الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا انتصر اليمنيون في الماضي وهُزِمُوا في الحاضر؟

منذر علي

2021 / 11 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ثمة من سيتطوع بالإجابة عن هذا السؤال، وسيقول، بدون رويِّة، بأن اليمنيين انتصروا في الماضي لأنَّ الظروف الإقليمية والدولية كانت مواتية، وانهزموا في الحاضر لأن الظروف الإقليمية والدولية لم تعد كذلك. غير أنَّ مثل هذه المقاربة المتهافتة للنصر والهزيمة ليست سوى تعبيرٍ فجٍ عن فقر في الخيال، ومحاولةٍ بائسة لإنكار الدور المتميز للنخب الوطنية التي قادت المشروع الوطني في الماضي، وإعفاء وتبريرٍ لأخطاء النخب السياسية اليمنية في الحاضر التي انحرفت عن المشروع الوطني، وقادت اليمن إلى الخراب، كما لم يحدث له في التاريخ.
***
بالتأكيد، لا يمكن للمرء أن ينكر المناخ التحرري الذي كان قائمًا في الماضي، أو يتجاهل تأثير الظروف الإقليمية والدولية على الأحداث السياسية والتاريخية في هذا البلد أو ذلك في ظروف استثنائية معينة، ولكن الأمر الحاسم في الانتصارات أو الهزائم مرهون، في مغلب الأحيان، بالعوامل الذاتية الداخلية المتصلة بطبيعة القوى السياسية الفاعلة في المسرح الوطني. ها هم الأفغان انتصروا في معركتهم التحررية وطردوا القوى الاستعمارية من وطنهم على الرَّغم من أنَّ العالم كله كان ومازال ضدهم. وقبلهم انتصر الشعب في جنوب أفريقيا على نظام الفصل العنصري، Apartheid، المدعوم من القوى الإمبريالية. كما أنتصرَ الفيتناميون على القوى الضاربة للاستعمار الصيني والفرنسي والأمريكي، وأنتصرَ الكوبيون على الإمبريالية الأمريكية التي لا تبعد عنهم سوى تسعين ميلًا ومازالوا صامدين منذ أكثر من ستين عامًا، متحديين الطغيان الإمبريالي، وانتصر البلاشفة في روسيا ضد الرجعية الداخلية والعدوان الاستعماري الغربي بين 1917-1924م. إذن، أين، يا تُرى، يكمن السر في هذه الانتصارات؟
***
يكمن السر في هذه الانتصارات في نوعية القيادة التي اضطلعت بالمسؤولية السياسية والتاريخية. إذْ لا يمكن أن توكل المسؤولية لمجموعة من الجهلة والمتخلفين وغريبي الأطوار، وتطلب منهم الانتصار على التخلف، وتقضي عمرك تطبل لهذا الطرف أو ذلك. هذا جنون، يا صاحبي!
والآن، ولتقريب الصورة إليكم حول أهمية القيادات الوطنية في أية ثورة تحررية، تخيَّلوا للحظة، وَلْيَكُن ذلك من باب الطرافة أو التسلية، إنَّ الذين قادوا الثورات الكوبية والفيتنامية والجنوب أفريقية ، أناسٌ من أمثال عبد ربه منصور هادي، وعلي محسن الأحمر، وسلطان البركاني، ومحمد على المقدشي، ومهدي المشاط ومحمد الحوثي، وهاني بن بريك وعيدروس الزبيدي ، والشيخ عبد الرب النقيب، وحمود المخلافي وعبد الله العديني، وطارق عفاش، وليست قيادات تاريخية من نمط، لينين و تروتسكي وستالين ، ماو تسي تونغ، و فيدل كاسترو، وراؤول كاسترو، وتشي جيفارا، وهو تشي منه، وفون نجوين جياب، ونيلسون مانديلا وجو سلوفو . تُرى كيف كان سيكون مصير الثورات الروسية والصينية والكوبية والفيتنامية والجنوب أفريقية؟
أعتقد أن الجواب واضح، وهو أن الثورات في تلك البلدان، بدون القيادات الوطنية الأممية الاستثنائية التي أشرنا إليها للتو، كانت ستؤول إلى نفس المصير البائس التي آلت إليه الثورة في بلادنا.
***
والأمر ذاته يصدق على قادة طالبان، ولا غرابة في الأمر، فهم، بالتأكيد، ليسوا كالقادة العظام في التاريخ، بسبب توجهاتهم الدينية المتطرفة ونزعاتهم الأيديلوجية الضيقة، وميولهم العدمية، وهم لا يحوزون الأفق الإنساني الرحب الذي تميز به القادة الكبار في التاريخ، أمثال لينين ماو تسي تونغ ، وفيدل كاسترو وتشي جيفارا وهو تشي منه ونيلسون منديلا، الذين كانوا يبحثون عن حلول شاملة للإنسان ويسعون لتحريره من كل صنوف العبودية ليس فقط في بلدانهم، ولكن في العالم كله. وهم أيضًا لا يشبهون قيادات الشرعية والنخب السياسية اليمنية المعطوبة بالجهل والتعصب القبلي والطائفي والجهوي والتبعية للقوى الإقليمية، ولكنهم يشبهون القادة العظام في التاريخ من زاوية معينة، وأقصد هنا الصبر و الصلابة والكبرياء الوطنية، والحرص على وحدة الوطن، و وإدراكهم لأهمية الدولة الواحدة، وقدرتهم على فهم الملابسات السياسية المحلية وللإقليمية والعالمية، وتماسكهم التنظيمي والعسكري على الرغم من قتل حوالي ماتتين وأربعين ألف من أنصارهم وأعضائهم وكوادرهم وقياداتهم من قبل حلف الناتو ، وتمكنهم من الالتحام بالشعب الأفغاني، والنزعة الاستقلالية والروح الكفاحية في مواجهة القوى الاستعمارية الغازية، ذلك أنَّ السمات الشخصية للقادة تلعب دورًا حاسمًا في الأحداث التاريخية، وتلك السمات هي التي مكنتهم من الانتصار.
ولو أنَّ قيادات طالبان ، مثلًا ، اقتدوا بقادة الدولة اليمنية الذين سلموا زمام الأمور السيادية للدولة اليمنية لدولتي السعودية والإمارات ، واستقروا في الرياض ودبي والقاهرة وإسطنبول واستثمروا أموالهم في هذه المدن العامرة ، أكرر لو إنَّ قيادات طالبان احتذوا حذو الحكومة الشرعية والمعارضة اليمنية، وسلموا زمام أمورهم لقطر وتركيا ، وقرروا الاستقرار في الدوحة وإسطنبول ، واستثمروا مدخراتهم من الهروين في البورصة والعقارات والتنافس على المكاسب و المناصب ، والصراع على الحكم ، و الانشغال "بقلي البصل فيما الخروف مازال في الجبل" الذي ربما يكون قد أكله الذئب ، على النمط الذي مارسته المعارضة والحكومة الشرعية اليمنية، وتركوا الأمور بيد مجموعة من البلطجيِّة في كابل وقندهار ومزار شريف، على النحو الذي سارت عليه السلطات اليمنية في تعز وعدن ومأرب وغيرها ، لما كانوا أفلحوا في طرد القوات الأمريكية والغربية من أفغانستان ، و لكانوا قد تعفنوا في الدوحة وإسطنبول ، كما تعفنت النخب اليمنية في الرياض ودبي.
***
والآن، لنعد إلى عنوان هذه المقالة، ونكرر السؤال: لماذا انتصر اليمنيون في الماضي وانهزموا في الحاضر؟
أنتصر اليمنيون التقدميون في الماضي لأن النخب السياسية التي اضطلعت بالمسؤولية كانت تتسم بالروح الوطنية، وكانت متسلحة بالقيم الثورية، وكانت، في توجهها العام، ذات قيم يسارية وقومية ودينية مستنيرة، وكانت لها رؤية سياسية وطنية لليمن بكل أبعاده الجغرافية، وكانت تقاتل قوى الاستعمار والتخلف، وهي في الميدان، في ساحة المعركة، وليست مهاجرة خارج الوطن، وكانت في كل معاركها السياسية والعسكرية تتسم بقدر كبير من الإخلاص والتفاني في خدمة الوطن، وكانت تتميز بالثبات المبدئي والروح الكفاحية، فانتصرت.
وعلى الرَّغم من أن اليمنيين التقدمين لم يكونوا مؤتلفين في جبهة وطنية عريضة إلا أنهم انتصروا لأنهم خاضوا معاركهم النقابية والمطلبية والسياسية والاجتماعية والعسكرية ضد الرجعية والاستعمار في الخمسينيات والستينيات قبيل وخلال وبعد ثورتي 26 سبتمبر 1962 وفي 14 أكتوبر 1963 المجيدتين، كفريق واحد. لم تكن معاركهم مجزأة، ولم تكن معاركهم جهوية، ولم تكن معاركهم طائفية، ولم تكن معاركهم متنافرة، ولم تكن غاياتهم مبهمة. ولذلك أفلحوا في تقويض السلطة الثيوقراطية والإقطاعية، في الجنوب والشمال، وتمكنوا من طرد القوى الاستعمارية من أرضهم والدفاع عن منجزاتهم الوطنية.
إنَّ اليمنيين التقدميين الذين خاضوا في الماضي معاركهم النبيلة ضد قوى التخلف، كانوا يعرفون أهداف القوى الرجعية والاستعمارية التي كانت تتلخص في الحفاظ على النظام الثيوقراطي الإقطاعي في الشمال، والإبقاء على السلطنات الإقطاعية المتعفنة في الجنوب والمظلة الاستعمارية التي تحميها، وإدامة التجزئة للوطن اليمني، وعلى ضوء ذلك فأنَّ اليمنيين التقدميين حددوا غاياتهم الوطنية بوضوح وكانت تتلخص في تحرير اليمن من الرجعية والاستعمار وتحقيق الحرية والعدالة وبناء اليمن الديمقراطي الموحد. لم تكن معاركهم سهلة، ولم تكن معاركهم مبرأة من الأخطاء، ولكنهم كانوا يتجاوزون في كثير من أحيان إخفاقاتهم وأخطاءهم، وخاصة بين 1962- 1985، ويحققون انتصارات باهرة على الرغم من الصعوبات والعثرات، الداخلية والخارجية، التي كانت تعترضهم.
***
وفي المقابل، هُزمَ اليمنيون في الحاضر لأن قيادتهم في غالبيتها ضعيفة، ومشوشة، وتابعة للقوى الإقليمية وغير وطنية بالمعنى العميق لمفهوم الوطنية، وهي متسلحة بالجهل والتعصب الطائفي والجهوي، ومسكونة بالقيم المناهضة للحرية والعدالة والتقدم. لقد هُزِمُوا لأنهم يواجهون القوى الرجعية والاستعمارية متفرقين، وبرؤى رجعية متخلفة، لا تقل رجعية وتخلفًا عن رؤى القوى الرجعية والاستعمارية التي يزعمون أنهم يحاربونها.
اليمنيون اليوم، وأقصد هنا، على وجه التحديد، النخب السياسية المسيطرة، معطوبون بروح التجزئة والجهوية والطائفية والتبعية والتنافر والكراهية، فيخوضون معارك انتحارية في كل مكان، ضد بعضهم البعض، أي أن معاركهم غالبًا من أجل غيرهم، لخدمة القوى الخارجية.
فمن جانب هناك جيش مأرب الذي يخوض معاركه ضد جيش صنعاء وجيش صنعاء الذي يخوض معاركه ضد جيش مأرب، الأول تدعمه السعودية والثاني تدعمه إيران، والقتلى ليسوا من السعودية ولا من إيران، ولكنهم ينتمون إلى الأسر اليمنية الفقيرة.. ومن جانب آخر، يخوض جيش الضالع وردفان ويافع معاركه ضد جيش أبين وشبوه، والعكس صحيح، الأول تدعمه الإمارات والثاني تدعمه السعودية، والقتلى ليسوا إماراتيين ولا سعوديين، ولكنهم ينتمون إلى الأسر اليمنية الفقيرة. والتوصيف ذاته ينطبق على المليشيات المتحاربة في تعز، والساحل الغربي وحجة، وغيرها. على أن الأمر الجدير بالتأمل هنا، هو أنَّ الشريحة العليا من النخب السياسية اليمنية المُوجِّهة، عن بعد، للقتال والتقاتل والمتعاملة مع القوى الإقليمية، موفورة الصحة وغنية وفي مأمن من الموت!
***
النخب السياسية اليمنية اليوم لها غايات متخلفة ومختلفة ومتصادمة، فأدواتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية مستأجرة للقوى الخارجية التي تمولها وتحميها وتنفق عليها، ولذلك فهي مُكْرهة أنْ تقدِّم خدمات كبرى للقوى الرجعية والاستعمارية المساندة لها، وبالتالي فأن مجمل نشاطها السياسي والعسكري لا يهدف لنصرة قضايا الشعب اليمني وصيانة سيادة الوطن وتحقيق الحرية والعدالة والتقدم، ولكنه يهدف، تحت ذرائع واهية، إلى تجزئة الوطن وبيعه بالقطعة والتقسيط للقوى الخارجية. ولذلك فأنَّ اليمنيين لا يحصدون سوى الهزائم تلو الهزائم والكوارث تلو الكوارث، وهم لا يتعلمون من أخطائهم التي ترقى إلى مستوى الخيانة. ولكن ما الغرابة في ذلك، هل يمكن لجاهل أن يتعلم من أخطائه، وهل يمكن لعبد أن يخالف سيده، وهل يمكن لخائن أن يتعلم من خيانته لوطنه!؟
***
إذن لا أمل في انتصار اليمنيين اليوم ما لم تكن معاركهم بعيدة عن التبعية الخارجية، وما لم تكن جهودهم موحدة ونبيلة الهدف، ومالم تكن غايتهم الحرية والعدالة والتقدم، وما لم تكن من أجل مستقبل اليمن واليمنيين لا مستقبل أعداء اليمن واليمنيين. وأعني إنَّ على اليمنيين لكي ينتصروا أن يبحثوا عن قيادات وطنية تقدمية مستنيرة ومُلهمة، قيادات لا تساوم على الوطن ولا تتنازل عن قيم الحرية والعدالة والتقدم. وعلى اليمنيين أن يخوضوا معاركهم متضافرين، وبأفق وطني تقدمي، مستلهمين قيم ثورتي سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين، ومستفيدين من تجاربهم السابقة، وتجارب غيرهم من الشعوب الناهضة في العالم. نعم، هذا هو السبيل إلى النصر على التخلف والتبعية والاستعمار والإذلال الذي لا سبيل غيره.
إنَّ غايتنا اليوم ينبغي أن تكون من أجل المستقبل، وأعني أنَّ نشاطنا ينبغي أن يتوجه صوب وقف الحرب وطرد القوى الأجنبية من بلادنا، واستعادة سيادتنا الوطنية كاملة، وإنقاذ الشعب من الموت، وبناء سلطة وطنية عقلانية عصرية، تحتكر العنف وحدها دون غيرها، وتفرض الأمن، وتلبي المتطلبات الحيوية للناس كالغذاء والدواء والكهرباء، وتوفر مناخًا من الحرية، يتيح لنا في إطار تلك السلطة العقلانية أن نختلف ونتفق، بالوسائل الديمقراطية، حول المضمون السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة المنشودة.
إذن، هل أدركنا: لماذا انتصر اليمنيون في الماضي، وهُزِمُوا في الحاضر، وماذا عليهم أن يفعلوا لتجاوز الحاضر المهزوم والانتصار للمستقبل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي