الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد حرب العشر سنوات:هل التعايش بين السوريين لايزال ممكنا؟

إبراهيم اليوسف

2021 / 10 / 23
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بعد حرب السنوات العشر؟

هل في إمكان السوريين مواصلة التعايش؟

ما لاشك فيه، أن ثمة هاجساً كبيراً بات يرادود السوريين، وأصدقاءهم الحقيقيين، على امتداد قارات العالم، أنى وجدوا، وهو يتعلق بسؤال استباقي هو:هل لايزال بإمكان السوريين التعايش؟، كنتاج للحظة ما بعد الحرب، وإن كان ذلك ليبدو- من خلال وجهة نظري محض افتراض في ظل ماهو راهن ومعاش، لأن شبح الحرب الكريهة لما يزل قائماً عبرذيوله، وآثاره، والجرائم لما تزل ترتكب، والتراجيديا السورية لما تزل مستمرة، ناهيك عن إن الحرب ذاتها جاءت نتيجة ممهدات وعوامل عديدة أدت إلى الحالة الكارثية التي آلينا إليها، وهي تجاوزت حالة الاحتقان إلى الانفجار، ما أفقد السوريين العماد الفقري الجامع، والذي تشكل نتيجة ثقافة ذاتية جامعة، تم العمل من قبل الأنظمة الدكتاتورية لاعتبارها شأناً تدجينياً، في تجاهل مؤدلج لواقع الهويات الفرعية السورية المتعددة، وقد كانت تلك الثقافة الأصيلة في أوج فعاليتها الذاتية، في حالة تحد لما كان يؤسس له النظام السوري الذي وجد ديمومته في إشغال السوريين، عبر افتعال خلق اللاستقرار كمعادل لثبات سلطته، بكل ما أمكن له من جبروت وقمع وأدوات ومن بينها: إفقار المواطن و استثمارأسباب المعيشة لخدمة خططه، نسف ثقة المواطن بمحيطه، بل ونسف ثقته حتى بذاته، وكان من نتائج ذلك ديمومته المفروضة على عرش السلطة لعقود، وحين أتحدث عن تشخيص حالة النظام، فإنني لأرى أن فترة حكم الأسدين: الأب والابن التي لما تزل مستمرة، وهي لأعلى تجسيد لحالة الفتك العام بالكائن، ومكانه!



الهوية الوطنية

بات مفهوم الهوية الوطنية - أي السورية- يطرح على نطاق واسع، لاسيما منذ بداية العقد الأول من الألفية الثالثة، وذلك مع تعالي بعض الأصوات التي تتحدث عن وجود مكونات متعددة، ناهيك عن الحديث عن تسمية الدولة السورية التي أضيفت إليها، لاحقاً صفة- العربية- وهوما لاحظناه، في العديد من المؤتمرات واللقاءات التي تمت بعيد انطلاقة الثورة السورية، احتجاجاً على التزمت القوموي، لتظهرهناك أصوات معتدلة تدعوللعودة إلى تكريس الهوية العامة. الشاملة، مقابل أصوات أخرى تدعو إلى هذه الهوية لمحاولة تجنب الخوض في هويات المكونات المشتركة في البلاد- لاسيما الكرد- إلا إن هذه الهوية العامة التي تم التأسيس لها في ظل الانتداب الفرنسي، عندما ظهر الموالون لفرنسا مقابل الوطنيين المناهضين لوجودها، وقد وصلت أوجها في أواخرالأربعينيات، بعيد نداء سلطان باشا الأطرش وانطلاقة الثورة السورية من أقصى البلاد إلى أقصاه، وكان من ثمار هذا التعزيز تشكل مزاج وطني أو حالة هوياتية سورية كان البرلمان السوري أحد واجهاتها، إلا إنه مع الردة القوموية العروبوية، فيما بعد، انقطعت هذه الروح، ليحاول بعض النخب السورية، وفي ظل الثورة إعادة الاعتبارلها، من دون أن ننسى أن من يذكي نيران الخلاف بين السوريين هم النخب المقابلة، إلا إن روحاً سورية لما تتأثر بالحرب وويلاتها، وما خريطة الهجرة الداخلية التي تشهد تعايشاً وطنياً حقيقياً، إلا أحد تجلياتها!

أكذوبة الوحدة الوطنية

لقد كان شعار- الوحدة الوطنية- وما يتفرع عنه من شعارات إكسسوارية، من ضمن ما يطرحه النظام السوري، نظرياً، إلا إنه كان يكرس- عملياً- حقيقة سياسات التمايز، من خلال الاشتغال على إيجاد ما يمكن من شروخ مجتمعية، على صعيد المكونات، أوعلى صعيد سياسات الجذب والنبذ القبلي العشائري، بالإضافة إلى تحويل البلاد إلى ثكنة عبرسياسات: التبعيث، وما يردف حزبه الحاكم- وفق الدستور المفروض- من منظمات: طلائع البعث. اتحاد شبية الثورة، ولتحويل المنظمات الشعبية كافة إلى مؤسسات بعثية، أو دائرة في فلك البعث، يستخدمها، ويستثمرها، ويميع خصوصيتها و أدوارها الوظيفية، كي تكون بمثابة أيد أمنية، عبر من يزرعهم داخلها، إن عجز عن الهيمنة عليهم، برمتهم، من دون أن ينسى أن يكون كل منهم مراقباً من قبل كلهم، ولاحصانة حتى للشخص الثاني في السلطة، في توصيفه الظاهري، لنكون أمام حاكم فرد، ليظهرللعيان أن حزب النظام ذاته مجرد واجهة، وأن أعظم مؤتمراته مراقبة من قبل رجل الأمن. نصف الأمي، ما دفع بكل منخرط ليكون في إحدى الواجهات الشكلية التخلي عن خصوصياتهم، بما يحقق معادلة الثكنة العسكرية، وهوذاته ما أدى إلى انهيار أخلاقي، قيمي، كان من نتائجه: كثرة كتاب التقارير، وفقدان الثقة بالآخر، وبالذات، إذ باتت هناك حدود بين المواطن والمواطن، والزوج وزوجه، والأب وابنه، إلا إن آلة الرعب المهيمنة حافظت على- معادلة ديمومة الواقع- وتحقيق حالة الأمن العام، وإن كان واقع البلاد- في الحقيقة- أشبه بسطح البحيرة الراكدة التي تخفي كل ما في أعماقها!

ولعلنا، إذا نظرنا في مثل هذا الواقع، على ضوء مثل هذا التقويم فإننا لندرك أن ماجرى بعد بدء الثورة السورية، وفي ظل عدم وجود معارضة ترتقي إلى مستوى أداء مهماتها، واختراق حالة المعارضة التي نشأت، لاحقاً، وتفريغها، من محتواها، بالإضافة إلى وعي النظام بالاستفادة من حالة الفوضى، عبر اختراق المعارضة، والاستفادة من تناقضات واجهات الثورة، لاسيما فيما يتعلق بأسلمتها، وعسكرتها، من دون أن ننسى أسباب رئيسة منها:

التخاذل الدولي، ونكث الجهات التي تنطعت لمؤازرة الثورة لوعودها، بالإضافة إلى الدورالسلبي لكل من: إيران وتركيا، وهكذا بالنسبة إلى بعض دول الخليج التي استثمرت حالة البلاد، في حالة حسابات، أو مخططات، من دون أن تبالي، كما سواها، بحجم الأذى الذي لحق بالسوريين، لاسيما بعد فتح الحدود لأشرارالأرض- الراديكاليين- لتشكيل كياناتهم، وإعادة سوريا التي كانت في طليعة المنطقة- حضارياً- إلى دهاليز وكواليس التاريخ!

تحديات التعايش:

إن ما يدعو إلى الاستهجان، وليس الاستغراب، أو التعجب ذلك الضجيج الإعلامي الذي يركز على إعادة الإعمار، وهو، على أهميته، كفضاء للإنسان، بعد أن دمرت الحرب البنية التحتية التي أشرنا إليها، من دون أن يكون ذلك موازياً لإعمارإنسان هذا الإعمار، لاسيما أمام واقع أن المعافى، الناجي، من بين براثن آلة الحرب الرهيبة لهو يحتاج إلى رعاية نفسية وهوما يتم- وإن على نحو شكلي إلا عبرحالاته المتفاقمة في الدول التي احتضنت السوريين، ولعل الواقع أشد مرارة بالنسبة إلى من يعيش بين أنقاض بيته، ومدينته، أو وطنه وقد رأى بأم عينيه كيف أن كل أفراد أسرته، وجيرانه قد تحولوا إلى أشلاء، أو إنه ذاته أوسواه يعانيان من عاهة دائمة: فقد طرفين أو أطراف، أو نحو ذلك. إن أصحاب مثل هذه الحالات- على سبيل المثال- أنى لهم أن يقتنعوا بالتعايش، وتستطبَّ جراحات أعماقهم، قبل جراحات أجسادهم، وهنا فإننا أمام مجرد توصيف طوباوي، متسطح، وليس أمام تنظير تيئيسي، الأمر الذي يجعل مهمة إعادة حياة التعايش مطلوبة، وشبه مستحيلة، إلا إذا تمت معالجتها بحكمة، ضمن مساحة زمنية مديدة، لأنها ستتربع على امتداد أكثر من جيل، باعتبار أن حالة ضحية الحرب تختلف عن حالة العمران، بأشكاله، ولسنا أمام إمكانات لإعداد- مواطن مسبَّق الصنع- كما حالة مسكن مسبق الصنع، إلا إذا تم بالسعي لتغيير معادلات الديموغرافيا، وهي أيضاً، حرب ثانية على ابن المكان، وما احتلال أجزاء من البلاد، وبناء مستوطنات لبعضهم على حساب أصحاب المكان- كما في حالة عفرين- أو رأس العين/ سري كانيي، إلا ترجمة حرفية، وتحت غطاء أممي، وبمال خليجي، وسعي إقليمي معروف!

ومن سلسلة الأخطاء التي اشتغل عليها النظام، وجاءت المعارضة المسلحة، لتكرسها، وسط حالتي التآمر والتواطىء المشارإليهما هو ما ينفذ من مخططات لمحو هوية أحد المكونات السورية الرئيسة: الكرد، إذ عمدت الأنظمة العنصرية على امتداد عقود على صهرهم في بوتقة القومية الكبرى، وراحت أطراف كثيرة من المعارضة الديمقراطية لتناول حالتهم، عبر الالتفاف عليها، من خلال الدعوة لدولة المواطنة. المصطلح الفضفاض، الذي يتجاهل أسس خصوصية الآخر. الشريك. ابن المكان الذي بلغ التأليب عليه أوجه، خلال السنوات العشر، بل إن المعارضة- المسلحة- بزت النظام، في الحرب عليه، لأن النظام اعتمد العامل الزمني لصهره، بينما راحت هي لممارسة" الجينوسايد" بحقه، مؤتمرة، بأجندات جهة إقليمية أو أكثر!

إلا إن أخطر ما يظهر، في موضوعة تعايش السوريين، فوق ترابهم هو حالة الهجرة، سواء في بعض دول الجوار، أو في الدول التي احتضنتهم مشكورة، إذ يتم العمل، وعلى المدى البعيد، لصهرأجيال السوريين، في بوتقات الدول الحاضنة، وإن عبر الشكل الناعم، من دون أن تتم دراسة خصوصيتهم، أو وضع حل حاسم لمعضلتي: الأمان وتأمين سبل المعيشة، باعتبار العيش في الوطن، في ظل إفلات أيدي أمراء الحرب إنما هو انتحار، ومن ضمن سبل المعيشة: التعليم. الضمان الصحي، ولعل لاجدية الجهات التي نصبت ذاتها حكماً على السوريين، باعتبارها ذاتها: الخصم، وأن ما تشتغل عليه من دساتيرمتناحرة، واعتماد شخصيات مستهلكة، مستميتة لأجل مصالحها، وتلوثت أيدي كثيرين منها بالمال السياسي والفساد، أحد مؤشرات استدامة الحرب على السوري، وإدارة أزمة بلده، بدلاً من إيجاد الحلول اللازمة والتي كانت ممكنة التحقيق بعد أسابيع، في حال وجود نوايا أممية صادقة!



المعادلة المستحيلة:

أجل، بعد كل ماتعرض له السوريين، من إبادة، وقتل، وتهجير، وماتعرض له وطنهم، من دمار، ينهض السؤال الاستباقي الذي استهللنا به مقدمة وقفتنا هذه، فيما يخص مرحلة مابعد الحرب، وإن كنا لنرى أن مفردات الحرب لما تزل قائمة، وهي معرضة للاستمرارية والتفاقم، في ظل الاحتلال، وإطلاق أيدي أدوات الاحتلال، من جهة، بل في ظل الإصرارالدولي على إبقاء دكتاتورالبلاد، ونظامه، مستمرين. ما نلاحظه، وبعد أن تجرع أربعة وعشرون مليون سوري مرارة الحرب. كل بطريقته- مستثنين بذلك أمراء الحرب وأدواتها- فإن آثارالحرب وصلت إلى كل بيت، فما من شارع في سوريا. ما من بيت في سوريا، إلا وتأثر بويلاتها، إلا إننا نجدنا بين الفينة والأخرى أمام من يقفز، مستبقاً إلى سوريا المستقبل، بعد إعمال كل وسائل الإبادة والدمار، و استنفاد كل ماهو مضيء، تحت يافطة إعادة إعمارسوريا، ورغم أهمية إعادة الحياة، والروح للبنية التحتية التي تدمرت كلها، فثمة إعادة إعمار آخر- أراه من خلال وجهة نظري وربما بشيء من العاطفة واليأس- شبه مستحيل، في ظل ظروف محددة، إذ إن سوري ماقبل الحرب هو غيرسوري ما بعدها، وهكذا بالنسبة إلى سورياه، حتى ولو استطاعت- وصفة سحرية- أن تنقل المكان وكائنه إلى الفردوس المأمول، وإن كانت هناك تجارب لبلدان كثيرة قد تمت استطاع أهلوها العض على جراحاتهم، إلا إنه وفق زعمي الخاص إنما يجب أن نبحث عن أنموذج يشبه أنموذج بلادنا.

السوريون الذين رغم كل الألغام التي زرعها نظام بلدهم في جغرافيا حياتهم العامة، استطاعوا التغلب على ما بينهم من سدود، وكانت حياتهم مميزة، وثقافتهم مميزة، غيرمبالين، في قرارتهم بالتشوهات التي كرسها النظام، واستكملتها الحرب اللئيمة عليهم، لقادرون- مرة أخرى- أن يستعيدوا الحدود الدنيا التي يعيشوا ضمنها، في إطار استعادة شروط المعافاة، شريطة أن يتاح للسوريين وضع حجرأساس انطلاقتهم، وهم مثخنون بجراحاتهم، وأول ذلك: وضع حد للاحتلال التركي، والتدخل الدولي الذي كان وراء ترجيح كفة النظام، وديمومته، وأن يكون دور الأسرة الدولية تنفيذ- العدالة الانتقالية- و حماية شروط سيرورة التعايش، ونزع ماتبقى من ألغام بدأ بوضعها النظام، وجاء جميعهم: القوى الإقليمية- التدخل الخارجي، وأعوان هؤلاء، وأدواتهم حملة البنادق المأجورة، وأصحاب اللحى، ومن دون أن ننسى من أرسوا التطييف، كما يعد استمرار رأس النظام، بل والنظام ذاته تحدياً لصورة السوريين التي اجهضت من قبل عدوي الداخل والخارج، على حد سواء!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا