الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار نادر مع المؤرخ جواد علي مجادلات في الفكر والتأريخ والعلوم الانسانية .....

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2021 / 10 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المؤرخ جواد علي : ولد في بغداد 1907.
تخرج في دار المعلمين العالية 1931م
وضع مع الشاعر محمد رضا الشبيبي والاستاذ محمد بهجت الاثري بذرة تاسيس المجمع العلمي العراقي سنة 1947
انتخب عضوا لمجمع اللغة العربية في القاهرة .
اختير استاذا زائرا في جامعة هارفارد عام 1957 بعد ان تخرج فيها عام 1939 بشهادة الدكتوراه.
له عدة مؤلفات اهمها : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام.1951
تاريخ العرب في الاسلام1961
اصنام العرب 1967
وصورة الارض (خارطة العالم للادريسي) 1951

(( نحن العرب لا نملك كتابا علميا دقيقا عن السيرة او كتابا عن الخلفاء الراشدين))

في هذه الدراسة سنلخص اهم اراء الدكتور جواد علي صاحب كتاب "المفصل في تاريخ العرب" في قضايا التاريخ واخرى مرتبطة به وذلك عبر حوار نادر مع مجلة آفاق عربية في العدد 10 /حزيران/ 1984 ... فقد اشار المؤرخ جواد علي في حواره هذا الى ميله الى ما اسماه (التآليف العامة) سيما ما يعلق بكتب تتحدث عن حياة الامم فيعتبر ان الاختصاصات بحياة الامة من الصعب ان يلم بها مؤرخ واحد (فمن اختص بالتاريخ الحديث يصعب عليه الالمام بتاريخ ما قبل التاريخ او بالتاريخ القديم، وان يتعرض للتطور الذي حدث في هذه الادوار وبالتغيرات التي غيرت مجرى حياة البشرية) اما في ميدان نقل النظرية الى التطبيق فهنا يدعو الى ان من يقوم بهذه المهمة هم (علماء يعرفون روح وجوهر ما يعالجونه وخصائص الادوار التي يكتبون عنها ، عن علم عميق بها لايمكن ان يضاهيه فيه المؤرخ العام) طبعا في دائرة التاليف الجماعي يضرب مثلا بدائرة المعارف الاسلامية ودائرة المعارف البريطانية ، وموسوعة (باولي وبزوفا) في التاريخ القديم وغيرها. وهكذا يكمل في تفاصيل التاليف الجماعي معتبرا ان الموسوعة الالمانية التي ظهرت 1818-1890 والموسوعة الفرنسية المعروفة باسم (الكبيرة) هي نتيجة جهود عشرات من الاختصاصيين ، كتب كل واحد منهم حسب تخصصه، فصارت مرجعا نافعا للعلماء ، وفي باب هل ان الدكتور جواد علي يشجع على التاليف الجماعي او التدوين الجماعي فيجيب(( المشاركة الجماعية وما فيها من مزايا في كتابة التاريخ، في حقل الميادين العامة لا يعني ان من غير الممكن على المؤرخين الاجادة في تدوين التواريخ العامة ، فلو قلت هذا لكنت مبالغا في قولي فهذا ادرودكيبن يكتب عن افول وسقوط الامبراطورية الرومانية ، كتابا ما زال على الرغم من مرور زمن عليه، مرجعا للعلماء)) وهكذا فعل دورانت وبركلمان ود فيليب وغيرهم .
اما راي الدكتور جواد علي في كتابة تاريخ عربي مفصل فهو كالتالي (( ليس في مقدور احد منع اصحاب العلم من العرب او من غيرهم من الاقدام على تدوين تاريخ عام عن العرب منذ فجر البشرية ، الى يومنا هذا او الكتابة عن حقبة خاصة مثل تدوين كتاب في سيرة الرسول باسلوب علمي حديث يكون في مقابل ما كتبه كيتاني او غيره من المستشرقين عن السيرة فنحن لا نملك كتابا علميا دقيقا عن السيرة او كتابا عن الخلفاء الراشدين))).
اما ميزة التاليف الفردي مقابل التاليف الجماعي فينظر لها الدكتور قائلا(( ان العمل هنا سيكون وحدة منسقة ، ترتبط فصوله بعضها ببعض وقد وضع في صيغة موجزة ، تظهر عليها صفة شخصية صاحبها وما عنده من رأي وبذلك تكون هذه الدراسة قريبة من مدارك الجمهور ومن مذهب القارئ)) والدكتور علي على الرغم من اهتمامه بالتاليف الجماعي الا انه يخبرنا ان الواقع العلمي يحدثنا ان التقدم الذي وقع في التاريخ هو تقدم جاء نتيجة جهد مؤرخ فرد موهوب متمرس في فنه اكثر من نتيجة عمل لجان من المؤرخين.
ولدى الدكتور جواد علي رؤية مهمة جدا في النظر الى اخطاء المؤرخين القدامى مثل الطبري وابن الاثير وغيرهم كثير (( نسبة الاخطاء الفكرية والعلمية الى المؤرخين العرب ،عما جائر ، وقول فيه اجحاف ،فالمؤرخ هو مثل غيره من الناس بما فيهم العلماء، متأثرون بمحيطهم وبيئتهم ، ولكل زمان ومكان ظروف وعقلية ، فلا يجوز لأناس مثلنا ان ترمي المتقدمين علينا بالوقوع في الخطأ)) لان زماننا يختلف عن زمانهم وفلسفتنا تختلف عن فلسفتهم، ونظرة الماضين عن الدنيا والحياة تختلف عن نظرتنا اليهما، كما ان نظرة من سيأتي بعدنا عنا ستختلف عن نظرتنا وسيرموننا بنفس ما نرمي به المتقدمين علينا من نعوت او اوصاف. الا ان كلام الدكتور جواد ليس دقيقا ، فهو لم يشر الى مؤرخي السلطة الذين ارتبطوا معها وتنافعوا منها وعبرها مثل الطبري وغيره ، فهذا من حقنا ان نسائله ، لان التاريخ لايرحم كما يقال ، كما انه لا وجه لمقارنة الدكتور جواد علي نفسه كمؤرخ بالمؤرخين القدامى والنظرة اليهم ، فالمؤرخون القدامى كانوا يؤرخون ما يشاهدونه ، فنحن نلومهم على بعض النقول، خصوصا في علاقة المؤرخ برجل الدولة ، اما الدكتور جواد علي فهو مؤرخ مختلف فهو ينظر الى التاريخ بعين ناقدة ولكم يك مؤرخا لحوادث عصره ، فهو ليس مؤرخ للعصر الحديث ، فلذلك من سياتي بعده سيلومه قد على وجهات نظره في التاريخ القديم وليس في حوادث عصره التي لم يكتب بها بتاتا، اما نحن فنلوم المؤرخين القدامى لارتباطهم الفاضح بالسلطة والذي يفلسفه جواد علي بالصورة التاليةوهي صورة تبريرية لهم وغير مرضية يقول(( اذا ما رأينا المؤرخين العرب يروون الاساطير والخرافات عن الامم الخالية والقرون البالية ، وينسبون لهم العمر الطويل، او ينصب تاريخهم على الخلفاء والملوك والسلاطين، فعزوا كل الامور لهم، ونسبوا عظائم الاحداث لرغبة رجل وامره، وقراره الذي اتخذه بحرية ، وكأنه لا وجود لضغط او لظروف محيطة ، من سياسة العاديين، الذين كونوا الجماهير العريضة ، فكان كثيرر من هؤلاء المؤرخين لايولونهم اهتماما الا عندما يتعلق الامر بعلاقتهم بالحكام، وتدل التسميات التي يطلقونها عليهم على مدى الامتهان والازدراء الذي يكنونه لهم ، مثل الغوغاء، والاوباش والسفلة كما اعتبروا تحركات هؤلاء فتنة حتى لو كانت لدفع ظلم او رفع حيف وسموا زعماءها باسم(الخبيث)(المارق) " وكلام الدكتور جواد علي هذا كفيل بادانة هؤلاء المؤرخين الا انه لم يدينهم بسبب انهم تعرضوا لضغوط حسب رؤيته وهي رؤية للاسف تبريرية لهم ، فهم مؤرخي سلطة بامتياز.

ويورد د جواد علي نماذج من الانتقاد الذي عثر عليه في كتب المؤرخين القدامى : اذ (( انتقد ابن الاثير ، الطبري في امور معقولة ، ومن أمور التاريخ، وقد عاش ابن الاثير بعد الطبري كما هو معلوم ، وانتقد (ابن خلدون) الذي عاش بعد ابن الاثير الطبري ايضا، وانتقد من جاء بعد ابن خلدون ، ابن خلدون على بعض ارائه، التي دونها في المقدمة، ولكنه لم يعمل بموجبها في تاريخه الذي وضعه بعد المقدمة ، كما انه لم ينج من الخطأ الذي اعتبر ان الطبري قد وقع به)) .
• جواد علي يدعو الى الشك للوصول الى حقائق التاريخ:
اذ يعتبر جواد علي ان التاريخ من المادة الاجتهادية للاسنان . وان الانسان ليس واحدا في اجتهاده، بل هو مختلف في رأيه وان هذا الاختلاف مفيد، في حد ذاته لانه يدفعه الى الريبة والشك هو الطريق الموصل الى البحث عن اليقين، وهو يدفع على الاستفسار والسؤال، وبطبيعة المنطق ،فان الاسئلة المتتالية عن الماهية هي مفتاح العلم)) وبذلك يصل د جواد علي الى نتيجة حول التزوير والدس بالتاريخ والتي لا تكتشف الا عبر الحفريات وهي رسالة الى طلبة العلم في التاريخ نثبتها هنا بنصها لاهميتها(( هناك في كتب التاريخ العربية القديمة ، ما نجده في كل كتب التاريخ الاخرى من يونانية وسريانية ولاتينية ، من مؤاخذات وهنات وتزوير ودس ، وقد اشار القدامى ، الى مواضع منه، وفات عنهم البعض، واقتضت ظروف سياسية الوضع لأسباب سياسية وللسياسة منطق خاص في قيم الحق وفي مفهوم الامانة في التاريخ والصدق في تدوين الخبر اي : ما نسميه بالرواية )) . وهكذا فان التزوير والدس واضح في كتب التاريخ وكيف ان السياسة ساهمت في هذا التزوير لاسباب توطيد الحكم وتضليل الراي العام انذاك والذي سيأتي لقراءة حقبة معينة . وهذه اشارات مهمة لطلبة التاريخ لان يكونوا اكثر حرفية في قراءتهم للتاريخ والا ياخذوا ما ورد فيها وثيقة الا بعد البحث الاركيولوجي فيها وحواليها .



وفي رؤيته للعلة في كتب القدامى فهو يدعو الى عدم الاعتماد عليها في قراء تاريخ العرب قبل الاسلام ، بل يدعو لقراءة كتب التفسير والحديث وشروحها، والى كتب المعاجم وكتب اللغة والادب، ودواوين الشعر الجاهلي ولاسيما شروحها، لنستنبط منها مادة عن هذا التاريخ لا نجدها في كتب التاريخ المألوفة، بمعنى اخر يدعو الدكتور جواد علي الى قراءة هذه الكتب المشار اليه ك (بكج) واحد في سبيل التعرف على تاريخ العرب قبل الاسلام وليس اعتماد كتب التاريخ التقليدية فحسب. وهذا يتطلب عدة خطوات للمؤرخ لكي يكتب عن تاريخ العرب قبل الاسلام وهي : التخطيط والقيام بحفريات علمية في جزيرة العرب بشكل جدي ومنظم ونشر النتائج ليكون في امكان مؤرخي المستقبل التوسع والاحاطة والشمول والاصالة .
اما الاخطاء فهي واردة تماما في كتب التاريخ وهي اخطاء لا تتوقف على عصر ، ولا تنحصر في حقبة معينة ، من زمن معي ، فالتاريخ هو موضوع له صلة بالعواطف وبهوى الناس، وبالعقيدة والاديان، وبالسياسة ولذلك تهتم به الحكومات .
والحكومات تهتم به حسب رؤية جواد علي ضمن رؤية ايديولوجية ... يقول العلامة المؤرخ جواد ( خذ عهد بسمارك كانت المانية في ذلك العهد تريد الوحدة لانها مفككة ، غير موحدة ، وقد اتخذ من المؤرخين والتاريخ اداة اولى للاشادة بالوحدة ، وكتاب المانيا ومؤرخوها وعلى راسهم (ترايجكه) وفيلسوفيها ( فيشتة ونيتشة ، وغيرهم يدعون الى وحدة المانيا قوية والى امة جرمانية تأخذ مكانها الملائم لمجهودها وانتاجها في هذا العالم.
وقد اتخذ التاريخ حسب رؤية علي شكلا عرقيا ...... وذلك لانه تأثر بهذه الروح القومية في التاريخ، فقد رأى ان الجرمان هم الشعب المختار في هذا العالم، وان الشعوب الآرية هي وحدها الشعوب الخلاقة في هذا الكون، وكان متاثرا باراء الفرنسي الكونت (كويت) . وان اليونان هم اهل الحضارة الاولى ومن الآريين اخذ الساميون حضارتهم في العراق وفي بلاد الشام وفي مصر ، ويذهب الى ابعد من ذلك فيقول الدكتور انه (ظهرت في تركيا في النصف الاول من القرن العشرين ، دعوة تفيد ان الاتراك من نسل الحيثيين، وشايعها بعض الكتاب، الا انها لم تنجح).
التاريخ/الوثيقة .....
نعم فالتاريخ لا يكون تاريخا معتمدا الا بوثيقة تدلل عليه ، هذه هي رؤية جواد علي (فالتاريخ في حد ذاته، هو وصف لفعل مضى ، وانقضى استخرج من الوثائق والوثائق هي مادة التاريخ ، وعليه تكون قوة حجة المؤرخ او ضعفها في وصف حادث ما ، مستمدة من الوثيقة) .

• التاريخ هو حاسبة الكترونية ..... تداخل الانساني بالعلمي ...
وهنا يضع جواد علي تساؤلات عدة حول ماهية التاريخ في معرفة مسيرة البشرية فيقول( هل لمعرفة هذه المسيرة نحو الخير ام نحو الشر ، باعتبار التاريخ (حاسبة الكترونية) تقدم لك حساب الانسانية ، او حساب زماننا على الاقل) .
بل يتداخل التاريخ في قوانين التطور لدى جواد علي ويتساءل هنا تساؤلات علمية بحتة ( هل هو تطور حسب نواميس الطبيعة يلاحظها الانسان فيسجله ، فليس للانساب عمل في قوانين هذا التطور ، ام تقدم نحو الامام نحو عالم افضل تخدم فيه الاختراعات الجديدة سيدها الانسان، وتخوفه في الوقت نفسه، من الاساءة في استخدامها وتحذره من تفجيرها ففي تفجيرها دمار لما صنعه الانسان في مسيرته هذه))
وفي عالم الصراع ، فيتساءل جواد علي ( هل هو مسيرة للانسانية تسير به من عالم ضعيف الى عالم اقوى ، يتساوى فيه القوي مع الضعيف، عالم يخلو من جنون التسلح،والحماقات ، يقضي الانسان فيه حياته، بهناء ثم يموت، ام ان الانسانية هي هي لا تتبدل ولا تتغير من حيث الطبع، انما تتبدل من حيث التعامل واظهار اللطف).

كما ويشير الدكتور جواد علي الى التحالف الكبير بين كتاب التاريخ/المؤرخون والحكام وهذا تحالف شبيه بتحالف رجال الدين والحكام ، لكنه مختلف فالاول يكيل المديح للحكام والثاني اخطر فهو يثبت دعائم حكمهم .. يقول د جواد علي( نحن نعلم ان التاريخ هو من اهم المعارف الحساسة ، التي تحاول الدول استخدامها آلة بيدها ، بتمجيد اعمالها ، وبكتابة التأريخ حسب هواها ، وهو مرض قديم مزمن في البشرية ، حمل كثيرا من الناس على الشك في صحة التاريخ، واعتباره مجرد كذب وتلفيق، وبين الذين شكوا به عدد من المؤرخين ، وقد قيل ان احد المؤرخين الانجليز القى بمؤلفاته في النار حين رأى حريقا وهو في بيته، فلما نزل ليراه وليبحث عن سبب حدوثه ، وسأل الناس ، وجدهم يختلفون في وصفه وفي تفسيره فحنق على التاريخ وقال :ان تاريخا يكتب على مثل هذه الروايات لا يكون تاريخا ، وقد الف السنحاوي كتابا في الرد على من ذم التاريخ ،دعاه: الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، وذم التاريخ هو سبب هذا الذي نسب الى التاريخ.

• منهجية جواد علي في كتابة التاريخ:

منهجه في كتابة التاريخ يعتمد على رؤيته التحليلية في ذلك ، فيقول ( اخذت منهجي في تدوين ما كتبت في تأريخ العرب قبل الاسلام، وفي تاريخهم في الاسلام، من رأيي الذي توصلت اليه، من خلال مراجعتي لما كتبه العلماء والسياح عن ايام جزيرة العرب قبل الاسلام عن نتائج بحوثهم واكتشافاتهم فيها، وما نقلوه من صور نقشها اهل الجزيرة قبل ايام التاريخ، اي قبل 5000 او 6000 سنة قبل الميلاد) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة