الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيار الوطني في مواجهة جماعات الاحتياط الكولونيالي

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2021 / 10 / 22
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


الشعب التّونسي قدّم الدّم والتّضحيات من أجل الدّيمقراطية. ولقد تبيّن له، بعد تجربة عشر سنوات، أنّ الدّيمقراطية يستحيل بناؤها في ظلّ إفلات المجرمين من العقاب، وفي ظلّ غياب قضاء سيّد مُستقلّ، وفي ظلّ انتهاك مبدأ حياد الإدارة، وفي ظلّ تفشّي الفساد، وفي ظلّ سيطرة قوى إرهابية متطرّفة على أجهزة الدّولة. لذلك هبّ الشعب إلى الشارع لِتصحيح كلّ هذه الأمور قبل الذّهاب إلى أيّ انتخابات. ومن أجل ذلك، لا مهرب من الاستعداد لمواجهة الضغوط الاستعمارية التي تسعى لإعادة تركيز منظومة ما قبل 25 جويلية الفاسدة، خشية الإطاحة بالفساد، ونجاح الديمقراطية في تونس، وتحوّلها إلى نموذج يُكسّر نظام الهيمنة الكولونيالي.

معظم الدول الغربية كانت في مراحل من تاريخها استعماريةً توسّعية في خارجها، وديمقراطية برلمانية في داخلها. ولم يحدث أن أُحرِجت من هذه الازدواجية. ولم تبادر بعد نهاية مرحلة الاستعمار المباشر بمراجعات نقدية جادّة ومحاسبات أخلاقية تُتيح لها فرصة القطع مع التوحّش وصناعة الحروب المدمّرة ضد الشعوب والأمم المظلومة.
من الأمثلة الواضحة على ذلك أن فرنسا الجمهورية التي أطلقت أكبر ثورة سياسية في التاريخ الحديث، ورفعت ثلاثيّتها الخالدة "حرية، إخاء، مساواة"، حبست هذه المبادئ السّامية والقيم النبيلة في نطاق جمهورها داخل ترابها، ومستوطنيها المُعمّرين دون سواهم. وما عدا ذلك ظلت السياسات الخارجية الفرنسية حريصة على تبجيل قادة مستبدِّين في الوطن العربي وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فساندتهم ومدّت لهم البساط الأحمر، فيما كانوا، لعشرات السنين، يقتلون وينهبون خيرات شعوبهم وينتهكون أبسط حقوق الحياة الآدمية.

قد يحتار الجمهور في بلادنا عندما يرى "ديمقراطيات عريقة" تساند أنظمة الاستبداد والفساد. والحقيقة هي أن الدول الغربية تخشى أن تنهض حكومات مستقلّة تستند إلى إرادة شعوبها، تستطيع التفاوض مع قوى دولية متنفِّذة، والدفاع عن مصالحها، على أساس مبدأ المصالح المشتركة، وبما يجسِّد السيادةً على قرارها ومواردها. ولعلّ هذا ما يُفسّر سعيها الدائم بكل الطرق والوسائل الاحتيال والإجرام، لإفشال الديمقراطية في البلدان الخاضعة لها والسائرة في فلكها. وعلى عكس ما يُروّجه الاسلاميون في تونس اليوم ، فإن دول الاتحاد الأروبي، والولايات المتحدة الأمريكية لا تُبدي أيّ حرص على نهوض حكم ديمقراطي يستند إلى إرادة شعبية، إلاّ في حالات الضغط على نظام "مارق" رافض لمعادلة الهيمنة التي يفرضها النظام الكولونيالي على المنطقة. حينها فقط، تُصبح قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان شعارًا وذريعة للإطاحة بأيّ خيار وطنيّ، قد ينمو ويتوسّع ويتحوّل إلى نموذج للتحرّر والإفلات من قبضة الاستعمار. وحتى ضمن هذه السياسات التي تدّعي حماية الديمقراطية، تشتغل دوائر الهيمنة على بناء دول هشّة، مملوءة بكل أسباب الانفجار ، تقودها أنظمة مافيوزية تُقسّم شعوبها إلى إثنيات وطوائف متنازعة (العراق مثالا) بما يسُدُّ الباب أمام إمكانية انتصار قرار وطنيّ شعبي مستقلّ.

من البديهيات أنّ الهيمنة الاستعمارية لا يُمكنها التعايش مع الديمقراطية في البلدان الفقيرة وأشباه المستعمرات والدول التابعة، لأن الآليّات الديمقراطية تساعد النظام الوطني على التحرُّر من الضغوط الواقعة عليه، فهو لا يملك صلاحيات التصرّف على نحو منفرد، بل هو مُطالب بالعودة إلى شعبه الذي انتخبه. ولكي يواجه الضغوط والابتزاز، يُمكنه الاستناد على مؤسّسات مُنتخبة ومُعبّرة حقيقة عن إرادة الشعب. في المقابل يَسهُل فرض الإملاءات الخارجية عندما تُدار الدولة بمنطق قبيلة يحتكر شيخُها آليّةَ صنع القرار. حيث يسهل على ممثّلي "الديمقراطيات الغربية" الاتفاق المباشر مع "شيخ قبيلة" مرة باستمالته، ومرة بابتزازه، ومرة بمساومته وتهديده. لذلك يفضلون منظومة فاسدة، انتصبت باستخدام أموالا مشبوهة، زوّرت بها عقول الناخبين الفقراء. وتُفضّل حاكما فاسدا، غير شرعي، صعد إلى الحكم -في أغلب الأحيان- بِدعمهم وتوجيههم وتحت رعايتهم. إنهم يُحبِّذون ذلك الحاكم الذي يخشى الجماهير، ويقضّ مضجعه أن يُستبدَل بغيره بإرادة خارجية.
بهذا المعنى ستظل هذه القوى مسكونة بقلق مزمن من الديمقراطية، لأنها تُهدّد بصعود قوى وطنية تتمسك بالسيادة.

هذا التواطؤ التاريخي المفضوح والمعروف مع أنظمة فاسدة تُعيق تحرّر شعوبها، وتمنع تحكّمها في مواردها وبناء أوطانها، يدفعنا اليوم إلى إلى فحص نوايا الضغوط الدّولية المُسلّطة على الرّئيس قيس سعيّد، والتي تُساند "جماعات الاحتياط الكولونيالي"، مُدّعية الخوف على "التجربة الدّيمقراطية التّونسية". هنا بالضبط، في هذه المعركة المُحتدمة، يقع الفرز بين خيارين: الخيار الوطني، والخيار المُمتثل لتوصيات البرلمان الأروبي المرفوعة أمس للّجنة العليا.

خِتامًا، وتلخيصًا لِما سبِق ذكره، لا يجب الاطمئنان، ولو للحظة واحدة، لِكون الدّول الاستعمارية تُساند الديمقراطية في تونس. فلن تُساند إلّا تلك النُّخب الحقيرة المرتبطة بها، والجاهزة لتشكيل نظام يخدم مصالها. وإذا كان مالك بن نبيّ يعتقد "أنّ الإنسان الأوروبي لا يحمل فضائله خارج عالمه"، فنحن نعتقد، على نحو يقينيّ، أنّ صُنّاع القرار في الدّول الاستعمارية لا يَحمون الديمقراطية خارج فضائهم الجغرافي. وأنّ استراتيجيات دولهم وتوجّهاتها الخارجية تخضع بالمطلق لأولوية مصالحها وأمنها القومي. أما شعارات "ضمان الحرية والالتزام بحقوق الإنسان" . فإنما تُرفع لتغطية أهدافها الحقيقية الخاضعة لتلك الأولويات وتلك الحسابات الاستراتيجية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا


.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي




.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل