الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول أزمة الديمقراطية وآلياتها / هل تعيش فرنسا لحظة ما قبل الفاشية؟

رشيد غويلب

2021 / 10 / 27
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تنشغل وسائل إعلام اليسار الأوربي بالمؤشرات الراهنة لما تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الفرنسية في نيسان 2022، انطلاقا من تشتت قوى معسكر اليسار، وفرصه الشحيحة. وهيمنة اليمين على المناقشات الجارية في البلاد بشأن الهوية والهجرة. وفي حوار أجرته مجلة “جاكوبين” الأمريكية اليسارية مع وزير التعليم الفرنسي الأسبق، ومرشح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية السابقة، ورئيس حزب “الجيل” اليساري الصغير، وعضو برلمان منطقة باريس الكبرى الحالي بينوا هامون، أكد أن ورقة اليسار الرابحة في هذه المعركة الصعبة هي التركيز على قضية عدم المساواة. وقدم هامون كذلك تصورات عن أسباب ابتعاد الشبيبة عن المشاركة بالانتخابات، وعجز النظام السياسي الحالي في فرنسا على طرح أو استيعاب بدائل ممكنة تخرج البلاد من مخاطر لحظة ما قبل الفاشية.
في ما يلي عرض للموضوعات الهامة التي احتواها الحوار.
أزمة الديمقراطية الفرنسية
قال هامون أن هناك درسا أساسيا من الانتخابات المحلية التي جرت أخيرا، وهو أن هناك قدرًا كبيرًا من التعب تجاه الديمقراطية التمثيلية. لا يرفض الناس الديمقراطية، بل يطالبون بقوة بمزيد من الديمقراطية خلال احتجاجات المطالبة بالعدالة المناخية، وفي النشاط المناهض للعنصرية والنشاطات النسوية. لكنهم لا يرون في الانتخابات بشكلها الحالي فرصة للمضي قدماً بهذه النضالات.
هذا الاغتراب مأساوي بالنسبة لليسار. لأن الترابط بين قوى اليسار السياسي والحركات الاجتماعية مثل دائمًا مصدر قوة مهم. وعندما لا تجد هذه الحركات في الانتخابات وسيلة لتحقيق أهدافهم، يعاني اليسار من ضعف المشاركة السياسية. وهذا يعني أن الديمقراطية الفرنسية في أزمة.
الانتخابات لا تؤدي فقط إلى انتصار معسكر وخسارة آخر، بل هي أحد عوامل تراكم هيمنة ثقافية. وتكمن الصعوبة الحقيقية التي يواجهها اليسار في فرنسا وأماكن أخرى، في أن النظام السائد شكلته هيمنة ثقافية للأفكار المحافظة. وهي أفكار يمينية تكون أحيانًا رجعية وعنصرية وعسكرية ومناهضة للمساواة.
في ضوء ذلك، تبدو المطالبة بالمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، غير منصفة للهيمنة السائدة. هذه حقيقة سياسية واجتماعية تتفاقم بسبب شيخوخة السكان، فكلما تقدم العمر، لعبت مخاوف مختلفة دورًا في قرار الناخب. وهذه عوامل هيكلية مهمة. ولكن اليسار يتحمل مسؤولية في ذلك لعدم لعبه الدور المطلوب. في فرنسا، يمكن إرجاع جميع المشاكل إلى أزمة عدم المساواة. في مواجهة هذه الأزمة، كان بإمكان اليسار أن يبتكر برنامجًا لنظام التعليم يجعل التحرر الفردي والتقدم الاجتماعي، من خلال الوصول إلى المعرفة مرة أخرى ممكنا. لكن في هذه القضية، كما هو الحال مع قضايا أخرى، يسير اليسار نائماً. الوضع مشابه فيما يتعلق بالاقتصاد أو بمسألة الديمقراطية.
لا شك أن الديمقراطية في فرنسا تمر بأزمة اليوم. و ردود اليسار ما زالت محصورة بملف المؤسسات، يقول اليسار: “علينا تغيير الدستور، علينا تغيير قانون الانتخابات، علينا تغيير الشروط المرتبطة بالمناصب الرئيسة”. يمكن أن تكون مثل هذه الإجراءات مطلوبة، ولكن يجب ان يسير التفكير في التحول الديمقراطي إلى أبعد من ذلك، ليشمل معالجة اختلال توازن القوى بين مالكي الشركات والأسهم من ناحية، والعاملين بأجر، وجميع الأطراف ذات الصلة مثل الإدارات المحلية والمواطنين من ناحية أخرى. لكن اليسار لا يطرح اليوم، إضفاء الطابع الديمقراطي على الاقتصاد بالقدر الكافي.

مرحلة ما قبل الفاشية
هناك العديد من المؤشرات التي تشير إلى الافتتان بالاستبداد. وأقوى وسيلة سياسية لذلك هو اليمين المتطرف. إن اليمين المتطرف في فرنسا ليس مثل دونالد ترامب، لأنه مرتبط تاريخيًا بمختلف التيارات الفاشية أو التيارات الدينية المتطرفة. وهو مقلق في حال اغتصابه للسلطة الكبيرة التي يوفرها دستور الجمهورية الخامسة. فإذا انجرفت فرنسا إلى اليمين غدًا، فستكون آليات الرقابة على السلطة أقل بكثير مما هي عليه في الولايات المتحدة.
في الولايات المتحدة، منع الدستور ترامب من فعل كل ما يريد. لكن الرئيس في فرنسا يتمتع بسلطات واسعة جدا. تحت حكم ماكرون، وباسم مكافحة الإرهاب، تم بشكل عام، تحويل القيود المفروضة على الحريات الأساسية إلى قانون قابل للتطبيق، مما يمنح الرئيس سلطة أكبر. لا يحتاج عندها تغيير الدستور أو القوانين. يضاف إلى ما توفره التكنولوجيا اليوم من امكانيات المراقبة الجماعية.
هناك عدة أسباب تقف وراء الاعتقاد بان فرنسا تعيش حالة ما قبل الفاشية. لقد تغير المشهد الإعلامي. وهناك صراعات قوية بين الأجيال، حتى وان كان ذلك مطمئنًا إلى حد كبير على المدى المتوسط إلى الطويل. هناك إعادة ترتيب في قضية المناخ، في النضالات النسوية، وفي مواجهة نمط الإنتاج السائد، ارتباطا بمناهضة العنصرية. وفي الوقت نفسه، نرى نوعًا من الكتلة البرجوازية التي تستعيد قوتها الثقافية والاقتصادية حول ماكرون وفي مقاومة مطالب التحرر والمساواة والاعتراف بالآخر.
لا يمكن إنكار أن قوى السلطة، في حالة خوف غير مسبوقة حاليا، على فقدانها السلطة، لذلك فهناك خطر اغراء الاستبداد، الذي ينعكس، على سبيل المثال، في نسبة التصويت لصالح مارين لوبان، أو ربما للإعلامي والكاتب اليميني المتطرف إريك زمور.
يتحمل ماكرون مسؤولية كبيرة عن الوضع السياسي الراهن. لقد شيطن طيلة 5 سنوات اليسار، سواء من خلال وصفه بالخطر على الجمهورية أو اتهامه بالتواطؤ مع الإرهاب الإسلامي، في حين قلل من خطر اليمين المتطرف.
حظوظ اليسار في الانتخابات المقبلة
يكمن جوهر اليسار في تعزيز العمليات الديمقراطية القائمة على الذكاء الجماعي بدلاً من عبقرية حكومة واحدة. والجمهورية الفرنسية الخامسة هي نوع من الملكية الانتخابية. فالمنتخَب هو ملك، لكنه لا يحصل على سلطته بالوراثة أو الولادة، بل بحصوله على أصوات الناخبين. ورئيس الجمهورية المنتخب يتمتع بسلطة كبيرة.
في ظل هذه الظروف، يكون فوز اليسار أكثر صعوبة. وفوزه مرتبط بالتخلي عن جزء من جيناته السياسية، ودخول لعبة المؤسسات. هذه هي أول صعوبة هيكلية حقيقية تواجه اليسار.
إن من الضروري تجاوز تشتت اليسار الموروث، واعتماد خطاب مشترك بشأن القضايا المتفق عليها في انتخابات 2022. ويجب ان يكون مرشح واحد لقوى اليسار والخضر ليضمن الوصول إلى جولة الانتخابات الثانية، بحصوله على 20 في المائة من أصوات الناخبين على الأقل. إن تعدد مرشحي اليسار يعني عدم الوصول إلى جولة المنافسة النهائية. وتحقيق الأهداف المشتركة اجتماعيا وبيئيا ممكن فقط بالاتفاق على مرشح مشترك لقوى البديل. بالإضافة يجب ان تكون إجابة اليسار والخضر على أسئلة أزمة المناخ مقنعة.
جميع قوى اليسار تعلم أن هناك تهديدًا فاشيًا. هناك تقوية للمفكرين الرجعيين والمحافظين والفاشيين الذين يتعاونون مع اعلاميين يشاركونهم التفكير، وانفتاح لا يصدق على التحريض العنصري. وفي لحظة مواجهة هذا الخطر الحقيقي الملموس، هل تقرر قوى اليسار دخول السباق الانتخابي كلا على انفراد؟ واستنادا إلى ما تقدم على قوى اليسار ان تتحج في اختيار مرشح مشترك، لا سيما وان برامجها جميعا، باستثناء الحزب الاشتراكي، تطالب بقيام الجمهورية السادسة، وبالتالي تغيير قواعد ممارسة السلطة، وليس مهما شخص من يحقق ذلك، فجميع قوى اليسار تستطيع المشاركة في ممارسة السلطة. يمكن لليسار أن يفوز. وهناك لحظات في تاريخ اليسار نجح فيها مثل هذا التحالف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فرنسا دولة ديمقراطية وليست فاشية مطلقا
منير كريم ( 2021 / 10 / 27 - 21:48 )
تحية للاستاذ رشيد غويلب المحترم
سأعطيك مثالين ساطعين على ديمقراطية فرنسا
اولا استمرت اضطرابات ذوي الستر الصفراء مايقارب السنتين وخربوا ودمروا المعالم الاثرية ولم تقتل قوى الامن احدا وقارن ذلك مع بلدان اخرى تقتل الشرطة والجيش فيها المتظاهرين السلميين في الشوارع وتذكر كيف قتلت قوى الامن الصينية 10 الاف متظاهر سلمي في ميدان تيانمن في يومين اثنين
ثانيا الذي صفع ماكرون في الشارع حكم بشهرين سجن مثلما يصفع اي شخص اخر
هل يستطيع مواطن في الدول الديكتاتورية والفاشية ان يصفع شرطيا ويبقى حيا
يا استاذ لايوجد اثمن من الحرية ولاتصغي لاعداء الحرية
شكرا لك

اخر الافلام

.. ما التصريحات الجديدة في إسرائيل على الانفجارات في إيران؟


.. رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني.. لحفظ ماء الوجه فقط؟




.. ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت فيه إسرائيل


.. بوتين يتحدى الناتو فوق سقف العالم | #وثائقيات_سكاي




.. بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي عملية هجومية