الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدمى أكتب

منى نوال حلمى

2021 / 10 / 21
الادب والفن


------------------------


ما أجمل أن تكون «الكلمات» قَدَرى.. وطرقات اللغة بيتى.. ما ألذ أن أقضى العُمر، فى اصطياد «الكلمات»، لا العرسان.. وأن أجلس بالساعات أمام الصفحات البيضاء ، لألونها بخواطرى ، لا أمام المرآة أتجمل وأتعطر وأتزوق وأزيل الشَعر
الزائد لارضاء «رجل» أو إسعاد «زوج» ، أو التنافس المضحك الذى تمخض عنه فكر الذكور ، فيتكرم القدر ويمنحنى لقب ملكة العرب أو ملكة جمال كوكب الأرض، وتنهال علىّ عقود التمثيل فى السينما وعروض الأزياء وتقديم برامج ساخنة فى الفضائيات، وعمل إعلانات الصابون والزيوت وكروت الشحن .
ما أحلى أن أقوم بتفصيل «الكلمات» على مقاسى وذوقى ومواسم عواطفى وفصول أمزجتى «يرتديها الكون» ، يصبح أكثر بريقًا ويرسل امتنانه بإلهامى
المزيد من «باترونات» الأبجدية، والوعد أن يمدنى أبدًا بجميع «أقشمة» اللغة . لست أقوم بتفصيل ملابس لأطفال ، لا يحملون إلا اسم الأب ، ويلقون باسم الأم فى سلة النفايات والفضلات والسخرية والاتهام . لكن لا بأس من شراء هدية لها
تنسيها أن «تخرس»، حين يتكلم ذكر البيت المُهاب.
ما أمتع اللحظات التى تأخذنى إلى «كلمات» تعرى الكذب.. تكشف الأوصياء على عقول وأجساد النساء ، لإطفاء شهوات مكبوتة، حيث إن الكبت من الثوابت التى ترسم هويتنا ، ومن الوفاء والواجب والأخلاق القويمة والرجولة ، الحرص على استمرارها وترميمها وتبريرها .
كم أنا محظوظة لأن «الكلمة»، هى بدايتى ومصيرى ومثواى الأخير. شكلتنى «الكلمات»، وأنا جنين لم يتشكل بعد. وحينما كنت أضرب عن الرضاعة أو أصر
على البكاء ، وأظل «أحرك وأفرك»، كانت أمى تسرع وتحضر لى ما يسكتنى ويهدئنى ويجفف دموعى . ليس عروسة بلهاء لأتدرب على الأمومة المقدسة التى لا أحبها ولا أقدسها.. وليست لعبة ذكورية تمهدنى لأصبح فى عصمة رجل.. ولا تقوم أمامى تلك الحركات البهلوانية المضحكة ، التى تعجب الأطفال . لكنها تسرع وتحضر لى القلم والأوراق.
نعم.. كنت «أشخبط»، وأملأ كل الأوراق، بصور غير مفهومة. عندما أفكر الآن، أشعر بأننى عبرت عن تمردى، كتبت أجمل أشعارى، تخيلت عالمًا أعدل وأجمل، داخل تلك «الشخبطة»، ورسمت مصير حياتى، فى تلك الصور التى لم تكن تعنى إلا شيئًا واحدًا.. سأكبر لأصبح كاتبة.. وحرة.. وشاعرة لا يعترف بها كهنة الشعر، وامرأة لا تعترف بالنساء والرجال، المقيمين فى الفنادق الذكورية ذات الخمسة نجوم .
كم أنا سعيدة الحظ، لأن الكتابة اختارتنى لأن أكتبها وأفعلها وأمجدها وأشتهيها وأعيش معها وأهب لها نفسى وحياتى. لا أتقن شيئًا مثل خلط مقادير ومكونات اللغة، لأصنع أشهى فطائر الجدل ، والصدام ، والدهشة .
كل شىء حولنا فى الحياة، «كلمة».. هى البدء وهى المنتهى. «الكلمة»، من أجلها تصنع الأوراق والأقلام ، وتؤسس الصحف وتنشأ المكتبات والمعارض ، وتُمنح أرفع الأوسمة والجوائز .
الكتاب، حتى لو كان مجلدًا من ألف صفحة أو موسوعة ضخمة، هو فى النهاية يقول «كلمة».. فى النهاية يرسل لنا، عبر آلاف السطور، «كلمة» واحدة. كثير من الناس، يقرأون جيدًا، الألف صفحة، أو المائة صفحة من الكتاب، يحفظونه من الغلاف إلى الغلاف، ومع ذلك عجزوا عن التقاط «الكلمة» التى من أجلها قام المؤلف أو المؤلفة بجهد كتابة الألف أو المائة صفحة . وأى كاتبة، وأى كاتب رغم
تعدد وكثرة مؤلفاته ، يُختصر فى «كلمة».
كل كلمة ، هى امتداد لـ " مزاجي " ، وحالتي النفسية ، والعاطفية، والجسمية .
لا أؤمن بكلمة ، ليست تنتمي الى أوجاع ، وأحزان ، وأفراح ، و أحلام
" ذاتي" . لا أكتب حرفا ، لا يحمل فصيلة دمي ، ولا يشكل لونا ، أو خطا ، أو ظلا ، في لوحة وجهي .
ولهذا فان الكتابة ، بكل بساطة ، هى " جنتى " ، وان كنت أكتب عن الجحيم.
بكل بساطة ، أكتب ، عشان " أستلذ " ، و" استمتع " ، و" أزهو "
بنفسى ، و" أتمزج " على الآخر ، و " أنتشى حتى الثمالة " ، من مداعبات اللغة ، ورحيق الكلمات ، وعناق الأفكار .
اننى عاجزة حتى الشلل ، عن افتعال لذة الكتابة ، واستحضار نشوة هذا العناق ، وتمثيل دور المستمتعة ، المتمزجة ، بفعل الكتابة.
مثلما هناك نساء ، يفتعلن الشعور باللذة الجنسية ، وتمثيل دور المرأة الملتزمة ، بالأنوثة الموروثة ، والوفاء الشرعى . توجد أيضا النساء الكاتبات ، اللائي يفتعلن لذة الكتابة ، ويمثلن دور الكتابة الملتزمة ، بالمواعظ الذكورية للنقاد ، وبإرضاء المهيمنين على " تلميع " ، أو " اطفاء " ، منْ تمسك بالقلم .
ممارسة الكتابة ، مثل ممارسة الحب . تفترض مسبقا ، العاطفة الجياشة .. والحرية .. والدهشة .. والحنين ، والغموض ، والتركيز، والهدوء ، والخيال ، والانفتاح على طاقات وأسرار ، والوصول عبر الجمال ، الى محطة جديدة ساحرة ، من اكتشافنا لذواتنا ، وللآخر ، وللكون .
" القلم " ، رجل لا أقربه ، ولا ألمسه ، الا اذا مت اشتياقا الى أحضانه .
صدق نيتشه ، فيلسوف أدين له بالكثير ، حين قال : " لا أحب الا الكتابات
المكتوبة بدم الانسان ".
كلماتى ، منذ البداية ، وحتى النهاية ، هى " دمى " ، النازف بغزارة . لكننى ويا لدهشتى ، وسعادتى ، لست أحتاج الى " نقل دم " .
انه النزف الذى يبقينى فى أكمل صحة ، مثل اللحصان الجامح ، برشاقة
يقفز فوق الحواجز ، للسباق مع نفسه ، مدركا أنه لن يحصد الا جائزة
من الخيال .
-------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق