الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا بحاجة دائمة الى عدو ...!

آدم الحسن

2021 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


من أجل ديمومة تبعية حلفاء أمريكا لها لابد من وجود عدو يشكل خطرا مستمرا على هؤلاء الحلفاء يجبرهم على الاعتماد عليها و اتخاذها حصنا منيعا لهم لمواجهة هذا العدو .
فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية و الولايات المتحدة الأمريكية تبحث دائما عن عدو جديد لها و لحلفائها , فكان المعسكر الاشتراكي الذي يقوده الاتحاد السوفيتي السابق هو العدو الأبرز أمام المعسكر الغربي فاختارته امريكا و جندتْ لمحاربته كل إمكانياتها الاقتصادية و العسكرية و المخابراتية و قدراتها الواسعة في تكييف و توظيف الأعلام الغربي لصالحها للصق صفات الشر و الخطورة على مستقبلها و مستقبل حلفائها و ديمقراطيتهم من هذا العدو .
لقد نجحتْ أمريكا خلال الحرب الباردة في جعل تلك الحرب أداة لخلق تحالف واسع حولها و لتكون هي محور ذلك التحالف و قائدته و الذي اسمته حلف الناتو , ليس هذا فقط بل تم ربط هذا الحلف بعلاقة شراكة واسعة النطاق مع كل القوى الرجعية في العالم و النتيجة كانت انتصارا كبيرا لأمريكا و حلفائها و انهيارا شاملا للمعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي .
تفكك الاتحاد السوفيتي و اصبح يوصف بالسابق لأنه صار من الماضي و بذلك تمكنت أمريكا من خلال هذا الانتصار توسيع هيمنتها على مقدرات دول و شعوب العالم .
بعد انتهاء الحرب الباردة و تحول العالم الى عالم احادي القطبية بحثت أمريكا من جديد عن عدو جديد لتجعل منه مبررا جديدا لتماسك حلفائها حولها و خصوصا دول حلف الناتو .
فمن أجل أن تبقى الدول الغربية تحت الوصاية الأمريكية لابد من وجود سبب كافي لذلك , لكنها لم تجد في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ما يمكن أن يكون عدوا سوى ما اسمته حينها بمحور الشر ليكون العدو البديل , و قد تَشَكَلَ محور الشر افتراضيا من الثلاثي , كوريا الشمالية الشيوعية , ايران الإسلاموية بعد نجاح الثورة الإيرانية التي قادها الخميني و العراق الذي اصبح تحت السلطة الاستبدادية المطلقة لصدام حسين .
لم يكن بين أنظمة دول المحور الثلاثي , كوريا الشمالية و ايران و العراق اية مشتركات ذات قيمة أو دافع لتشكيل محور , و قد يكون العكس هو الصحيح , و مع ذلك اصرت امريكا على اعتبارهم يشكلون محورا .
كان كل ما تريده امريكا تستطيع صنعه اعلاميا , فصار في الأعلام الغربي المحور الثلاثي ( كوريا الشمالية - ايران - العراق ) و كأنه عدو حقيقي لأمريكا و لحلفائها و ليس عدو افتراضي صنعه الأعلام الأمريكي .... !
لم يكن ذلك المحور الثلاثي عدوا كافيا للإبقاء على تماسك حلفاء امريكا حولها لكنه كان افضل من لا شيء , من لا عدو ...! لذلك اجتهد خبراء السياسة الاستراتيجية في الدولة العميقة في أمريكا لإيجاد مصدرا جديدا يمكن منه خلق عدوا جديدا اكثر أهمية و أكبر حجما فوجدوا فرصة كبيرة في أن تكون موضوعة الصراع بين الحضارات هي المصدر الغني الذي منه يمكن خلق العدو البديل بالحجم و المواصفات الأمريكية المطلوبة ...!
تحركت الماكنة الإعلامية الأمريكية و أذرعها الأخطبوطية المنتشرة في العالم في الحديث عن إن الصراع في العالم هو ليس بين أنظمة اقتصادية متناقضة , أو بين دول مستعمِرة ( بكسر الميم ) و دول مستعمَرة ( بفتح الميم ) و لا هو صراع مصالح بين كيانات اقتصادية دولية و انما الأمر هو مجرد صراع بين أمم ذات جذور حضارية متناقضة ...!
كتبَ التحديثيون عن ضرورة الحوار بين الحضارات لتبادل المعرفة الحضارية بينها فجاءهم الرد سريعا من الحداثيون و بتناغم مع الغرب و انبهارا بثقافته ليعلنوا بدأ عصر الصدام بين الحضارات ...!
استمر قادة الفكر الأمريكي المهيمنين على الدولة الأمريكية و سياستها الاستراتيجية في البحث في صفحات الصراع بين الحضارات عن عدو بديل قوي التأثير واسع النطاق فوجدوا في الإسلاموية ضالتهم فأمسكوا بها , في تلك المرحلة , أصبحت لدي الدولة العميقة في أمريكا القناعة التامة من إمكانية خلق عدو من الأسلاموية بالمواصفات المطلوبة اذا احسنوا ادارة تشكيل هذا العدو الجديد و احدى سبل هذا التشكيل تتم من خلال تعميق الصراع بين الحضارة الغربية و الحضارة الشرقية الإسلامية و تنمية نقاط التطرف لدى جانبي الصراع .
و جاء اعتداء 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأمريكية ليعزز الرغبة الأميركة و يغذيها في خلق عدو يلبي متطلباتها , و قد كان لهذا الحدث أكثر من وجه , وجه يبدو و كانه مجرد رد فعل بسبب الشعور بالإهانة و الظلم الغربي المستمر لشعوب الدول الإسلامية و وجه ثاني و كأنه فعل نتيجة استيقاظ العنصر المتطرف في الفكر الإسلاموي و وجه ثالث هو تزاوج بين هذا الفعل و رد الفعل .
و أطلقت أمريكا صرختها الشهيرة ( من ليس معنا فهو ضدنا ) فهرولت الكثير من الدول لتصطف خلفها و أول المصطفين كانت دول حلف الناتو حيث باشرت امريكا و حلفائها و شركائها في حرب شاملة على ما اسموها ( الحرب على الإرهاب الأسلاموي ) و كانت أولى صفحات تلك الحرب هو الاحتلال الأمريكي الناتوي لأفغانستان , حيث اعتبرت امريكا دولة افغانستان التي كانت تعيش حالة من الفقر و البؤس و التمزق و الاقتتال الداخلي هي المركز الرئيسي و المنطلق الأكبر لخطر الإرهاب الإسلاموي العالمي الذي يهدد الغرب بأسره رغم انه ليس من بين منفذي اعتداء 11 سبتمبر اي مواطن افغاني .... ! و لم يكن لشعب افغانستان ذنبا في ما حصل حتى و إن ادار بن لادن ذلك الاعتداء عن بُعُدْ من داخل احدى مقراته السرية في كهوف أفغانستان , تلك الكهوف التي كان بن لادن يتلقى فيها المساعدات من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حين كان حليفا لأمريكا اثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان .
لقد كانت الحجة و الغرض الأمريكي المُعْلنْ لاحتلال أفغانستان هي القضاء على بن لادن و جماعته , لذا كان احتلال أفغانستان اشبه بمن أرد قتل ذبابة تقف على رأس حصان فرماها بطلق ناري , قتلَ الحصانْ و طارتْ الذبابة , بالنسبة لأمريكا لم يهمها مصير الحصان و ظلوا يطاردون الذبابة حتى قتلوها بعد عشر سنوات في بلد آخر هو باكستان .
بعد الاحتلال الأمريكي الناتوي لأفغانستان استمر الهجوم الأمريكي و تم احتلال العراق بحجج لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب و قد وضعت امريكا في زمن حربها المفتوحة على الأسلاموية دولا أخرى على لائحة الانتظار لاحتلال أمريكي قادم .
مع مرور السنين أخذت الحرب على الإسلاموية تفقد بريقها , و لكي يبقى هنالك تحالف مرتبط بأمريكا تقوده كيفما تشاء أمتد نظرها الى الشرق حيث لاح في الأفق قوة اقتصادية و عسكرية و تكنولوجية و علمية صاعدة هي الصين , فوقع الاختيار هذه المرة على الصين لتكون هي العدو الجديد البديل ... !
و هكذا باشرت أمريكا بالرحيل عن مناطق المواجهة مع الأسلاموية و التوجه صوب بحر الصين الجنوبي ...!
لقد كان انسحاب أمريكا من افغانستان و توجهها السريع صوب بحر الصين الجنوبي عبارة عن هروب غير منظم مما افقدها ثقة حلفائها في الناتو بها , لذلك باشرت أمريكا في إنشاء نواة لحلف جديد اسمه اوكوس يتشكل من دول أقل اعتراضا من بعض دول حلف الناتو و أكثر انصياعا للإرادة الأمريكية هما بريطانيا و استراليا مع استمرار محاولاتها في ترميم حلف الناتو ليكون لديها بدل العدو الواحد عدوين هما الصين و روسيا , حلف الناتو لمواجهة العدو الروسي و حلف اوكوس لمواجهة العدو الصيني .
لكن ... كل المؤشرات على الساحة الدولية تدل على إن العالم متجه لأن يكون عالم متعدد الأقطاب , و رغم إن هذا الانتقال الى عالم تتكاثر فيه الأقطاب يسير بشكل تدريجي و بطيء إلا انه انتقال رصين و حتمي .
لا شك إن تحول العالم الى عالم متعدد القطاب سينهي الهيمنة الأمريكية حتى على حلفائها السابقين الأعضاء في حلف الناتو و ستجد أمريكا نفسها مضطرة لأن تكون أكثر واقعية في التعامل مع الدول و أن تكف عن خلق اعداء لها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا