الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شريف منير وحكاية فيلم -ريش-

مجدي مهني أمين

2021 / 10 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تابعت مثل كثيرين موضوع فيلم "ريش"، فيلم السيدة التي اضطرتها ظروف الحياة أن تعول أسرتها بعد أن اختفى رب الأسرة في لعبة من ألعاب الخيال، والحقيقة أنه في كثير من الأحيان ما يختفي رب الأسرة؛ وتتحمل الزوجة كافة أعباء الحياة، كلهن يكن تحت مصطلح "نساء معيلات"، تحمل قصة الفيلم العديد من الغرائب، الأولى عندما ينجح مخرج الفيلم في اختيار سيدة ريفية، بسيطة، تعيش واقعا مطابقا لواقع ما ورد بالفيلم، ربما أفضل قليلا، ولكن واقعها الفعلي لا يبعد كثيرا عن واقع سيدة القصة موضوع الفيلم.
الصعوبة طبعا في كيفية أن تعيش السيدة التي تم اختيارها في الفيلم حياة طبيعية، وكأنها لا تمثل بل تعيش حياتها، كأنها في البيت، كانت تسافر من قريتها للقاهرة، لتعيش في الاستوديو واقعا مطابقا لواقع القرية، ونجحت التجربة، سيدة تمثل بدون افتعال، وبدون مجهود، نجح المخرج في مهمة إعداد الممثل أثناء تنفيذ العمل، مخرج عبقري، وممثلة واقعية صادقة.

انتهي العمل، تم ترشيح الفيلم لمهرجان "كان"، وفاز بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في في الدورة 74 من المهرجان،
- هل نجح مجاملة؟
- يمكن !!
- ولكن تشاء الظروف أن يفوز العمل بجائزة أفضل فيلم في مهرجان بينجياو السينمائي بالصين.

يعني الفيلم حظى بتقدير الغرب والشرق، صعب إذن يكون فيه تآمر، لأنه صعب تتفق معايير الغرب والشرق على عمل إلا إذا كان هذا العمل صادقا وأصيلا ومعبِّرا ويحمل رسالة، وأن تكون رسالته قد وصلت للمشاهد، وقرر أن يمنحه جائزة، منحه جائزة حجبها طبعا عن أعمال غيرها، ربما عن أعمال فرنسية في مهرجان "كان"، وأعمال صينية في مهرجان الصين، وحصدها الفيلم وسط فرحة المخرج والقائمين على العمل، ودهشة السيدة الريفية البسيطة.

سيدة صادقة بدون رتوش، سيدة تحمل فقط ثقافة بيئتها، وعندما طلب منها المخرج أن تعبر عن هذه الثقافة، عبّرت عنها بدون حواجز وبدون تكلُف.

وبعد محطات اختيار البطلة ، وتدريبها، وأدائها الفني أمام الكاميرا، ومهرجان كان، ومهرجان الصين، جاءت المحطة السادسة، مهرجان الجونة في مصر، المفروض أن تكون محطة تحصيل حاصل، محطة احتفاء بعمل خرج من صميم القرية ووصل للعالمية، محطة احتفاء بثقافتنا عندما عبّرَت عنها سيدة تنتمي فعلا لهذه الثقافة فأبهرت العالم، احتفاء بعمل يملؤنا ثقة أن ثقافتنا تحمل مضمونا مبهرا قويا ويجعلنا نشعر أننا جميعا لم نأت من فراغ، وأن أكثرنا التصاقا بثقافتنا هو أكثر تعبيرا عنا، وأنه عندما عبّر انحنى العالم ومنحنا جائزة، جائزة بتقول: "انتوا عرفتوا تختاروا من يعبر لنا عنكم، انتوا كويسين، أنتوا شعب عظيم".. هذا ما يمكن أن نقوله من كلام وطني عن مثل هذا العمل ، وعن تلك الجوائز العالمية.

ولكن المفاجأة كانت في مهرجان الجونة.

- يخونني التعبير، هل هي مفاجأة أم صدمة؟

ينسحب من مشاهدة العرض الفنانين شريف منير ويسرا وأحمد رزق والمخرج عمر عبد العزيز، انسحاب في صورة مصادرة للعمل، ومصادرة لمهرجان "كان"؛ يعبر عنه شريف منير قائلا:
- ليه اختاروه بقى؟

يقصد الفيلم، ويترجمها له الإعلامي عماد أديب بما معناه ان شريف يتهم "كان" بأنها تمنح الجائزة للأفلام التي تبين الشرق في صورة سلبية، وهنا يكون الإسقاط السياسي قد جاء من شريف منير نفسه، دون دليل، ودون سابقة تبين عدم موضوعية هذا الغرب في تقييمه للأعمال الفنية، ويبني على هذا الاسقاط الذي صنعه، اسقاطه السياسي اللاحق ان الفيلم يسئ لمصر، بل وكأن المخرج يقصد الإساءة مطالبا إياه أن يخرج كي يشرح له موضوع الفيلم.

وهنا يوضح المنتج محمد حفظي أن المخرج قد ناقش الفيلم فعلا في نهاية العرض ووضح الكثير من معطيات الفيلم، أي أن شريف انسحب دون أن يسمع رأي المخرج، ثم يتحدث في الإعلام مطالبا المخرج كي يعبر عن رأيه، مباراة ومناورة تتسم بالتعالي والمحاسبة والتحقيق، أكثر منها محاولة متواضعة للحوار الصادق، والتعلم، والتعلم المتبادل. اتهام وتشكيك في النوايا، هكذا يتصرف فنانون مفترض ان يكونوا قادة تنوير وحوارات بناءة بدلا من حوارات ديماجوجية تثير حفظية الناس وتستعديهم على بعضهم البعض، وكأننا نكتشف شكلا جديدا للتطرف، فالتطرف هو التطرف، قد يكون موضوعه الدين، أو الوطن، أو الكورة، عقول تتراجع عن التأمل والتقدم والبحث عن الجديد، إلى مشاعر مغلّفة بسواد لا تقودنا للأمام بل للتناحر والتراجع والانقسام، وهجمة التطرف جاءت هذه المرة من فنانيين، يفترض انهم دعاة تنوير، ورأي، ورأي آخر، جاءت من فنانين، أي أنها جاءت من الطرف غير المتوقع، صدمة توجع القلب.

بالطبع سيكون الناس هم الحَكَم عند مشاهدتهم للفيلم، هم من يقررون أن كان الفيلم ينتمي إليهم، أم يعتدي عليهم، ولكن يبقى السؤال:
- هل يصمد مخرج مبدع مبتدئ لعاصفة يواجهها في أولى أعماله؟
- هل تستوعب ممثلة مبدعة مبتدئة لتلك العاصفة التي هبت عليها من مجتمع المدينة بقسوته وغلوه؟

لا توجد بعد إجابة، الله يسامحك يا شريف منير كنا جميعا في غنًا عن هذه المزايدة، فهي مزايدة خارج النسق، التي لا تسئ إلا لكم، ندعوا لك بعودة الوعي، ودعوتك بالمصادرة لهذا العمل بالرحيل، وندعوا لفيلم "ريش" بالنجاح الذي يستحقه، لأن نجاحه بين جمهوره يُعد نجاح أضعاف أضعاف نجاحه في أي مهرجان، ونحن جميعا ننتظر المشاهدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا