الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية والليبرالية

ندى أسامة ملكاني

2021 / 10 / 27
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


عادة ما توصف الديمقراطية أنها حكم الأغلبية إما مباشرة أو عن طريق ممثليها الذين يحكمون باسمها. ومصطلح الديمقراطية مصطلح يعود للكلمتين الإغريقيتين Demos وتعني الشعب و Kratos وتعني حكم. أي حكم الشعب. يبدو أن نظام الحكم الديمقراطي أفضل أشكال الحكم التي عرفها التاريخ البشري. فحكم الشعب وسيادة القانون وفصل السلطات والمحاسبة والمساءلة والشفافية والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي والتعبير كمبادىء للحكم الديمقراطي تبدو إيجابية ولا يختلف اثنان أنها نموذج مثالي للحكم. إذن لماذا يذهب المفكر الليبرالي الشهير جون ستيوارت ميل في كتابه "في الحرية" إلى القول :" إن مشكلة الحرية تطرح بإلحاح داخل الدولة الديمقراطية، فبقدر ما تزداد ديمقراطية الدولة ، بقدر ما ينقص ضمان الحرية الفردية"؟ ومن جهة ثانية غالبا ما توصف هذه الديمقراطية بأنها ديمقراطية ليبرالية لتمييزها عن الديمقراطية الشعبوية التي سادت في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وكانت السبب في اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية ولتمييزها أيضا عن أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية التي تشهد الآن صعودا في أوروبا. وإذا كانت تدعى الديمقراطيات اليوم بالديمقراطيات الليبرالية لماذا اتخذت النخبة الليبرالية موقفا مناهضا من الديمقراطية في منتصف القرن التاسع عشر كما يشير المفكر عبد الله العروي؟
عندما نقول ديمقراطية فذهننا يتجه عادة إلى حكم أغلبية الشعب ما يطرح سؤالا ملحا عن حقوق الأقليات وكيان الفرد ومصير فردانيته في ظل حكم المجموع. وهذا ما ذهب إليه ميل حين رأى أن طغيان التوجهات الديمقراطية الشعبية يشكل خطرا على الفرد وعلى مستقبل البشرية ، حيث تمثل الاتجاهات الديمقراطية الشعبية واحدة من أسوأ أنواع الديكتاتوريات وهي ديكتاتورية الحشود والمجموع، حيث يقول: "لقدر رجحت كفة المجتمع على كفة الفرد والخطر المحدق الآن بالبشرية ليس في فرط الميول الفردية، بل في اضمحلالها."
يعطي المذهب الليبرالي الأولوية للفرد على المجموع، وخلافا للمذاهب الاجتماعية ومنها الاشتراكية يرى أن المجتمع هو مجموعة من الأفراد "الرؤية الذرية". وعلى اختلاف تياراتهم، يرى الليبراليون أن الأفراد وليس الجماعات ولا الدول هم أساس الوجود. الفرد هو القوة الدافعة في المجتمع، أما في المذاهب الجماعية المجتمع وليس الفرد هو الحقيقة الأولى والنهائية. من هنا يأتي حرص ميل على حقوق الفرد في مواجهة حكم الأغلبية. يل يذهب لتسميته باستبداد الأغلبية طالما أنه يهمل حرية الفرد وكيانه. بل إن كتاب "في الحرية" يهدف فيه بالأساس إلى الدفاع عن الفرد ضد استبداد الدولة والمجتمع والأكثرية.
ويرى الباحث عزمي بشارة أن الليبراليين المدافعين عن الحريات وحقوق المواطن والسوق الحرة لم يكونوا ديمقراطيين تاريخيا. والديمقراطيون منذ بداية الثورة الفرنسية 1789 غالبا لم يكونوا ليبراليين تاريخيا. ويضيف أن الأمر احتاج إلى حربين عالميتين وإلى تحول الديمقراطيات الشعبية إلى أحد أسوأ أنواع الاستبداد، حتى بدأ الناس بتصور الديمقراطية كنظام ديمقراطي ليبرالي يقوم على حكم الأغلبية ولكن يحترم الحريات الشخصية وحقوق الأقليات والمواطنة. قبل ذلك وكما يرى عبد الله العروي أنه في منتصف القرن التاسع عشر اتخذت النخبة الليبرالية موقفا مناهضا للديمقراطية باعتبار أنها تعني حكم الأغلبية بصورة مطلقة دون اعتبار لحقوق الأقليات والحقوق الفردية. من جهة أخرى، لم تكن الأنظمة الليبرالية أنظمة ديمقراطية في الوقت عينه، فإنجلترا أعرق ديمقراطية في العالم كانت ليبرالية دستورية طيلة القرن التاسع عشر، ولكنها لم تصبح ديمقراطية بالفعل إلا في النصف الأول من القرن العشرين، لأن حق التصويت كان محصورا بالطبقات البرجوازية ذات الملكية.
وبتعريف الديمقراطية الليبرالية بأنها حكم الأغلبية مع احترام الحريات الشخصية وحقوق الأقليات، يبدو جليا سبب التخوف من صعود تيارات اليمين المتطرف بأوروبا أو ما يسمى بالديمقراطية الشعبوية. حيث تكن هذه التيارات العداء للأقليات الدينية والعرقية وتنتهك خصوصيتها وحقوقها الفردية.
أما عن النتائج المترتبة على دمج الليبرالية بالديمقراطية لتصبح الديمقراطية الليبرالية، فهي كالتالي:
- لا تكتفي الديمقراطية الليبرالية بأن تكون حكم الأغلبية بل تعني أيضا مراعاة حقوق الأقليات وحريات الأفراد جنبا إلى جنب مع سيادة حكم القانون. وبالتالي الكل سواسية أمام القانون.
- الديمقراطية تصبح مذهبا فرديا ليس بالمعنى الليبرالي القائم على تصور المجتمع على أنه مجموعة كمية من الأفراد وأولوية الفرد على الجماعة، بل تقر الديمقراطية الليبرالية بالحقوق السياسية لأفراد المجتمع. وهناك عقد اجتماعي ليبرالي سياسي قائم بين الحاكمين والمحكومين ، إذا أخل الحاكم بشروط العقد جاز للأغلبية أن تعبر عن رأيها بالانتخابات الحرة والنزيهة. وذلك يعني حماية الحرية الفردية وحرية الرأي والتعبير وهي من مبادئ الليبرالية.
- إقرار حقوق الأقليات في التعبير عن عقائدها ونمط حياتها دون قمع أو تعسف من قبل الدولة، والهند مثال على هذا النمط من الديمقراطية، حيث ينص الدستور على حقوق خاصة للأقليات الثقافية والعرقية والدينية. ومن هنا التخوف من الشعبوية المتصاعدة في أوروبا وعدائها للأقليات، وبالتالي تمييز أحزابها عن الأحزاب الديمقراطية الليبرالية.
- الديمقراطية الليبرالية هي حكم الأغلبية مع حماية حقوق الأقليات وليست ديمقراطية لصالح الأقلية. وبذلك تغدو الديمقراطية حكما من أجل الشعب وليس فقط بالشعب.
- وجود مجتمع مدني قوي كمجال متميز عن الدولة، تقوده النخب الفكرية وتغدو فيه مشاركة الشعب بما يتجاوز صناديق الاقتراع إحدى المبادئ الديمقراطية
ومن هنا فإن الديمقراطية الليبرالية تهدف إلى ترسيخ حكم الأغلبية مع ضمان الحريات الفردية وحقوق الأقليات، ومن هنا أيضا فإن تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة هو أزمة للديمقراطية الليبرالية من ناحية استعداء الأقليات والمساس بالحريات المدنية الليبرالية والحقوق الفردية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق مستقل يبرئ الأنروا، وإسرائيل تتمسك باتهامها


.. بتكلفة تصل إلى 70 ألف يورو .. الاتحاد الفرنسي لتنمية الإبل ي




.. مقتل شخص في قصف إسرائيلي استهدف سيارة جنوبي لبنان


.. اجتماع لوكسمبورغ يقرر توسيع العقوبات الأوروبية على إيران| #م




.. استخراج طفلة من رحم فلسطينية قتلت بغارة في غزة