الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجميع يدعو الى التغيير من دون وجود مشروع للتغيير

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2021 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


عندما يتكلم الجميع عن التغيير ، يعني ان هناك حاجة ماسة تدعو الى التغيير .. لكن كيف يُفهم الحديث عن التغيير، دون ابتكار آليات متعددة ومتنوعة للتغيير ، ودون تحديد السقف الزمني للبلوغ الى استراتيجية التغيير .. فالحديث ، مجرد الحديث عن التغيير ، هو سهل التداول .. لكن الشروع في عمليات التغيير، ومن دون التوفر على إرادة التغيير ، وبالتزاوج مع الاليات المرحلية للوصول الى الهدف من التغيير ، يبقى مثل كب الماء في الرمل .. او يبقى مجرد نزوة لاستهلاك الوقت ، الذي اصبح ضائعا منذ زمان بعيد ، وليس فقط الآن ..
ان مجرد التفكير في التغيير حتى قبل الشروع فيه ، يعني انتظار مقاومة ، ومجابهة الطرف الذي يستهدفه التغيير .. أي النظام الذي يبدو للمطالبين بالتغيير ، انه نظام ضد التغيير .. وبما ان النظام المستهدف بالتغيير هو ضد التغيير ، فسيعتبر اية دعوة الى التغيير ، تستهدف امّا كل وجوده ، وامّا تستهدف طقوسه وتقاليده . فكل شيء مرتبط بنوع التغيير ، الذي يشتغل عليه دعاة التغيير .. هل يتعلق التغيير بالكل . أي الدولة ، او يتعلق بالجزء . أي مفاصل النظام .. أي هل التغيير يستهدف الجمهورية ، او يستهدف الملكية البرلمانية الاوربية ، وليس الملكية البرلمانية المغربية . أي ذات الخصوصية المغربية التي يحتفظ فيها السلطان بالسلطة الدينية أساس الحكم الفعلي في الدولة .. وهو ما يعني الحفاظ على استمرار الملكية المطلقة بأساليب ماكرة تبقي على نظام الرعايا لا نظام الجماهير والشعب ..
وبما ان اية دعوة الى التغيير ، تحرج الطرف المعني بدعوة التغيير ، فأكيد سيعتبر نفسه مستهدفا ، وانه قد يكون مستقبلا هدفا لدعاة التغيير .. فأمام الخوف من التغيير الذي قد يصيب اصله ، او قد يصيب مفاصله ، وهو الذي طبيعته ضد أي تغيير، وانْ كان يستهدف فقط المفاصل ، وليس الأصل .. فان الطرف الذي ينتظره التغيير ، سيتخذ كل الإجراءات التي ستفشل دعوة المطالبين بالتغيير .. وسيتخذ من الاحتياطات المستعجلة ، ما يجعل وضعه في حالة حرب مع دعاة التغيير ا، لذين يستهدفون كل عرشه ، وليس فقط بعض اختصاصاته .. وهنا فان جهابذة النظام ، منظرو البوليس السياسي ، وحتى قبل انتشار دعوات التغيير ، سيتخذون الإجراءات . امّا لوأد حلم التغيير في المهد . او اذا لم تكن الدعوة تشكل خطرا اكبرا ، فتنظير البوليس السياسي ، وعباقرة المستشارين بالديوان السلطاني ، سيعدون عوامل الفشل الحتمي لدعوات التغيير ، حتى وان كانت تقصد الفروع . أي الإصلاح ، ولا تقيس الأصل .أي الحكم ... أي الاحتفاظ على وضع ستاتيكو القاتل للشعب لا نه يخدم مصالحهم كعملاء للسلطان ، وللدولة السلطانية ، وخداما طيعين للبرجوازية الكمبرادورية ، والدولة النيوبتريمونيالية ، النيورعوية التي تمكنهم من الاستفادة من ثروات الرعايا المفقرة ..
في هذه الحرب التي تتخذ اشكالا متخلفة ، تختلف باختلاف تجدر دعوة التغيير في الأوساط المختلفة .. فان البوليس السياسي ، وعباقرة المستشارين البوليسيين ، والسلطويين بالديوان السلطاني .. يطرحون و يشرعون ، في بناء خطط بوليسية جهنمية ، تنتهي بإقبار الدعوة ، قبل ان تصبح مشروعا ، او افشالها قبل ان تتفشى في الأوساط ، خاصة وسط الشعب الذي يخافه ويهابه النظام ، اذا وعى بحقوقه ، وبالمسؤول عن تفقيره، وعن كل امراضه المفروضة عليه بقوة السيف ، والترهيب ، والتخويف ..
ان من بين الإجراءات التي يعتمدها البوليس السياسي في حق الخصوم الحقيقيين الراديكاليين ، والخصوم المعتدلين ، والخصوم المستقبليين ، والخصوم المفترضين . نذكر :
1 ) الإسراع بفبركة ملفات بوليسية مطبوخة ، لإلصاق تهمة الحق العام بالمناضلين ، وحرمانهم من تهم الرأي ، وحرية التعبير ، والتهم السياسية والحقوقية .. لإفساد سمعتهم وتشويهها .. وقد كنت احد ضحاياها .. والاعتقال والسجن هنا . من جهة لردع الشخص المعارض حتى يتغير أصلا على طريقة حميد المهداوي ، ومن جهة توجيه رسائل الى المناضلين المفترضين ، حتى يتعظوا من العقوبات السجنية التي سلطت على من جاهر بالحق ، او ندد بالفساد ، او طالب بدولة الحق والقانون ، وبالدولة الديمقراطية ..
2 ) تلطيخ وتشويه سمعة الشخص المعارض ، لحصاره في زاوية ضيقة ، حتى يتم القضاء عليه ثقافيا وسياسيا ، وهو ما يسميه البوليس السياسي بالتحييد للشخص ، حتى ولو لم يكن يشكل خطرا على النظام ، لا في اصله ، ولا في مفاصله .. وهنا يوظف النظام البوليسي كل أجهزة الدولة الموجودة تحت تصرفه ، للنيل من سمعة الشخص .. أي إدارة البوليس السياسي ، وإدارة الجهاز السلطوي وزارة الداخلية .. كما يحركون طابورهم المتنفذ داخل العديد من الأحزاب ، خاصة تلك التي تستعمل مصطلحات اليسارية ، والاسلاموية ، للمساهمة في عملية تحييد الشخص ، بسبب ما تسببه كتاباته ، او محاضراته ، او خطاباته .. من توعية في الأوساط المهتمة ، وفي أوساط الشعب الذي يجهل مكانزمات تحليل الخطاب السياسي للنظام ، ويجهل مكانيزمات تفكيك كل الدولة السلطانية ، وليس فقط النظام السلطاني ..
لقد تم استعمال هذه الأساليب الدنيئة ، والخسيسة ضدي ، خاصة بعد خروجي من السجن للتضييق عليّ ، وللأبعاد الأصوات التي تضامنت معي لمّا حشروني في السجن بمحضر بوليسي مزور سهر شخصيا على تركيبه المدير العام للبوليس السياسي المدعو عبداللطيف الحموشي ، والوزير السابق المنتدب في وزارة الداخلية المدعو الشرقي ضريس ، وبإشراف صديق ومستشار الملك المدعو فؤاد الهمة .. واستعملت لتشويه صحافيين ومشتغلين بالشأن العام ، بسبب مواقفهم المعتدلة التي تصب على المفاصل ، ولا تصب على الأصل ... فما تعرض له توفيق بوعشرين ، عمر الراضي ، الريسوني ، المعطي منجيب .... لخ وما تعرض له أسامة لخليفي ناشط حركة 20 فبراير ، وتعرضت له نادية ياسين و، تعرض له أعضاء بارزون من الجماعية ... كان بهدف قتل الشخص ، وتحييده ، وانهاءه ثقافيا وسياسيا ...
فالإشاعة ، وتشويه السمعة .. تبقى السلاح الفعال الذي يستعمله البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي لوزارة الداخلية ، في حربهما ضد من يجهر برأي مخالف ، او يتشكى من ظلم طاله من دون حق ، او تجرأ بفضح فساد الفاسدين ، في الدولة السلطانية الفريدة بنوعها ، وبأساليب بوليسها الفاشي ، وجهازها السلطوي القروسطوي في العالم .. فاستعمال الأساليب المقيتة ، الخسيسة ، و الدنيئة لتشويه ، والنيل من سمعة الناس ، لتحييدهم داخل المجتمع لقتلهم ثقافيا وسياسيا .. تبقى من الأساليب التي يعرف بها البوليس السياسي المغربي DGST ، و الجهاز السلطوي وزارة الداخلية للدولة السلطانية .. ففي عهد ادريس البصري كان عملاء DST قبل ان تصبح DGST يطيحون بمناضلي أحزاب المعارضة ، خاصة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .. فيصورونهم عند الخلوة ، او عند بث إشاعة للتوسع فيها وتهديدهم بالتعاون مع الجهاز ، او سيتم فضحهم إعلاميا امام الرأي العام ، وداخل احزابهم .. وبالفعل سقط المئات من أعضاء الأحزاب كضحايا لهذه الخطة الخبيثة فاصبحوا يزودون الأجهزة المختصة بكل كبيرة وصغيرة عمّا يقع داخل الحزب ، او بين الحزب والأحزاب الحليفة ..
3 ) استهداف الشخص بتدمير اسرته الصغيرة وتدمير عائلته .. وهنا فان هذه الجريمة التي كنت ضحيتها ، الهدف منها خلق مشاكل للشخص المستهدف ، حتى يغرق في تلك المشاكل المصطنعة ، ويبتعد من الالتصاق بالشأن العام ولو من بابه الديمقراطي السلمي ، او حتى يكف عن ممارسة حقوقه في الكتابة والنشر والتعبير كما يضمن ذلك دستور السلطان الممنوح ، وتضمنه القوانين الدولية ... ان ضرب الاسرة الصغيرة ، وضرب العائلة .. هو سلاح خسيس نال العديد من المناضلين في سبعينات القرن الماضي ، خاصة أولئك الذين دخلوا السجون .. ونال من اشخاص خارج المغرب ، يعارضون النظام .. فتم تدمير اسرهم كخطوة للنيل من التنظيم ، عن طريق النيل من الشخص المؤسس للتنظيم .. ونتذكر هنا المحنة التي تعرض لها مؤسس " حركة الجمهوريين المغاربة " " MRM " ، فانعكس التدمير بخلق مشاكل عائلية رئيسية لتاشفين بلقزيز ، وتسبب في هروب بعض ( الجمهوريين ) من الحركة التي ماتت ولم تعد كما ولدت ابان حركة 20 فبرير .. ، بسبب طريقة معالجة تاشفين للمشكل العائلي ... أي ان المشكل العائلي تغلب على النضال السياسي الذي غمر الحركة بعض الوقت ..
فتدمير الاسرة الصغيرة والعائلة ، هو سياسة للإلهاء ، وسياسة لمضاعفة المشاكل الخاصة التي قد تصبح قضائية ، تلهي الشخص عن نضاله الأول قبل التدمير ..
4 ) عندما يظهر هناك عدة اشخاص باسم معارضة النظام . فأول ما يقوم به البوليس السياسي ، هو اولاً التعرف على الأشخاص تعريفيا .. وتكوين نظرة عن درجة تأثيرهم في الرأي العام ، واخذ فكرة عن درجة الخطورة التي قد يهددون بها النظام .. وهنا يجب الفصل بين معارضة السبعينات الأيديولوجية والتنظيمية ، التي كانت مخترقة داخل المغرب ، ومخترقة خارجه ، خاصة بالجزائر وفرنسا ، كما وصل الاختراق قلب السجون ( يونس مجاهد ) مثلا ، وبين معارضة اليوم كأشخاص ، وليس كإيديولوجيا ، وليس كتنظيم .. فأخطر سلاح اليوم هو الميديا المختلفة التي يستعملها هؤلاء في معارضتهم للنظام ... بل ان الحرب الإعلامية عن طريق القنوات الفضائية ، وعن طريق اليوتوب Le YouTube ، و Facebook ....لخ ، اصبح اخطرا من القلم ، حتى ولو كان سيالا .. لان الناس لم تعد تقرأ ، وعوضت القراءة بمشاهدة الصورة بالعين المجردة ، وبتلقي الخطاب بالأذن . أي الاستماع ..
فاذا نجح هؤلاء المعارضون ، وكونوا مجموعة التي لا ترقى الى تنظيم .. فان ما يشغل البوليس السياسي البارع في هذه الأساليب احسن من DGED ، هو العمل لاستقطاب عنصر او عنصرين من الجماعة بطريقة من الطرق البوليسية المعروفة .. وبعد الشروع في شحن المتمكنين منهم بوليسيا ، يشرع هؤلاء في اختلاق الصراعات التي تبقى شخصية ، بسبب مفرداتها ، ولا ترقى الى صراعات سياسية ، او أيديولوجية ، او تنظيمية ... لان فاقد الشيء لا يعطيه ..
هنا تتحول الجماعة التي قد تتكون من عشرة اشخاص ، الى مجرد اشخاص يصبحون متخصصين بينهم ، في تبادل السب ، والشتم .. وتبادل الكلام الزنقوي الساقط .. وتتحول المعركة بين هؤلاء ، لا بين هؤلاء ، وبين النظام الذي يتخذ دور المتفرج لمعرقة الطرف الأقوى ، ليعد إجراءات القضاء عليه في اول فرصة تسمح بالتدخل السريع ..
وانْ نحن القينا نضرة ، ولو بسيطة لا تحتاج الى اجتهاد في التحليل .. سنجد ان البوليس السياسي DGST ، قد نجح في ذلك حين تحولت وجهة المعارضة او النضال ، من صوب واتجاه النظام .. ولتتحول الى سب ، وقدف ، وشتم، بين أصدقاء الامس خصوم اليوم .. فعوض التفكير في الآليات للوصول الى الاستراتيجية / الجمهورية / ، يصبح التفكير ينصب في كيفية الإيقاع بالخصم للقضاء عليه ، للاستفراد بالساحة الخاملة ..
ولإعطاء امثلة عن ما يروج من خصومات شخصية ، لا أيديولوجية ، ولا تنظيمية ، ولا حتى سياسية .. نعطي أولا لمحة عن هذا المجموعات :
ا --- مجموعة ( جمهورية ) تتكون من اشخاص بأمريكا ، وبأمريكا الجنوبية ... وهم كمال الفحصي ، طارق ياسين ، رشارد عزوز ، جيروم الارجنتين ، سلطعون من الدنمارك .. وقد ( انظم اليهم ) الضابط السابق عبدالاله عيسو من اسبانية ..
ب --- مجموعة اسلاموية يكونها محمد حاجب ، فسحى ، القاضي قنديل ، ومعهم نمام بلطجي يدعى مجيد عليوي يدعي معارضة النظام المغربي من السعودية .. وهل يستطع احد ان يعارض النظام المغربي من السعودية ، او من البحرين ، او الامارات .. لو لم يكن يخدم ويشتغل على البرامج السلطانية .. وتبقى ارتباطات حاجب التنظيمية مجهولة ، للهم البوليس السياسي الألماني الذي قد يكون على علم بذلك ..
ج --- الرسام واللاّجئ عمر الزرايدي من Mulhouse ..
د --- مجموعة الضابط السابق مصطفى اديب ، وهؤلاء يتهمونهم بالتقرب من هشام العلوي ، وهذا تجني وغير صحيح .. وهذه تتكون من مصطفى اديب ، محمد هشام .. فنان .. عبدالرحيم المرنيسي فرنسا ....... لخ
فعندما يتحول السب والشتم بين المجموعة الأولى ( ا ) ، والمجوعة الثانية ( ب ) ، وبين المجموعة ( ا ) وبين عبداللطيف الزرايدي .. وبين بلقزيز تاشفين وبين المجموعة ( ا ) وبين المجموعة ( ا ) وبين المجموعة ( د ) .. الى مقارعة شبيهة بخصومات باب الرحبة ، او قهوة الطنجاوي ، او بإحدى جوطيات بيع الخردة والخضر ... فالبوليس السياسي ينتشي فرحا ، وغبطة ، وسرورا .. لا نه من جهة نجح في بث التفرقة في صفوف الخصوم ، ومن جهة أخرى الهى هؤلاء بتبادل السب والشتم بينهم ، وابعدهم عن اتجاه النظام الذي اصبح يتفرج من سفاهة المعارك العبثية التي تدور بعيدة عنه .. واكيد فان نجاح البوليس السياسي هذا ، سيفرح السلطان الذي سيزيد تشبثا ببوليسه الآلة التي سوت على الأرض الجميع ..
وهنا دائما . وفي وسائل التفرقة والتشتيت ، التي يعتمدها البوليس السياسي لإضعاف الجميع ، نذكر بالصراع الذي دار داخل حزب الحسن الثاني ، " حزب التجمع الوطني للأحرار " ، بين اتباع القصر بقيادة احمد عصمان ، واتباع البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي وزارة الداخلية ، الوافد الجديد الذي سينشق باسم " الحزب الوطني الديمقراطي " ..
-- الصراع الذي دار داخل حزب " التقدم والاشتراكية " ، بين علي يعته الذي حاول الابتعاد عن محيط ادريس البصري ، وبين اتباع البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي ، " جبهة القوى الديمقراطية " ، بقيادة عميل البوليس السياسي تهامي لخياري ..
-- الصراع الذي حصل داخل " منظمة العمل الديمقراطي الشعبي " OADP ، بين مجموعة انوال التي كانت يمين 23 مارس ، وبين اتباع ادريس البصري الحزب الاشتراكي الذي سيحل نفسه وسينضم الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ..
-- فدرالية اليسار الديمقراطي التي وجهت لها نبيلة منيب صفعة مدوية عندما انسحب منها لاضعافها غداة التحضير للانتخابات التشريعية التي فازت فيها منيب كجزاء عن خدمتها في ضرب الفدرالية خاصة حزب الطليعة الذي ينفر منه النظام الذي يحتفظ بذكرياته مع الحسن الثاني من ستينات القرن الماضي ..
اذن . لا يمكن ان تكون هناك دعوة للتغيير اذا لم يوجد دعاة يدعون الى التغيير " لا يغير الله ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم " . وانّ مجرد القول بكلمة تغيير ، يعني ان هناك شيء يستدعي التغيير لأسباب عدة . منها ان التغيير اضحى امرا ملحا ، لتجاوز الجمود الى الفعل الإيجابي . ومنها ان شيءً اضحى معطوبا لا يستقيم ودائرة الفعل التي تتحكم في جميع المفاصل ، واضحى متجاوزا . ومنها ان شيئا او ظاهرة ، لم تعد تستجيب للتطورات المتسارعة ، التي لا ترحم المتقاعسين عن مواكبتها ، وتجعلهم متخلفين عن القوانين الجديدة ، التي تضبط العلاقة بين النظرية والممارسة .. وهكذا دواليك ... فالداعون الى التغيير هم المجددون ، والمتجددون الذين يرفضون الستاتيكو . كما يرفضون الحالات الغير مستساغة ، والغير مقبولة . لذا تراهم يجتهدون ، وكل من موقعه الخاص ، في طرح البديل للتغيير ، عمّا يسود العلاقات الإنسانية من مشاهد ، أضحت عاقرة وغير مقبولة ، ولا تستجيب للتطورات التي تقف وراء طرح النظريات ، التي تتحكم في أي ممارسة سياسية ، او اجتماعية ، او اقتصادية ...
فالداعون الى التغيير ، هم المجددون الداعون الى الإصلاح ، بغض النظر عن الأليات ، ومكانيزمات التي ستستعمل في التغيير / الإصلاح . انهم الناشطون الغيورون ، الذين من المفروض ان تكون بدائلهم ، ومشاريعهم ، طوق النجدة لضحايا الأوضاع الآسنة الراكدة . وخاصة عندما يكون هؤلاء مُستلبون ، ومستغلون ، ويعيشون بدون حقوق ، تحفظ كرامتهم ، وكرامة اسرهم ..
فعندما يكون الانسان يعيش الإحباط ، والدونية ، والحقارة ، ومغلوب على امره ، ويأتي من يفرض نفسه مُخلّصاً له من حياة الذل ، والكرب ، والمشقة ، والمعاناة ، والاذلال.... ، اكيد انّ هذا النوع من العمل الشاق ، لا يقوم به الاّ الندّيون ، والصناديد ، والمناضلون المدافعون عن كرامة شعبهم ، وعن حقوقه المهضومة من طرف اقلية سارقة ، وناهبة ، ومبذرة تجعل من نفسها السيد ، والباقي مجرد عبْد مسود ..
لكن عندما يكون موضوع الدعوة الى التغيير ، شكل النظام السياسي القائم . فأكيد ان الداعين الى التغيير / الإصلاح ، وكيفما كانت آلياته ، هم مناضلون رأوا في النظام ، ممارسات لا علاقة لها بحقوق الانسان ، وتتناقض مع القوانين التي وقع عليها ، وتَحْفظها المواثيق الدولية .. او انهم يروا في النظام عائقا في وجه أي تطور .. او انه في شكله ، وفي مضمونه اضحى متجاوزا ، لافتقاره الى شروط الحياة الطبيعي الدنيا .
منذ استقلال " إيكس ليبان " ، والناس تتكلم عن التغيير ، خاصة عند حلول ذكرى من الذكريات الفريدة التاريخية . ورغم مرور سنينا وسنينا على وقوع حدث الذكرى ، فلا شيء تغير ، فالأوضاع ظلت على حالها . بل زاد الوضع اكثر سوءا ، واستفحالا ، وشدة ، وبؤسا ، حيث اثر ذلك على كل مفاصل البلد ، الذي يزداد الغنى الفاحش للأقلية الناهبة السارقة ، ويزداد الفقر المدقع المفروض على المفقرين ، والمستلبين ، والهامشيين الذين يرتبطون فقط بالدولة بالجنسية ، وبالبطاقة الوطنية .
كما كانت الدعوات الى التغيير تتهاطل شتاء ، وبدون انقطاع ، لان النظام الحاكم بطقوسه وممارساته ، وفي كيفية وطرق تدبيره الشؤون العامة ، لم يكن في مستوى المرحلة السياسية والاجتماعية المفروضة على البلد ، لأنه اضحى متخلفا عن التطورات المتسارعة والمتلاحقة ، واصبح التناقض شاسعا بين النظام كنظام ، وبين الشعب الذي كلما ازدادت مطالبه لتحسين وضعه ، كلما زاد فقره ، وزادت معاناته ، واصبح التناقض صارخا بين الحاكم الجبري بحد السيف ، وبين الشعب الذي يجاهد في مقاومة الجبر ، والاستبداد ، والطغيان ... فالصراع كان في كل مرة يأخذ له صورة تناسب الفترة الزمنية التي يجري فيها . وفي الأحوال العامة ، كانت الخاتمة تكون دائما حزينة ، ومأساة لا نزال نعايشها الى اليوم بطرق جديدة / قديمة ..
لكن منذ استقلال " إيكس ليبان " ، ورغم تهاطل دعوات التغيير ، والى اليوم . فلا شيء تغير . فالأوضاع لم تبق كما كانت جامدة بالية . لكنها تطورت في غير الاتجاه الصحيح ، وعوض التقدم ، حصل النكوص والتراجع ، واستفحل كل شيء ، فتعمقت الازمة ، ووصلنا الى اسفل الدرك . وقد عرّى الوحش كورونا عن الحقيقة المفضوحة ، حيث لا مستشفيات ، لا مدارس ، لا طرقات ، لا بنية تحتية متقنة على غرار الدول الديمقراطية ... بل لقد اصبحنا على شفى السقوط النهائي في الحفرة .... ومع ذلك فالنظام لا يتوانى في مواصلة نهبه للرعايا ، بواسطة الضرائب الكثيرة ، الاقتطاعات بدون رضى المقتطعين من اجورهم ، وبواسطة تلقيه الهبات من داخل المغرب ، كما من خارجه ، وبالعملة الصعبة ، وكل الأموال التي جاءت باسم الشعب ، أصبحت في اسم الحاكم الذي كلما تقوى وتجبر لامتلاكه المال ، وكل الثروة ، والسلطة ، والجاه ، والنفود .. وسألوا المالك الحقيقي لثروة المغاربة الفوسفاط .. كلما تم طحن الرعايا الغلبة بدون رحمة ولا شفقة ...
لكن هل سبق لدعاة التغيير وكيفما كان شكله ، وآلياته ، وضرائبه التي تكون باهظة ، ان نادوا بالتغيير في صفوفهم ، وفي معتقداتهم ، وفي اشكال مطالبهم بالتغيير ؟
وهل سبق لدعاة التغيير ان طرحوا السؤال الرئيسي على انفسهم : لماذا فشلنا ، ولماذا نجح الآخر ، ولو انه كيان متخلف ، يعتمد على الوشاية اكثر من التحليل والدراسة . بل انه يقوم فقط على الوشاية ، والصدفة ، والمصادفة .. ويغيب عنه البحث والدراسة في سبق الاحداث ، والحوادث ، ولتجنب الهزات ، والاضطرابات التي تأتي بغتة ، او تصبح قوة قاهرة تهدد كيانه ، ووجوده الذي كان مهددا على اكثر من صعيد ...
قد يهرب الحربائيون مريدي النظام الجدد ، الى التدرع بنظرية المؤامرة ، وهي نظرية فاشلة . لأنه لم تكن هناك فقط مؤامرة . بل كانت هناك مؤامرات بصمت بصماتها الوسخة ، التاريخ السياسي لدعاة التغيير ، شانهم شان النظام الذي نادوه بالتغيير ، فلم يتغير . فهم بدورهم لم يتغيروا . بل شكلوا جزءا من الرداءة المستفحلة ، وجزئاً من الارتداد والنكوص ، لجزء من تاريخ ، كان نبراسا وشعلة تضيئ العتمة المخيمة منذ اكثر من ستين سنة .. فأصبحوا يزمرون ، ويطبلون ، ويمدحون نظاما يعتبرونه محسودا " الله أيكثر حسادنا " ، و يا ما نظروا لإسقاطه ، وهو العصي على السقوط باتباع نفس الخط الضيق المخنوق ، ونفس الآليات المحروقة ، واعتماد التنظير من فوق البرج العالي ، لا من وسط الشعب ، والجماهير التي تعيش في واد اخر، لا الواد السحيق لدعاة التغيير الذين كانوا في الأصل ضد التغيير ... فكل شيء سقط بالصدفة ، وبالخيانة . وقد عرت عن ذلك مختلف الهزات ، حيث عندما كانت آلة القمع تحصد قواعد التغييريين المُغرّر بهم باسم الحق في التغيير ، كانت تخطئ الرمز الذي يتحول الى محام يرافع في المحكمة ، عن أولئك الذين جعل منهم حطبا لفرن النظام ، باسم التغيير الذي لم يكن ابدا تغييرا . فكيف ان تكون جزءا من المؤامرة وفاعلا فيها ، وفي اليوم الموالي تصبح مدافعا عن المُغرّر بهم ، الذين عندما فاقوا من سباتهم ، وجدوا انفسهم يقضون عقوبات وصلت الى الإعدام ، والى السجن المؤبد .... انه المكر الذي كان يدافع عن الدولة باسم المعارضة المطالبة بالتغيير ، وليس بمكر التاريخ ، لان التاريخ ليس ماكرا حتى ننسب اليه تهمة المكر البريء منها ...
اذن عادي وطبيعي ان النظام الذي كان يواجه مطالب بالتغيير ، لم يتغير . بل انه وباستثناء تقدمه في فن القمع ، والتنكيل بالخصم ولو بتزوير المحاضر وطبخها . وباستثناء حفاظه على الصورة البئيسة للجهاز المخزنولوجي القروسطي سليل الاستعمار ، حيث كان القيّاد ، والباشوات يصفعون الناس ، ويلكمونهم ، ويجلدونهم ، ويفقرونه بالسرقة ، والنهب ، وبالضرائب المجحفة ... ، انا ربكم الأعلى ، اغنيك متى اشاء ، وافقرك متى اشاء ، والغلبة للتفقير وليست للغنى الذي يبقى للمريدين ، والمتعاونين زوار الكلمتر 5 بطريق زعير ( منزل وزير الداخلية السابق ادريس البصري ) ... فأكيد ان حتى دعاة التغيير ظلوا محافظين على أماكنهم ، متشبثين بها تشبث القرادة بأذن الكلب ...
بل ان النظام الذي لم يتغير ، ولم يحافظ حتى على نفس الوضع الذي كان فيه طيلة سنوات الحب والهيام ، وليس سنوات الجمر و الرصاص ، لأنه لم يكن هناك رصاص اطلاقا ، طالما قبل المشتكون بتعويضات جبر الضرر من أموال الشعب المغربي ... ، تقهقر وتراجع كثيرا الى الخلف منذ عشرين سنة ، ولا يزال سائرا في طريق الهاوية ، حيث الإفلاس أصاب كل مفاصل الدولة .
فعندما تدعو الثائرة نبيلة منيب ، ومعها كل أحزاب الفدرالية ، الرعايا الى المشاركة المكثفة في الانتخابات ، آملين الدخول الى البرلمان لممارسة المعارضة البرلمانية ، لحكومة جلالة الملك ، ومن داخل برلمان الملك ، او إنْ امكن وساعدهم الحظ ، الدخول الى الحكومة لا ليحكموا بتطبيق البرنامج الانتخابي الذي خاضوا على أساسه الحملة الانتخابوية . بل ليحصل لهم شرف تطبيق برنامج الملك الذي لم يشارك في الانتخابات ، ولم يخضع للتصويت .. فعن اية تغيير يتحدث هؤلاء ، والحال انهم بممارساتهم ، وبشطحاتهم ، ورقصاتهم على انغام سمفونية النظام ، يجسدون اكبر عقبة في وجه التغيير الذين هم في حقيقة الامر ضده ..
واذا كان دعاة التغيير اللاّتغيير بالأمس ، يتشكلون من تنظيمات وأحزاب سياسية ، انتهى بها الصراع الى الهزيمة التاريخية بفعل الكولسة ، والخيانات المسترسلة ، واصبحوا جزءا من النظام لا خارجه ، رغم وجودهم الباهت المشفق عليه " الاتحاد الاشتراكي زمن زائر الكلمتر 5 طريق زعير " ، " التقدم والاشتراكية زمن زبون Café Fleuris – Bd Jourdan / en face de la maison du Maroc à Paris ، وزمن سابقه مُزود أذن الجنرال حسني بنسليمان ..." ، فان دعاة التغيير اليوم ، وباستثناء المطالب الخجولة لحزب النهج الديمقراطي ، وجماعة العدل والإحسان ، وباستثناء الجمهوريين خارج المغرب :
1 – الجمهوريون الاسلامويون .
2 – الجمهوريون الماركسيون .
3 – الجمهورية البربرية ...
فان لا احد من التنظيمات يرفع اليوم مطالب التغيير ، لان الأحزاب التي كانت وراء هكذا دعوات ، أصبحت مشلولة ، وأصبحت صدفيات فارغة ....
إذن لا عجب ان يتصدر مطالب التغيير اليوم اشخاص غير ملتزمين سياسيا ، ينطّون هنا وهناك ، رافعين شعارات اكبر منهم ، كمطلب الجمهورية ، من خلال استعمالهم وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ....
فاذا كانت بعض الحركات الجذرية التي رفعت مطلب التغيير ، وبكل الوسائل ، وبما فيها العنف الثوري ، والعنف المسلح في ستينات وسبعينات القران الماضي ، قد فشلت في فرض التغيير ، وأصبحت مع تطور الأوضاع ضده ، فهل ينجح دعاة التغيير الافراد ، او الأشخاص اليوم في ما فشل فيه الآخرون ، الذين كانوا تنظيميين ومنظمين ؟
لكن السؤال الذي يغيب عن ذهن الجميع هو : لمن التغيير ؟
-- هل للرعايا عشاق حياة الرّعْيِ ، الذين يعشقون حد الهيام حياتهم الرعوية ، التي دأبوا واستأنسوا حياتها لقرون خلت ، وقد ورثوها ، والارث حق مشروع ، عن آبائهم واجدادهم ، واجداد أجدادهم ؟
-- كيف تسلم الحكم لرعايا مسكونه بالعنف من اجل العنف ، أمية ، جاهلة ، لا تزال غارقة في ثقافة زيارة القبور ، والاضرحة للتبرك منها ، ولدرء شر الجن والعفاريت ، وشر عيشة قنديشة ، وابطال السحر ، والتّوكال ، ودفع العين ، والحسد ، وطرق أبواب الرزق والغنى ... وتحتج على اغلاق الأسواق ، و على عدم تنظيم المواسم بسبب الوحش كورونا .... وتصطف في جحافل للتطعيم ليس خوفا من الوحش كورونا . بل حتى تتمكن من الدخول الى الأسواق التجارية لتضييع الوقت ، وليس للتبضع . لأنها فقيرة معدمة .. وحتى تحصل على ورقة إدارية ، او خدمة إدارية .. بل يتسابقون على التطعيم المفروض بقوة السلطة ، رغم انه غير دستوري ، ومتعارض مع القانون .. نزولا عند الخوف ، وليس نزولا عند الاقتناع ..
-- وأمام الفراغ القاتل الذي تعاني منه الساحة . لان النظام قتل الأحزاب التي كانت حاجب وقايته ، تمتص عنه الضربات .. كيف سيكون الحال اذا حصل التغيير ، والساحة فارغة من الأحزاب التي قد تكون لها مطالبا ، او خطط تمتص أي انفلات قد يخرج عن سياقة العام ، ويسبب في الصدمة الكبرى التي ستصيب وحدة الأرض ووحدة الشعب ، وهو خطر لا يزال ينتظر ساعته للتطبيق ، عند توافر بعض الشروط ، كانفصال الصحراء بعد خمسة وأربعين سنة من الصمود ...
الوضع خطير ، واكثر من خطير . والمغرب ينحدر بالسرعة المفرطة نحو الهاوية . والجميع وفي الغياب الكلي لعقلاء مطلب التغيير ، الذي يأخذ اعتباره الأول كاعتبار استراتيجي من الايمان بوحدة الأرض ، وبوحدة الشعب .. سائرون نحو الفتنة الكبرى ... فعندما يصبح مغاربة يلتحفون في باريس براية النظام الجزائري العدو الرئيسي لوحدة المغرب ارضا وشعبا . وعندما يدعو مغاربة الى انفصال الصحراء عن المغرب وتسليمها الى النظام الجزائري عدو الجميع . وعندما تضرب الخيانة الكبرى بعض المغاربة نكاية في النظام المغربي . وعندما تصبح الخيانة هي الرمز ، هي الشرف . وعندما تصبح الخيانة نضالا ومعارضة ، وباسم حقوق الانسان المُفترى عليها ... فبلدنا مهدد ومحسود ... وبدون وعي ولا ادراك لحجم الاخطار التي سببها عدو المغرب النظام الجزائري ... فتهديد الفتنة / الأناركية سيبقى مسلطا كخطر على القادم ، إنْ حصل فراغ في الحكم . لان الطبيعة من عادتها انها ترفض الفراغ .. والتاريخ لا يمشي مستقيما . بل يأخذ اتجاها حلزونيا .. وفي المرة الأولى يكون مأساة ، وينتهي في المرة الثانية تراجيديا ...
ومرة أخرى " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى