الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (٤)

ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)

2021 / 10 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر
(4 -5)
(الإمام المهدي "حقيقة تاريخية؟.. أم فرضية فلسفية؟)
هذا الكتاب الذي اطلعت عليه في رحلة التعرف على شخصية المهدي هو الجزء الثاني من كتاب (تطور الفكر الساسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه) للباحث العراقي أحمد الكاتب المولود في مدينة كربلاء عام 1953م. ويعد الكاتب، حسب وكيبيديا، من أعلام (حركة إصلاح التراث الإسلامي). واسمه الحقيقي هو عبد الرسول عبد الزهرة عبد الأمير الأسدي، أما أحمد الكاتب فهو الاسم الحركي له خلال عمله في منظمة العمل الإسلامي المناهضة لنظام صدام حسين.
والكاتب أصدر عدة مؤلفات أثارت جدلاً، ومازالت، في الوسط الشيعي من بينها هذا الكتاب (الطبعة الخامسة والصادرة عام 2007م عن الدار العربية للعلوم)، وغاية هذا الكتاب كما يؤكد المؤلف في مقدمته هو: "إثراء البحث حول الموضوع (المهدي)، وتطوير الفكر السياسي الشيعي خطوات أوسع نحو الديمقراطية". ص14. ثم يفصل المؤلف في مسألة الشورى ويقول إنها نظرية (أهل البيت) السياسية، إذ لم يدعوا إلى الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول، كما تقول النظرية الإمامية التي لم تظهر إلا في بداية القرن الثاني الهجري. وأصحاب هذه النظرية يستندون على مبدأ جوهري وهو أن النبي محمد كان قد أوصى لعلي بن أبي طالب في حديث الغدير الذي قال فيه النبي: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه". لكن أمر هذه الوصية كان: "يتعلق بالأمور العادية والشخصية، ولم تكن له علاقة بالسياسة والإمامة أو الخلافة الدينية." ص16. ويضيف المؤلف: "ولو كانت الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول كما تقول النظرية الامامية، لم يكن يجوز للإمام الحسن أن يتنازل عنها لأي أحد تحت أي ظرف من الظروف." ص18.
يقول الكاتب إن فريقاً صغيراً من المتكلمين الشيعة قام بالغلو في أهل البيت، وادعى بعضهم أن: "الإمامة مفروضة من الله، وهي في أهل البيت، وأنها متوارثة في ذرية الحسين بصورة عمودية إلى يوم القيامة، وإنها تثبت بالنص أو الوصية أو المعاجز الغيبية" ص21. وقد ظهرت هذه الفرقة في ظل ظروف قاهرة تعرض لها الشيعة على يدي الخلفاء الأمويين والعباسيين، وبعد فشل عدة ثورات قامت بها الشيعة كثورة زيد بن علي في الكوفة سنة 122ه، وابنه يحيى سنة 125ه، وعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار سنة 128ه، وثورة الأمام محمد ذي النفس الزكية سنة 145ه.
كما تعرضت هذه النظرية لأزمات وصدمات كبيرة خلال فترة نشوءها الأول أنتجت عن ذلك انقسامات إلى عدة فرق: "... وبينما كانوا يحاولون إثبات إمامة الرضا (الإلهية) بالنصوص والمعاجز، توفى الإمام الرضا في خراسان... وكان ابنه (محمد الجواد) يبلغ من العمر سبع سنين، مما أحدث أزمة جديدة في صفوفهم، وشكل تحدياً كبيراً لنظريتهم السرية الوليدة. حيث لم يكن يعقل ان ينصب الله تعالى لقيادة المسلمين طفلا صغيراً غير مكلف شرعا، محجوراً عليه... ولم تتح له الفرصة للتعلم من أبيه الذي تركه في المدينة وله من العمر أربع سنوات. وهذا ما أدى إلى انقسام الامامية إلى عدة فرق:
أ‌- فرقة عادت إلى الوقف على موسى الكاظم.
ب‌- و فرقة ذهبت إلى أخي الإمام الرضا (أحمد بن موسى).
ج- وفرقة قالت بإمامة الجواد.
وبعد موت الأمام الحادي عشر (الحسن العسكري) دون أن يشير إلى وجود ولد له أو يوصي إلى أحد بالإمامة حدثت انقسامات جديدة: "مما أدى إلى وقوع الأزمة الكبرى والحيرة العظمى في صفوف الامامية، وتفرقتهم إلى أربعة عشر فرقة، كل يقول برأي مختلف." ص35.
وعن ميلاد النظرية الإثني عشرية يقول المؤلف إنها نظرية حدثت خاصة في صفوف الشيعة الموسوية، وقد قال جناح متشدد منهم بوجود: "قائمة مسبقة وتحديد أسماء الأئمة من قبل الرسول الأعظم باثني عشر إماما، والغرض من هذه القائمة هو لإثبات وجود الإمام الثاني عشر.
بعد موت الحسن العسكري استغل أخاه جعفر بن علي الهادي الفراغ بعدم وجود ولد لأخيه: "وعدم وصيته أو إشارته إلى أحد، فادعى الإمامة لنفسه بعد أخيه... وكتب إلى بعض الموالين في قم – التي كانت مركزا للشيعة يوم ذاك – يدعوهم فيها إلى نفسه ويعلمهم أنه القيم بعد أخيه." ص42.
وكاد أهل قم أن يستجيبوا لجعفر لكنهم طلبوا منه الإجابة على عدة مسائل، وأرسلوا وفداً منهم إلى جعفر لمحاورته ولم يجب عنها. في رواية أخرى يوردها بعض العلماء الشيعة كالصدوق والطوسي ومحمد الصدر تقول: "إن الوفد سأل جعفر عن الغيب، وطالبوه بإخبارهم عن كمية الأموال التي يحملونها من قم وعن أصحابها، وقالوا: إن الحسن كان يخبرهم بذلك، فرفض التحدث بالغيب واستنكر نسبته إلى أخيه." ص43.
ثم يسرد المؤلف حكاية نشوء فكرة وجود الإمام الثاني عشر: "وبالرغم من عدم توصل كثير من الشيعة الذين بحثوا عن ولد للعسكري إلى أي نتيجة... كان بعض أصحاب الإمام العسكري يهمسون في آذان الشيعة، بتكتم شديد، ويدعون وجود ولد له في السرّ، ولد قبل وفاته بسنتين أو ثلاث... ويطلبون من عامة الشيعة التوقف عن البحث والتفتيش عنه، أو السؤال عن اسمه... وكانوا يفسرون ادعاء الجارية صقيل بوجود الحمل عند وفاة العسكري، بأنها محاولة للتغطية على وجود الولد في السرّ. وكان منهم عثمان بن سعيد العمري، وكيل الإمام العسكري المالي، ومحمد بن نصير النميري، وأبو القاسم الجعفري، واحمد بن هلال العبرتائي الكرخي، واحمد بن إسحاق القمي. وآخرون... وقد عرف هؤلاء... بعد حوالي مائة عام، ب: (الاثنا عشرية)." ص48.
بعدها يلخص الكاتب المرتكزات الأساسية التي يستند إليها المتكلمون في الدليل الفلسفي أو العقلي على وجود المهدي وهي:
"أولاً: ضرورة وجود الإمام (أي الرئيس) في الأرض. وعدم جواز بقاء البلاد فوضى بلا حكومة.
ثانياً: ضرورة عصمة الإمام من الله، وعدم جواز حكومة الفقهاء العدول، أو الحكام العاديين.
ثالثاً: وجوب حصر الإمامة في أهل البيت وفي أبناء علي والحسين إلى يوم القيامة.
رابعاً: الإيمان بوفاة الإمام الحسن العسكري، وعدم القول بغيبته ومهدويته.
خامساً: الالتزام بقانون الوراثة العمودية، وعدم جواز انتقال الإمامة إلى أخوين بعد الحسن والحسين." ص51.
ويستعرض بعدها الروايات الكثيرة التي سطرها علماء الشيعة في أهمية الدليل العقلي ووجوده ليخرج بنتيجة: "ولابد هنا من القول: إن "الدليل العقلي" على وجود (الإمام محمد بن الحسن العسكري) ليس دليلا عقليا محضا، بحيث يستطيع أي عاقل مجرد ان يتوصل إليه تلقائيا، وإنما يعتمد على مقدمات نقلية عديدة." ص55.
ثم يناقش الدليل الثاني الذي تعتمد عليه الإمامية بإثبات وجود المهدي وهو دليل النقل ويقسمه إلى قسمين هو القرآن والأحاديث. في القسم الأول يورد بعض الآيات القرآنية التي يقول علماء الشيعة إنها نزلت في المهدي وهي على التوالي:
1- الآية من 4 إلى 6 من سورة الإسراء
2- الآية 148 من سورة البقرة
3- الآية 53 من سورة فصلت
4- الآية 88 من سورة ص. والآية 81 من سورة الإسراء
5- الآيتان 12 و 13 من سورة الأنبياء
6- الآية 75 من سورة مريم
7- الآية 42 من سورة ق
8- الآية 33 من سورة التوبة
9- الآية 55 من سورة النور
10- الآية 5 من سورة القصص
وكل هذه الآيات، يقول المؤلف، وان لم تكن صريحة: "إلا انها تأول بالمهدي القائم. ويستدل بها على وجود وولادة (محمد بن الحسن العسكري) بعد إثبات أنه (المهدي القائم) لا غيره." ص62.
أما قسم الأحاديث التي يعتمد عليها علماء الشيعة كدليل على ضرورة الغيبة وتتنبأ بالمهدي المنتظر وما شابه، سواء بشكل عام أو خاص، والتي رويت عن محمد النبي أو الأئمة فيشمل على:
1- الروايات الواردة حول المهدي والقائم
2- الروايات الواردة حول الغيبة والغائب
3- الروايات الورادة حول الاثني عشر إماما
4- المهدي الإمام الثاني عشر
5- حتمية وجود الحجة في الأرض
وفي مبحث الدليل التاريخي على ولادة المهدي يعترف من يدعو به بأن: "الظاهر من حياة الإمام العسكري وسيرته ينفي أن يكون له ولد، ولكنه (الدليل التاريخي) يقول: إن الظروف السياسية لم تكن لتسمح للحسن العسكري بإعلان وجود ولد له." ص67.
وعن أم المهدي يقول المؤلف إن هناك تعدد بالروايات حول اسمها فأبي ثلج البغدادي والمسعودي والطوسي والمجلسي يقولون إن اسمها (نرجس)، والصدوق يقول (مليكة) وفي رواية أخرى (صقيل) وهناك: "عدة أسماء أخرى يذكرها المجلس هي (سوسن) و (ريحانة) و (خمط) وينقل عن الشهيد الأول في (الدروس): انها حرة وان اسمها (مريم بن زيد العلوية)." ص70.
والاختلاف حاضر أيضا في روايات تاريخ مولد المهدي فالشيخ المفيد يقترح عدة تواريخ لذلك: (شهر ذي القعدة سنة 257ه أو 258ه أو النصف من شعبان سنة 255ه، أو سنة 252ه)، والشيخ الصدوق يقول إنه ولد في 8 شعبان سنة 256ه. والشيخ الطوسي فيقول إنه ولد في النصف من رمضان ثم يتفق مع الشيخ المفيد في أنه ولد في النصف من شعبان سنة 255ه. لكن الروايات تجمع على أنه: "ولد بصورة سرية وظل أمره مخفيا." ص70.
ويعد أهم دليل تاريخي على ولادة المهدي حسب رواية المؤمنين بوجوده هو: "شهادة (النواب الأربعة الخاصين) الذين ادعوا (النيابة) عنه، في فترة (الغيبة الصغرى) من سنة 260 إلى سنة 329 هجرية. حيث كان هؤلاء (النواب) يدعون مشاهدته واللقاء به وإيصال الأموال إليه ونقل الرسائل و (التواقيع) منه إلى المؤمنين به." ص81. وينقل الكاتب في هذا المضمار الرواية التالية: "وكان العمري (النائب الثاني) إذا سُئل: هل رأيت المهدي؟ يقول: "نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني"، ورأيته متعلقا بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: "اللهم انتقم لي من أعدائي".. والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه". ص85.
بالإضافة إلى هؤلاء النواب الأربعة ادعى أربعة وعشرين رجلاً آخر من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري، أو من أتباعهم أن لهم علاقة خاصة مع الإمامين الهادي والعسكري ومن ثم المهدي مع ادعائهم القدرة على العلم بالغيب، وإخراجهم رسائل سرية يقولون إنها من الإمام الغائب، ويقوموا على أساسها باستلام الأموال والحقوق الشرعية. مما أحدث خلافاً بين الشيعة الإمامية فمنهم من صدق النواب الأربعة الأوائل، ومنهم، كالنصيرية، ذهب إلى تصديق محمد بن نصير النميري والحسن الشريعي، وآخرون صدقوا مجموعة أخرى.
بعدها ينتقل الكاتب إلى عرض دليل آخر يعتمده المؤمنون بالمهدي لإثبات وجوده وهو الدليل الإعجازي. حيث إن المؤيدين لهذه النظرية يقولون إن النواب الأربعة كانو يقومون بمعاجز إضافة لعلمهم بالغيب. ويستعرض بعض الأمثلة التي ذكرها الكليني والمفيد والطوسي: "... منها إخبار العمري بتاريخ وفاته في اليوم والشهر والسنة. ومنها إخبار العمري الناس بالأجوبة العجيبة، وإخباره لرجل بتفاصيل خلاف سري بينه وبين زوجته. ومنها قدرة النائب الثالث: الحسين بن روح النوبختي على قراءة رسالة بيضاء ومعرفته بمحتوياتها، والإجابة عليها بسرعة... ومنها إخبار النائب الرابع السمري، لأصحابه، وهو في بغداد، بنبأ وفاة علي بن الحسين بن بابويه في قم في نفس اليوم... ومنها علم النواب بمصدر الأموال التي كانت ترد إليهم." ص90.
أما الدليل الأخير الذي يجادل فيه المؤمنون بوجود المهدي هو دليل الإجماع الذي كان أول من أشار إليه، حسب المؤلف، هو سعد بن عبد الله الأشعري القمي، في القرن الثالث الهجري، وكذلك النوبختي.
وفي مناقشة النظرية المهدوية (الاثني عشرية) يضع الكاتب عدة مطالب ويناقشها تفصيلاً:
1- غموض هوية المهدي عند أهل البيت. ويقول في هذه القضية: "إن تاريخ أئمة أهل البيت (ع) ورواياتهم التي يحتفظ بها التراث الشيعي الامامي، تؤكد غموض هوية الإمام المهدي، وعدم التصريح باسمه أو زمان خروجه... ولو كانت هوية المهدي قد حددث من قبل منذ زمان رسول الله (ص) وأجمع الشيعة عليها، لما ذهبوا يمينا وشمالا، واحتاروا وتساءلوا عن هوية المهدي." ص102.
2- ظاهرة المهدوية في التاريخ الإسلامي. تكرر دعوات المهدوية خلال القرون الثلاثة الأولى، حسب المؤلف، يؤكد غموض هوية المهدي عند أهل البيت. حيث ظهرت الكثير من الحركات المهدوية منها: (مهدوية الإمام علي، مهدوية محمد بن الحنفية أخي الإمام الحسين، مهدوية أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، مهدوية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار، أنصار المهدوية في البيت الفاطمي، مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن ذي النفس الزكية، مهدوية محمد بن علي الباقر، مهدوية جعفر بن محمد الصادق، مهدوية إسماعيل بن جعفر الصادق، مهدوية محمد بن جعفر الصادق (الديباج)، مهدوية محمد بن عبد الله بن جعفر الصادق (الأفطح)، مهدوية موسى بن جعفر الكاظم، مهدوية محمد بن القاسم، مهدوية يحيى بن عمر، مهدوية محمد بن علي الهادي والعسكري، مهدوية القائم المجهول).
في المبحث اللاحق المتعلق بالعوامل الفلسفية لنشوء فرضية الإمام الثاني عشر يستعرض المؤلف بعض الروايات التاريخية التي تؤكد عدم وجود من يخلف الإمام الحادي عشر، وإعتقاد بعض الناس بإمامة أخيه جعفر بن علي الهادي. ويخلص إلى نتيجة مفادها: "...فإن (الدليل العقلي) كان أشبه بالافتراض الفلسفي العاري عن الإثبات التاريخي. وكان ذلك يتجلى في استناد بعض المتكلمين على الحديث الرضوي القائل: (إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده) لإثبات وجود الولد للإمام العسكري، كما يقول الشيخ الطوسي." ص120.
ثم ينتقل إلى نقد الدليل التاريخي (النقلي) ليؤكد بدءا على أنه لا يناقش آيات القرآن أو الأحاديث العامة التي تتحدث عن المهدي من دون تحديد هويته، بل هو يهدف إلى إثبات عدم وجود شخصية باسم (محمد بن الحسن العسكري). فضلا عن أن الروايات التي تتناول الغيبة والغائب لا تتحدث عن غائب بالتحديد، حسب المؤلف، ولا تذكر اسم محمد بن الحسن العسكري، وبالتالي لا يمكن لها أن تشكل دليلاً على: "(غيبة الحجة بن الحسن) لأنه لم يولد بعد.. ولم يغب.. وهي لا تتحدث عن أمر قبل وقوعه حتى يكون ذلك إعجازاً ودليلاً على صحة الغيبة، كما قال الشيخ الصدوق." ص124.
ويعزو ظهور فرضية غيبة المهدي إلى وجود أزمة في إثبات ولادته: "ولكن الأزمة التي وقعوا فيها (المتكلمون الإماميون)، بعد القول بوجود (ابن الحسن)، وهي: (عدم ظهور الإمام للقيام بمهمات الإمامة) دفعتهم إلى البحث والتنقيب في تراث الفرق الشيعية القديمة كالكيسانية والواقفية، والتفتيش عن مخرج للأزمة والحيرة، ووجدوا في أحاديث المهدوية القديمة أفضل حل للخروج من أزمة عدم الظهور، ودليلاً جديداً على إثبات فرضية (وجود ابن الحسن) في نفس الوقت." ص125.
ويفصل بعدها في تناقض الروايات التاريخية بكل ما يتعلق بالمهدي من اسم أمه وهل كانت جارية أم حرة (مريم بنت زيد العلوية)، وهل ولدت في بيت بعض أخوات الأمام الهادي أو إنها جارية أشتراها الحسن العسكري من: "سوق الرقيق في بغداد" ص138. وأختلفت الروايات أيضا في طريقة الحمل في الرحم أم في الجنب، وفي الولادة من الفرج أم من الفخذ، وفي تحديد تاريخ الولادة وعمره عند وفاة أبيه، وفي تحديد ملامحه وطريقة نموه، وفي أمر التكتم عليه، وحول علم الأصحاب والخدم بوجود ابن للإمام العسكري، واختلفت أيضاً حول نضجه العقلي. ويفسر الكاتب سبب هذا التناقض بكونها مصنوعة ومختلقة من قبل رجال مختلفين: "وتعبر كل واحدة منها عن أفكار واضعها النفسية الخاصة." ص145. ويضيف: "... وراح الذين ادعوا وجود الولد من قبل، ينسجون الإشاعات والأساطير، بصورة سرية خافية، ليضلوا بها البسطاء ويستفيدوا من ورائها الأموال.. ولم يصدق العلماء والمحققون الأوائل بتلك الإشاعات.. ثم جاء الشيخ الصدوق بعد مائة عام، والشيخ الطوسي بعد مائتي عام، ليسجلوا تلك القصص والأساطير، دون أن يحققوا بمصادرها وإسنادها... ثم جاء من بعدهم من المؤرخين (الاخباريين) فنقلوا تلك القصص الأسطورية كأنها حقائق تاريخية لا تقبل المناقشة والحوار." ص146.
والشك قد طال أيضاً وكلاء المهدي في تلك الفترة: "حيث كان الشيعة يشكون بصدق دعواهم في (النيابة) ويتساءلون عن مصير الأموال التي يجبونها باسم (الإمام المهدي)، وكان بعض أدعياء النيابة يكذب بعضا، ويتهم كل فريق منهم الفريق الآخر بالدجل والشعوذة." ص148. ويضرب مثالاً لهذا الحالة: "وكان العبرتائي (احمد بن هلال شيخ الشيعة في بغداد) قد لعب دورا كبيرا في دعم دعوى عثمان بن سعيد العمري بالنيابة، وكان يأمل ان يوصي إليه من بعده، فلما أوصى إلى ابنه محمد، رفض ذلك وادعى هو النيابة لنفسه، مما يكشف عن التواطؤ والمصلحية في دعاوى (النيابة الخاصة)." ص158.
وعن مسألة رسائل المهدي التي يقول بعض العلماء إنهم تحصلوا عليها من المهدي كالشيخ المفيد والصدوق فالمؤلف يضعفها كلها ويشكك فيها، بل يجزم أنهم هم من كتبها. ويضيف المؤلف أنه قد بحث عن أية نسخة من رسائله أو تواقيعه ولم يجد واحدة بخط يده: "وكنت احسب في البداية، أو أفترض ان يكون الشيعة في تلك الأيام أو بالأخص (النواب الأربعة) أو الفقهاء أو المحدثون، قد اهتموا بالمحافظة عليها والعناية بها، فلم أجد لذلك أثرا، ووجدت غموضاً مريباً يلف هذا الموضوع." ص164.
أما عن الخط الذي يفترض أن تكون الرسائل أو التوقيعات قد دُونت به فهو أيضا يلفه الغموض والسرية والحرص على إخفائه وهو ما يعده المؤلف: "دليلاً إضافيا على عدم وجود (محمد بن الحسن العسكري) الذي ان كان موجودا فعلاً وكان مختفيا وغائبا لأسباب أمنية، لكان لجأ بصورة قاطعة إلى إثبات شخصيته عند الشيعة، وقيادتهم عبر الرسائل الموقعة التي لا تقبل الشك والنقاش." ص165.
وفي قضية الإجماع التي يعتمد عليها المؤمنون بالمهدي كدليل على وجوده فيقول: "... إذ لم يختلف الشيعة الامامية سابقاً في مسألة كما اختلفوا في موضوع (الخلف) حيث انقسموا بعد وفاة الإمام الحسن العسكري، إلى أربع عشرة فرقة... ولم يقل بوجود وولادة وإمامة ومهدوية (محمد بن الحسن) إلا فرقة واحدة... وقد اختلفت هذه الفرقة أيضا فيما بينها على أقسام، وذلك حول اسم وهوية المهدي!". ص170.
أما عن الظروف السياسية خلال فترة الغيبة فيقول المؤلف إن لا مبرر لاختفاء المهدي عن السلطات العباسية كون الدولة في تلك الفترة كانت ضعيفة جداً وتعاني الكثير من المشاكل الداخلية والصراعات وانغماس بعض الخلفاء العباسيون باللهو والطرب: "فقد كان النظام يتفسخ ويتفتت" ص180. هذا فضلاً عن حدوث ثورات علوية عديدة ضد العباسيين نجحت بعضها لتستولي على بعض المدن، وتأسس حكومات شيعية كالثورات الإسماعيلية في اليمن وشمال أفريقا، إضافة لسيطرة البويهيين (الشيعة) على الحكم في بغداد: "إذا، فان الظروف المحيطة ب (الغيبة) من قبل ومن بعد، لم تكن تنطوي على أي مبرر للخوف والتقية، بحيث يخفي الإمام الحسن مولد ابنه ويكتمه بالمرة، ولم يكن من العسير على (محمد بن الحسن العسكري) لو كان موجوداً فعلا، ان يظهر هنا وهناك... ومن المعروف ان الحكام البويهيين (الشيعة المؤمنين به) طالبوا الشيخ المفيد ان يخرج ويحكم بدل الخليفة العباسي، كما خرج (المهدي الفاطمي) وحكم في شمال أفريقيا، بعد ان كان مستترا، فلم يحر جوابا، بعد تهافت حكاية التقية والخوف على نفسه من القتل." ص184.
ومن الأدلة الأخرى التي يسوقها المؤلف لإثبات طروحاته في عدم وجود المهدي هي مسألة علامات الظهور إذ إنها تتحدث عن علامات قديمة حدثت ولم يظهر المهدي. كالظهور أثناء الدولة العباسية أو بعد نهايتها، أو أنه سيفتح القسطنطينة والديلم والسند وكابل والخزر: "وكل هذه العلامات أو المهمات قد حدثت ولم يظهر المهدي الموعود... وتتحدث بعض الروايات عن علامات تعجيزية لا تحدث إلا يوم القيامة أو بعد زوال الدنيا." ص185 و ص186.
ويتناول الكتاب في جزءه الأخير موضوع تطور الفكر السياسي الشيعي في عصر الغيبة حيث يؤكد على أن ولاية الفقيه هي تطور على نظرية النيابة العامة إذ تصدى الفقهاء بأنفسهم للحكم، وتجاوز نظرية الانتظار. ثم يتحدث عن الثورة الإسلامية في إيران ورفض الخميني لنظرية الانتظار: "رفضا مطلقا، واسقط بالأدلة العقلية الأحاديث التي كانت تحرم العمل السياسي في ظل (الغيبة)، ولم يعبأ بها... واعتبر الإمام الخميني الفقهاء أوصياء للرسول (ص) من بعد الأئمة وفي حال غيابهم، وقد كلفوا بجميع ما كلف الأئمة (ع) بالقيام به." ص224 و ص229.
وفي خاتمة الكتاب يؤكد المؤلف على حقيقة كون النيابة العامة للإمام الغائب قد أكسبت فتاوى العلماء واجتهاداتهم الظنية صبغة دينية مقدسة ووجب على عامة الناس غير المجتهدين تقليد الفقهاء والطاعة لهم وحرمت عليهم مخالفتهم، وحالت دون مراقبتهم ومحاسبتهم مما أدى: "إلى قيام دكتاتورية باسم الدين، هنا وهناك، في بعض الأحيان." ص236. لكن هذا لا يعدم من سعي بعض الفقهاء من أجل تقديم فكر سياسي أفضل وبناء نظام سياسي: "أكثر حرية وعدلاً، فرفض كثير منهم فرضية النيابة العامة، وكذلك نظرية الولاية العامة والمطلقة للفقهاء، وقالوا بمبدأ الشورى وولاية الأمة على نفسها، ولم يتردد بعضهم عن إعلان تأييده للنظام الديمقراطي على أسس إسلامية". ص236.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاهتمام على معرفة المجهول امر جيد!!
سهيل منصور السائح ( 2021 / 10 / 28 - 06:18 )
الشكر موصول لك على اهتمامك في التعرف على شخصية الامام الثاني عشر وللبحاحثين في هذا الموضوع الشآئك الذين كشفوا المستور عن الطريق التي ادت الى الاعتقاد بوجوده بل بالامامة الالاهية لدى الشيعة ونحن اذ نؤمن بحرية الاعتقاد وجعله شان شخصي وليس فرضه على احد او الادعاء ان ديني ومذهبي هو الحق وغيره الباطل استنادا على القيل والقال ونحن نعلم ان ما وردنا غير متفق لا عليه وعلى من نقلوا الاخبار عته لان التحزبات بدات منذ سقيفة بني ساعدة والى وقتنا الحاضر وهذا لا يحتاج الى توثيق. وكما بينت في اول تعليق لي بان سبب انقسام المسلمين في عصرنا الحاضر هو الاعتماد على كتب كتبت في العهد العباسي من قبل تحزبات والكل يجر النار الى قرصه حتى في المذهب الشيعي نفسه وما التقليد وكثرة المقلدين الا دليل دامغ على عدم وجود مسئول عن زماننا هذا مع العلم ان رتق هذا الفتق ليس بالامر الصعب وهو ايجاد الاحاديث قطعية الصدور من قبل المسئول. اخي الكريم اتمنى ان تقرا كتاب (نقذ وتمحيص روايات المهدي الشيعية ـ للمؤلف م. عبد اللهي) وكتاب (نظرية الامامة في ميزآن النقذ ـ لحجة الله نيكوئي) لتعضيد اهتمامك في التعرف على شخصية الامام الغآئب.


2 - تحية
ميثم سلمان ( 2021 / 10 / 28 - 09:02 )
كل الشكر لك عزيزي لاهتمامك. وشكرا لاضافتك.

اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و