الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوريا الجنوبية - نظرة من الداخل

خالد محمد الزنتاني
كاتب

(Khaled M. Zentani)

2021 / 11 / 5
العولمة وتطورات العالم المعاصر


شعوب أسيا عاشقة للنظام وتميل بحكم تنشأتها الصارمة وثقافتها الأبوية إلى الإلتزام بمقاييس مُحكمة في المعاملات.
في كوريا الجنوبية وصل المجتمع إلى حالة من الرقي أصبح معها إستعمال الألفاظ المهذبة لا يتوقف عند البشر وإنما تجاوزه إلى المادة والجماد – ولأن اللغة الكورية تحمل في طياتها مفردات وأمثلة مخصصة لمثل هذه الحالات فمثلا الحديث عن سيارة أو هاتف أو منزل صديق طبقا لمعايير الأخلاق في هذا البلد الملتزم تجبر المتكلم على إستعمال مفردات بعينها حتى يكون الكلام ملائما لنفس مستوى الإحترام الموجه للصديق نفسه.

على الصعيد الشخصي كانت لي تجربة مهمة في مرحلة مبكرة من حياتي تعرفت فيها على الثقافة الكورية عن قرب عندما عملت بقسم العلاقات بشركة ديوو وعلى الرغم من قصر تلك التجربة إلا أنها كانت غنية بالنتائج قياسا إلى ذلك الزمن والمرحلة العمرية الصغيرة التي كنت أعيشها وقد إستفدت لاحقا من تجارب مماثلة في شركات أجنبية أخرى كان لها الأثر الإيجابي في إضافة الكثير إلى رصيدي المعرفي وعلى رأسها التعرف على ثقافة ولغة جديدة في وقت كان فيه تعليم اللغات يمر بأزمة حقيقية في ليبيا بحكم الحالة الثورية التي كانت تسيطر على البلاد والتي كانت تصنف كل ماله علاقة بالغرب من ضمن الظواهر الرجعية العميلة غير المقبولة.

ومن أولى المفارقات الغريبة التي كانت تدعوني إلى الدهشة أن الكوريين وهم من الشعوب الوثنية التي لا تُلقي بالا للعقائد الدينية لديهم أهمية كبرى للأخلاق تفوق أهميتها عندنا نحن شعوب الشرق المعروفة بإنتشار مظاهر التدين، فنحن شعوب نتغدى ونتعشى وننام ونستيقظ على المواعظ والأدعية والآذان والدروس الدينية لكن شوارعنا وتعاملاتنا وكل جوانب حياتنا تقول عكس ذلك وتتبرأ من كل أقنعة الورع والتقوى التي نتوارى خلفها.
مكارم الأخلاق عند الكوريين تنبع من إحساس الفرد بقيمته داخل المجتمع وهذا المجتمع حريص على الإلتزام بها كإحدى محددات الهوية التي لا تحتمل العبث بسبب قوة الإعتداد القومي التي زرعها الكوريين في أبنائهم جيل بعد جيل حتى أضحت جزء من الشخصية الوطنية التي لا تقبل المساومة وهي على أي حال ظاهرة أجمعت عليها أغلبية الأمم والشعوب إلا تلك التي لاتزال ترى تقدمها في الرجوع إلى الوراء تاركة أمرها للظروف إيمانا منها بأن الحالة الأخلاقية لا تصل للمثالية إلا كلما تحركنا في إتجاه زمني معاكس وكلما كانا في خصام دائم ومستمر مع مفرزات الحداثة هروبا من الواقع المزري والهزائم المتتالية والإنكسار الذي نعيش فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول الداخل الكوري
جلال عبد الحق ( 2021 / 11 / 5 - 00:08 )
عزيزي
مقالتك مقتضبةوتحتاج الى إغناء بالمزيد من التفاصيل حول ( الداخل الكوري )
شكرا لمجهودك


2 - حول الداخل الكوري
خالد محمد الزنتاني ( 2021 / 11 / 14 - 07:26 )
شكرا على الإهتمام فعلا الموضوع كان يحتاج إلى التوسع أكثر لكن ما دفعني إلى الإكتفاء بهذه السطور في الحقيقة هو رد على منشور في الفيسبوك كان يمتدح مستوى المعيشة والحياة في كوريا فرجعت بي الذاكرة 40 سنة إلى الوراء وتذكرت تلك التجربة القصيرة التي عشتها مع أول ثقافة تعرفت عليها عن قرب والتي لازلت أعتبرها فرصة ذهبية ضائعة لو إقتنصتها بالشكل
الصحيح لكانت حياتي تغيرت 180 درجة .. المقال كان بعيد عن الأسلوب البحثي بقدر ما كان
توثيق لتجربة شخصية عشتها وأحببت أن أشارك بها .. على العموم شكرا مرة أخرى

اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س