تحفظ في ملفاتهم تقييمات ضابط الارتباط .
-------------------------
شذوذ عن القاعدة
-------------------------
في الاجهزة المحترفة لابد ان يستبدل ضابط الارتباط كل فترة (واحياناً بشكل طارى لظروف تخص ضابط الارتباط ), ويتم الاستبدال لأسباب عدة منها ايقاف اي تدخل للعواطف في العمل من خلال العلاقة الشخصية التي تبنى بحكم المعاشرة والصداقة بين الضابط والمصدر مما قد يوثر على العمل المحترف , وكذلك لاسباب امنية وادارية , وغالبا ما يكون العمل محدد بعام او عامين حسب جغرافيا المكان والخطر والجداول الادارية والقوانين لكل جهاز
الا ان هنالك حالات شاذة يضطر الجهاز معها الى اطالة فترة بقاء ضابط الارتباط من قبيل وجود مجند ضمن نوع التجنيد الاستثماري , حيث يتم غالباً الاحتفاظ بعلاقة طويلة بين الهدف المجند وضابط الارتباط خلافاً للضوابط , ففي حالات استثنائية جدا ولأهمية المصدر يتم الاحتفاظ بضابط الارتباط في مكان محدد لفترة قياسية من قبيل مصادر خاصه جدا كرئيس دولة , ضابط كبير , رجل مهم , دبلوماسي من الصنف الاول , شخصية عامة , حيث تتم تلبية رغبات المصدر وابقاء ضابط الارتباط معه لفترة طويلة .
----------------------
صفات ومميزات
----------------------
ان اي ضابط ارتباط يحتاج الى قوة بيان وحوار وقابلية اقناع وكاريزما للتأثير على الآخرين الذين سيديرهم , فهو قد يتعامل مع ارهابيين في فصيل ارهابي مجندون لصالح الجهاز , او مجموعة من الشباب يراد منهم القيام بتظاهرات وتمرد وعصيان لخلق بلبلة في بلدهم , او مع مصادر مهمة في اجهزة العدو العسكرية او الامنية , او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ليتحاور مع مجموعة من الناس هو لا يعرفهم بشكل شخصي.
لذا يجب ان يكون ملماً وذو معرفة باخلاق ومجموعة القيم التي تحكم ذاك البلد او تلك المنطقة او التنظيم , ويفهم الارتباط الاجتماعي والعوامل النفسية الموثرة , ويجيد الطريق الاقصر لتحقيق المهام , ويفترض به ان يكون حيوياً وذو قابليات بدنية ومحاور جيد .
.-----------------
الحذر الحذر
-----------------
ان اخطر واهم الصفات التي يجب ان يتحلى بها ضابط الارتباط هي حماية نفسه ومصادره والحذر وان يطبق الامن الشخصي بشكل محترف , وان يتحلى برباطة جأش وذكاء و دقه في المواعيد والتزام امني عالي بقواعد امن اللقاء وامن كتابة الملاحظات وامن حفظ المال والمعدات التي يروم نقلها للمصدر , وعدم حمل وثائق ومستمسكات وما يدل على الكشف , ودقة اختيار المكان الامن المناسب , والتكييف العالي مع بيئة المكان وسرعة البديهة والفطنة والحذر الشديد والقوة الجسمية والتدريب على التنكر وضبط انتحال الشخصية والمراقبة والتعقيب وسرعة استنطاق المصدر والافادة من الوقت.
ان ضابط الارتباط هو المسؤول عن امن المصدر , فأي خطأ قد يكون ثمنه كشفه او افتضاح امره (هنا نتكلم عن استخبارات محترفة ودول قوية لا عن دول يقف كبار ضباطها طابوراً على ابواب السفارات ), كما انه يدرك ان امن المنظومة مرتبط به , فلا بد ان يكون بمستوى عال جدا من التدريب في فحص احتمال وقوعه تحت المراقبة من خلال التدقيق الامني المستمر , فلو اضاع ضابط الاتباط هاتفه او جهاز اللابتوب او دفتر ملاحظاته فهذا يعني القضاء على كل الشبكة.
ونتناول في هذا الاطار قصة ذات مغزى , ففي زمن نظام صدام , كانت مهمة احد المعارضين العراقيين ان يكون ضابط ارتباط , فتسلل الى العراق والتقى المصادر والمتعاونين ومكث اكثر من شهر , الا ان الخطأ الجسيم الذي وقع به هو انه كان يسجل ملاحظاته في نوتة صغيرة , وصادف ان تعرض لحادث ادى الى استشهاده وعثر الامن على مفكرته , فكانت كافية للتسبب بإعدامات واعتقالات وهروب عوائل اخرى الى الخارج .
-------------
الخلاصة
-------------
تنقسم الاستخبارات الى فريقين , القوة العاقلة وهي المفكرة والمخططة , وتتمركز في مقر الجهاز ومركز التحليل , ووالقوة الفاعلة : هم الاذرع , والمصادر , والمخبرين , والمتعاونين , فيكون على رأس القوة الفاعلة ضباط الارتباط الذين يربطون الطرفين ببعض , فالتقرير الاستخباري يقدم من قبل (مصدر , مخبر , متعاون , جاسوس مزدوج ) الى ضابط الارتباط , ثم من ضابط الارتباط الى مدير المحطة او الفرع او الذراع المعني , وبعدها من مركز جمع المعلومات الى مركز التحليل , وبنفس المسار تنتقل الاوامر والمتطلبات من مركز التحليل الى ضابط الارتباط الذي يقوم بتوزيع المهام ومتابعة التنفيذ على الارض في ارض العدو وتحت رقابته , وهي مهام خطرة وشاقة .
ان الاستخبارات هي البحث عن ارض صالحة ثم حرثها وبذرها ومراقبة نموهها , وضابط الارتباط وفق هذا التوصيف هو الفلاح الناجح الذي يسقي ويراقب ويوفر كافة العوامل للزرع لينمو حتى يحين قطافه , والله الموفق.
للمزيد انظر مباحث في الاستخبارات الحلقات : 20 تجنيد العملاء , مبحث 53 المحطات الاستخبارية , مبحث 110 انواع التجنيد , مبحث 213 التقرير الاستخباري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد