الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة الى إيران (5) أصفهان حديقة العالم ومدينة التنوع

قاسم علوان

2006 / 8 / 23
الصحافة والاعلام


عدنا صباحا الى زيارة الكاتدرائية، قطعنا تذاكر لدخول المتحف.. وكانت باهضة الثمن قياسا الى التذاكر التي كنا ندفعها الى زيارة المناطق الأثرية والسياحية الأخرى... ولكن لابأس هذا (على شان خاطر صديقنا في العراق كارين أردشير...) مظاهر القدم واضحة على المبنى، ولكن وكما يبدو هناك صيانة مستمرة عليه.. نعود قليلا الى التاريخ... كانت قد بدأت هجرة الأرمن الى إيران أو الى أصفهان تحديدا منذ بداية القرن السادس عشر، ولكن يبدو من مراجعة بعض مصادر التاريخ أن سياسة التعاطف والترحيب بهذه الطائفة (الدينية أو العرقية) المضطهدة، والهاربة من الذبح التركي العثماني ليس تعاطفا إنسانيا محضا أي (لوجه الله..) بل نكاية بالسياسة العثمانية المتقاطعة دائما مع سياسة الدولة الفارسية في إيران...
يحتوي المتحف الذي ألحق بالكاتدرائية مؤخرا وأفتتح عام 1985 غير المسموح بالتصوير في داخله على كل الوثائق الأصولية القديمة التي حصل عليها القائمون على شؤون هذه الطائفة من شاه إيران حينذاك من أذونات بالتملك والبناء في هذه المنطقة..
كما يحتوي المتحف أيضا على وثائق وصور فوتوغرافية عن المجازر التي ارتكبها الجيش التركي (الأنكشاري) في أرمينيا في تلك السنوات، وتعرض تلك الصور بطريقة البانوروما المتحركة... وهي مؤثرة جدا.. كما يضم المتحف لوحات زيتية عن آلام صلب السيد المسيح (ع) ومواد أخرى كثيرة فيما يخص الموروث المسيحي والأرمني بشكل خاص، وسواء من داخل إيران أو خارجها...
موسيقى صبا..
خرجنا من متجر هاسميك ولا زلنا في نفس الزقاق المؤدي الى الكنيسة في محلة (جولفا) أنحرفنا مع دورة الزقاق يمينا.. محلات تجارية ايضا مختلفة.. ولكن كانت مفاجأة لنا أن نشاهد محل لبيع وتصليح الآلات الموسيقية.. (موسيقا صبا..) هذا هو العنوان الذي يحمله المحل.... ألتقطنا بعض الصور من الخارج، بعدها طلبت من زميلي أن يستأذن الرجل صاحب المحل الذي كان ينظر لنا بابتسام واضح.. ربما يرفض بعضهم هذا التطفل... دخل عليه وعرفه بطبيعة عملنا وهويتنا... أستانس الرجل كثيرا بنا وطلب منا الدخول، وكان متوسط العمر بشعره الرمادي الطويل نسبيا.. محله الصغير ممتلء بانواع مختلفة من أنواع الآلات الموسيقية التي نجهل معظمها، كما أن هناك مجموعة من الكتب باللغة الفارسية متناثرة على مكتبه.. نهض وأستقبلنا بود واضح.. الكتاب المفتوح أمامه كان بعنوان (التاريخ السياسي للفلسفة..) وهذا العنوان كما هو بالفارسية، أما أسم المؤلف فلم استطع ألتقاطه.. سألته...
• منذ متى وأنت تمارس هذا العمل...؟ ـ: منذ ما يقارب 16 عاما، أي منذ أن تقاعدت من الوظيفة..
• في أي وظيفة كنت تشتغل...؟ ـ: محاسب في أحد دوائر الدولة..
• وهل تمارس عملك هذا بحرية..؟ في بداية (الثورة الإسلامية...) كانت هناك نوع من المضايقة لهكذا نوع من الأعمال، لكن بمرور الزمن أختفت هذه المضايقات.. وخاصة بعد حكومة السيد خاتمي
• هل أنت مسلم...؟ ـ: كلا
• مسيحي... يهودي... بهائي...؟ ـ: كلا... كلا..
• إذن من أي ديانة أنت...؟ ـ: أنا زرادشتي...!! (كانت مفاجأة كبيرة لنا أن نلتقي مصادفة بفرد من أتباع هذه الديانة التي نسمع عنها القليل.. وبدون عناء أو بحث....!!)
• كم هو عدد أتباع هذه الديانة في اصفهان..؟
• تقريبا 15 الى 16 ألف نسمة.. ولنا ممثل في البرلمان الإيراني
• هل هناك علاقة بين الديانة الزرادشتية والموسيقى...؟ ـ: نعم هناك علاقة تاريخية وثيقة، في كون بعض تعاليم الديانة الزرادشتية أحيانا تعتمد على توصيل مضامينها لمريدها عندما يعجز اللسان عن ذلك.. وهذا عبر العزف على آلات موسيقية معينة وفي طقوس معينة أيضا.. ونقصد الآلات القديمة منها مثل هذه التي ترى بعضها في هذا المحل.. وعرفنا بأسماء بعضها.. منها التار، سي تار، باربت، السنطور، الضرب (وهذه الآلة قريبة من آلة الدف عندنا).. وأضاف السيد كوروش آزار كشسب... بالحقيقة كل الأديان الروحية القديمة تعتمد على الآلات الموسيقية والعزف عليها...
قوطع حورانا بدخول ثلاث صبايا جميلات واطلاقهن التحية.. تكلمت الفتاة التي في المقدمة والتي تبدو بانها صاحبة شأن مع صاحب المحل.. طلبت من صاحبي (المترجم) أن ينقل لي طبيعة الحوار أو ماذا تطلب هذه الفتاة... قال لي بأنها تركت آلتها الموسيقية (الكمان) في هذا المحل لغرض تصليحها واليوم موعد استلامها لها... ساومت الفتاة صاحب المحل على مبلغ التصليح.. اتفقوا أخيرا... طلبت من صاحبي ان يسأل الفتاة عن طبيعة عملها بعد ان يستأذنها ويوضح لها طبيعة عملنا أيضا وهوياتنا، فاجابت بالموافقة، وعرفت نفسها نادية يدالله.. وانها طالبة في معهد للفنون الجميلة قسم الموسيقى... وديانتها.. مسلمة.. وعندما سألتها: هل أن دراستها لهذا الفن تلقى قبولا لدى عائلتها...؟ أجابت بأن جميع أفراد عائلتها يشجعونها بإفراط على دراسة الموسيقى...!! أخذت آلتها وخرجت مع زميلاتها... بعد أن جربتها أمامنا.. واستأذنتها بتصويرها وهي في وضع العزف.. وافقت.. عدت الى السيد كوروش..
• ماذا عن وضعكم كأقلية دينية في الوقت الحاضر...؟ ـ: نحن أقلية فعلا.. ولكن أقلية عريقة، ونحن أصحاب البلاد الأصليين، ونحضى الآن بمعاملة خاصة طيبة من قبل الأكثرية المسلمة، الأقلية الزرادشتية معروفة ومنذ القدم في البلاد بحسن معاملاتها وعلاقاتها الجيدة مع الغير.. لهذا لنا مكانتنا المحترمة في الوقت الحاضر بين الجميع.. معبدنا (أتيش كاه) أي بيت النار.. لازال قائما على سفح جبل على مشارف المدينة وقريبا منها.. مفتوح أمام الزائرين دائما...
لكن للأسف نحن لم تسنح لنا الفرصة ونتمكن من زيارته...
كرم أرمني...
هل يمكن لسائح في بلد أجنبي أن يقيم علاقة صداقة بسرعة على أثر تحية في الشارع (مجرد تحية) مع مواطن من البلد المضيف، فيدعوه هذا المواطن بهذه السرعة لزيارة منزله....؟ هذا هو ما حدث لنا بالضبط... يرفان... رجل ارمني ستيني، قصير القامة، أصلع له بقايا شعر على رقبته قام بعقصه من الخلف.. ألتقيناه صدفة خلال جولتنا المسائية في محلة (جولفا) ما أن شعر الرجل بوجودنا الغريب في الشارع ونحن نسير قريبا منه.. سارع بتحيتنا، وسؤالنا عن حالنا... رددنا تحيته.. وقد أزداد أندفاعه نحونا ما أن عرف باننا من العراق، وأن ثالثنا مسيحي، أصر الى دعوتنا الى زيارة منزله، حاولنا أن نعتذر.. لكنه كان مصرا على ذلك.. أخذنا في أزقة (جولفا) القديمة الخلفية، وهي تشبه الى حد ما أزقة وحارات محلاتنا الشعبية القديمة أيضا في مدننا الكبيرة، ولكن الفارق انها نظيفة جدا.. (وبدون مجاري مكشوفة..) كما أن هناك بيوتا حديثة وعمارات سكنية بجانب البيوت القديمة التي تكاد تكون متهاوية أحيانا، كما كانت هناك كنيسة أخرى قديمة هي أيضا لكنها أصغر من الأولى، طليت جدرانها من الخارج بالجبس، وسقفها كما هو ظاهر من سيقان الأشجار.. أدخلنا الى بيته الصغير المتواضع حيث ترقد أمه العجوز طريحة الفراش اثر حادث سقوط كانت قد تعرضت له فكسر لها عظم الفخذ كما وضح ذلك... سرتها كثيرا زيارتنا.. فأمطرتنا بقبلات أمومية ساخنة.. حاول يرفان أن يقوم بمراسم الضيافة على أحسن ما يكون، وأن يقدم لنا أفضل شيء في منزله المتواضع من حلويات ومشروبات ساخنة أو باردة.. ولكن عندما قدم د.جنان نفسه لهم كطبيب جراح اختصاص، وطلب من يرفان أن يريه آخر الصور الشعاعية لإصابة والدته، فكان لذلك عظيم الأثر عليهم.. وقد سرت كلمات الطبيب كثيرا المرأة المصابة وطمأنته لها بأن أصابتها في طور الشفاء التام.. وأنها يمكن أن تنهض مرة أخرى قريبا انشاء الله... ولم نستطع أن نرفض دعوة العشاء التي قدموها لنا إلا بصعوبة كبيرة وأعذار عديدة...
ضابط في سلاح الجو الإيراني.. سائق تاكسي
شاءت المصادفة أن يكون سائق سيارة الأجرة (التاكسي) وهي من نوع (بيكان) قديمة، الذي سوف يقلنا الى (حديقة الطيور) ذهابا وأيابا ضابط طيار في سلاح الجو الإيراني (الرائد سيروز محمدي) وهذا ما كشفه لنا بنفسه بعد أن عرف بأننا صحفيين من العراق.. وهو الضابط المخضرم أي من زمن الشاه.. وهو الآن مضطر لهذا العمل بعد أن أصبح الراتب الشهري له لا يغطي مصاريف وحاجات عائلته المكونة من 5 أشخاص.. سالته: هل شاركت بالحرب العراقية الإيرانية...؟ أجاب: أن نعم.. فأضفت مازحا: وهل قصفتنا جيدا..؟ أجاب ضاحكا: كلا.. لقد كنت أقود مروحية خاصة بنقل الجرحى... (وحتى ولو كان الرجل يقود طائرة مقاتلة وشارك فعلا في قصف المدن العراقية مثلا... فهذه هي مفارقة سيئة الصيت والذكر الحرب.. الحرب السابقة.. أية حرب سابقة كانت.. وعلى أية أرض..) سألته مرة أخرى: وكيف كان وضعكم الاقتصادي آنذاك.. نقصد المرتبات الشهرية التي كنتم تتقاضونها..؟ أجاب: كانت جيدة جدا (وعلى حد تعبيره..) كانت أياما ذهبية وكنا ملوكا.. وكذلك قبلها في زمن الشاه.. لم يكن أي ضابط في الجيش يحتاج لأن يعمل في مهنة أخرى بهذا التواضع.. أضاف.. وضع العسكر ساء كثيرا في السنوات الأخيرة..
في طريق عودتنا من (حديقة الطيور) على مشارف اصفهان.. وبعد أن دخلنا المدينة وكان الوقت ظهرا، والشوارع تبدو خالية الى حد ما.. (لا يفوتني أن أذكر بأن مدينة أصفهان تغلق تقريبا في ساعات الظهيرة..) صادفتنا سيارة تقودها أمراة جميلة وبملابس (مودرن..) وعندما مرت بجانب السيارة التي كنا فيها، لذلك وبعد أن تجاوزتنا بلحظات تبعتها سيارة ( شرطة النجدة) وقد فتحت صوت الطورايء.. ونادت عليها عبر مكبر الصوت.. آمرة إياها بالتوقف.. فتوقفت، أستفسرنا من سائقنا عن ما يحدث... فأجاب: كان ذلك بسبب المكياج المفرط الذي تضعه هذه المرأة، وكذلك ملابسها وأضاف مستنكرا أن هذا غير مبرر أطلاقا، لابد أنهم أوقفوها لغرض (التحرش الجنسي) ليس إلا... لاسيما وأنها وحدها والشارع فارغا في الوقت الحاضر..
بمناسبة الكلام عن وضع العسكر والحروب السابقة في الجمهورية الإسلامية... فقد ذكر لي جميع من ألتقيت بهم منذ بداية الرحلة سواء في مدينة الأحواز الجنوبية (سائق التاكسي أيضا الذي أقلنا من الفندق الى المطار..) أو تأكيدات أخرى سمعتها من مضيفينا ممن ألتقيت بهم في طهران، وأيضا في اصفهان فيما بعد.. بأن (الخدمة العسكرية) الألزامية في إيران طيلة سنوات الحرب مع العراق أيام حكم النظام السابق فيه.. وحتى في أيام ذروتها آنذاك خلال الهجومات البرية العنيفة على طول جبهات القتال.. والتي كانت تستمر أحيانا أشهر، بأنها كانت خدمة منتظمة جدا.. أي أن المجند يتسرح من الجيش فور إنهائه خدمته الألزامية المقررة بدون زيادة أو نقصان ولا ليوم واحد فقط.... وهذا ما كنا نفتقده نحن في العراق طيلة كل تلك السنوات العجاف وعانينا منها الأمرين... إذ أمتدت خدمة بعض العراقيين الى طيلة سنوات الحرب كلها...!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن