الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوتوبيا «الشعب يريد»

امال قرامي

2021 / 10 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


«الشعب يريد»... شعار رفع منذ 17دسيمبر/14 جانفي وكان آنذاك مرتبطا بمجموعة من المطالب: إسقاط النظام، وترسيخ مجموعة من القيم والحقوق كالحرية والكرامة والشغل ...ثمّ سرعان ما اعيد رفع هذا الشعار في القصبة1 والقصبة2 ليصبح متعلّقا بكتابة دستور جديد. وها أننا اليوم أمام خطاب سياسي يعيد توظيف شعار «الشعب يريد» ولكن لغاية أخرى، وهي شرعنة المسار الجديد.

بقطع النظر عن غايات التوظيف فإنّ استعادة هذا الشعار تثير إشكاليات عديدة أوّلها: تحديد هويّة الشعب الذي أراد فرض مداخل جديدة لفهم الدستور ومصطلحات غير مألوفة وتأويل القوانين ومن ثمّة تغيير الواقع السياسي، وقواعد التعامل مع مختلف مكونات المجتمع المدني وغيرها من الإجراءات. فمن هو هذا الشعب؟ وهل تختزل دلالة الشعب في أنصار «قيس سعيّد» الذين انتخبوه يضاف إليهم الذين أيّدوا الإجراءات الاستثنائية وهلّلوا لسقوط من تسبّبوا في «نكبة البلاد»؟ وهنا لا يسعنا إلاّ أن نذكّر بأنّ المرزوقي كان يتحدّث عن «شعبنا وشعبي» وأنّ بعض قيادات النهضة كانت تتحدّث هي الأخرى، عن «شعب النهضة» وتدافع عن مصالحه لذلك صار البعض محصّنا لا يطاله القانون ولا يحاسب، وتحققت امتيازات لخاصّة النهضة وفرضت معايير جديدة لانتداب أتباع الحزب ومن لفّ لفّهم أو لمنح القروض والرخص والتسهيلات وغيرها.
وأمام العجز عن تحديد هويّة الشعب بدقّة (إحصاءات دقيقة حول الجنس، والسنّ، والمستوى الاجتماعي، والتعليمي والثقافي، والانتماء السياسي السابق، والمسح الجغرافي...) ليس أمامنا إلاّ الإقرار بأنّ هذا الشعب لا ينتمي إلاّ إلى عالم اليوتوبيا وهو حاضر في ذهن من يستحضره ويتحصّن به ويريد أن يشكّل المتخيّل السياسي والجمعيّ على أساسه.

أمّا الإشكالية الثانية فتكمن في مطالب «الشعب» فهل أنه بالإمكان أن يطالب الشعب بكلّ ما يريد ووفق هواه؟ اليوم ينسب لهذا الشعب أنّه هو الذي حدّد زمن «انتهاء المهزلة» ورغب في تغيير قواعد اللعبة السياسية والفاعلين وذلك من خلال استئصال الأحزاب التي حوّلت «الربيع العربي» إلى «خريف» والعشرية الديمقراطية إلى عشرية سوداء واستبدالها بفاعلين جدد، وينسب لهذا الشعب الذي صار الفساد «الصغير» جزءا من حياته اليومية أنّه يدعم شنّ حملة لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين... وينسب لهذا الشعب تصميمه على تحييد المؤسسات الرقابية وتجميد الهيئات.... ولكن لا أحد بإمكانه أن يتصوّر ما قد ينسب إلى هذا الشعب في قادم الأيام كرغبته مثلا في التضييق على الحريات وتغيير الدستور وقطع العلاقات الديبلوماسية مع عدد من البلدان وعقد ائتلافات جديدة والانخراط في محاور صراع...

وتتمثل ثالث الإشكاليات في سؤال بديهي من يضع حدودا لمطالب هذا الشعب إذا ما صار انفعاليا، منساقا وراء العواطف الجياشة راغبا في الانتقام منفلتا من الضوابط..؟ ألم نتعلّم من التاريخ أنّه باسم الشعب قطعت رؤوس وارتكبت مجازر وشنّت حروب ؟ واليوم ها نحن نعاين انتشار العنف الرقمي إذ هيمن خطاب الكراهية والحث على استعمال العنف وتوجيه رسائل التهديد فضلا عن العنف اللفظي والمادي. فأن تنتقد قرارات «قيس سعيّد» أو تدبيره للمرحلة معناه أنّك عدوّ وخائن و... وبذلك تضفى القداسة على الرئيس ويتحوّل أنصاره إلى كتائب تراقب وتحاسب وتعاقب.

تطرح إشكالية أخرى وهي: كيف يمكن لنا أن نمنع تفتت الوحدة الوطنية وتفكّك النسيج الاجتماعي وتشظي مفهوم الشعب الموحّد المعبّر عن الإرادة الجماعية؟ فنحن اليوم أمام مجموعات كلّ منها تزعم أنّها الناطقة باسم الشعب: الشعب المدافع عن الديمقراطية والدستور والشرعية و...والشعب المتمسّك بتغيير المسار أو تصحيحه ...والشعب المكتفي بالملاحظة والصمت...
إنّ التوجه السياسي الذي يؤثر التحصّن بعدد الأنصار ويرى في «الصمت علامة الرضى» ويعتمد على استراتيجيات تأثيم الآخر والدفاع عن النفس والتهديد بدل توضيح البرامج ومواجهة الأفكار والانتقادات والردّ عن التساؤلات بكل وضوح ومرونة فكرية لن ينتج مواطنين بل أفرادا لا يفكّرون في الصالح العامّ بل في خلاصهم الفردي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن