الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسائل التاريخ: لماذا علينا الاعتراف بمطالب الفلسطينيين

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2021 / 10 / 19
القضية الفلسطينية


ترجمة محمود الصباغ
لطالما شاركت في الجدل الدائر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطينيـ لاسيما حين يركّز هذا الجدل على تاريخ هذا الصراع، وكنت أرى أن ما يحفز المدافع عن السلوك الإسرائيلي الحالي، في العادة، التقدير العالي والهام لما مرت به إسرائيل، وكذلك سبب وجودها في المقام الأول، ويكون ردّي، في العادة أيضاً، عبر مراجعة خطوات نزع ملكية [الفلسطينيين] والاستحواذ على ممتلكاتهم في العام 1948، وكذلك الهجمات الإرهابية على القرى العربية في الخمسينيات، فضلاً عن الاستفزازات الإسرائيلية على المنطقة المنزوعة السلاح في مرتفعات الجولان في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وما بعدها. غير أن المدافع عن السلوك الإسرائيلي يصرّ، في نهاية المطاف وبشكل ثابت، على عدم تشتيت انتباهنا بالالتفات للتاريخ، بل نحن بحاجة، بزعمه، إلى التركيز على حل الصراع الحالي، وليس إلى تكرار الحديث عن الماضي. وبالتالي، سوف نصطدم بسؤال أكبر: هل تاريخ العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية مهم في محاولاتنا لحل المشكلة الحالية؟ وسوف أجيب بالإيجاب، بكل تأكيد.. نعم هو أمر بالغ الأهمية، ليس بجميع تفاصيله بلا شك، ولكن في موضوعاته الرئيسية، التي ليس من الصعب تحديد عناصرها في السرديتين المتعارضتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي الواقع، تبلورت، بعد ستين عاماً من تأسيس إسرائيل، وجهتا النظر تلك في الردود المتنافسة على تفسير الحدث: الاحتفالات بيوم الاستقلال الإسرائيلي من جهة، وإحياء ذكرى النكبة من جهة أخرى.
يُنظر إلى دولة إسرائيل في السردية الصهيونية السائدة -والتي تشمل أيضاً نظرة المؤيدين الليبراليين لها- على أنها تحقيق لقومية يهودية مشروعة. وقد رفض العالم العربي هذا المشروع، بعد أن أقره المجتمع الدولي من خلال كل من انتداب عصبة الأمم لفلسطين (الذي مُنح لبريطانيا العظمى على أساس أن البريطانيين سوف ينفذون التزامهم الموصوف في وعد بلفور الشهير) وقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة. وتتابع السردية الصهيونية القول أن إسرائيل اضطرت، بسبب من الرفض العربي العنيف هذا لمشروعها القومي المشروع، إلى الحفاظ على جيش قوي وخوض العديد من الحروب، وكذلك البقاء على أهبة الاستعداد ضد الهجمات الإرهابية المتواصلة من أعدائها. وسوف تقر النسخة الليبرالية من هذه السردية، هنا، بأن المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية وغزة كان خطأ، وأن الحكومة الإسرائيلية غالباً ما تتصرف بشكل غير حكيم وظالم. لكن المعايير الأساسية للسردية تبقى كما هي دون تغيير. أما على الجانب الفلسطيني (والذي يضم، من بين ما يضم، العديد من اليهود الذين يقعون خارج المعسكر الصهيوني السائد)، تتمحور الفكرة الأساسية في سرديته في النظر إلى الاستيطان الصهيوني في فلسطين كمشروع استعماري ازدهر بفضل بنادق وحراب قوة عالمية كبرى، أي بريطانيا، لم يكن لها الحق في التصرف في البلد، التي قام الصهاينة -ومن أجل إقامة دولة يهودية حصرية، بمجرد حصولهم على القوة الكافية- بطرد معظم السكان الأصليين وعاملوا من بقي منهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وتنظر هذه السردية إلى المشروع الصهيوني على أنه مشروع مشابه للاستعمار الأوروبي لأمريكا الشمالية وأستراليا إلى حد كبير. ومن الواضح أن هذه أوصاف فضفاضة، لكنها مناسبة في الوقت الحالي. وثمة ملاحظتين تحتاجان إلى التوضيح، فيما يتعلق بهذه الروايات التاريخية المتضاربة: الدقة النسبية للحقاق وأهميتها في المقام الأول.
غالباً ما يمنح الصهاينة الليبراليون درجة معينة من الشرعية للرواية الفلسطينية، لكنهم يضعونها بعد ذلك إلى جانب الرواية الصهيونية ويبدون أسفهم لعدم فهم ما حصل، حيث يبدو لهم أن كل سردية من السرديتين تمثل موقفاً تفسيرياً متطرفاً، وبالتالي ينبغي للحقيقة أن تكون في مكان ما في المنتصف. ومثل هذا القول عن موقع الحقيقة ليس سوى هراء واضح، لأن أصحاب هذا الرأي، لا يقولون ذات الشيء حين يدور الحديث عن النازية أو عن الاتحاد السوفييتي مثلاً (ما الذي يُفترض أن تكون عليه السردية النازية؟ "حسناً، نعم، كان اليهود الألمان يحظون بالقليل من الرفاهية"؟) من الواضح أن الحقيقة، في هذه الحالة، ليست في المنتصف. ويظهر التأمل التاريخي الرصين أن الرواية الفلسطينية صحيحة إلى حد كبير. وليس هدفي هو إثبات هذه الحالة الآن، بل استكشاف العواقب، بافتراض أنها صحيحة.
لنفترض أنني محق في أن الرواية الفلسطينية صحيحة إلى حد كبير، وأن الرواية الصهيونية من طبيعة دفاعية تبريرية إلى حد كبير. فماذا يعني هذا الآن وما هي درجة أهميته؟ بصرف النظر عن الاهتمام الكامل بالحقيقة التاريخية، كيف يمكن أن يُحدث تبني موقف من أحداث ما قبل 40-60 عاماً، أي فرق في المهمة العملية المتمثلة في إقامة سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ ألا يتطلب الموقف البراغماتي المناسب أن نترك هذه الخلافات التاريخية جانباً من أجل التركيز على المهمة التي نحن بصددها؟
على العكس تماماً، من الخطأ افتراض أن البراغماتية تتطلب عدم الانتباه إلى التاريخ. وسوف تكون المهمة التي نحن بصددها -إقامة سلام دائم- صعبة للغاية، وربما من المستحيل تحقيقها بدون تقدير مناسب لكيفية وصولنا إلى الافتراض السابق. ومن المؤكد أن التاريخ، وتوازن اللوم المرتبط به، ليس كل ما يهم: بل هو مجرد عامل واحد -وإن كان مهماً- يجب أن يحكم ما يحدث في النهاية. وسوف يدخل في هذا المزيج التاريخ المطالبات اليهودية الناتجة عن مائة عام من الاستيطان، والوقائع الجديدة على الأرض، والقيود السياسية والمادية. ومع ذلك، يبدو أن تاريخ الصراع مهم لسببين أساسيين: أولاً، وهو الأهم، سوف يحوّل الاعتراف بالحقيقة الجوهرية للرواية الفلسطينية، ديناميكية عملية السلام من الاهتمام بأمن إسرائيل إلى الالتزام بإنصاف الفلسطينيين، وهو اتجاه جديد ضروري إذا أريد للمحادثات أن تنجح. وسوف يؤدي التغيير في الموقف إلى إطار جديد للتفاوض. ثانياً، سوف يوفر تقدير التاريخ منظوراً يمكن من خلاله فهم أفضل لكيفية انعكاس ممارسات إسرائيل الحالية على مدار ستين عاماً من تاريخ تكتيكات العرقلة. ومع وضع السياق التاريخي الدقيق في الاعتبار، قد نحصل على فهم أفضل لكيفية التصالح مع المصالح الفلسطينية والتفاوض بحسن نية.
وعلينا أن ننطلق، بخصوص السبب الأول، من حقيقة أن ما فعله الصهاينة باسم الشعب اليهودي كان ظلماً خطيراً بحق الفلسطينيين. وأعتقد أنه من العدل، في واقع الأمر، أن نقول إنه ظلم يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية. وبات من الأهمية بمكان أن ندرك مدى جدية التظلمات التي يعاني منها الفلسطينيون. لقد أتى اليهود من أوروبا، تحت مظلة قوة إمبريالية، إلى أرضهم [أي أرض الفلسطينيين؟] بهدف واضح هو إقامة دولة يهودية حصرية. وهم لم يسعوا ولم يحصلوا لإقامة مشروعهم على موافقة الفلسطينيين، السكان الأصليين للبلاد. لقد أظهر الفلسطينيون معارضتهم الخضوع لهؤلاء القوم الغرباء بالطرق الممكنة كافة، بما في ذلك، بالطبع، العنف ضد الضحايا الأبرياء، ولكن دون جدوى. وعندما قاتلوا ضد إقامة الدولة اليهودية، تم تهجير الغالبية العظمى منهم قسراً ووُضع من بقي منهم تحت نير نظام عسكري لمدة ثمانية عشر عاما متواصلة. وقُتل الآلاف من الفلسطينيين، خلال عقد الخمسينيات من القرن الماضي، أثناء محاولتهم العودة إلى منازلهم ومزارعهم التي لم تكن تبعد عن مرمى بصرهم أمتار كثيرة، وهو ما أدى، كما هو متوقع، إلى وقوع هجمات إرهابية من قبلهم ضد أهداف إسرائيلية. إن وحشية، وعدم شرعية برنامج الاحتلال والاستيطان لما تبقى من فلسطين ابتداء من العام 1967 معروفة جيداً للجميع. وفي الوقت الذي ارتكب فيه الطرفين أعمال عنف غير مبررة ضد بعضهما البعض، فثمة حقيقتان تجعلان الوضع غير متكافئ أخلاقياً: أولاً، كونها الطرف الأقوى إلى حد بعيد، فالضرر الذي تلحقه إسرائيل بالفلسطينيين أكبر بكثير من الضرر الذي يلحقه الفلسطينيون بالإسرائيليين؛ ثانياً، وهو أكثر أهميّة، رغم أن كلا الطرفين أساء إلى بعضهما البعض، فإن الفلسطينيين يحتفظون بشكوى أساسية لم يتم حلّها ضد الإسرائيليين وهي شكوى نابعة من تجريدهم القسري من ممتلكاتهم ومن استمرار الاحتلال، وهذه شكوى لا يمكن للإسرائيليين القول أنهم يمتلكون مثلها ضد الفلسطينيين.
لا أجد طريقة للدفاع، بشكل معقول، ضد هذه النقطة الأساسية. بمجرد الاعتراف بها، ماذا يمكن أن يقال في الرد؟
هناك رد واحد، ومن المثير للاهتمام أن العديد من مؤيدي إسرائيل يتراجعون عن هذا الموقف. إنهم يعتقدون أنه على الرغم من الخطأ الكبير الذي لحق بالشعب الفلسطيني من خلال تأسيس إسرائيل وسلبهم ممتلكاتهم قسرياً، فإن الخير العظيم الذي تم تحقيقه من خلال تزويد اليهود في النهاية بوطن خاص بهم، بعد قرون من القمع الرهيب، يبرر ذلك. ولكن حتى لو قبلنا هذه الحجة، التي لا أوافق عليها، فطالما ندرك أن الفلسطينيين قد ظُلموا بالفعل بطريقة أساسية، وبسبب هذا الخطأ، فإنهم يحملون شكوى جدية ومبررة ضد دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي اليهودي، ويصبح من الواضح ضرورة أن يخضع إطار عملية السلام الحالية لتغيير جذري.
لسبب واحد، يجب تحويل الهوس بالأمن الإسرائيلي الذي يوفر قالباً لجميع المناقشات المتعلقة بعملية السلام إلى اهتمام قوي بذات القدر لتلبية المطالب الفلسطينية المماثلة. بمجرد أن يعترف المرء بفداحة ما أصاب الفلسطينيين، يصبح من الواضح أن تلبية احتياجاتهم هي واجب إسرائيل الأساسي. مرة أخرى، حتى لو اعتقد المرء أن الحاجة اليهودية في نهاية الحرب العالمية الثانية تبرر تأسيس دولة إسرائيل والتطهير العرقي اللاحق، فلا يمكن للمرء أن ينكر مطالبة الفلسطينيين بدرجة كبيرة من الإنصاف. بالنظر إلى الصلاحية الواضحة للمطالبة الفلسطينية، يجب على المرء أن يدرك أن المحاولات المستمرة للتخلص مما بقي للفلسطينيين بعد العام 1949 - المتمثل في مناقشات الوضع النهائي التي تفترض قدراً كبيراً من ضم المستوطنات لإسرائيل -تفقد أي مبرر على الإطلاق. كما تبدو مسألة الأمن الإسرائيلي- اليهودي مختلفة تماماً بمجرد الاعتراف بالشكوى الفلسطينية.
السرد المعياري ههنا هو أن الفلسطينيين، والعرب بشكل عام، يكرهون اليهود، أو الغربيين، هكذا دون سبب وجيه، وبالتالي يجب أن تكون هناك حماية خاصة منهم ويقظة ضدهم. إن الاعتراف بتاريخ الظلم الذي عانى منه الفلسطينيون يقوّض مصداقية هذا الرأي التقليدي. عندما يُسلب شعبك بوحشية، فليس من المستغرب أن تتفاعل مع الرغبة في الانتقام: سيكون من المدهش أصلاً أن لا ترغب في الانتقام، ويمكن القول إن ذلك يظهر نقصاً في الشعور المناسب بالكرامة. ولكن إذا كان هذا التاريخ يغذي الكراهية الحالية، فإن محاولة حقيقية لتصحيح المظالم، مع الاعتراف العلني بالخطأ المرتكب، ستقطع مسافة معينة نحو تحقيق المصالحة، وبالتالي ضمان الأمن الحقيقي.
على الرغم من أن الفلسطينيين بالطبع، أولاً وقبل كل شيء، يريدون الأرض والتعويضات واستعادة حقوقهم، فإن الاعتراف الإسرائيلي العلني بمظالمهم كأساس للمفاوضات هو أيضاً عنصر حاسم في ما يسعون إليه. أتذكر جيداً حدثاً حضرته خلال الذكرى الخمسين لإسرائيل، عندما روى أربعة رجال ممن نجوا من النكبة قصصهم في مظاهرة رداً على الاحتفال الإسرائيلي الذي أقيم في مكان قريب. عندما استمعت إلى قصصهم، بدأت أفكر في الدور الذي لعبته النكبة في ثقافتهم وقارنتها بالصدمة القومية اليهودية، الهولوكوست. (أنا لا أقول إن النكبة تعتبر إبادة جماعية، أقول فقط أن الصدمة التي تمثلها تلعب دوراً في المجتمع الفلسطيني مشابهاً لما تلعبه المحرقة في المجتمع اليهودي). ثم بدأت أتساءل كيف سيكون الوضع بالنسبة لليهود إذا ما كان إنكار الهولوكوست لا يقتصر على الشخصيات الهامشية، كما هو الحال الآن، ولكن يحدث هذا الإنكار على نطاق أوسع في المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه. هذا هو حال معظم الفلسطينيين في الدول الغربية، الذين يعيشون في عالم يهيمن عليه إنكار النكبة. لا يمكنني إلا أن أتخيل الفرق الذي سيحدثه على الوعي الفلسطيني في جميع أنحاء العالم إذا أعلنت إسرائيل، "نعم، لقد طردناكم، وكان ذلك خطأً فادحاً، ونريد أن نصلح ما فعاناه بحقكم".
السبب الثاني الذي يجعل التاريخ مهماً لمخاوف اليوم هو أنه يضع ما يحدث الآن في منظور مناسب. أحد الأبعاد المهمة للرواية الصهيونية هو الشكوى من أن الفلسطينيين، والعرب المحيطين بإسرائيل، قد رفضوا كل فرصة للسلام بينما تتمسك إسرائيل بجميع دعوات السلام بقوة. في الواقع، كان هناك العديد من المحاولات من قبل القادة العرب للتوصل إلى سلام مع إسرائيل، وهو ما رفضته إسرائيل في كثير من الأحيان، وكانت إسرائيل مذنبة بارتكاب سلوك استفزازي مستمر. في الخمسينيات، كما توضح مذكرات رئيس الوزراء السابق موشيه شاريت، كانت الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف مصرية تهدف إلى استفزاز الرئيس المصري جمال عبد الناصر في موقف عدواني. كما روى الجنرال السويدي كارل فون هورن، الذي راقب المنطقة منزوعة السلاح بين إسرائيل وسوريا خلال الخمسينيات، ضمن فريق عمل الأمم المتحدة، وكان معظم القصف السوري (المرفوض طبعاً) لإسرائيل من مرتفعات الجولان، نتيجة التوغلات والهجمات الإسرائيلية. كما عرض أنر السادات، في العام 1971، السلام على إسرائيل مقابل الانسحاب من سيناء، لكن عرضه قوبل بالرفض. غير أنه اعتبر لاحقاً شريكاً مفاوضاً جديراً، بعد أن أثبت قدرته على شن تحد عسكري خطير لإسرائيل في حرب يوم الغفران، (الأمر الذي دفع العديد من العرب إلى القول "كل ما يفهمونه هو القوة" -يبدو مألوفاً؟). في العام 1988، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً بإسرائيل ضمن الخط الأخضر، لكن الأمر استغرق خمس سنوات قبل أن تعترف إسرائيل، كجزء من اتفاقية أوسلو، بمنظمة التحرير الفلسطينية. وفيما يتعلق بأوسلو، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، يمكن للمرء أن يرى بوضوح استراتيجية إسرائيل التفاوضية -الاستمرار في الحديث عن السلام، بينما تخلق حقائق مغايرة على الأرض- من خلال الإشارة إلى أنه خلال سنوات أوسلو تضاعف عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة. أخيراً، يوضح المقطع التالي الذي كتبه المؤرخ آفي شلايم، حول مؤتمر السلام العربي الإسرائيلي الأول، والذي تم نسيانه في الغالب، والذي عقد في العام 1949 في لوزان، سويسرا، الموضوعات الرئيسية للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، والتي مازالت مستمرة يومنا هذا: "ما أظهرته محاضرة [المفاوض المصري] مصطفى... أنه في العام 1949، اعترف العرب بحق إسرائيل في الوجود، وكانوا على استعداد للقاء وجهاً لوجه للتفاوض بشأن السلام، وكانت لديهم شروطهم للتوصل إلى سلام مع إسرائيل، ورفضت إسرائيل هذه الشروط ليس لأنه هذه المفاوضات كانت تتعارض مع بقاءها كدولة مستقلة قابلة للحياة، ولكن بسبب تصميمها على الاحتفاظ بجميع الأراضي التي تحتلها ورفض عودة اللاجئين".
إن رؤية السلوك الإسرائيلي منذ العام 1967 في ضوء ذلك توضح أنه لن يحدث أي تغيير جوهري في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بدون قوة دولية قوية تدعو لمثل هذا التغيير وتقف وراءه. المشروع الاستيطاني، الذي يبني طرقاً رئيسية لليهود فقط، ويقسم المناطق الفلسطينية إلى كانتونات شبيهة بالبانتوستان -كل هذا "يخلق حقائق على الأرض" بغض النظر عمن هو في السلطة، أو عمّا يُعلن عنه رسمياً للجمهور الدولي، أو عن طبيعة المفاوضات الجارية.
هل هذا يعني أنه يجب التخلي عن المفاوضات؟
بالطبع لا. لكن هذا يعني أن التصريحات الإسرائيلية يمكن اعتبارها كافية لإظهار حسن النية. ينبغي على إسرائيل، بصفتها المحتل والمعتدي الرئيسي، أن تظهر حسن النية من خلال اتخاذ إجراءات مهمة لتلبية المطالب الفلسطينية. وإلا فيجب على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة والأمم المتحدة -الأطراف الخارجية المسؤولة بشكل رئيسي عن الوضع الرهيب في المقام الأول- استخدام العقوبات لضمان الامتثال الإسرائيلي.
أشعر أحيانًا أن مؤيدي إسرائيل الذين يدركون، في أعماقهم، أساسيات الوضع الراهن، يرفضون الاعتراف بالتاريخ لأنهم يخشون أنهم إذا فعلوا ذلك، فسوف يضيع كل شيء. إذا سرقنا أرضهم حقاً، فعندئذٍ علينا فقط التخلي عن أي مطالبة لدينا، على ما يبدو أنهم يعتقدون. لذا فإن الرد هو رفض أو قمع الاعتراف بما حدث وما زال يحدث. هذا الرد خطير وخاطئ: فهو خطير لأنه يمنع الذهاب إلى طاولة المفاوضات بنوايا حسنة، وهو خاطئ لأن الاعتراف بالتاريخ والاعتراف بالظلم الفلسطيني الأساسي، كما أكدت أعلاه، لا يفرض تلقائياً أي نتيجة معينة للتوصل إلى نهاية تفاوضية للنزاع.
بينما أؤيد دولة ديمقراطية غير عرقية في إسرائيل / فلسطين، لا أعتقد أن هذه النتيجة الواضحة لأي مفاوضات، حتى لو تم إجراؤها مع الاعتراف الكامل بالتاريخ وبحسن نية. لكن كل ما يعتبر الآن الحل الأفضل لن يتحقق إذا لم يتم التعرف على تاريخ الصراع. على الإسرائيليين واليهود حول العالم أن يواجهوا هذا التاريخ بصراحة وصدق. عندها فقط يمكن أن يبدأ النقاش الجاد حول ما يجب عمله أخيراً.
العنوان الأصلي: History Matters
المصدر: https://bostonreview.net/joseph-levine-history-matters-palestine-israel
المؤلف: JOSEPH LEVINE








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة