الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح الإغريقي

محمد زكريا توفيق

2021 / 10 / 27
الادب والفن


قبل شكسبير بألفي عام، ولد المسرح اليوناني في أثينا، بين عامي 600 و 200 قبل الميلاد. أنشأ الأثينيون القدماء ثقافة مسرحية استمرت ألفي عام. لقد كتبوا مسرحيات لا تزال تعتبر من روائع أعمال الدراما العالمية.

إنجازهم رائع حقا، عندما يقارن بفترتين أخريين في تاريخ المسرح، إنجلترا في عصر الملكة إليزابيث، وربما القرن العشرين. هاتان الفترتان، يمكن أن يقال إنهما قد اقتربتا من عظمة أثينا القديمة.

كان أعظم كاتب مسرحي في إنجلترا هو شكسبير، لكن أثينا أنتجت ما لا يقل عن خمسة كتاب مسرحيين عظماء بنفس القدر. أنتج القرن العشرين الآلاف من المسرحيات والأفلام الجميلة، ولكن شكلها ومحتوياتها في كثير من الأحيان، لا تزال تستمد أفكارها من ابتكارات الأثينيين القدماء.

تطور المسرح اليوناني القديم من الطقوس الدينية التي يعود تاريخها إلى ما لا يقل عن 1200 قبل الميلاد. في ذلك الوقت، كانت اليونان عبارة عن مجموعة قبائل بدائية.

في شمال اليونان، في منطقة تسمى تراقيا، نشأت عبادة ديونيسيوس، إله الخصوبة والإنجاب. هذه الطائفة، التي ربما نشأت في آسيا الصغرى، كانت تمارس الاحتفالات والطقوس، التي تشمل الموسيقى والرقص.

وكانت النشوة مفهوما دينيا مهما لليونانيين، الذين يأتون لرؤية المسرح كوسيلة لإطلاق المشاعر القوية، من خلال ممارسة الطقوس الدينية. بالرغم من أن هذه الاحتفالات قد قوبلت بالمقاومة، إلا أن الطائفة قد انتشرت جنوبا عبر قبائل اليونان على مدى القرون الستة التالية.

خلال هذا الوقت، أصبحت طقوس ديونيسيوس هي السائدة. موت بطل مأساوي في المسرحية إغريقية، أصبح عوضا عن التضحية بالإنسان أو الخراف أو الماعز، لإرضاء الرب. بحلول عام 600 قبل الميلاد، كانت هذه الاحتفالات تمارس في فصل الربيع في معظم أنحاء اليونان.

بحلول عام 600 قبل الميلاد، تم تقسيم اليونان إلى دول مدن منفصلة. وكانت أثينا أبرز المدن في البلاد، حيث كان يعيش ما لا يقل عن 150,000 شخص. في ذلك الوقت، طقوس ديونيسيوس كانت قد تطورت إلى ما نعرفه اليوم بالمسرح.

في عام 534 قبل الميلاد، غير حاكم أثينا، بيسيستراتوس، نظام مهرجانات ديونيسيوس، وأقام مسابقات الدراما. في السنوات ال 50 التي تلت ذلك، أصبحت المسابقات السنوية، هي أهم الأحداث الشعبية.

خلال هذا الوقت، تم بناء المسارح الرئيسية، ولا سيما المسرح في دلفي، ومسرح ديونيسيوس في أثينا. مسرح ديونيسوس، الذي بني عند سفح الأكروبوليس في أثينا، يمكنه أن يتسع ل 17,000 شخص.
كان يتم عرض المسرحيات في النهار. وكانت تقام مسابقات الدراما السنوية في أثينا على مدى عدة أيام كاملة. الممثلون كانوا يرتدون القليل من المكياج، أو لا يضعوا أي مكياج على الأرجح. بدلا من ذلك، كانوا يضعون أقنعة مع تعبيرات الوجه المبالغ فيها.

بين 600 و 500 قبل الميلاد، تطورت المسرحيات إلى أشكال جديدة، أبرزها المأساة والملهاة. وهي قصص، الغرض منها، تعليم الدروس الدينية. مثل الكثير من قصص الكتاب المقدس، كتبت المأساة، للتقويم ولإظهار المسارات الصحيحة والخطأ في الحياة.

لم تكن المأساة مجرد مسرحيات ذات نهايات حزينة، كما أنها لم تكن مجرد مشاهد وضعت لكي تجعل الناس يضحكون أو يبكون. بل كان ينظر إلى المأساة على أنها شكل من أشكال تطوير وتنقية الطقوس.

حسب رأي أرسطو، المأساة، هي معاناة مفيدة، تصور حياة الإنسان الذي يقوده القدر في مسارات تصادمية مع المجتمع وقواعد الحياة. بطل الرواية المأساوي هو الذي يرفض، إما من ضعف أو من قوة، للإذعان للقدر.

في أغلب الأحيان، الخطأ الرئيسي لبطل الرواية هو الغطرسة. يمكن أن تكون الغطرسة بسبب عدم قبول المصير، كما في مسرحية أوديب. أو بافتراض الحق في القتل، كما في مسرحية أجاممنون، أو افتراض الحق في الانتقام، كما في ثلاثية أورست. اصطدام البطل في الرواية بالمصير أو الواقع أو المجتمع أمر لا مفر منه ولا رجعة فيه.
المأساة لم تتطور من فراغ. كان ذلك نتيجة لما كان يحدث في ذلك الوقت في أثينا. الدين اليوناني قد أملى كيف يجب أن يتصرف الناس ويفكروا لعدة قرون.

من ناحية أخرى، كانت هناك ولادة للفكر الحر. كانت أثينا في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، تعج بالأفكار الراديكالية مثل الديمقراطية والفلسفة والرياضيات والعلوم والفن. كانت تضم فلاسفة مثل أفلاطون وسقراط وأرسطو وأبيقور وديموقريطس.

كان هناك أول المؤرخين المعروفين، ثوسيديدس وهيرودوت. علماء، مثل طاليس، أبقراط، أرخميدس، وفي وقت لاحق إقليدس، فيثاغورس، هيرو (المحرك البخاري!)، هيبارثوس وبطليموس.

ازدهار الفكر الحر، بعد سنوات من الإملاء الديني، جعل أثينا تمر قديما بما يشبه عصر النهضة في أوروبا، مرورا بالعصر العظيم التالي في المسرح.

لقد بدأ الأثينيون القدماء يتساءلون كيف تعمل الطبيعة، وكيف ينبغي للمجتمع أن يعمل، وما هو دور الإنسان في مخطط الأشياء. المأساة كانت إجابة الشعراء على بعض هذه الأسئلة. كيف ينبغي للمرء أن يتصرف؟ كيف يمكن للمرء أن يقبل مظالم الحياة؟ ما هو ثمن الغطرسة؟ قراءة مناجاة من مأساة يونانية، أو من هاملت أو ماكبث، هو إجابة لهذه الأسئلة التي تطرح.

ولم تكن المأساة هي المنتج الوحيد لثقافة أثينا المسرحية المزدهرة. فقد ازدهرت الكوميديا أيضا. لكن، لم يتم تسجيل التطور التاريخي للكوميديا بشكل جيد مثل المأساة.

لاحظ أرسطو أنه، قبل وقته، كانت الكوميديا تعتبر أعمالا تافهة. إلى أن تم الاعتراف بها كشكل من أشكال الفن الرصين، ومن ثم ظهر أريستوفان والكوميديات القديمة.

أعمال أريستوفان المسرحية في المهرجانات الأثينية، كان يستخدم ثلاثة ممثلين، جوقة تقوم بالغناء والرقص وتشارك في الحوار في بعض الأحيان. ويكشف خطاب الجوقة أمام الحضور رأي المؤلف. وهو يسخر من الآلهة والمؤسسات الأثينية والأفراد الشعبيين والأقوياء، والذين وضعوا رؤوسهم فوق الحشد.

تطورت الكوميديا على غرار المأساة، وأصبحت موجهة أكثر إلى عامة الناس، وأقل اهتماما بأصولها الدينية. وبحلول عام 317 قبل الميلاد، تطورت إلى شكل جديد يشبه المهزلة الحديثة.

تم استبدال استخدام السخرية العلنية والموضوعية للشخصيات الشهيرة التي يمكن العثور عليها في أسلوب أريستوفان، بهويات خاطئة ومواقف ساخرة وشخصيات عادية وخفة دم. تسمى هذه الفترة بالكوميديا الجديدة،

كان ممارسها الرئيسي ميناندر. فقدت معظم مسرحياته الآن، ولكن أجزاء منها وجدت طريقها إلى المسرحيات الرومانية. من هذه الأعمال تم دمجها في كوميديا شكسبير. في عام 1905 تم اكتشاف مخطوطة في القاهرة تحتوي على قطع من خمس مسرحيات لميناندر، وفي عام 1957 تم اكتشاف مسرحية كاملة، ديسكينلوس، في مصر.

كانت مساهمة ميناندر الرئيسية هي إنشاء نموذج كوميدي، أثر بشكل كبير على الكوميديات اللاحقة. على عكس أريستوفان، لم تكن شخصياته من المشاهير بل من الناس العاديين.

بعد وفاة سوفوكليس، عام 406 قبل الميلاد، بقرن تقريبا، بدأت تتضاءل الحقبة الذهبية للدراما اليونانية. التي ولدت ثقافة التفكير الحر، وأعطتنا المسرح. هذه الحقبة، سيتم اجتياحها عام 404 قبل الميلاد من قبل الإسبارطيين.

وسوف تمزق في وقت لاحق من قبل القوات المتحاربة المستمرة مع دول المدن الأخرى، التي تقع في نهاية المطاف تحت سيادة الإسكندر الأكبر وجيوشه المقدونية. لقد استمر المسرح، لكنه لن يعود إلى نفس العظمة الإبداعية السابقة. إلى أن نصل إلى عصر شيكسبير بعد ألفي عام.
كتابي الجديد بعنوان "مسرحيات إغريقية ورومانية"، يمكن تنزيله من هذا الموقع:
https://archive.org/details/20211027_20211027_1240/mode/2up
وهو يشمل مسرحيات لسوفكليس، يوريبيديس، اسخيليوس وبيلاوتوس. مكتوبة بأسلوب سهل مبسط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق