الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة قرداحي والتعايش السلمي بين الدول العربية

رضي السماك

2021 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


ما كان ينقص لبنان في معمعة الأزمات المحتدمة التي ما فتيء يتخبط فيها، وبعد وقت قصير من الولادة العسراء لحكومة جديدة طال أنتظارها طوال أكثر من عام ، سوى تأزم علاقاته مع معظم دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية وذلك على خلفية التصريحات الإعلامية التي أدلى بها وزير إعلام الحكومة الجديدة جورج قرداحي المشهور في إعلام الفضائيات العربية ببرنامجه الناجح " من يربح المليون؟" وهنا ولوضع النقاط على الحروف في هذه الأزمة نتساءل بادئاً ذي بدء : ماهي المؤهلات والخبرات السياسية التي يمتلكها قرداحي لشغل هذا المنصب البالغ الحساسية؟ هل يؤهله نجاحه في برنامج ثقافي لشغل هذا المنصب؟ ومن كان وراء طرح إسمه في المداولات التي سبقت الإعلان عن تشكيل الحكومة؟ ولماذا تم بث المقابلة التي سُجلت في شهر آب/ أغسطس الماضي في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، أي بعد مرور شهرين من تشكيل الحكومة؟ ومن وراء هذا التأخير الذي لا يمكن أن يأتي مصادفة؟
يمكننا القول بكل بساطة إن الذين طرحوا إسمه في مداولات تشكيل الحكومة يعلمون سلفاً بمواقفه السابقة ضد السعودية ودول الخليج، وكذلك موقفه المؤيد بقوة لطهران ودمشق، حيث زار الأولى غير مرة وأعترف صراحة في حلقة البرنامج عن زياراته المتكررة للرئيس السوري الدكتاتوري بشار الأسد الذي رشحه في 2018 باعتباره "رجل عام"، كما وفي البرنامج نفسه مجّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأطنب في تعظيم الإنجازات الضخمةالتي شهدتها وتشهدها العاصمة المصرية منذ توليه الحكم 2013، كما غبط سكانها بحل أزمتهم الإسكانية، وكذلك حل مشكلة العشوائيات، وتباهى بتفرده بامتلاك هذه المعلومات و لمس هذا التغيير المتسارع الذي طرأ على وجه القاهرة من خلال زياراته المتكررة لها كل شهرين . أكثر من ذلك، بل والمثير للدهشة حينما صدمت تصريحاته الشابات والشباب العرب في البرلمان المفترض داخل الأستوديو بتصويت معظمهم ضده لم يتقبل قرداحي ذلك بصدر رحب وأعلن بتعال عدم أعترافه بهم وببرلمانهم ! وهذا ما يعكس بالضبط الذهنية العربية بعدم قبول النتيجة الانتخابية بروح ديمقراطية من قِبل الطرف الخاسر .
والمؤسف أن أغلب من أصطفوا من اللبنانيين والعرب في معركة التراشق الإعلامي اللبناني- الخليجي هم أنساقوا بعواطفهم السياسية والمذهبية مع قرداحي بناء على أنحيازهم لحزب الله دون أن يسمعوا فيديو المقابلة كاملاً، مصورين إياه كبطل من أبطال المقاومة مادام حزب الله يدعمه، ولا أحد منهم حاول أن يعرف سيرة الرجل الإعلامية ودوافع موقفه من السعودية، وهي دوافع لا علاقة لها البتة بالمباديء التي يتشدق بها ، بل هي مجرد تصفية حسابات مع إحدى قنواتها الفضائية الخاصة على خلفية فصلها منها، ولا أحد تساءل أيضاً كيف تم توظيفه في تلك القناة السعودية وبمقابل كم يربح من برنامجه الشهير ، ولا كيف جرى توظيف إبنتيه باتريشيا وباميلا، فهل كان الأمر يتعلق بكفاءتهما الخارقتين التي لا نظير لها في العالم العربي؟ أم لما لعبه والدهما "المناضل" الهمام من دور في الوساطة لهما؟
وإذ نطرح علامات الاستفهام أزاء قضية هذه الشخصية المثيرة للجدل والذي أخطأ الذين أتوا به أشد الحطأ إلى التشكيلة الوزارية ، نزولا تحت ضغوط حزب الله، دون توقع ما ستثيره علاقاته الشخصية المتأزمة السابقة مع دول الخليج بما حدث من هزة غير مسبوقة، فليس دفاعاً عن هذه الدول فهذه لديها أجهزتها الإعلامية المتنوعة والمتعددة في الدفاع عن أنفسها، كما لديها إعلاميوها من مذيعيين قنوات وأقلام مدافعة عنها عنها وهم بالعشرات إن لم يكن بالمئات، بل من أجل الوصول إلى مقاربة حكيمة عقلانية لانهاء الخلافات العربية- العربية المدمرة التي تتعمق سنة بعد سنة ويوماً بعد يوم منذ نحو نصف قرن، بما يؤثر ذلك على القضية الفلسطينية، بل وعلى علاقات شعوب البلدان العربية ببعضها بعضاً على خلفية تفاقم الخلافات فيما بين حكوماتها، علماً بأن تاريخ الخلافات العربية- بدأمنذ تأسيس جامعة الدول العربية 1945.
لقد أحتاج الرئيس المصري والزعيم العربي جمال عبد الناصر ما يقرب من عقد ونصف من معاركه الإعلامية النارية مع الأنظمة العربية التي تختلف مع نظامه، سواء القومية ذات النظام الجمهوري أم المحافظة ذات النظام الملكي، ليدرك بعد هزيمته في يونيو/ حزيران 1967 الضرر البالغ الذي ألحقته تلك المعارك مالياً وإعلامياً ونفسيا على مصر حيث أستنزفته على حساب تفرغه وأستعداداته العسكرية الكاملة لمواجهة أي عدوان عسكري أسرائيلي محتمل على مصر أو على أي بلد عربي ينوي مساعدته عسكرياً، حتى لا نقول على حساب أستعداداته لتحرير فلسطين عسكرياً، فلا هو أستطاع تغيير تلك الأنظمة العربية لكي تسير تحت قيادته، ولا تلك الأنظمة التي بادلته مناصبة العداء تمكنت من أسقاط نظامه. كذلك أحتاج الأتحاد السوفييتي السابق، وبخاصة خلال عهد ستالين ، لثلاثة عقود في صراع أيديولوجي مرير مع الدول الرأسمالية أنعكس على مصالح الطرفين المشتركة في مختلف المجالات، وفي أوائل الخمسينيات فقط وبعد وفاة ستالين الذي جاء من بعده خروشوف أدركت موسكو الحاجة إلى تبني سياسة عقلانية جديدة تنحو لتخفيف حدة بؤر التوتر الدولي، وذلك تحت شعار "التعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة الأجتماعية المختلفة" ، دون أن يعني ذلك بالضرورة توقيف الخلافات الأيديولوجية، ولكن من الممكن ممارساتها على مستويات أدنى وبطرق اخرى حتى لا توصل العلاقات إلى حافة الهاوية وقمة التأزيم. فكم يا ترى تحتاج إيران لإدراك هذه الحقيقة الموضوعية في علاقاتها الدولية بما يخرجها من عزلتها الدولية المزمنة ويعود بالنفع عليها وعلى شعبها من خلال الابتعاد عن سياسة خطاباتها الثورية الشعبوية النارية التي تمارسها منذ أكثر من أربعة عقود، والمفضية حتماً لتأزيم علاقاتها مع دول الجوار؛ ومع كل دول العالم وبما يصب في صالح المنفعة المتبادلة بينها -دولاً وشعوباً - مع الدول المتوترة علاقاتها معها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والاجتماعية ؟
ولا شك أن ما ينطبق على السياسة الخارجية الإيرانية ينسحب تماماً على الأحزاب الموالية لها في المنطقة، وعلى الأخص في لبنان والعراق، فلطاما أدت الخطابات الإعلامية الثورية التي تنهجها تلك الأحزاب تساوقاً مع سياسة إيران في خطاباتها المؤزمة إلى التأثير على علاقة هذين البلدين بالدول العربية الخليجية ، دون أن تستطيع حكومة كليهما ردع مثل هذه الخطابات والمواقف المتطرفة.
ومع أن ما يجمع الدول العربية من مصالح وقضايا مشتركة ومصير مشترك أكبر بكثير من مجرد الحاجة إلى تعايش السلمي، فإن هذه الدول وفي ضوء بؤر التوتر الناشئة بينها اليوم في أكثر من أقليم عربي، باتت اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى على الأقل إلى تبني سياسة تعايش السلمي وحسن جوار ، وهو ما يتطلب وجود قدر من النضج والعقلانية لدى قياداتها السياسية الأطراف في العلاقات المتوترة، وهو ما يبدو للأسف مفقوداً في المرحلة الراهنة من تاريخ العلاقات الدبلوماسية فيما بين الدول العربية أكثر من أي مرحلة تاريخية سابقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة