الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آيا صوفيا

منير المجيد
(Monir Almajid)

2021 / 10 / 26
السياحة والرحلات


تشعر بالحيرة من المشاهد المتحفيّة المحيطة، وأنت تقف وسط ساحة حديقة السلطان أحمد، التي تأخذك، بكل بساطة، إلى التاريخ.
خلفكَ جامع السلطان إيّاه، وأمامك متحف آيا صوفيا المهيب. واحد من أجمل وأشهر المواقع الأثرية في العالم، وعلى رأس قائمة اليونيسكو للتراث العالمي (منذ ١٩٨٥).
في منطقة «فاتح»، وعلى مقربة من مضيق البوسفور تطلّ جدران آيا صوفيا (Hagia Sophia) على سفن السيّاح والعبّارات وناقلات البترول وأعتدة الحروب وعاهرات اوكرانيا، ومن ثمّة الجزء الآسيوي من مدينة اسطنبول، منطقة أوسكودار تحديداً.
تُسمّى كنيسة الحكمة المُقدّسة، وكنيسة الحكمة الإلهية.
بُنيت على نفس الموقع ثلاث مرّات. الأولى ككاتدرائية لاتينية تقليدية بأعمدة وصالات وسقف خشبي عام ٣٦٠، حيث افتتحها كونستاتيوس الثاني، واحترقت إثر أعمال شغب عام ٤٠٤. النسخة الثانية تجهّزت بعد سنة وافتتحها ثيودوسيوس الثاني لتحترق أيضاً إثر العنف الذي عصف بالقسطنطينية (ثورة نيكا ضد الإمبراطور غاستينيان الأول عام ٥٣٢) وأدّى إلى حرق وتدمير نحو نصف المدينة وقتل عشرات الآلاف.
بعد القضاء على أعمال الشغب أمر الإمبراطور بإعادة بناء الكاتدرائية (٥٣٢ إلى ٥٣٧) وانتهت بسرعة مذهلة.
قام المعماريان أنثيميوس وإسيدوروس بأعمال البناء، وكانا يعرفان الكثير عن التقنيات والرياضيات، فاستنبطا طريقة فريدة في المزج بين الكاتدرائية المُتطاولة ومركزية البناء بالعودة إلى الأصول المُتعارف عليها، وعلى وجه خاص القبّة الضخمة (٣١,٢٤ متراً وبارتفاع ٥٥,٦ متراً) التي حافظت على رقمها القياسي حتّى بناء قبّة مايكل أنجيلو على قمة كاتدرائية القديس بطرس في روما.
كانت مُغلّفة من الداخل بثلاثين مليون قطعة من الفسيفساء الذهبية (مٌغطّاة بنقوش قرآنية الآن).
طريقة البناء العبقرية تتجلّى واضحة إعتباراً من القبّة، التي تمّت بوضع الزوايا العلوية من أجل تكوين دعامة دائرية لها في الأعلى. تمثّلَ التحدّي في دعم القبّة على مربع مغلق أو مساحة مُتعدّدة الأضلاع، ففصلت الممرّات بأعمدة وأرصفة مصنوعة من الرخام مرفوعة لدعم ثقل القبّة التي هي مثقوبة بأربعين نافذة، كي تخفي الدعامات في وهج النهار لتبدو وكأنها تسبح في الهواء.
دمّر زلزال ٧ أيار عام ٥٥٨ تلك القبّة بالكامل، فشملت أعمال الترميم إستعمال مواد أخفّ وزناً. ولأن المنطقة هي عرضة جغرافية للزلازل، فقد تأثّر البناء في ٨٦٩ و ٩٨٩، وقبلها بحريق آخر عام ٨٥٩، مما جعلتها الترميمات أكثر مناعة وحصانة.
وقد أدّت الحملة الصليبية الرابعة إلى التخريب والنهب، حيث فقدت القسطنطينية مركزها ككرسي البطريرك الأرثودوكسي، وفقدان آيا صوفيا لحجر ضريح المسيح وكفنه، وبقايا الصليب الذي صُلب عليه، ورفات العديد من القديسين.
وإن يكن لغزو الأتراك للقسطنينية من فضيلة واحدة، فهي بالتأكيد، إنهاء العبث ونهب وتخريب آيا صوفيا بالكامل.

الإسم التركي İstanbul un Fethi هو لواحدة من أهمّ الأحداث التاريخية: سقوط عاصمة الإمبراطورية البيزنطية عام ١٤٥٣، على يد السلطان محمد الثاني (كان عمره ٢١ عاماً فقط) ونزوح عدد كبير من العلماء إلى بقية الممالك الأوروبية، وإيطاليا على وجه الخصوص، الذين لعبوا دوراً هاماً جداً، فاتحين، بدورهم، في دخول أوروبا عصر النهضة.
باحتلال القسطنطينية حقّق السلطان محمد حلم الخلافتين الأموية والعباسية اللتين فشلتا في القضاء على بيزنطة، ومُسدّداً ضربة موجعة لأوروبا المسيحية وللبابوية الكاثوليكية أيضاً (رغم الخلافات الأرثودوكسية والكاثوليكية)، ولتصبح المدينة عاصمة للخلافة العثمانية، مما فتح المجال للعديد من الغزوات والحروب التركية-الأوروبية.

أمر السلطان محمد، على الفور، بتنظيف الكاتدرائية من آثار التخريب، وتحويلها إلى مسجد، مما تطلّب عدّة إضافات، منها تغطية الرموز المسيحية وبناء أربعة مآذن (أثنتان منهما على يد المعماري الأشهر سنان)، ومنبر ومكتبة ونافورة وضوء. لكن يجدر بالذكر أن العلامات البيزنطية لم تختف بالكامل، لأنه يمكن رؤية فسيفساء على البوابة الإمبراطورية، تُظهر المسيح جالساً على عرش وثمّة إمبراطور يركع إلى جانبه. وهناك أيضاً فسيفساء اخرى لمريم تجلس على عرش حاملة يسوع الطفل مُحاطة بإمبراطورين من أباطرة المدينة. علاوة على العديد الآخر، منها السيرافيم ذي الأجنحة الستّة في المنحنى المُودّي إلى المعرض في الطابق الأرضي.

بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وإقامة الجمهورية التركية عام ١٩٢٣، في حدودها الحالية، حوّل الأب الروحي للجمهورية الفتية مصطفى كمال أتاتورك، آيا صوفيا إلى متحف عام ١٩٣٤.
في العم الماضي مثل هذه الأّيام، تحوّلت إلى جامع على يد حالم بعودة الخلافة العثمانية.

كنتُ هناك في خريف ٢٠١٠. وبين وجبة كباب عنتابي وكأس عرق وخبز دياربكلي ومخلل خيار حريّف واخرى، وفي أوقات مختلفة من الليل والنهار، كنتُ أجد نفسي في ساحة حديقة السلطان أحمد، وفي كل مرّة كان البناء مختلفاً.

أودّ العودة إلى اسطنبول، إلّا أنني وعدت نفسي أن لا أطير مع الخطوط الجوية التركية، وأستمرّ بمقاطعة المُنتجات التركية التي تملأ رفوف متاجر المغتربين في أوروبا، إلى أن يزول رئيس الجمهورية (قد أسبقه على الأرجح).
آمل أن يرتدي هو وأعوانه جوارب نظيفة وأن يعملوا على تنشيف أرجلهم جيداً، حينما «يغزون» بهو آيا صوفيا لتأدية صلاة الجمعة.
كلّنا نعرف ما تتركه الأرجل المُبلّلة والجوارب القذرة من رائحة كريهة على سجّاد الجوامع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تاريخ العثمانيين الأسود
عبد الفادي ( 2021 / 10 / 26 - 23:48 )
العثمانيون الغزاة لم يضيفوا شيئا حضاري الى البلدان التي غزوها لكي يتفاخرون بما صنعوه ولكي يذكره التاريخ لصالحهم ، وحتى عند احتلالهم للبلدان العربية وشمال افريقيا ، حلبوا هذه البلدان واستغلوها وأهانوا شعوبها وتركوها خراب تترنح اقتصاديا ، فكل الآثار التي اخذها العثمانيون بالغزوات والتي يتفاخرون بها الآن ومنها المَعْلَم الحضاري آية صوفيا ما هو إلا دليل يكشف تاريخ العثمانيين الدموي في القتل وسبي النساء وارتكاب المجازر والنهب والأعتداءعلى مقدسات الآخرين ، وهذا ليس غريب على امة منحدرة من آسيا الوسطى المعروفة بالقساوة والعنصرية كأقوام التتار وغيرهم ، والغريب حقاً ان يكون للغزو فضيلة حيث يدافع الأستاذ كاتب المقال بقوله : (وإن يكن لغزو الأتراك للقسطنينية من فضيلة واحدة ، فهي بالتأكيد، إنهاء العبث ونهب وتخريب آيا صوفيا بالكامل) . وعلى هذا المبدأ سيأتي مؤرخ بعد عقود ويقول ان احتلال الأتراك لشمال سوريا كان فضيلة للشعب السوري لأن الأتراك انقذوا سوريا من المحتلين الآخرين ، فالمبدأ يقول ما لم تكن دعوة لدولة اخرى فلا يمكن تبرير اي غزو ، تحياتي استاذ منير

اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار