الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل مصطلح يدل على مَلكتين إثنين للإنسان (3-4)

راندا شوقى الحمامصى

2021 / 10 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رؤية البهائية للعقل The Baha’i View of Intellect
الكتابات البهائية المقدسة ترى الإنسان باعتباره أساسا عقلانياً أكثر من أن يكون مادياً، و هذه الحقيقة هى التى تجعله يتفوق على الخلق الفيزيائي، كما يقول حضرة عبد البهاء:
"إن حقيقة الإنسان هو فكره وليس جسمه المادي. فالقوة الفكرية والقوة الحيوانية هما شريكتان. و على الرغم من أن الإنسان هو جزء من الخليقة الحيوانية، إلا أنه يمتلك قوة الفكر المتفوقة على جميع المخلوقات الأخرى." ( ترجمة من (Abdu l-Baha, Paris Talks, p. 17
و في الكتابات البهائية المقدسة فإن هذه "القوة" الفكرية هى العقل Mind، الذي يعتبر مركّباً من اربع قوى و هى الخيال والفكر والفهم والذاكرة:
"... في الإنسان قوى معنويّة، وهي المخيّلة الّتي تتخيّل الأشياء، والمفكّرة الّتي تفكّر في حقائق الأمور، والمدركة الّتي تدرك حقائق الأشياء، والحافظة الّتي تحفظ كلّ ما يتخيّله الإنسان ويفكّر فيه ويدركه،..." (حضرة عبدالبهاء : من مفاوضات عبدالبهاء، رقم: 53) و فى هذا يقول حضرة عبد البهاء بأن "أعظم هدية من الله للإنسان هو العقل، أو الإدراك". (Abdu l-Baha, Paris Talks, p. 40)
ولكن الإنسان يمتلك أكثر من العقل Mind و لديه أيضا القدرة الكامنة للعقل/البصيرة Intellect، و هى الحقيقة الثالثة (أى الروحية) المذكورة أعلاه. دعونا نلقي نظرة على هذه القدرة على نحو أوثق. يقول حضرة عبد البهاء عن هذه الحقيقة الثالثة:
"وهذه القوّة قوّة محيطة بجميع الأشياء ومدركة لحقائقها وتكشف كل أسرار الكائنات المكنونة وتتصرّف فيها، حتّى تدرك الحقائق المعقولة وغير المحسوسة الّتي ليس لها وجود خارجيّ بل الذّي هو غيب كحقيقة العقل والرّوح والصّفات والأخلاق والحبّ والحزن الّتي هي جميعاً من الحقائق المعقولة،..." (حضرة عبدالبهاء : من مفاوضات عبدالبهاء، رقم: 44 )
يواصل حضرة عبد البهاء أيضا بأن قدرة العقل فى مساعيه العلمية والفنية والقانونية، والإبتكارية كلها تُستمد في النهاية من هذه الحقيقة الثالثة:
"وفضلاً عن ذلك فهذه العلوم الموجودة والصّنائع المشهودة والمشروعات ومكتشفات الإنسان الّتي لا تتناهى كانت وقتاً ما سرّاً مكنوناً وغيباً مستوراً، كشفتها تلك القوّة المحيطة الإنسانيّة وأخرجتها من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود، ومن جملتها البرق (التّلغراف) والحاكي وآلة التّصوير، فجميع هذه الاكتشافات والصّنائع العظيمة كانت وقتاً ما سرّاً مكنوناً كشفته تلك الحقيقة الإنسانيّة وأخرجته من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود،..." (حضرة عبدالبهاء : م. س )
هكذا، فإن هذا العقل Intellect هو نوع من "الإدراك الباطنى أو البصيرة " و التى تهب "العلم التحققى intuitive knowledge" بما في ذلك "العلم الوجودى knowledge of being" ، وهذا هو، أن الله "... قد أعطانا ... بصيرة باطنية و التي بها يمكن أن نرى البهاء الإلهى ... و سمع باطنى به قد نسمع صوت خالقنا." (ترجمة: Abdu l-Baha, PUP, p. 90)

مصادر المعرفة إثنان Two Sources of Knowledge
إمكانية "الإدراك الباطنى inner perception" أو "العلم التحققى intuitive knowledge" يعني أن اثنين من مصادر المعرفة متاحة للإنسان، أى أنه، من الممكن للعقل معرفة وفهم الأشياء مع وبدون مساعدة من الحواس على حد سواء، كما في الأحلام:
... "لقد وُهبت هذه النفس البشرية الخالدة بإثنين من وسائل الإدراك: يتم تنفيذ واحدة من خلال آلية واسطه الأعضاء، والآخرى بشكل مستقل. على سبيل المثال، ترى النفس من خلال واسطه العين، وتسمع بالأذن و تشم الروائح من خلال الأنف و تمسك الأشياء باليدين. و هذه هي الأفعال أو العمليات التي تقوم بها النفس من خلال الأداة. ولكن في عالم الأحلام النفس ترى عندما يتم إغلاق العينين. فالإنسان على ما يبدو قد مات، يرقد هناك و كأنه ميت و الآذان لا تسمع، و مع ذلك يسمع. الجسم يرقد هناك، لكن، تلك هى النفس - تسافر و ترى و تلاحظ. و بما أن جميع الأدوات للجسم هي غير نشطة، و جميع الوظائف عديمة الفائدة على ما يبدو، و على الرغم من هذا، فهناك إدراك فوري وحيّ من جانب النفس. و فيه تعاش تجربة البهجة. فالنفس تسافر، تدرك، و تحس." (حضرة عبد البهاء، ترجمة من pup: 18 ) و فى نفس المصدر يقول: و ذلك لأن الله "... أعطانا الهدايا المادية و النعم الروحية، والبصر الخارجي لرؤية أنوار الشمس والرؤية الباطنية التي بها قد ندرك البهاء الإلهى." (ص، 416(
و فى كتاب الدين البهائي العالمى: "فهذا قد حل مسألة الإنشطار الثنائى و الإنقسام التقليدي الذي كان قائما طويلاً بين العقلانيه و التجريبيه كمصدرين للمعرفة". (ص، 267 )
و نسمع ذلك أيضا كما فى الوديان السبعة، حيث الأحلام هي علامات/آيات "...، أودع الباري هذه الايات في خلقه حتى لا ينكر المحتجبون (الفلاسفة) اسرار المعاد، ولا يستخفوا بما كانوا يوعدون، مثلهم كمثل الذين يستمسكون بالعقل فلا يؤمنون بغير ما يدركه ، ..." (ص، 32 )
فضلا عن ما جاء فى كاثا أوبنيشاد الجزء الثانى [فى الديانة الهندوسية و فلسفتها موازنة العقل بالبصيرة البديهية ]، فإنه يبدو أن أثناء النوم، عندما العقل ساكن و فى توقف من الاحتياجات العملية له، وتوقفت كل الإنطباعات الحسية، فالعقل ما زال نشطاً بشكل كامل، كما ينقل رحمن عن ابن سينا:
"عندما ... في النوم، تنسحب الروح من العالم الملموس وأنها لم تعد تؤدي هذه الوظيفة للعقل، فإنها تتولى وظيفتها الحقيقية بحرية." (ص، 37)
وهكذا فإن النفس تعرف الأشياء بطريقتين، "من خلال الأدوات و الأعضاء" وبدونها. وهذه الأدوات هي من ناحية الحواس والدماغ، و التى تقوم ب "الإدراك الحسي"، و "الإدراك العقلى" أو "التعقل"، على التوالي، بينما من ناحية أخرى فهناك الطريقة من غير وسيلة وواسطة للمعرفة و هي "بالبصيرة، قوة الإدراك الباطنية،" أو "العلم التحققى." وأعتقد أن الحقيقة الثانية للعقل تفسر وجود مصدر للمعرفة دون أدوات و أعضاء.

الغرض من العقل The Purpose of Intellect
ما هو الغرض من العقل؟ و لماذا يجب أن يمتلك الإنسان مثل هذه المَلكَة؟ هناك سببان ذا صلة من أجل وهب هذه القدرة للإنسان:
(أ) من أجل "إيقاظ النفس الواعية للإنسان لإدراك حقيقة الألوهية." و
(ب) هى الوسيلة "لتحقيق الهِداية الإلهية التى لا تخطئ."
وقد أعطى لنا حضرة عبد البهاء مثالاً تاريخياً واضحاً لإستخدام العقل فيما يتعلق بالأغراض المذكورة أعلاه، و ذلك بتقديم أدلة على حد سواء عن "حقيقة الألوهية" و "الهِداية التى لا تخطئ"، والتي سأقتبسها بكاملها لأنها رائعة جدا:
"قبل حوالي ألف سنة تم تشكيل جمعية في بلاد فارس تسمى جمعية الأصدقاء/الأحباء، و الذين تجمّعوا معا من أجل التواصل الصامت مع الله عز وجل.
قسّموا الفلسفة الإلهية إلى قسمين: فى أحد الأنواع فالمعرفة يمكن الحصول عليها من خلال المحاضرات والدراسة في المدارس والكليات. و كان النوع الثاني من الفلسفة ذلك الذي هو من المتنورين، أو أتباع النور الباطنى. و المدارس من هذه الفلسفة كانت تُعقد في صمت. و بالتأمل، و توجيه وجوههم إلى مصدر النور، كان أن إنعكست من ذلك النور المركزي أسرار الملكوت في قلوب هؤلاء الناس. و تم حل جميع المسائل الإلهية من قِبل هذه القوة النورانية.
كانت جمعية الأصدقاء/الأحباء هذه فى زيادة كبيرة في بلاد فارس، وحتى فى الوقت الحاضر توجد مجتمعاتهم. وقد كُتب العديد من الكتب والرسائل بواسطة قادتهم. و عندما يجتمعون في دار إجتماعهم يجلسون فى صمت و يتأملون/يتفكرون؛ و يفتتح زعيمهم الجلسة باقتراح معيّن، ويقول إلى المجتمعين يجب أن تتأملوا في هذه المسألة . ثم، يحررون عقولهم من كل شيء آخر، و يجلسون و يتبصرون، وقبل أن تمر فترة طويلة يُكشف لهم الجواب. و يتم حل العديد من الأسئلة الإلهية الصعبة بواسطة هذه النورانية.
بعضاً من الأسئلة الكبرى التي تتكشف و تتجلى للعيان من أشعة شمس الحقيقة على عقل الإنسان هي: مسألة حقيقة روح الإنسان؛ و ولادة الروح؛ و ولادتها من هذا العالم إلى العالم الإلهى ، ومسألة الحياة الباطنية للروح ومصيرها بعد صعودها من الجسم.
كما و أنهم يتأملون فى الأسئلة العلمية لذلك اليوم، و هذه يتم حلها بالمثل.
هؤلاء الناس، الذين يطلق عليهم إسم أتباع النور الباطنى ، يبلغون درجة فائقة من القوة، و أنهم متحررون تماما من العقائد العمياء والتقاليد. و يعتمد البشر على البيانات الصادرة من هؤلاء الناس: و بأنفسهم - داخل أنفسهم - فإنهم يحلون جميع الأسرار.
فاذا وجدوا حلا بمساعدة النور الباطنى، فإنهم يقبلون به، وبعد ذلك يعلنونه: وإلا فإنهم سوف يعتبرونه مسألة تقليد أعمى. و أنهم قد يذهبون بعيداً إلى حد التفكير مليّا في الطبيعة الأساسية للألوهية، و فى الظهور الالهي، و فى مظهر من مظاهر المعبود في هذا العالم. و أن جميع المسائل الإلهية والعلمية يتم حلها بواسطتهم من خلال قوة الروح." (ترجمة من: Abdu l-Baha, Paris Talks, p. 173)

شروط إستخدام العقل Conditions for the Use of Intellect
شرطان أساسيان ضروريان عند الرغبة في توظيف العقل:
(الشرط الأول) "طهارة القلب"، والتي تؤدي بعد ذلك الى المعرفة والفهم كما يوضح بذلك حضرة عبد البهاء، و يقول حضرة بهاء الله:
"والحال أنَّ فهم الكلمات الإلهيّة، وإدراك بيانات الحمامات المعنويّة، ليس له أيّ دخل بالعلم الظّاهريّ. بل هو منوط بصفاء القلب، وتزكية النّفوس، وتجرّد الرّوح." (الإيقان، ص، 81 )
و أيضاً: "يَا ابْنَ الرُّوحِ فِي أَوَّلِ القَوْلِ امْلِكْ قَلْباً جَيِّداً حَسَناً مُنيراً لِتَمْلِكَ مُلْكاً دائِماً باقِياً أَزَلاً قَدِيماً." (بهاء الله، الكلمات المكنونة العربية: 1 ).
والواقع أن المسار/الطريق الروحي يتطلب دائما نقاء القلب وبذلك قد يحدث أن يتم إحراز مزيد من الترقى في المعرفة والفهم.
(الشرط الثاني) الإيمان بمظهر الله (رسول العصر) من أجل الحصول على "نفثات الروح القدس" و التي بها يتم تلميع و تجلية مرآة القلب:
... "أمّا الرّوح الإنسانيّ الّتي يمتاز بها الإنسان عن الحيوان فهي تلك النّفس النّاطقة، وهذان الاسمان أي الرّوح الإنسانيّ والنّفس النّاطقة هما عنوان شيء واحد، وهذه الرّوح الّتي تعرف في اصطلاح الفلاسفة بالنّفس النّاطقة محيطة بسائر الكائنات، وتكشف حقائق الأشياء بقدر الاستطاعة البشريّة، وتطّلع على خواصّ الممكنات وتأثيرها، وكيفيّة الموجودات وخصائصها، ولكنّها إذا لم تؤيّد بالرّوح الإيمانيّ لا تطّلع على الحقائق اللاّهوتيّة والأسرار الإلهيّة، كالمرآة مهما تكن صافية لطيفة شفّافة فإنّها محتاجة إلى الأنوار، فإذا لم تسطع أشعّة الشّمس عليها لا يمكنها اكتشاف الأسرار الإلهيّة،..." (حضرة عبدالبهاء، من مفاوضات عبدالبهاء، رقم: 52 )
و يفسر حضرة عبد البهاء سبب ذلك الميل عند الإنسان بأن يكون جشعاً ويعطي الأمل بأن هناك وسيلة للتغلب عليه:
"الإنسان يمتلك نوعين من الأحاسيس: العواطف الطبيعية، والتي هي مثل الغبار على المرآة، و الأحاسيس الروحانية، و التي هي خصائص رحمانية وسماوية. و هناك قوة و التي تطهّر المرآة من الغبار، وتحوّل إنعكاسها الى ألمعية مكثفة وإشراق بحيث أن الأحاسيس الروحانية قد تهذب/تطهر القلوب و أن المغدقات و المواهب السماوية تقدسها. فما هو هذا الغبار الذي يحجب المرآة؟ هو التعلق بالدنيا، الطمع، الحسد، وحب الترف والراحة، والتكبر/الغطرسة و الشهوة الذاتية، وهذا هو الغبار الذي يمنع إنعكاس أشعة شمس الحقيقة في المرآة. فالعواطف الطبيعية مذمومة و هى مثل الصدأ الذي يحرم القلب من الهبات الإلهية." (ترجمة) (حضرة عبد البهاء، Abdu l-Baha, PUP, p. 244 )
الآن، و بما أن "المقصود بالإيمان هو، أولا، المعرفة الواعية، وثانياً، ممارسة العمل الصالح،" [30: و كما يقول حضرة بهاء الله: "يا أولي العقل والسّمع أوّل دعاء للمحبوب هو - يا أيّها البلبل المعنويّ - في غير حديقة ورد المعاني لا تختر مقاماً، ويا هدهد سليمان العشق في غير سباء المحبوب لا تتّخذ وطناً، ويا عنقاء البقاء في غير قاف الوفاء لا تقبل مكاناً. هذا مكانك إن رففت إلى اللامكان بقوادم الرّوح وأردت أن تبلغ مقامك. (الكلمات المكنونة الفارسية، 1)].
إذن، للحصول على الإيمان يجب على الفرد أن يعرف ويؤمن بالمظهر الإلهى (فى زمانه).
و يخبرنا حضرة بهاء الله أن معرفة الله هي متطابقة مع معرفة المظاهر الإلهية (الرسل): "إن جوهر التوحيد يعني بأن مطلع ظهور الحق والغيب المنيع الذي لا يُدرك هما واحد." (منتخبات، رقم: 84 ).
و لذلك، يجب على المرء أن يعرف أن حضرة بهاء الله هو المظهر الإلهى لهذا الوقت ولذا فمن الضروري وصوله إلى العقل، لأنه هو "مصدر النور" في هذا الوقت في تاريخ البشرية.

من ورقة بعنوان:
العقل البشري The Human Intellect
وجهة نظر مستوحاة بهائيا A Bahá íInspired Perspective
بقلم أدريان جون ديفيس By Adrian John Davis
Hamid Abdalla ترجمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام


.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-




.. #shorts - 14-Al-Baqarah