الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنصافاً للتجربة الديمقراطية في العراق

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 10 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


فريد زكريا،
نقلاً عن صحيفة واشنطن بوسط الأمريكية

بعد أسابيع فقط من سقوطنا المدوي في أفغانستان، ثمة شيء على قدر من الأهمية يقع في بلد آخر خاضت فيه الولايات المتحدة تجربة مضنية لبناء أمة على مدار العقدين الماضيين: العراق عقد انتخابات، وكانت في معظمها حرة ونزيهة. ومع افتراض أن تفضي هذه العملية إلى تشكيل حكومة جديدة، فإنها بذلك ستمثل الانتقال السلمي السادس للسلطة منذ عام 2004. هذه الانتخابات، حتى رغم تدني نسب المشاركة إلى معدلات قياسية، لا تزال تعد علامة فارقة على طريق التقدم الحقيقي. بل وصل الأمر بمسؤول عراقي بارز إلى أن يصفها لي بمثابة "زلزال سياسي".

فبعد ثمانية عشر عاماً من الغزو الأمريكي، الذي أطلق العنان لحقبة من الفوضى والحرب الأهلية وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، نجح النظام الديمقراطي في العراق في الصمود ولم يسقط. أضحت الانتخابات مسألة روتينية. والأحزاب السياسية تتنافس وتتبادل المناصب فيما بينها. هناك أيضاً درجة من الإعلام التعددي وقضاء معتز بذاته واستقلاله بدرجة متزايدة (وإن لم يكن حراً ومستقلاً بالكامل وفقاً للمعايير الغربية، لكنه يحقق بعض التقدم الملموس). وفي مثال على ذلك، كانت لجنة الانتخابات المستقلة، المؤلفة من قضاة، محايدة وفعالة بشكل لافت.

وصف المسؤول العراقي البارز نتائج الانتخابات الأخيرة بكونها زلزال سياسي لأنه قرأ فيها "هزيمة للميلشيات ونصر للدولة العراقية." فبعد تبخر الجيش العراقي إبان الغزو الأمريكي في 2003، شكل سماسرة وأحزاب السلطة السياسية ميليشيات مسلحة خاصة بهم. وعبر الزمن، تعاظمت قوة الميليشيات الشيعية- على وجه التحديد لدى الاستعانة بها لمحاربة تنظيم الدولة- وأصبحت تشكل نوع من دولة موازية خاصة بهم. كان كثير من تلك الميليشيات يرتبط بعلاقات وثيقة مع إيران. لكن في هذه الانتخابات، في إحدى مظاهرها، تقهقرت الأحزاب ذات الميليشيات الخاصة من 45 مقعداً إلى أقل من 20.

البعد الزلزالي الثاني للانتخابات تمثل في ارتفاع نسب المشاركة السنية. كان السنة، وهم مجموعة أقلية في العراق، هم المجموعة الأكثر امتعاضاً داخل النظام السياسي، وتعمدوا أحياناً فيما مضى تغذية حركات التمرد ضد الدولة. لكنهم في هذه المرة أدلوا بأصواتهم، ونجحوا في تركيزها ضمن عدد قليل من الأحزاب. تقدر صحيفة المونيتور أنه إذا ما أفلح بعض هؤلاء القادة في تنسيق جهودهم معاً، فسوف تتشكل كتلة سنية موحدة تملك 50 مقعداً في البرلمان العراقي المؤلف من 328 مقعد، وهو ما سوف يكسبها قوة سياسية أكبر مما حظيت به منذ عام 2003.

للمفارقة، أن الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هو رجل الدين الشيعي المتشدد والمعادي للولايات المتحدة مقتدى الصدر، الذي في الماضي خاضت الميليشيا التابعة له حرباً ضد الولايات المتحدة. لكن الآن، الصدر قد غير من نفسه ليتحول إلى لاعب سياسي يعمل من داخل النظام العراقي. وسيضطره صعوده الحالي إلى السلطة لتفريق بعض من ميليشياته ودعم الدولة بقوة أكثر.

وهناك مؤشرات على أن ذلك بالضبط هو ما سوف يفعله. فمن الأهمية بمكان أن الصدر نجح في هذه الانتخابات بفضل استراتيجية تقوم على حسن تنظيم القواعد الشعبية التقليدية النزعة واستغلال وسائل الاتصالات الذكية. كما استفاد حزبه من قوانين الانتخابات الجديدة وأنشأ تطبيقاً يرشد أنصاره لأماكن ومواعيد التصويت، وبالتالي توزيع الأصوات بطريقة فعالة لحصد الحد الأقصى من التمثيل. لقد قطع الصدر طريقاً طويلاً من بداياته الثورية العنيفة حتى تقلد تدريجياً دور رئيس الحزب المحنك.

المكسب الثالث من الانتخابات هو أنه رغم التأثير الإيراني الواضح دينياً وسياسياً وعسكرياً في العراق، إلا أن الأحزاب الموالية لإيران لم تبلي بلاءً حسناً. قال لي المسؤول العراقي البارز، "بغض النظر عن كل ما قد يقال حول مقتدى الصدر، فالمؤكد هو أنه وطني عراقي لا يحبذ أي تدخل أجنبي- من أي جانب- في شؤون بلاده."

سألت المسؤول البارز عن سر النجاح النسبي الذي حققه العراق (وهو من أوائل من يقرون بحقيقة كون هذا النجاح نسبي ومتواضع). أشار إلى عاملين كبيرين: الأول، بعد الجلبة التي أحدثتها السياسات الأمريكية المبكرة في العراق، بُذلت جهوداً مخلصة لإشراك كل المجموعات في النظام السياسي. "من بين مكاسب خطة زيادة عديد القوات الأمريكية في العراق أو ما تعرف باسم الطفرة، وهي الخطة التي وضعها وأشرف على تنفيذها الثنائي الرائع ديفيد بترايوس وراي أوديرنو، أنها أرجعت كثير من الميليشيات السنية ثانية إلى الحظيرة"، على حد قوله. وكانت تلك اليد السياسية الممدودة تقف على بون شاسع مع السياسة المتبعة في أفغانستان، التي منذ البداية استبعدت أي مشاركة في النظام السياسي من قبل حركة طالبان.

العامل الثاني، كما يمضي المسؤول العراقي، هو الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. "تلك المعركة وحدت فعلاً لحمة البلد وعززت تماسكه"، على حد قوله. "دائماً كان العراق لا يعدم الإحساس بكونه أمة ودولة واحدة، لكن تلك المعركة عمقت ذلك الاعتقاد، وحين انتصرنا أعطتنا جميعاً شعوراً بالفخر بما أنجزناه."

في الختام، يحذر المسؤول البارز من أن الديمقراطية في العراق تبقى هشة. هناك فساد ينخر في شرعية الدولة والنظام السياسي. لكن في هذه الآونة، على حد قوله، يكمن التحدي العاجل في أن "الخاسرين في هذه الانتخابات عليهم القبول بخسارتهم وعدم اللجوء إلى العنف أو الوسائل غير الدستورية." رغم ذلك هو يرى علامات مبشرة: "نحن العراقيين قد تعلمنا أن ما من بديل لدينا سوى أن نعالج خلافاتنا من خلال السياسة، وأن نثق في الانتخابات، وقبل كل شيء أن نرتضي التسوية ونقبل بالحلول الوسط." على الخاسرين أن يقبلوا بخسارتهم وعلى كل الأطراف أن تقبل بحل وسط. فمن كان يتخيل قبل عقد من الزمن أن يستطيع النظام السياسي العراقي إعطاء بعض الدروس المفيدة للديمقراطية الأمريكية؟!
_________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي: https://www.washingtonpost.com/opinions/2021/10/14/underappreciated-success-iraqi-democracy/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا