الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناصرو -حركة التغيير- يلقنون العراقيين درسا في الديمقراطي….أم ماذا؟

آلان م نوري
(Alan M Noory)

2021 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


شهد العراق في العاشر من الشهر الجاري انتخابات نيابية مبكرة. سوّق لها منظموها على أنها كفارتهم عن سفك دماء الآلاف من خيرة شباب البلد الذين نزلوا الشوارع في بغداد و المدن العراقية الكبرى منذ عامين، مطالبين بوطن خال من عصابات النهب المسلحة الحاكمة في الانتفاضة التي انطلقت في تشرين 2019، عقب انتخابات نيابية عام 2018. وكانت مهزلة دوت أصداؤها في المحافل الدولية والصحافة العالمية كواحدة من أكثر العمليات الانتخابية فسادا في العالم، حينها.
بعد تراجع زخم الانتفاضة بسبب وحشية القمع و القتل المجاني، قفزت القوى الحاكمة في العراق على أغلب مطالب المنتفضين، المتمثلة بتنحي كل مؤسسات "السلطة" الرسمية التشريعية و التنفيذية، و حرمان كل الأحزاب و التشكيلات السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة من المشاركة في العملية السياسية وانتخابات مبكرة بإشراف دولي مباشر. إلا أنها ما عادت تستطيع الاستمرار في الحكم كأن شيئا لم يكن، فتبنت فكرة انتخابات مبكرة تستمد "شرعيتها" من برلمان مهزلة انتخابات 2018، بقانون انتخابات تتحكم في محتواه نفس الأحزاب الموغلة في قتل المتظاهرين العزل و آلية لإدارتها هي نفسها التي أديرت بها مهزلة 2018!
و رهان هذه القوى كان على انطلاء إدعاء الخضوع لمطالب المنتفضين بهذه الانتخابات المبكرة على المواطنين، لجرهم إلى المشاركة فيها بنسب تمحو عار مهزلتها عام 2018 من جهة، و تشغل الناخبين بخطابات الكراهية الإثنية والدينية التي ترافق الانتخابات دوما، فيسوّقوا لها أنفسهم من جديد كـ "حماة" الطائفة و الإثنية التي لولاهم لزالت هذه و هلكت تلك!
قَبلَ بالمشاركة البعض ممن تصوروا أن تداعيات انتفاضة تشرين و نقمة الشارع العراقي من قوى الجريمة المنظمة، ضمانة كافية للمشاركة في انتخابات قد تأتي بالممكن من التغيير الإيجابي في بلد طال انتظاره للتغيير… أي تغيير، يحرك المستنقع الآسن للنظام السياسي. ولكن سرعان ما تبين يوم التصويت أن الطبقة السياسية الحاكمة قد منيت بمهزلة انتخابية جديدة لا تقل فداحة عن سابقتها، إذ قاطع الانتخابات الغالبية الساحقة من المواطنين.
حاولت المفوضية العليا حفظ ماء وجه النظام السياسي بأن ضخّمت نسبة المشاركة الفعلية في التصويت بشكل غير قانوني, لكنها سرعان ما رضخت لضغط المنتقدين فتراجعت تدريجيا عن إعلان كاذب عن نسبة مشاركة المواطنين من 41%(نسبة إلى من استلموا بطاقات بايومترية) إلى 34% (نسبة إلى من أُصدرت لهم بطاقات بايومترية)،لتعود فتتراجع عن تلك النسبة أيضا إلى 31% (نسبة إلى العدد المقدر للبالغين من السكان الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات، وهي النسبة التي كانوا ملزمين قانونا بالإعلان عنها أصلا). و اعترفت المفوضية كذلك بأن ربع المشاركين في الانتخابات، تقريبا، اختاروا إبطال أصواتهم عمدا كشكل من أشكال رفض النظام السياسي وآليات تجديده. فأقرت بذلك ضمنا بأن نسبة المشاركة الإيجابية في الانتخابات لم تتجاوز الـ 24% ممن يحق لهم التصويت من المواطنين! و يعرف كل عراقي متابع أن هذه النسبة تتضمن حجما هائلا من التزوير المنظم، بضمنه حشو الصناديق بإستمارات تصويت جاهزة.
مرت أيام على انتهاء التصويت و إعلان النتائج الأولية والقوى المدججة حتى أسنانها بالسلاح تستغل سيطرتها، بغير رقيب، على نقل و فرز الصناديق في التلاعب بالنتائج كما حدث في 2018 بإسم الفرز اليدوي، و كأن النظام السياسي في العراق لا يستطيع إعادة إنتاج نفسه بدون فضائح انتخابية!
و بينما منيت أغلب الأحزاب بخسارات كبيرة في العدد المطلق للمصوتين، لم يمنعها الحياء من الإحتفال بـ "نصرها الساحق" في "العرس الانتخابي" بمنطق المقاعد التي حصلت عليها. و امتلأت سماء المدن و القصبات بالألعاب النارية احتفالا بانتصارهم المبهذل…ولكن لم يحظ الكل بمثل هكذا حظ. فقد وجدت بعض الأحزاب نفسها تخرج من المولد بلا حمص، فتراجع بشكل دراماتيكي عدد المقاعد التي حصلت عليها و صارت موضع تندر العراقيين.
لم تصب خيبة الأمل حزبا سياسيا في كل العراق بقدر ما أصابت حركة التغيير الكردستانية التي انتهى بها المطاف إلى الفشل في الحصول ولو على مقعد واحد في هذا "العرس الانتخابي"، خاسرة كل مقاعدها الخمسة التي كانت تمتلك في برلمان فضيحة 2018.
و الذي يتابع الشأن السياسي في إقليم كردستان يعرف حجم الآمال و الأحلام التي حمّل الشارع الكردستاني هذه الحركة منذ إعلان تأسيسها عام 2009 على يد بواقي اليسار القومي و المحبطين الليبراليين الديمقراطيين داخل صفوف الإتحاد الوطني الكردستاني، الذين سرعان تسرب اليهم عناصر من المحسوبين على الإخوان المسلمين على طريقة تسرب الإخوان في مصر إلى حزب العمل الإشتراكي، للراحل ابراهيم شكري، في الثمانينات من القرن الماضي.
استطاعت هذه الحركة و في مدة قياسية أن تتصدر المعارضة السياسية في إقليم كردستان و تتحول في انتخابات عام 2013 في الإقليم إلى الكتلة الثانية في البرلمان (برغم التزوير المنظم ضدها)، و حصلت على رئاسة البرلمان. وفي هذا المنعطف بالذات، حين ذاقت الكوادر القيادية حلاوة المال السياسي و إمكانات الإغتناء الشخصي على حساب المال العام والوظيفة الحكومية، و بعد سنين عجاف قليلة حورب فيها مؤيدو و أعضاء هذه الحركة في أرزاقهم و معاشهم، رفع زعيم الحركة و أبوها الروحي، نوشيروان مصطفى ، شعار "نحو المشاركة في السلطة" إيذانا بإنتهاء المحنة و التماهي مع الفساد المستشري في الإقليم.
تاريخ الفكر المضطرب لزعيم الحركة كان مصدر قوة و مقتل هذه الحركة في آن. فالزعيم الراحل، نوشيروان مصطفى، ينتمي إلى جيل من مثقفي السليمانية القوميين الذين نشأوا على احتقار القيادات العشائرية التقليدية الكردية من جهة و نظرة صوفية مهدوية إلى الحاجة إلى زعيم أوحد تدين له بالطاعة و تفرض طاعته على المجتمع كله. فإن لم يوجد، فزعيم يلتف حوله العوام و يحركه الحزب الذي لابد أن يكون الأوحد و يفرض الطاعة على المجتمع بأسره. و بهذا الترتيب تكتمل دائرة احتقار الزعيم و فرض طاعته (طاعة الحزب من وراءه) على المجتمع. انخرط في شبابه في منظمات الحزب الديمقراطي الكردستاني، و نشأ على كراهية زعيمها الأوحد، مصطفى البارزاني، الذي ما أن تمكن من فرض سطوته حتى طرد قيادات الحزب من مثقفي السليمانية. انظم إلى اليسار الماركسي القومي و ارتقى فيه إلى أن صار زعيم التنظيم المسمى بالجمعية الماركسية اللينينية (جمعية الكادحين)، رغم اعترافه بأنه لم يؤمن ابدا بالماركسية اللينينية (لا انه انصرف عنها لاحقا في حياته)! آمن كما في السابق بالحاجة إلى زعيم كاريزمي يديره الحزب خلف الكواليس فكان تنظيمه العمود الفقري للإتحاد الوطني الكردستاني، الذي تأسس منتصف السبعينات من القرن الماضي، و سلم القيادة المطاعة إلى جلال الطالباني، القيادي المطرود سابقا من قبل الزعيم الأوحد البارزاني!
في مسعى نوشيروان لفرض طاعة المجتمع الكردستاني لحزبه، الإتحاد الوطني الكردستاني، ساهم شخصيا في ما عرف بـ "اقتتال الأخوة" في الثمانينات من اجل ارضاخ المجتمع الكردستاني لهيمنة الحزب الواحد، و تورط بشكل شخصي في قيادة مجزرة بشت آشان عام 1983 التي فيها قامت قوات تحت امرته بقتل ما يزيد عن 40 أسيرا من الكوادر العرب في الحزب الشيوعي العراقي بدوافع شوفينية بحتة. أنهى سنين قيادته للفصيل الأكبر من الإتحاد الوطني الكردستاني (جمعية الكادحين) بحل الجمعية رسميا عام 1992 و إرضاخها إلى الزعيم الأوحد بنسخته الطالبانية، فصار هو، نوشيروان، الرجل الثاني في الإتحاد.
بعد 1991، تبنت البنى الحزبية في إقليم كردستان درجات متفاوتة من الديمقراطية الداخلية المشوهة بسطوة المال السياسي و فساد الإدارة العامة و نهب المال العام، فتقلص نفوذ نوشيروان مصطفى، إلى درجة انعزاله عن الحزب، فأخذ بضعة كيلومترات من الأراضي في قلب مدينة السليمانية و ثلث اسهم معمل لإنتاج الأسمنت و راتبا تقاعديا بدرجة رئيس وزراء في الأقليم، كـ "مكافأة إنهاء خدمة" من جلال الطالباني و غادر الحزب ليشكل تنظيمه الخاص مستفيدا من الميل الشعبي القومي الكردي إلى الصوفية المهدوية لتحصينه من تبعات تفشي أشكال بدائية من الديمقراطية الداخلية، مع مناداته بتمدين و تحديث أنماط السياسة و الحوكمة على أن لا تشمله هو شخصيا، و محاربة الفساد إلا ما سبب غناه الشخصي فأورثه بعد وفاته إلى أبنائه.
بعد وفاة "مهدي" حركة التغيير، تابع مريده، عمر السيد علي، القائد الجديد للحركة، النهج السابق للزعيم الأوحد لحركة التغيير، لكن الزعيم الجديد كان يفتقد الكاريزما المهدوية التي تمتع بها الراحل بين انصاره المنادين (يا للمفارقة) بالمدنية و الديمقراطية و التقدم الإجتماعي! انتهزت جماهير الحركة الناقمة الخسارة المهينة التي تكبدوها لتفريغ غيظها على الزعيم الجديد وقيادة الحركة، فأجبرتهم على الاستقالة الجماعية، لا ﻷنهم اتوا بأي جديد، غريب، عن نهج مهدي الحركة بل لأنهم ليسوا هو، لا غير!
على الرغم مما ذكرت، يجب الإشارة إلى أن هذه الإستقالة الجماعية، و إن بنيت على أسس فقدانها لسحر الكاريزما فقط، فهي بحد ذاتها حدث تاريخي فريد في بنية الأحزاب السياسية في العراق المعاصر. لذا يستحق أنصار هذه الحركة تقدير و إمتنان كل العراقيين لتأسيسهم سلوكا جديدا في التعامل مع القيادات التاريخية الفاشلة التي نخر فساد المنظومة السياسية لمابعد سقوط الطاغية صدام في آخر دعائم شرعيتها.
و هنا ايضا يتوجه انظار المجتمع المدني العراقي إلى تأصيل رد الفعل هذا و توسيع قاعدته و اغنائه فكريا ليشمل خصوصا "إنهاء خدمة" القيادات الجاثمة على أنفاس اليسار العراقي منذ ما يزيد عن نصف قرن. وهي تقود هذه الشريحة المهمة من الحراك المدني الديمقراطي من هزيمة إلى أختها.
جمهور حركة التغيير، رغم ما يعانونه من أوهام و معوقات فكرية جدية، لقنونا جميعا درسا في مبادئ الديمقراطية والتعامل الحضاري، فهل نقبل التتلمذ على أيديهم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر