الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن كتابة المرأة والجسد. ليس الجسد غرفة مغلقة...

جاكلين سلام
كاتبة صحفية، شاعرة، مترجمة سورية-كندية

(Jacqueline Salam)

2021 / 11 / 4
الادب والفن


رأي في كتابة المرأة والجسد
1
الحديث عن الجسد في أدبيات الشعوب لا يعني الحديث عن الجانب الجنسي من الجسد فقط. والكتابة عن الجسد لا تعني الكتابة الايروتيكية واستعار الرغبة الجنسية وانطفائها بلا جمرة وجدانية ونفحة جمالية خلاقة.
الجسد كيان شديد التعقيد، يدان، ساقان، قدمان، أصابع، عينان، أذنان، أعضاء جنسية- ذكرية وأنثوية، رأس وما يسكن داخله من دماغ- وفكر وأعصاب...والخ.
ويمكننا كتابة هذه الشبكة من البديهيات شعريا ونثريا إذا شذبنا أدواتنا المعرفية الإبداعية. وهذا الكيان البشري ليس بمعزل عن المحمول الاجتماعي والسياسي والديني والبيئي.
فإذا كان الجسد بيتا، فهو كيان منفتح على الخارج وخاضع لمنظومة متغيرات خارجية خارجة عن الإرادة أو بمحض الاختيار والصدفة، كتغيير المفاهيم والثقافات بين حقبة وأخرى.
والجسد كالبيت تغزوه عواصف الشتاء، يمر به الربيع والخريف. يخفي الجسد أكثر مما يظهر. متشابك بذاته وبالكون أكثر مما تستطيع القصيدة أو الرواية أن تقول، أو تدل.
ثمة في الشرق كما في الغرب، هناك من يدّعون أنهم سباقون إلى تحرير الجسد ولم يفعلوا في الواقع سوى قصقصة الأعضاء وتفريغها من كينونتها الكبرى. هذه الخصخصة ليست إلا بتراً للكيان الكلي الإنساني وتصغيراً لدورته الخصبة. فأين وصلنا بثقافة الجسد المكتمل الحرّ والمبجّل في غيابه وحضوره؟

2
ليس الجسد غرفة مغلقة وسريرا أحمر نتلصص عليه من ثقب الباب وسطور الكتاب. الجسد ليس الشباب الدائم والجمال المتألق الثابت، بل تحولاته وما تفعله فيه الطبيعة وعمليات التجميل قبل أن يصير غير طبيعته الأولى. الجسد دورة ما بين الطفولة والشباب والشيخوخة. وحين أكتب وأنظر إلى جسدي بهذه الصورة أعتقد أنني كنت داخل هذه الكتلة التي تشكل الجسد، وعالقة بتلك الفلسفة التي تقمعه وتحد من تموجاته، أو تلك المعرفة التي تدعي تحريره وتعاقبه في آن.
في كتاباتي، تطرقت إلى أجسادنا الاجتماعية والسياسية، المقموعة والحرة والملتبسة. كتبت عن أصابعي ويدي وهي تصافح، وهي وهي تلوح بالوداع. كتبت عن القدم والحذاء والكعب العالي وارتباط هذا بحدود الحرية.
وكتبت عن طقوس مجاورة للجسد للبرد في علاقته مع الطبيعة، عن جسدي الغارق في معاطف الشتاء في غربة العالم. كتبت عن شَعري الذي ظهر فيه بعض البياض، وكتبت بحنان عن التجاعيد التي خلفها الدهر حول عيني وعلى وجهي.
لست مشغولة بكتابة الشبق. أعتقد أن الجسد أكثر حرّية حين أحرره من الكتابة عنه بنزق وتفاصيل تخلو من القيمة الإبداعية. أكتب عن الجسد وفي مداراته، ولا أجدني منساقة في الكتابة الايروتيكية لأنها حافة وعرة. ونادراً ما قرأت نصوصاً على الصعيد العالمي أو العربي تقترب مما يمارسه الجسد من إبداع بلغته الحسية الخاصة. هذا ما أرى الآن وحتى إشعار آخر من دورة أيامي على هذه الأرض.
3
الكتابة رحلة في الروح والجسد. لم أصل بجسدي إلى أي مكان، أخذني جسدي إلى الهاوية وإلى آخر العالم. رافقني جسدي كله في نشوة الحب، في ألم الولادة، في الرضاعة، في خسارات الحب، نعم الحبّ، الحزن والمنفى، في العيش في درجات الحرارة التي تصل الى ( ناقص 40 مئوية) أحيانا.
الكتابة الفنية والفنون كلها تدور في إطار هذا الجسد الذي تقتله الحرب، وتهلكه الفيضانات والأعاصير، وتحييه قوة الحب وسلطته الحانية.
الكتابة حب ونزوع بشري لهتك الحجب المستورة ومن أجل نيل المعرفة.
المعرفة نور، يحتاجه جسد المرأة وعقلها وقلبها، جسد الرجل وعقله وقلبه كي نصل معا إلى نهاية النفق-الوجودي العصري الملتبس. وربما ضللنا الطريق ولا وصول ما وراء العتبة عدا هذه الرحلة.

كتابي الأخير، هو جسدي القلق من الغد، يحلم بالغد ولا يستسلم للسكون.

جاكلين سلام – كندا
www.jacquelinesalamwritings.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جسد الأنسان
عبد الفادي ( 2021 / 11 / 4 - 23:10 )
شكرا استاذة جاكلين على هذا الموضوع الجميل ، يعيش الإنسان مع جسده العمر كله وتتكون علاقة ودية وصداقة بين روح الإنسان وجسده ولا ينفصلان إلا بالموت ، ولو خيّرنا الكثيرين (على سبيل الفرض) تبديل اجسادهم بأخرى فروح الإنسان ترفض الجسد الجديد حتى لو كان اجمل وأكثر صحة ورشاقة من جسده الأصلي لأن الإنسان يتعوّد على عيوب وآلام جسده ولا يريد تبديل جسده بآخر . ان جسد الإنسان منحوت جميل لا يقلل من جماله لون البشرة لأن البساطة والتواضع والأخلاق تغطي كل العيوب الجسدية الولادية ، فجسد الإنسان يستحق ان يُصنع على شبهه تماثيل الحب ، وبعض العبادات الوثنية عبدوا تمثال جسد المرأة ، ولو زرنا المتاحف الفنية الأوربية فأجمل اللوحات البارزة هي اللوحات التي تسيطر عليها مشاهد هيبة جسد المرأة وخاصة منظر الأمومة اي الأم مع طفلها ، في الأفلام الحديثة بدأ تسويق الفلم اعتمادا على بعض اللقطات تظهر الجسد لأن كتّاب قصص الأفلام يعرفون ان الجسد يبهر المشاهد ، تحياتي استاذة جاكلين


2 - الجسد والفن
جاكلين سلام ( 2021 / 11 / 5 - 13:46 )
تحياتي استاذ

بالطبع اذا توقفنا أمام تماثيل الفن العالمي سنجد ذلك التكريم للجسد بكل مهارة وتفاصيل.

مثال: اوغست رودان، كان يهتم بعري الجسد كما يهتم بالاصابع والساق وكل عضلة في جسد العاشق والمتسول و(ادم ) لواقف على بوابة العالم الثاني...
سأعود للموضوع ثانية

شكرا
جاكلين

اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-