الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البورجوازية البيروقراطية بين الفهم الماركسى وشعوذة المتمركسين - مناظرة موجزة مع ط . ث . شاكر وآخرين

سعيد العليمى

2021 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


صدر الكراس الذى بين يدينا اول ماصدر فى العدد الاول من المجلة النظرية " الشيوعى المصرى " فى ايلول – سبتمبر 1975 – الطبعة المصرية بالداخل . ثم اعيد نشره فى كراسات الطريق – كتب غير دورية – العدد الخامس – آب – اغسطس 1981 وهى كراسات نصف علنية نصف سرية وهى التى اعتمدت عليها فى النشر . وكاتبها هو رفيقنا الراحل المفكر والمناضل خليل كلفت ( 9 أبريل – نيسان 1941 – 9 نوفمبر- تشرين ثانى 2015 ) صالح محمد صالح الذى كان من ابرز منظرى حزب العمال الشيوعى المصرى . وأكرر ماسبق ان قلت من ان ميراثه الفكرى الثورى سيظل ذخرا لأى حركة ثورية مصرية رغم الاخطاء التنظيمية والسياسية التى ارتكبها اثناء حياته الحزبية او بعض افكاره وتوجهاته السياسية فى اواخر حياته . ولاينبغى لثورى ماركسى منصف ان يحكم عليه من جزء من تاريخه او ان يجعل مراراته الذاتية من هذا الموقف اوذاك فى عهد قديم زال حائلا دون ان يتعرف جيل جديد على هذا الموروث الفكرى الذى عبر باتساق عن افكار تيار راديكالى بكامله . ويعلم الكثيرون كيف كانت علاقتى حميمة برفيقنا ثم كيف انقلبت بعد اتخاذى مواقف نقدية ازاء ممارسات حزبية كثيرة كان هو منظرها وراعيها ، وكنت رأس حربة الاقلية داخل اللجنة المركزية التى صارعت لست سنوات كاملة داخل الحزب بشكل مبدئى وكيف التزمت الاقلية بعدم الانشقاق او التكتل وكيف عوملت بلامبدئية من رفاق الاغلبية آنذاك . لااريد الاستفاضة فى هذا ولم اكن لاارغب الا لأن هناك رفاقا قدامى لا يحكمون على الموروث الثورى وقيمته الا من زاوية خاصة شخصية بحتة . فلنكتف بذلك الآن .
يدور الجدال فى الكراس مع المفكر الماركسى والمناضل المصرى ميشيل كامل ( 1924 – 1992 ) مؤلف كتاب " قضايا التحرر الوطنى " الذى كان من مؤسسى حلقة ماركسية عرفت باسم مجلتها " شروق " وقد عبر الكتاب عن الافكار الاساسية لهذه الحلقة التى كان من اعضاءها المناضلون : احمد نبيل الهلالى – اديب ديمترى – فوزى حبشى – جميل حقى وآخرين وقد اندمجت الحلقة وشكلت فيما بعد جزءا من الحزب الشيوعى المصرى . حسبما ذكر رفيقنا المناضل الكبير كمال خليل الذى انضم للحلقة عام 1972 – فى كتابه ذكريات من زمن فات .
ورغم الخلافات المبدئية الجوهرية مع الحزب الشيوعى المصرى فقد كان هناك اتصال بقياداته وحوار معها على مستويات متعددة . وقد التقى رفيقنا الراحل هانى شكر الله – عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسى - بممثل الحزب الشيوعى المصرى فى فرنسا وهو ميشيل كامل وتباحثا فى قضية وحدة الحركة الشيوعية المصرية وصدر بيان منهما عن اللقاء اعادت صياغته وقومته اللجنة المركزية لحزب العمال الشيوعى المصرى حتى يتسق مع اجمالى مواقفها ، تحت عنوان " بيان اللجنة المركزية لحزب العمال الشيوعى المصرى – خطوة عملية من اجل توحيد الحركة الشيوعية المصرية فى حزب شيوعى واحد – وقد صدر البيان فى 23 /6 /1978 وتأخر نشره فى حريدة الانتفاض طبعة فرع الخارج الى ان نشر فى العدد الثانى – السنة الاولى -8 / 11 / 1978 .
-----------------------------------------------------------------------------------------




القسم الاول
مقدمة
فرضت الظروف الملحة أن نتناول بعجالة ، نقد كتاب ( قضايا التحرر الوطني والثورة والاشتراكية في مصر . للرفيق ط. ث. شاكر، دار الفارابى – بيروت ، 73 ، وكتابات مصر ية – العدد الاول لمجموعة من الرفاق من بينهم الرفيق شاكر نفسه – دار الفكر الجديد – بيروت – سبتمبر 74،.
ان الذى يقرا هذين المؤلفين يشعر بالبهجة والحزن يولدان توأمين في كل كلمة ، كما يقول دانتى اليجبري في " مطهره" ، فهذان المؤلفان يتضمنان خطا سياسيا محددا ينطوى على تناقض صارخ بين مجموعة من المواقف السياسية ، وأساس من التحليل الطبقي الذي يعكس موقفا فكريا له خصائصه المميزة ... فبينما يقوم التحليل الطبقى على منطق هزيل أعرج تتميز تلك المواقف السياسية بالتخلص من الكثير الكثير مما يثقل الحركة المصرية : فالنظام رأسمالي استغلالي ، و"اشتراكيته" أكذوبة ، وديمقراطيته " السليمة الحقيقية " أكذوبة أخرى"، " ولا رأسماليته" أكذوبة ثالثة ، وهو لا يتجه الى الاشتركية عبر المراحل الانتقالية ..... بل ينبغي : وضعه" في صفوف الاعداء ، كل ذلك في اسلوب قاطع التحدد في قطعه لحبل الرجاء في السلطة القائمة في بلادنا ... ولكن هذا الانعدام الصارخ لاي تماسك بين مواقف مباشرة من الرفض الثوري لهذا النظام وقيامها على أساس خاطئ ضحل ليس تطبيقا " نوعيا" خلاقا للماركسية اللينينية على ظروف محددة ، ولا يمكن ان يكون انفصاما طارئا ، بل انه يقود في النهاية ، وربما بسرعة شديدة ، الى استفحال خطر الاساس الواهي لحساب تدهور تلك المواقف . فالمواقف الثورية الماركسية لا يمكن أن تتفق مع السطحية والاسس الواهية ، بل ان بعض الثمار المرة لتطبيق مثل هذا الخط الفكري السياسي على واقعنا ماثلة امامنا في هذين المؤلفين نفسيهما كما سوف نرى .

فما يبهج أن افلاس الطبقة الحاكمة قد بلغ هذا الحد من انتزاع مواقف حادة قاطعة منها ، وأن التقاء خط الثورة بتلقائية الحركة الجماهيرية قد صار قادرا على فرض مثل هذه المواقف التى طرحها بقوة .... ولكن مثل هذه البهجة لا يمكن ان تدوم ، فما يحزن حقا أن مثل هذا الخط الهزيل الاعرج كفيل بالاتجاه بهذه المواقف نحو التدهور ، بل هو يسير بها بالفعل ( وكما تحقق فى هذين المؤلفين ) في هذا الاتجاه الخطير .

لقد قلنا أنها "عجالة" ، ولعل هذا يكون عذرا كافيا عن النواقص التى لا يمكن ان تتفاداها أي عجالة . أما لماذا العجلة ؟ فتلك قصة أخرى ....

الفصل الثانى
وقفة لابد منها عند حركة 1952
برغم أن كتاب الرفيق ط . ث . شاكر يرفض النظر الى البرجوازية البيروقراطية الحاكمة في بلادنا باعتبارها قطاعا متميزا مسيطرا في البرجوازية المصرية ، بأعتبارها فئة طبقية محددة الملامح ، فأنه مع ذلك يدورحول البيروقراطية التى استطاعت بطريقة نجهلها ان تفرض عليه كل هذا " التوقف" على دراستها باعتبارها قضية القضايا الى حد لم تعد فيه طبقة من الطبقات – التي يقر بوجودها الموضوعي خارج ذهنه المدرك – تطمح فى منافسة هذه البيروقراطية على ما تتمتع به من الحظوة والاهتمام والدراسة لدى الرفيق . ربما كان ذلك عناد الواقائع العنيدة حقا ، غير أن الاهتمام الشديد شئ وأساسه الفكري شئ آخر ، فقد خرج رفيقنا من دراسته للوقائع العنيدة بذهنه صافيا كما دخل صافيا من الاعتراف بها ، ولكن مشوشا ( بفتح الواو ) ومشوشا ( بكسر الواو) كما لابد أن ينتهي به المنهج الذي تبناه.

والواقع أننا أمام طريقة في البحث تفضل رص الجمل الانشائية على التحليل الملموس للواقع المحدد ، طريقة تستبدل بالجدل الماركسي المادي جدلا مثاليا حيث تتصارع فيه الافكار مع الافكار ابتداء من سلطة معلقة في الهواء ( برغم كل التاكيدات ) ، بل هى السماء التى لا تنالها الطبقات الاجتماعية الذي تذهب وتجئ وتعلو وتهبط وما تزال السلطة هى نفس السلطة ، نفس الفكرة المجردة التى تتجسد او تتحقق بهذه الطبقة أو الفئة أو الشريحة أو الجناح فتتداخل معها ثم تفض الاشتباكات باختيارها الحر الواعي ، تسير في طريق يثبت فشله وتختار آخر الى أن تفشل ، والطبقات كالخواتم فى أصابعها كما يقولون . ومن مفاهيم عن نظام طبقات وأجنحة مفترضة حافلة بصراعات مفترضة لتفسير وقائع ثابتة ، وفي مثل هذا البناء التجريدى يكون من السهل لزعيم مثل عبد الناصر أن يستقل استقلالا شبه كامل عن الطبقة وعن السلطة وعن النظام ، ومن السهل أن تلعب التحالفات الاساسية لعبة (الاستغماية) بكل مظاهرها ، وأن تقدم الينا البرجوازية شاملة واحدة تضم كل من يملك دون أن تكون قابلة لتعيين طبقات محددة تنقسم اليها حيث تكفي ألفاظ الشرائح العليا والدنيا وما شابه ذلك ، وأن تتسع رأسمالية الدولة على نطاق شامل فريد دون ان تستوجب فئة طبقية من نوع خاص أو أن يزيل الاقوي الاضعف أو يواجه الاضعف من يسيطر عليه وتحدد له مجالات . من السهل ان ينتزع مفهوم التحالف مفهوم الطبقة أو أن ينقسم التحالف الى نفس الاتجاهات أو الاجنحة التي تنقسم اليها فئة لايمكن أن تكون فئة طبقية برغم ما تملك من سيطرة ، من السهل أن تتناقض الملكية مع السيطرة بصورة بيزنطية ، الخ الامثلة التى لن تمر بلا مناقشة .

أما "المادية" فلا يبدو أنها تتناقض مع هذا المنهج . فهى تجد مكانها أيضا كمادية ميتافيزيقية من جهاز بيروقراطي من لحم ودم يساوي البيروقراطية ويساوي السلطة ويظل هوهو قبل 52 وبعد 61 وبعد 65 وبعد71 وفى أي وقت ... وهي مادية السرد والوصف، مادية التفاصيل والأرقام المتجاورة في أكثر الاحيان دون القيام بوظيفتها الوحيدة أى البرهنة على أفكار محددة يطرحها المؤلف . وسوف نلتقي وجها لوجه مع هذا المنهج في الصفحات القادمة لنجده مائلا فى كل القضايا الكثيرة المطروحة .. ولكن لابد لنا من لقاء عابر سريع معه هنا عند حركة 1952.
منذ وقت غير طويل صدر مقال يبشر بنصف الديمقراطية الذي تمثله العضوية الاختيارية في "ورقة" تطوير الاتحاد الاشتراكي ، وكان كلما تعرض لحركة 23 يوليو 52 يكتفي بالاشارة أليها بأرقام الايام والشهور والسنوات دون أن يسبقها كلمة حركة أو ثورة أو أنقلاب ، وما أكثر ما أشار أليها ....
ان ذلك لا يدل على الهزال والافلاس الفكريين (أن صح التعبير ) لدى ذلك المقال السياسي المراجع ، اذ يقف موقف اللاأدارية مما حدث في ذلك اليوم المشهود ، وفي وقت كثر الجدل فيه حول : ثورة ، أم حركة أم انقلاب ؟ والواقع أن هذه التعابير ليست مخيفة الى حد الهرب منها . فأذا كانت الحركة كلمة أكثر عمومية فالثورة مفهوم يجمع أحلال طبقة اجتماعية ونظام أجتماعي محل آخر من الناحية الموضوعية مع الاشكال الثورية الجماهيرية الواسعه التى يتخذها مثل هذا الاحلال مما يوجب الحذر عند استخدامها حين يجري الانتقال من نطاق تاريخي الى آخر بأشكال تدريجية فوقية تتناقض مع أي أشكال ثورية ديمقراطية جماهيرية واسعة . أما الانقلاب الثوري ، الذي تتضمنه أي ثورة والذي يحدث انتقال اجتماعي تاريخي ، فلا يجب خلطه بالانقلاب العسكري القادم من قلب سلطة الدولة القائمة ، فمثلا هذا الانقلاب العسكري قد تحيط به ظروف تدفع به الى أن يلعب دور الادارة في تحقيق الثورة بمعناها الموضوعى ولكن من خلال الاشكال التدريجية الفوقية . وقد يكون انقلابا عسكريا فى نفس الاطار التاريخي القائم لتغليب أحد عناصره المحافظة عليه على آخر أو كل عناصره الاخرى . ولا مفر ازاء أي واقعة تاريخية من هذا النوع من الدراسة المحددة التى تضع هذه المفاهيم الشائكة في مكانها ، والتى توضح الطبيعة الطبقية لهذه الحركة أو تلك ....

ولقد حقق الانقلاب العسكري الذي جرى في ذلك اليوم من ذلك الشهر من تلك السنة فى بلادنا حلقة جديدة أخيرة من الثورة البرجوازية في مصر ليس في لحظة حدوثه بل بطريقه تدريجية فوقية استغرقت ردحا طويلا من الزمن . أي أن الثورة الرجوازية بمعناها الموضوعى قد تحققت فى بلادنا من أعلى خلال انجازات تدريجية شكلت حلقتها الثانية والاخيرة ، وكانت أداتها الانقلاب العسكري عام 52 الذي أحاطت به ظروف مواتية في هذا الاتجاه .

والطريقة التدريجية الفوقية العلوية التي تمت بها الثورة البرجوازية تجعل الثورة تعبيرا مضللا لما ينطوي عليه هذا التعبير من مضامين تجمعها الثورة الاجتماعية كنموذج نظري . على ان ما هو أكثر أهمية من ذلك أن مثل هذه " الثورة" العلوية التدريجية لا يجوز خلطها بالثورة البرجوازية الديمقراطية التي تحتوي على عنصر حاسم يتناقض معها ، بل ان ما يجب التشديد عليه ، أن الثورة البرجوازية العلوية ليست فقط غير ديمقراطية ، بل معادية للديمقراطية ، ليست فقط غير جماهيرية وغير شعبية ، بل معادية للجماهيرالشعبية ، لان أشكال تحقيقها وثيقة الصلة بموقف أساسي لدى القوى الاجتماعية التي حققتها ( لدى البرجوازية ) من مشاركة الجماهير الشعبية .
وتدريجية الثورة البرجوازية في بلادنا لا تستغرقها تدريجية الاجراءات التي اتخذتها سلطة 23 يوليو 1952 ، بل تشمل واقع أنها انجزت على حلقات ، وأن البرجوازية القومية في تطورها التدريجي البطئ من النصف الاول من هذا القرن احتلت بصورة تدريجية مواقع في قلب السلطة الملكية الاستعمارية البائدة .
وتبرز هنا نقطة أخرى تتعلق بأن مفهوم الثورة الاجتماعية يختلف عن مفهوم النظام الاجتماعي ، فلا تظل الثورة قائمة قرنا أو قرونا أو عشرات السنين ، بل لابد لها أن تقضي الى نظام أجتماعي وتولي الى الابد الفترات الثورية التي جرت فيها النضالات الطبقية الحاسمة على المكشوف . فهل يمكن استثناء ثورة تدريجية علوية من هذا القانون بسبب تدريجيتها التى تحتاج الى وقت طويل ؟ لسنا أزاء قضية مجردة فأي استمرار في اتخاذ أساليب أو أجراءات جديدة يمكن أن يأتى في اطار ثورة تحققت أهدافها من الناحية السياسية . فهى لايمكن أن تتأرجح الى ما لانهاية ، بل لابد لها أن تستقر حتى مع التوافق مع أقسام من النطاق التاريخي السابق ، والا سرعان ما تبرز احتمالات استعادة الاوضاع الاجتماعية السابقة . واذا كانت الثورة الاشتراكية تتميز بطبيعتها النوعية كطور انتقالى من الرأسمالية الى الشيوعية ، فان قضية مواصلة الثورة الأشتراكية لا تتناقض بصورة عدائية مع أمكانية وضرورة النظام الاشتراكي حيث لا يمكن أن تظل قائمة نفس المعارك الطبقية الحاسمة التى عرفها العهد الثوري .... ولسنا أزاء قضية يكتنفها الغموض أو تستعصي على الدراسة العلمية . اذا فمثل هذه الدراسة لعلاقات الانتاج والقوي المنتجة هى الاساس الذي يمكن الاستناد اليه فيما اذا كانت اى ثورة اجتماعية بعينها قد انجزت من الناحية الاساسية ام لا.
ولكن : ما العمل مع ثورة برجوازية علوية . أي ليست ثورة برجوازية ديمقراطية ؟ هل تنتظر تحقيق الأخيرة ؟ من البديهى كما قلنا أن ثورة برجوازية فقط تمنى معاداة الطبقة التى حققتها للديمقراطية بمختلف حرياتها وحقوقها فمن العبت اذا أن تشرق روحها المظلمة بغتة أو أن يستيقط ضميرها الميت ذات صباح جميل ... من العبث انتظار قيام البرجوازية ، وقد صارت مسيطرة ، بثورة ديمقراطية ضد نفسها أوقيامها بالتنازل طواعية عن نعمة ( الانفراد بالسلطة – الناشر ) ، وعن جانب ضخم من أرباحها وبقية امتيازتها الطبقية . وتتميز الحلقات التى تمثلها الانقلابات العسكرية بالذات بمعاداتها الاستثنائية للديمقراطية وأن كان ذلك يعكس بدوره موقفا اكثر اصالة وعمقا لدى البرجوازية كطبقة ....

فالديمقراطية وهي ديمقراطية برجوازية بطبيعة الحال لا تتحقق الا من خلال اشتراك واسع لطبقات عديدة فى الاجهاز على النظام الاجتماعي للاقطاع ، حيث تفوز البرجوازية ينصيب الأسد من مكاسب ثورتها دون أن تكون قادرة على تجريد بقية الطبقات مما انتزعته بنضالها ، خاصة وأن البرجوازية قد تظل لبعض الوقت فى حاجة الى اسهام أوسع من أجل تحطيم مقاومة الطبقة البائدة . وفى " ثورة" مثل "ثورتنا" البرجوازية من الضلال البعيد أن ننظر لمواقفها من قضية الحريات باعتباره موقفا طارئا أو مؤقتا مرهونا " بالعهد الثوري" او ناجما عن خصائص " العسكر" فقط ، فهو موقف عميق أصيل ثابت لدى برجوازيتنا القومية منذ مولدها . أما عن الحريات والحقوق الديمقراطية النسبية التى انتزعت فى الحلقة الاولى من الثورة البرجوازية المصرية 1919 ، فقد عصفت بها الحلقة الأخيرة ، الأمر الذي يفسره الاختلاف بين هاتين الحلقتين فى ما يتعلق بمساهمة الطبقات الشعبية المباشرة في الحلقة الاولى ولاعتماد الاخيرة علي الانقلاب العسكري . وهذا مما يؤدي بنا الى ضرورة النظر فى قضية الديمقراطية ليس بأعتبارها مهمة سوف نقوم بها البرجوازية بنفسها فى الزمان والمكان المحددين في جدولها الزمني ، بل على أساس أنها قضية النضال من أجل الديمقراطية بأنواعها .

هل يجوز لماركسي ان يتحدث عن ثورة وطنية لا صلة لها بالطبقات ؟.
أن التحليل الطبقي هو روح الماركسية اللينينية التى لا تعرف ثورة وطنية الا من أرضية أي طبقات تنخرط فيها وعلى أساس أي برامج أو مواقف مختلفة ومشتركة وأي طبقات تمثل أي أوزان داخلها وأي طبقة تقودها ؟ لقد هذب الذيليون في بلادنا هذه الماركسية فبدلا من كلمة البرجوازية التي تبدو كتحقير أو تشويه أو تشهير أو تحريض يستخدمون الوطنية المجردة من الطبقات ، بل يرمونها بالديمقراطية ويعتبرون هذه "الثورة الوطنية الديمقراطية " وصفا لما يجري في بلادنا ، لما هو قائم ، أفنحن اذن في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية حيث لا يجوز حتى التطلع الى الاشتراكية أو حتى الشروع في سلاح قد يؤدي اليها ، وحيث يجوز التدخل العسكري المصري في السودان في يوليو 71 لارتكاب المذابح ضدالشعب السودانى الشقيق وطبقته العامله وحزبة الشيوعي المجيد باعتبار أن حركة هاشم ( العطا – الناشر ) كانت تهديدا بقيام حكم ماركسي ( هكذا !) في زمن الثورة الوطنية الديمقراطية .

ولكن الحديث عن الثورة الوطنية الديمقراطية باعتبارها مرحلة استراتيجية بالنسبة لصراع الطبقات ليس سوى تضليل حقير تافه، فالقضية الوطنية قد تصبح قضية القضايا مهما يكن النطاق التاريخي الذي يعيشة بلد من البلدان . فقد تواجه مصر الرأسملية قضية وطنية واجهتها عهودها السابقة ، وقد تواجه روسيا السوفييتية بعد عشرات السنين من ثورة أكتوبر العظمى غزوا هتلريا يفرض عليها القضية الوطنية كقضية القضايا ويخوض الاتحاد السوفييتي حربه التحررية الوطنية العظمي الخ .....الخ....

ولكن المسألة ببساطة أن مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ليست في بلادنا سوي البديل المنافق لمرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية ، حيث تمت الثورة البرجوازية عندنا بصورة معادية عداء قاتلا لأي ديمقراطية للجماهير الشعبية ، وحيث يعيش مجتمعنا مجتمعا رأسماليا وعلاقات أنتاج رأسمالية . فلا مجال للحديث ، أذن ، عن ثورة بأعتبارها مستمرة .

ان أسطورة الثورة المستمرة في بلادنا وفى عدد من بلدان المنطقة لن تنجح فى تغيير واقع أننا نعيش في مجتمع رأسمالي وفى نظام رأسمالي ، أي أن الثورة البرجوازية قد أنتهت .....وفى أمثل هذا الوضع المحدد لا يكون الحديث عن الثورة الاشتراكية حديثا عن واقع قائم ، بل توضيحا للطبيعة الطبقية للثورة المقبلة ، فعندما نقول بأن الثورة الاشتراكية قادمة ، قادمة مهما يكن فهى القضية الاستراتيجة التالية أمام طبقتنا العاملة ، كيف يمكن أن يكون هذا القول تطرفا يساريا ، وبأي معني ، ليس في هذا تعجيل يقفز عن الواقع ولا مطالبة للواقع الرسمي للنظام أن يطبق الاشتراكية في مصر في غير أوانها ( كما يفعل المراجعون اليمينيون)، فهو لم ولن يطبق الاشتراكية بل هو عدوها اللدود الذي يجب تحقيق الاشتراكية على حسابه. والقول بأن الثورة الاشتراكية هي المقبلة معناه أن قضية الأطاحة بالرأسمالية القائمة ، بالطبقة وسلطتها ، من أجل بناء الاشتراكية والشيوعية ، هى الهدف الاستراتيجي الذي يجب على الطبقة العاملة المصرية بقيادة حزبها الشيوعي أن تعمل على تحقيقه ، وعلى مثل هذا الهدف الاستراتيجي تتوقف قضايا التاكتيك باعتبارها المراحل التاكتيكية المتعاقبة على التحضير الثوري الطويل من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي .

أما رفيقنا المؤلف فان (ثورة 23 يوليو) ماركة مسجلة لديه ولاتتسع علميته المدققة حتى لوصفها بطبيعتها الطبقية البرجوازية ونظامها التاريخي البرجوازي ، غير أن الاهم من ذلك هو نظرته الى تلك الطبيعة الطبقية ، الى تلك الحلقة الجديدة من الثورة البرجوازية الفوقية . ولا مجال للشك في أن ثورة برجوازية تنتقل الى النطاق التاريخي للبرجوازية لا يمكن أن تدفع للصدارة سوي البرجوازية الكبيرة وأن أداتها مهما تكن لابد وأن تلعب هذا الدور المحدد . والطبيعة الطبقية للسلطة الجديدة التى أفضت اليها حركة 52 لا يجوز الوقوف بها عند حد الحديث عن الاصول الطبقية لاعضاء مجلس قيادة " الثورة " ولا حتى أعضاء تنظيم الضباط الاحرار بأسره كما يؤكد مؤلفنا أكثر من مرة . فأين نعثر على تلك لطبيعة الطبقة للحركة والسلطة الناتجة عنها ؛ فى الواقع لا سبيل في ذلك سوى بدارسة مجمل سلوك وسلسلة مواقف هذه السلطة وهذا ما يبدو أن الرفيق شاكر يحاوله ...ومن الطبيعي أن تعود به وبنا هذه المحاولة الى العهد البائد وعشية "الثورة" . وهنا نلتقي بالخرافة التى تتسلط على عقل رفيقنا طوال دراسته . أنه ينتزع من بين عناصر العهد البائد البرجوازية الوطنية باعتبارها الطبقة الصاعدة التى سوف يتعين على السلطة الجديدة أن تمثلها بحكم " برنامجها " ومواقفها العلمية والاسس الفكرية التى تطرحها .... فما هى البرجوازية الوطنية ؟
هل هى طبقة الرأسمالية الكبيرة أم طبقة الرأسمالية المتوسطة ؟ هناك أشياء محددة تؤدي الى أن مؤلفنا لا يميز بين أقسام البرجوازية فهو يضع البرجوازية الكبيرة والمتوسطة تحت هذا العنوان المشترك الكبير ( البرجوازية الوطنية أو البرجوازية المصرية) بصورة تدعو الى النظر اليها كطبقة اجتماعية واحدة . فبرغم أن الصياغة فى صفحات 88.87 لا غبار عليها بصفة عامة . الا أن صياغة الصفحات الاولى من 1الى 12 على سبيل المثال ، تقيم سورا صينيا بين البرجوازية المصرية ورأس المال الاحتكاري باعتباره متحالفا مع الاقطاع والاستعمار .... فبنك مصر الذي يضرب به المثل على الارتباط الاوسع نطاقا " مما يتصوره البعض " كما يقول المؤلف ، بلاحتكارات الاجنبية ، والذى يتخذ صورة البنك القابض على مجموعة ضخمة من الشركات التى حققت أوضاعا احتكارية الخ .... كل ما هو معروف عن وزنه قبل وبعد حركة 52 ، هذا البنك يختلف عن فئة الكومبرادور بعناصرها الاجنبية ذات الوزن الخاص في ذلك الاقتصاد كالجاليتين اليهودية واليونانية ، وعن العناصر البيروقراطية الوثيقة الارتباط بالاستعمار البريطاني فى أنه من صميم الرأسمالية القومية المصرية ، وهى رأسمالية كبيرة يمكن تمييزها على أسس واضحة عن الرأسمالية المتوسطة ، التي تدور في فلك شقيقتها الكبري ، فيما عدا أقسامها التى يتجه بها التراكم الرأسمالي الى الهبوط ....ولكن المسألة تتعقد أكثر عندما ينص على أن "المحورالرئيس للتحالفات والثقل الاساسي داخل السلطة والقوي المحركة للحياة السياسية ظلت بين أيدي ممثلي البرجوازية المتوسطة " ( ص22) وذلك بعد حركة 52 ، أي أن الطبقة المسيطرة التى تمثلها السلطة برجوازية متوسطة ، ولكن هذه الاخيرة تسمي أيضا " الفئة الوسطي من البرجوازية " . هذه النصوص والاشارات التى ستضعنا أمام عنصرين سوف تكون لهما أهمية كبيرة : أولهما : بعد استبعاد القطاعات العليا من الرأسمالية ( كأسلوب في الانتاج وليس كطبقة ) يستبقي المؤلف هذه البرجوازية الوطنية التي يمكن ، ايضا ، تسميتها بالبرجوازية المتوسطة فى مصطلح المؤلف .
ثانيهما : تجاهل التحليل الطبقي من خلال النظر بمفهوم واسع لبرجوازية تنتمي اليها كل العناصر المرتبطة بأسلوب الانتاج الرأسمالي من رأسمالية كبيرة ومتوسطة وحتى برجوازية صغيرة ، والاكتفاء بالتعابير الفضفاضة عن فئات أو شرائح عليا أو وسطي أودنيا قياسا على البرجوازية الشاملة .

وخطورة هذا الموقف الذي ينأي بنفسه عن التحليل الطبقي إنما ينتج من نظرته الي الراسمالية كأسلوب في الانتاج دون امعان النظر في العناصر التى تضمنها هذا الاسلوب الانتاجى من واقع محدد . فهذا الاسلوب الانتاجي لايأتى ليصارع ويصرع الاسلوب الانتاجي السابق عليه في ضربة قاضية واحدة ، بل تسبقه بوادرة ومقدماته . فالرأسمالية الكبيرة تتولد عن الانتاج السلعي الصغير وأشكال الرأسمالية البدائية حيث الرأسمالية الكبيرة هى أقصى تبلور وأقصي درجة من الالتقاء والتوافق بين علاقات الانتاج الرأسمالية وطابع القوي المنتجة . والتقاء هذا الاسلوب الانتاجي أو توافقه مع الابنية العلوية ( سلطة الدولة . الايديولوجية ، القانون الخ ...) يؤدي الى النظام الاجتماعي للرأسمالية . ولكن هذا الاسلوب الانتاجى لا يصل الى أقصي ما يمكن من الكمال والتبلور الا فى صلته بأوضاع تاريخية محددة وبمقدار ما يكون قادرا على ازالة العوائق التى تكونت تاريخيا في طريقه . وهكذا نشهد رأسمالية كبيرة تحيط بها أوضاع اجتماعية من علاقات انتاجية سابقة على الرأسمالية وصور من الرأسمالية البدائية والانتاج السلعي الصغير الخ ، حيث تتعدد الهياكل الاقتصادية والاجتماعية فى الوقت الذي يشهد أيضا نظما رأسمالية حققت أقصى التبلور والكمال لاسلوب الانتاج الرأسمالي . فالرأسمالية الكبيرة كطبقة هي أكمل تحقيق لمنطق أسلوب الانتاج الرأسمالي حيث تدور الرأسمالية المتوسطة في فلكها ويدفع التراكم الرأسمالي بعض عناصرها الى أعلى المركز الاقتصادي للرأسمالية الكبيرة أو يتجه الى أسفل ، أي الى التدهور الى المراكز الاقتصادية للطبقات المقهورة بما في ذلك البرجوازية الصغيرة ......
ان هذه النظرة الى الرأسمالية من زاوية كونها اسلوبا في الأنتاج ، دون تمييز طبقات محددة ، فى تحققه فى واقع محدد هى المسؤولة عن هذه الرأسمالية أو البرجوازية (الشاملة ) ذات الشرائح والفئات والقطاعات العليا والدنيا في مفاهيم بعيدة عن المفهوم العلمي للطبقات الاجتماعية وهي المسؤولة عن هذا الفهم الغامض للطبيعة الطبقية لحركة 23 يوليو 52 سواء ساعة مولدها أو فى تطورها اللاحق .
ان سلسلة المواقف التى أتخذتها السلطة ، فى فترتها الأولى ، ازاء مجمل البناء الاجتماعي الاقتصادي السابق على حركة 1952 تكتشف عن الطبيعة الطبقية لهذه السلطة باعتبارها ممثلة للرأسمالية القومية الكبيرة دائرة فى فلكها فى النهاية ، برغم الملابسات التاريخية النوعية الناتجة عن مجيئها من خارج الأشكال السياسية المحددة لتلك الطبقة .
فى تلك الفترة الأولى شهدنا سلطة جديدة تركز على اختزال القضية الوطنية والاستقلال والتحرر الوطنى الى مجرد جلاء يتم عن طريق المفاوضات . ولكنها لم تمس المصالح الرأسمالية الأستعمارية الاقتصادية في قليل أو أكثر ، بل فتحت أمام الامبريالية العالمية أبوابا جديدة بدعوى احتياج " التنمية الاقتصادية " الى الرأسمال الاجنبي. ولكنها لا تقف ، أيضا ، عند هذا الحد ، عند الاكتفاء بالجلاء البريطاني وتعديل قانون استثمار رأس المال الاجنبي ، بل أخذت تبحث داخل الغرب الاستعماري وحده عن علاقات دولية جديدة (سياسية وعسكرية وأقتصادية) فاندفعت صوب الاستعمار الأمريكي بالذات ليسلح وبدرب جيشها وليقدم لها احتياجاتها الاقتصادية الضخمة كالسد العالي . ألخ...

لقد أنتهي ذلك " المشروع " مشروع أستبدال احتلال عسكرى بريطانى بعلاقات مع الاستعمار الأمريكى الى الفشل بسبب أوضاع تاريخية خاصة ،فازاء سلطة جديدة لا عهد للاستعمار الأمريكي بها ، في أوضاع لابد أن ترتبط أية مساعدات عسكرية بالذات بواقع احتلال بريطانيا العظمى حليفة الاستعمار الامريكى وبواقع وجود أسرائيل الصهيونية ، لم يملك الاستعمار الأمريكي ، برغم أطماعه بالحلول التدريجي محل حليفته ، ألا لن يضع شروطا في حكم المستحيل قبولها في تلك الظروف . فقد أصر على ربط مساعدته للنظام الجديد بحزام عفة يتمثل فى حلف عسكري جديد ذلك الحلف الذي كان يعني دخوله نهاية النظام فى بلد وقف شعبه وقفة جبارة أمام الاحلاف العسكرية الاستعمارية ، أذ لم يتمكن العهد الملكي الاستعماري البائد نفسه من أدخال مصر فى هذه الاحلاف.
وما يهمنا هنا هو أن سلوك السلطة الذي ينظر الى القضية الوطنية كمجرد جلاء ،حيث يتفق مفهومها عن الاستقلال القومي مع مزيد من فتح الأبواب أمام الامبريالية ومع الارتباط الابدي معها ومع استمرار مصالحها وامتيازاتها السابقة ، هذا السلوك لا يمكن أن يكون ( معلقا فى الهواء ) ؛ بل هو امتداد لما صار اليه موقف الرأسمالية المصرية الكبيرة في هذا المضمار ...والكاتب الذي يتحدث عن التحالف العضوي والتداخل العضوي بين رأسماليتنا القومية الكبيرة والاحتكارات الاستعمارية ، ينسي هنا أن موقف الحركة عند قيامها وفى سنواتها الأولى بالذات لا ينفصل عن مفهوم الرأسمالية الكبيرة القومية عن الاستقلال القومي عشية حركة 23 يوليو ، أنه استمرار لنفس الموقف . فهو لا يحطم التبعية القائمة ، بل يسرع فى بناء المزيد من الجسور واقامة المزيد من الروابط العسكرية والسياسية والاقتصادية . أما تدخل الدولة فى الاقتصاد في تلك الفترة في خدمة الرأسمالية الخاصة الكبيرة فالكاتب يعحز عن بلورة استنتاج محدد ، أستنتاج يوقف الأشياء على أقدامها بدلا من تعليقها في الهواء . كذلك ما يسمي بالاصلاح الزراعي الاول أي تحديد الملكية بمئتي فدان . ان طبقة كبار الملاك لا تواجه هنا بأعتبارها طبقة معادية حليفة للامبرايالية البريطانية . حيث لا يمكن لموقف وطني متماسك ( مجرد موقف وطني لا يرقي لموقف اشتراكي ) الا أن يصادر أساسها الأقتصادي . ولكن السلطة الجديدة اكتفت بضربة لا تشمل القاعدة الأساسية لهذه الطبقة ، بل موجهة الى قممها العليا حيث آلت الى الدولة مساحة تقل عن نصف مليون فدان ؛ طبقا لقانون 178 لسنة 52، من طبقة تملك ثلث الارض المصرية ولا يتجاوز عدد أفرادها 11 ألفا . والضربة الموجهة للقمم العليا لم تصادر كامل أرضها ، بل خفضتها الى الحد الاقصي لملكية الفرد والاسرة أي أنها ظلت كطبقة مالكة . فهى لم تصادر أيضا ما يزيد على الحد الأقصي ، بل يمكن القول أنها اشترت هذه الأرض بصورة اجبارية مقابل سندات على أساس " أفضل" تقديرا لقيمتها ومن السهل أن يلاحظ أن هذا الموقف من طبقة كبار ملاك الأرض حليفة الأستعمار البريطاني لا يمكن فصله عن الموقف من ذلك الاستعمار نفسه الذي لم يتجاوز التفاوض من أجل جلاء قوات الاحتلال . ولا يمكن فصل هذين الموقفين عن منطق الرأسمالية الكبيرة وخصائص نشأتها وتطورها .
وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال يبدو منطقيا . لماذا لم تقم الرأسمالية القومية اذن بكل ذلك بنفسها من قبل !
والواقع أن هذه الرأسمالية القومية لم تكن تنفرد بالسلطة ، بل أنها لم تكن عمادها الأساسي . فقد كانت السلطة الطبقية قبل حركة 1952 في ايدي الاحتلال البريطاني والقصر وكبار ملاك الأرض ، وقد أحتلت الرأسمالية القومية الكبيرة مع تطور اقتصادها ونضجة بصورة تدريجية مواقع تلك السلطة . بل ان عجزها ، النابع من منطلقاتها وخصائصها النوعية عن الانفراد بتلك السلطة هو السبب الأعمق وراء الضرورة التي خلقت لتنظيم الضباط الاحرار أهدافه .
لسنا أذن أمام حركة تكفي صفة الوطنية لتحديد طبيعتها وخصائصها ، بل أن اطلاق صفة الوطنية عليها وعلى السلطة التي جاءت بها كصفة تتعالى على التحليل الطبقى ليس سوى وهم وتضليل ." فوطنية حركة 52 البرجوازية القومية لم تكن وطنية متماسكة بحال من الأحوال . لقد كانت " وطنية الجلاء " التي تميزت بها رأسماليتنا القومية الكبيرة ووصف هذه الأخيرة " بالوطنية " أيضا هو الأخر وصفا لا يضع لحظاتها غير المتماسكة مع ذلك فى مقامها الصحيح . فما معنى الحديث عن برجوازية وطنية patriotic بدلا من الحديث عن برجوازية قومية كبيرة National في وقت تشكل فيه القضية الوطنية قضية القضايا أمام أمة مقهورة بأسرها وتقف البرجوازية القومية على رأسها بخطها ومنطقها البرجوازيين المهادنين التدريجيين . حيث تطرح الحركة الجماهيرية الشعبية منطقا جذريا في القضية الوطنية لا مجرد افساح مجال أوسع للبرجوازية المحلية الكبيرة في السلطة والاقتصاد والى مجرد جلاء القوات الامبريالية .
ولكن : هل هذا الموقف مجرد "تكتيك" لجأت اليه هذه السلطة حتى تستقر فتضرب بلا رحمة !
بهذا المفهوم المبتذل عن التكتيك يبتدع بعضهم نظرية كاملة عن (النوايا المبيتة ) لدى الحركة التى أستطاعت تحقيقها مع مرور الوقت . ويظل مثل هذا التصور يفهم التاريخ بشكل تآمري ويصور الفترة الأولى بالتطورات اللاحقة التى لا تكفي ( النوايا المبيتة) لتفسيرها ، بل ينبغي محاولة فهمها بأعتبارها تطورات جرت خلال صراعات محتدمة تتجاوز بالقطع ما كانت تنوية حركة الضباط الاحرار . والأمر الذي يلقى ضوءا ساطعا على الطبيعة الطبقية لهذه الحركة هو مواقفها من الطبقة العاملة وبقية الطبقات الشعبية ومن قضايا الديمقراطية ، انه نفس الموقف الأصيل التاريخي لدى رأسماليتنا القومية الكبيرة . ويكتفي الرفيق طه في هذه المرحله من كتابه بالاشارة الى بطش النظام الجديد بعمال كفر الدوار ، الذي كشف فيه النظام " عن عدائه المتأصل " للطبقه العاملة . وحيث أن الحركة لم تأت من الفضاء الخارجي لتمثل نفسها ، ينبغي أن تؤكد أن موقفها من مختلف الطبقات لا بد أن يوضح أنها تبنت موقف أحداها ، أنها قد " ورثت" موقف البرجوازية الكبيرة في هذا المجال كما في غيره . أن بطشها بالحركة العمالية فى كفر الدوار ليس سوى استمرار لموقفها الذي تضمنه مشاركتها للسلطة الملكية الاستعمارية في توجيه الضربات الى الحركة الجماهيرية الشعبية ولموقفها الذي فضحه قيام حكومتها بسحق الحزب الشيوعي المصري عام 1924 ومما يؤكد أن ما يسمي بالاصلاح الزراعي الاول قد " باع" الارض للفلاحين وحرمهم السلطة ، فقد حرمت السلطة كل الطبقات الفلاحية من أى حقوق ديمقراطية اقتصادية او حريات سياسية وأستيقت بقايا الاقطاع لتكثيف أستغلال فلاحين عزل محرومين من أي سلاح كفاحي حزبي أو نقابى ....

ان موقف هذه الحركة من قضية الديمقراطية لا يكفى لتفسيره ما يقال عن طبيعة العسكر برغم صحته كعنصر جزئى . انه موقف الرأسمال الكبير القومي من حركة الطبقات الشعبية والحركة الشيوعية بالأخص ، ومن الطبيعي أن يتغيير موقف الرأسماليه الكبيرة مع تطورها من طبقة مقهورة في حاجة الى حريات وحقوق وضمانات الى طبقة حاكمة قد تضيق بالحريات الديمقراطية النسبية التى شاركت فى تحقيقها بدور القيادة ، فأي مكاسب ديمقراطية لا يمكن الا أن تكون على حساب الطبقة المالكة والمهيمنة ... ولكن المادية الميتافيزيقية فقط هي التى يمكن أن تصل الى الحد الكافي من الفظاظة والآلية لتجاهل واقع الاهمية الخطيرة الماثل في مجئ السلطة الجديدة من خارج أبنية الرأسمالية الكبيرة ومن خارج أشكالها السياسية المحددة . فقد أعطى هذا الواقع للسلطة الجديدة مرونة نسبية كافية للسلوك المتفق مع مصالح الرأسمالية في النهاية فى ظروف نوعية ، بحيث كانت أقدر على أتخاذ المواقف الملائمة لهذه المصالح أكثر من الرأسمالية الكبيرة نفسها وسوف يكون لهذا الاستقلال النسبي الذي أتخذ وضعا أستثنائيا لتلك السلطة الجديدة عن الطبقة التى جاءت لتمثها أعمق الأثر على التطورات اللاحقة التي تجاوزت المواقف التقليدية للرأسمالية الكبيرة ، بل أدت الى الصدام معها لصالح التطور الرأسمالي فى بلادنا وعلى حساب هذه الرأسمالية الكبيرة التقليدية ذاتها .

الفصل الثانى
كيف نفهم فترة 1952 الى 1961؟
يميز الرفيق ط . شاكر فى حديثه عن المراحل التى مرت بها قيادة حركة 23 يوليو بين مرحلتين تستغرق الاولى شهرا وأسبوعين وبالأدق شهرا وخمسة عشرة يوما من 23 يوليو حتي 7 سبتمبر 1952 ( مرحلة أزدواجية السلطة) والمرحلة التالية حتى 6 -1961 ( مرحلة التحالف مع جميع قطاعات الرأسمالية الكبيرة ).ومن الغريب أن الدقة العلمية الميكروسكوبية الى حد اعلان شهر وأسبوعين أو خمسة عشر يوما مرحلة كاملة ، ثم تتخلى عن روحها الميكروسكوبية لتنظر الى التسع سنوات التالية كمرحلة واحدة برغم اشتمالها على فترتين متميزين تمايزا شديد الأهمية بالغ الدلالة .

الطبيعة الطبقية لسلطة الدولة :
وفترة 52 الى 61 حافلة بقضايا بالغة الأهمية . وليست هذه العجالة مجال تناولها التفصيلي ، فسوف نركز هنا على ما هو أساسي فى أهم قضايا تلك الفترة ذات الصلة بهذه المناقشة لمؤلف الرفيق شاكر .
والقضية عند رفيقنا بأختصار ، هى اختيار القيادة لطريق ينتهي الى الفشل في اقناع القوي المحيطة بها فتضطر الى اختيار طريق جديد يؤدي الى الفشل لنفس السبب فتختار من جديد ... ولاثبات جدة هذه القضية يكفي سرد اخبارها ووصف بعض وقائعها للقفز الى تفسير لما يجرى من تتطورات .
ويكفينا الكاتب عناء البرهنة على وجود رأسمالية كبيرة فى الاقتصاد . غير أنه يلاحظ فى صفحة 23 "أن الصفة الغالبة على المراحل الاربعة الاولى كما ثبت تتمثل في أن المحور الرئيسي للتحالفات والثقل الاساسي داخل السلطة والقوى المحركة للحياة السياسية ظلت بين أيدي ممثلي" البرجوازية المتوسطة" . التشديد من عندنا ) (1) بل أن "النفوذ الرئيسي " ظل " للفئات الوسطي من البرجوازية الوطنية" ،" خاصة في المجال الاقتصادي وتوجيه السياسة العامة " (ص 24) . رأسمالية كبيرة فى الاقتصاد رأسمالية متوسطة فى الاقتصاد والسلطة : هذا هو الاستناج الرئيسي ويمكن وضع علامة التساوي بسهولة بين البرجوازية المتوسطة والفئات الوسطي من البرجوازية الوطنية "الشاملة " حيث البرجوازية الكبيرة بدورها يمكن أن تكون مجرد فئات عليا أو شرائح عليا من نفس هذه البرجوازية الوطنية بدلا من أن تكون طبقة اجتماعية محددة .
ولا يضعنا الكاتب أمام براهين محددة وأضحة تحمل على الاعتقاد بأن السلطة الجديدة تمثل هذه الطبقة البرجوازية المتوسطة بالذات دون غيرها من طبقات أستغلالية . ولا علينا من عبارات من مثل " الرئيسي"،"والأساسي"، "من الناحية الاساسية "، فأي تحالف طبقي حاكم أو يناضل من أجل السلطة لابد أن تتضمن لحظته الناضجة طبقة محددة ذات وزن رئيسي أو أساسى والى هذه الطبقة يجب أن ينسب مضمون هذا التحالف .

فهل كانت البرجوازية المتوسطة هى الطبقة التى تستحوذ، ومن الناحية الاساسية ، على سلطة الدولة حقا !

وهل كانت الطبقات الاستغلالية الاخرى على هامشها ، لقد كانت الطبقات الاستغلالية القائمة في تلك الفترة ، طبقة البرجوازية الكبيرة وطبقة كبار ملاك الارض وطبقة البرجوازية المتوسطة ، فماذا كانت أوضاعها الاساسية ؟
-------------------
(1) النصوص المقتبسة التشديد من عند الرفيق شاكر ما لم نشر الى ذلك ، وهى فى الأصل بالخط الأسود .
ان سلطه الدولة التي تحمي العلاقات الاستغلالية في الريف والمدينة وتتخذ موقفا أستثنائيا في معاداة الحريات الديمقراطية للطبقة العاملة والطبقات الشعبية من البديهي ألا تكون ممثلة لهذه الطبقات الشعبية بما فيها البرجوازية الصغيرة المقهورة في الأرياف والمدن ، ولا يمكن تفسيرها الا في صلتها بالطبقة الاستغلالية .
ولقد وجهت هذه السلطة ضرباتها من البداية للأدوات السياسية للطبقات الاستغلالية من أحزاب أو صحف أو غيرها . ولكن اتجاهاتها الرئيسية بتحالفاتها وضرباتها ومجمل سلوكها يؤدي بها الى الحلول محل الأدوات السياسية لطبقة أستغلالية أو أخرى ، باعتبارها أكثر فاعلية من كل تلك الأدوات المهلهلة أو الاسلحة الصدئة .... ونجد أنفسنا أزاء واقع تاريخى شديد التعقيد ، ازاء سلطة جديدة قادمة من خارج هذه الطبقات وحركتها السياسية ، مما يؤدي الى أن مجيئها لا يعني أن احدى هذه الطبقات قد أستولت مباشرة على السلطة والى أن التوافق بين السلطة وهذه الطبقة لن يبلغ الكمال ألا عبر تناقضات من المنطقي أن تولدها هذه الفجوة ، مع أحتمال أن تؤدي التناقضات والصراعات ليس الى حسم تبادل تأثير لصالح الطبقة ، بل الى انفجار صراع مميت بينهما .

واذا نظرنا الى تلك الطبقات القائمة وجدنا أن طبقة كبار ملاك الأرض لم تجر تصفيتها كطبقة في تلك الفترة من 52 الى 61 فلم يؤد القانون 178 لسنة 1952 و 153 لسنة 1957 الى الاستيلاء على أكثر من 756 و 560 ألف فدان (1) أى ثلث الأرض المصرية التى كانت تملكها هذه الطبقة وظل مالكوا الـ300 فدان يكونون الطبقة الاستغلالية المسيطرة على الزراعة المصرية . وقد حطمت السلطة الجديدة أحزاب هذه الطبقة ضمن حملتها الشاملة ، ولكنها لم تضرب كامل نفوذها في الحياة السياسية وداخل أجهزة الدولة . وكان واقع تحول الاتحاد القومي الى (عش الرجعية ) من آثار استمرار هذه الطبقة لا تصفيتها في السنوات الاولى ، كما يقول الرفيق شاكر (ص96). وقد تميز موقف السلطة الجديدة عن موقفها من
-------------------
(1) فوزي عبد الحميد ، فى المسألة الزراعية فى الدول النامية وتجربة الاصلاح الزراعي فى مصر ص 115
---------------------
البرجوازية الكبيرة فى أنها وجهت اليها ضربة هامة ، برغم محدوديتها ، منذ أول لحظة . وان هذه الضربة كانت تستهدف افساح مجال أوسع للتطور الرأسمالى ، ولم يكن الموقف التدريجى والمهادن منها سوى امتداد لموقف مماثل من الامبريالية ومصالحها فى بلادنا .
فاذا كان الاطار التاريخي العام لتلك الفترة يبتعد بنا عن اعتبار السلطة ممثلة استراتيجيا لهذه الطبقة ضمن تحالف طبقى أوسع ، فأننا لا نملك الا أن نلاحظ ان موقفها من كبار ملاك الارض كان يفتح الباب أمام تسارع معدلات تطور هذه الطبقة التدريجى الى رأسمالية (متخلفة) لا تناقض فى وجودها الاستراتيجي وتحالفها الاستراتيجي مع بقية الرأسمالية الكبيرة فى البلاد . ولقد تم هذا الهدف بصورة تدريجية فى تلك الفترة والفترات التالية بتحول كبار ملاك الارض الى رأسمالية زراعية متخلفة . وقد ارتبط هذا التحول التدريجي بضربات جديدة من السلطة فى أعوام 61،66،69 .أن إقصاء طبقة كبار ملاك الارض عن سلطة الدولة لم يكن يستبعد أن تمثل السلطة الجديدة مصالح الرأسمالية الزراعية الكبيرة ، بل كان يعني أن يتحول كبار ملاك الارض الى الرأسمالية الزراعية الكبيرة بصورة تدريجية ، فالسلطة – أى سلطة – لا تحمي طبقة مالكة وتقر بوجودها كطبقة سائدة فى الزراعة دون أن يمثل هذا الموقف مصلحة مشتركة تلتقى عندها السلطة مع الطبقة . أى أن التهادن مع هذه الطبقة فى تلك الفترة كان ينطوى على استعداد للتحالف البرجوازى معها برغم ما تنطوى عليه من عناصر سابقة على الرأسمالية ، فهى لا تستبعدها ولا تعمد الى تصفيتها :
- أي كرأسمالية متخلفة – بل تستبقيها لتكثيف استغلالها .أما البرجوازية الكبيرة فلم تمس السلطة الجديدة مصالحها فيما عدا اجراءات جزئية حتى عامي 60-61 ، بل تضاعفت أرباحها (بلغت الارباح التى حققتها الشركات المساهمة قبل التأميم 44,2 مليون جنية سنة 58-59 بنسبة 35% من رأس المال (1). وظلت ترقب متلمظة على مكاسب الاستقلال، التى طمعت فى الاستيلاء عليها وعلى مشاريع الدولة بمجلس انتاجها ومؤسساتها الاقتصادية عندما تقف على أقدمها (كما أعلنت الدولة نفسها) ، وهى التى شاركت الدولة ومؤسساتها الاقتصادية فى الكثير
-----------
(1)عادل غنيم ، اضواء على اتجاهات الرأسمالية الوطنية ، الطليعة القاهرية ، نوفمبر 1966، ص 97.
من المشاريع الهامة ، وقد حطمت السلطة أداتها السياسية ضمن حملتها على الاحزاب جميعا . ولقد ظلت السلطة الجديدة تدور فى فلك هذه الرأسمالية الكبيرة الامر الذى يتضح بجلاء من موقفها تجاهها ومن تبني وممارسة موقفها من الطبقات الاخرى المستغلة (بفتح الغين).
ان البرجوازية المتوسطة مركز اقتصادي لرأسمالية بدائية لم تبلغ أقصى التبلور والتحقيق لمنطق الرأسمالية وأسلوبها الانتاجي ، مركز اقتصادي يبدأ فوق المركز الاقتصادي للبرجوازية الصغيرة ليعلو حتى سفوح البرجوازية الكبيرة وطبقة ملاك الارض ، ليجمع الرأسماليين المتوسطين فى الارياف والمدن فى مختلف فروع الاقتصاد وقطاعاته. ولكن هذا المركز الاقتصادى الذى يجمع بينهم لا يرقى الى الارتفاع بهم الى وضع الاقتراب للسلطة أو السيطرة عليها كقضية عملية ، فمن المنطقي أن يكون مثلها الاعلى هو الرأسمال الكبير الذى لا تملك أقسامها العليا الا أن تدور فى فلكه.أنها تتطلع الى حيث يدفعها التراكم الرأسمالى ، فلا غرابة اذن فى ان تجد البرجوازية الكبيرة الحاكمة فيها خير حليف ، حيث لا تملك الاولى بدورها الا النظر الى البرجوازية الكبيرة حاميا وحليفا ومستقبلا . ولم تستقل البرجوازية المتوسطة باتجاه سياسي او ايديولوجي خاص قبل حركة 52 أو بعدها . فهى لا تمتلك أسباب هذا الاستقلال ولا يمكن أن تضع فى برنامجها تحرير المجتمع من الرأسمالية الكبيرة المسيطرة . حقا انها تضيق بالأوضاع الاحتكارية التى تحققها الرأسمالية الكبيرة . غير أن القاعدة الاوسع نسبيا لهذه الرأسمالية الكبيرة نفسها تضيق ،أيضا بأقسامها الاحتكارية العليا وقبضتها المسيطرة . ويشكل الملاك الصغار فى المركز الاقتصادي للبرجوازية الصغيرة فى بلادنا طبقة غفيرة العدد . وهى تتميز عن طبقة كبار ملاك الارض والرأسمالية الكبيرة والرأسمالية المتوسطة فى واقع أنها ليست طبقة استغلالية مثل الطبقات الاستغلالية الاخرى.
فهى برغم أنها (تملك)الا أن (ملكيتها) بقدر قوة عملها أساسا. وقد ظلت هذه الطبقة بفئاتها الطبقية المتعددة من فلاح متوسط (كما كان لينين يسمى البرجوازية الصغيرة فى ميدان الزراعة) وتاجر صغير ومثقفين صغار ...الخ الخ ، ظلت هذه الطبقة بعد حركة 1952 كما كانت قبلها مثقلة مقهورة. وبرغم ان لا أحد يستغل قوة عملها (من الناحية الاساسية) الا أنها مستغلة عمليا من زاوية مجمل الحياة الاقتصادية والسياسية . وأن واقع القهر الذى تعيشه هذه الطبقة يضعها فى مواجهة الطبقات الاستغلالية وفى الاساس فى مواجهة طبقة كبار ملاك الارض والرأسمالية الكبيرة والاقسام العليا من البرجوازية المتوسطة . وكما أن بعض الاجراءات والقوانين التى حققت بعض المكاسب للطبقة العاملة لا تحمل على الاعتقاد بأن السلطة قد تحولت الى الاشتراكية والى تمثيل الطبقة العاملة ، فان اجراءات (الاصلاح الزراعى ) غير الديمقراطي وشديد الاصلاحية لا يجب أن تؤدى الى تصور ان السلطة تمثل بأى صورة طبقة البرجوازية الصغيرة أو أحدى فئاتها الطبقية فى الارياف أو المدن . ومن المنطقي أن المركز الاقتصادي الذي يجمع أفراد هذه الطبقة ومجموعاتها ، يفرق بينهم فى الوقت ذاته وبشتتهم ويفتتهم ويبتعد عن المفهوم العلمي للطبقة الاجتماعية فى ظروف تعادي السلطة فيها الديمقراطية ولا تفسح لها مجالا لممارسة ميولها ومصالحها السياسية والاقتصادية كطبقة من خلال الادوات السياسية والجماهيرية التى حرمت منها . ويظل تبلورها كطبقة أو فئات طبقية متميزة وهنا من الناحية السياسية يتطور نضالها بالتحالف مع الطبقة العاملة والسير وراء قيادتها .أن الشظايا التى يجمعها هذا المركز الاقتصادي فى مجتمع برجوازى ديكتاتورى استثنائى لا يمكن ان تجمعها سلطة تحت سيطرتها ويظل المخرج الوحيد لهذه الطبقة هو النهوض بتلقائيتها فى ظروف مؤاتية والتقائها بنضال الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي. فتحقيق الرسالة التاريخية لطبقتنا العاملة لن يكون تحريرا لها فقط ، بل ايضا للبرجوازية الصغيرة (التى كانت ومازالت – طبقة فى ذاتها – أي طبقة من حيث أوضاعها الاقتصادية )، وتحريرا لكل الجماهير الكادحة . غير أنه لا يمكن الخلط بين هذا الفهم لواقع البرجوازية الصغيرة وعلاقاتها بقضية السلطة وبين احتمال أن تصل عناصر من البرجوازية الصغيرة لقمة السلطة فى صورة انقلاب عسكري على سبيل المثال .
ولكن قدرها الذى لا فكاك منه سوف يكون دوران مثل هذه السلطة فى فلك الرأسمالية الكبيرة وتكيفها مع مصالح الاخيرة من خلال الف وسيلة ووسيلة . ومهما تحدث من تناقضات محتدمة فان نتائجها وان ادت الى انتصار قطاع رأسمالى على آخر أو فريق رأسمالي على اخر، فانها لن تؤدى الى أن مثل هذه السلطة تمثل وتحقق مصالح البرجوازية الصغيرة ، مهما تقدم لهذه الطبقة من مكاسب جزئية...لقد مررنا بسرعة تضطرنا اليها هذه العجالة بعلاقات الطبقات الاستغلالية الكبرى (كبار ملاك الارض .الرأسمالية القومية الكبيرة والرأسمالية المتوسطة ) بسلطة 23 يوليو فى فترة 52-61 . ولكن ذلك الواقع المتشابك المعقد لعلاقات السلطة بالطبقة يظل ناقصا وغامضا ما لم نشر هنا ، بسرعة أيضا، الى واقع آخر شديد الاهمية . فهذه السلطة لم تكن تمثل وتحمى الطبقات الاستغلالية القائمة ، فقط ، بل صارت عبر تطورها التدريجى تمثل نفسها ، أيضا تمثل مصالحها الاقتصادية المتنامية مع تطورها ليس سلطة دولة فقط ، بل كواقع اقتصادي كقوة اقتصادية ايضا . ففى غياب الحريات الديمقراطية ارتبط دورها المتزايد فى الانتاج بظهور البراعم الاولى للبرجوازية البيروقراطية باعتبارها فئة طبقية جديدة .
ويقول المؤلف : ( لم تجر حركة يوليو 1952 تغييرا محسوسا على الجهاز البيروقراطي الهرمي للسلطة الموروث من عهد الحكم الملكى ، اذا اقتصر على بعض التغيرات الجزئية والشكلية بعزل بعض العناصر القيادية التى زاولت نشاطا سياسيا واضحا فى خدمة العهد القديم ....أى أن الطبيعة الطبقية لتكوين الجهاز لم تتغير كثيرا عما كانت عليه ، واستمر فى مجموعة ممثلا للطبقة الوسطى . وكان أبناء البرجوازية الكبيرة – والبرجوازية الزراعية بالذات – يحتلون معظم المراكز الرئيسية فى هذا الجهاز فى مستوياته العليا .) (ص 33).
حقا ان البرجوازية متى ظفرت بالسلطة لا تحطم آلة الدولة ،بل تصقلها ، وبرغم ذلك فان هذا الصقل لم يكن مجرد (بعض التغيرات الجزئية والشكلية)). فقد توسعت آلة الدولة بأجهزتها المختلفة ، من جيش ومخابرات وشرطة وجهاز بيروقراطي ، توسعا ضخما حيث يقدم الجيش بالذات أبرز الامثلة . ولكن هذا الصقل لا يقتصر على ذلك . انه تغير بالسلطة – من حيث مضمونها الطبقى – من سلطة تمثل الاحتلال البريطانى والقصر الملكى وطبقة كبار الملاك الارض والبرجوازية الكبيرة الى سلطة تلك الفترة التى مازلنا نتحدث عن مضمونها الطبقي .
ان النظرة المثالية (أو ماذا ...ندري ؟) تقود مؤلفنا الى انكار تغير الطبيعة الطبقية للجهاز البيروقراطي ، ثم يقفز بخفة وطيش الى أنه استمر (ممثلا للطبقة الوسطى) : فهل كانت الطبقة الوسطى هذه هى المضمون الطبقي للسلطة قبل حركة 1952 ؟! . وبفضل ماذا ؟؟!! بفضل احتلال (أبناء البرجوازية الكبيرة والبرجوازية الزراعية بالذات ، معظم المراكز الرئيسية فى قمة هذا الجهاز وفى مستوياته وفى مستوياته العليا) !! غير ان هذا ينقلنا الى مسألة حادة فسلطة الدولة بأجهزتها المتعددة تحمى وتمثل مصالح الطبقة السائدة فى الاقتصاد ومصالح حلفائها الاستغلاليين ، حيث سلطة الدولة تعنى ليس، فقط ، قمعها ، بل مجموع أجهزتها بما تضم من بشر وما تستند اليه من قوانين ولوائح. ومن الطبيعي تحليل (بشر)هذه الاجهزة من الناحية الطبقية بموازاتهم للمراكز الاقتصادية لمختلف الطبقات القائمة باعتبارها فئات تنتمى الى تلك الطبقات الاستغلالية أو المقهورة . وواقع أن هذه السلطة فى أيدى الطبقات الاستغلالية كأدة تحمى مصالحها بقمع الطبقات العاملة والشعبية ، وواقع سيطرة هذه الطبقات على السلطة التى تقوم بدورها بالاستناد الى بقية عناصر البناء الفوقى من قانون وأيديولوجية ، هذا الواقع هو الذى يجعل كل هؤلاء (البشر) برغم تناقض وتضارب مصالحهم الطبقية يقومون فى النهاية بنفس الدور باعتبارهم تروسا فى آلة الدولة ، وكانت ثمة فئة متميزة داخل سلطة ما قبل 52 تتربع على قمتها كفئة بيروقراطية . وقد تتغلب على الصفة البيروقراطية عند بعض عناصر هذه الفئة صفة أخرى نابعة من مصالحها المرتبطة بالطبقات الاستغلالية الكبرى القائمة . ولكن ذلك كان قائما قبل حركة 52 ، حيث لم تلعب الدولة دورا حاسما فى الاقتصاد ، كقوة اقتصادية ذات وزن حاسم . ولكن الدور الذى بدأت تلعبة السلطة الجديدة بعد سنوات من قيامها فى مجال الاقتصاد ، بصورة مباشرة ، أخذ توسعة وتزايد وزنه يتجهان بقمم أجهزة الدولة نحو أوضاع جديدة . فقد ظهرت وأخذت تتبلور تلك البراعم البيروقراطية الاولى فى اتجاة لعب دور من نوع جديد لا كسلطة أو قمم من سلطة فقط ، بل كفئة طبقية ذات ملامح محددة ترتكز على الوضع القانونى لملكية الدولة فى سيطرتها الاقتصادية وفى اتجاهها نحو مزيد من السيطرة . وهنا تبدو السلطة لا كحلقة عادية تتربع على قمتها فئة ضيقة من البيروقراطيين الكبار الذين يجنون نصيبا ضخما من ثمار العلاقات الاستغلالية التى يمثلونها . بل كفئة طبقية تكونها عناصر بيروقراطية تزداد اتساعا لتكون أول من يجني ثمار العلاقات الاستغلالية التى تسيطر عليها مباشرة . ومن البديهى ان بقية البشر فى أجهزة الدولة من جيش وشرطة وجهاز بيروقراطي ( دواويني ) يظلون على حالهم من حيث انتمائهم الى طبقات شتى متناقضة المصالح . وعلى قمة سلطة الدولة هذه تتربع قبضة مسيطرة يقف على قمتها زعيم كلى الجبروت متضخم السلطات، حاكم مطلق . وفى هذا الاطار المحدد يمكن أن نضع ظاهرة البونابرتية التى تجمع فى مفهومها أوضاع طبقية وأشكالا فى الحكم وديكتاتورا.
والبونابرتية الناصرية لها خصائصها المتميزة التى تحدد الاختلاف أو الاتفاق النوعى الخصوصي عن أشكال اخرى بونابرتية مثل نابليون الثالت او البونابرتية البيسماركية ، حيث ترتبط بدور بارز فى الاستقلال القومي الذى لعبته هذه السلطة البرجوازية فى بلادنا . وهى تتميز أيضا بمضمونها الطبقى النوعى الذى عرف مرحلة من تمثيل السلطة لتحالف يضم طبقات استغلالية متعددة زاعمه لنفسها وضعا فوق الطبقات تلعبه قمم مرحلة أخرى من تمثيل رأسمالية دولة بيروقراطية حامية بجوارها مصالح الطبقات والفئات الطبقية الاستغلالية الاخرى . وقد تميزت بدرجة بارزة من الاستقلال النسبي الذى لا يذهب الى (التعليق فى الهواء) دون أن يختلط هذا الاستقلال بأى مفهوم غريب عن تمثيل مصالح الامة فى مجموعها فضلا عن تمثيل مصالح الطبقة العاملة أو مصالح البرجوازية الصغيرة . وكأى بونابرتية عصفت الناصرية بأى حريات نسبية حققتها الحركة الوطنية قبل حركة 1952 ، معلنة الليبرالية تيارا غربيا استعماريا ومستندة الى برلمان شكلى ، طبقا للدساتير المؤقتة أو الدائمة ، كخاتم فى أصبع السلطة التى صارت سلطة تنفيذية ، تشريعية قضائية شاملة ، تعمل بالاساليب الادارية والبوليسية والديماجوجية على تصفية الحياة السياسية حتى الموت . فلقد تمثلت (الديمقراطية المباشرة ) فى الاستفتاءات البونابرتية المزيفة فضلا عن الشطب الواسع الناطق للمرشحين للانتخابات المختلفة للنقابات والبرلمان..الخ وتمثلت قضية التنظيم السياسي الاوسع ، الاوحد ، بلا فاعلية سوى كل ما هو سلبي باعتباره بوقا محدود التأثير للسلطة وباعتباره محرما لقيام أى تنظيم سياسي خارجه . وتزودت السلطة بخير زاد من القوانين الرجعية فاشية الطراز للعهد البائد وأضافت اليها ما هو أشد قسوة . وأصبح كل ما هو معروف فى اربعة اركان الارض كحريات أو حقوق ديمقراطية ، تخريبا وفوضى وشق للجبهة الداخلية . أما الطبقات المتناقضة المستغِلة والمستغَلة فقد جمعت قسرا فى تحالف ووحدة وطنية وجبهة داخلية من الطراز الفاشي. وأستطال منطق ما أسمته بفترة الانتقال من اجراءات استثنائية لا تكتفى بالقوانين الاستثنائية والقوانين البرجوازية العادية ، وورثت الديكتاتور كل السلطات الدستورية المطلقة للملك فى الدساتير السابقة وزادت عليها فى كل أتجاه .
وبرغم ما حققته هذه الديكتاتورية الاستثنائية من انجازات قومية ضخمة وما وجهته من ضربات قاسية للامبريالية فى المنطقة العربية ، الا أنها حطمت قوى الاشتراكية والديمقراطية القادرة وحدها على حماية هذه المنجزات والسير بها الى الامام وبرغم أنها حققت تصفيه طبقات استغلالية ، الا أنها فى ظل ديكتاتوريتها البونابرتية الاستثنائية خلقت طبقتها النوعية الاستغلالية وسحقت الحركة الشعبية التى تمثل الضمانة الوحيدة امام مخاطر أحياء تلك الطبقات الاستغلالية أو بعضها كما نشهد اليوم ، فيا لها من ظاهرة حافلة بالتناقضات دون أن تكون أعجوبة تحار البشرية فيها ....
نقاط الصدام :
لم تستطع الامبريالية الامريكية تطويع هذه السلطة الجديدة لأهدافها ولم تتمكن الرأسمالية القومية وكبار ملاك الارض من ابتلاعها . ولا يعود هذا الفشل الى صلابة أو فولاذية أفراد قيادة كانت تبيت النية على القيام بكل ما قامت به بالفعل ، بل يعود ذلك الى الظروف الموضوعية المحلية والدولية التى أحاطت بالتطور اللاحق لهذه الحركة ، فلا يمكن أن يفهم من قانون استثمار رأس المال الاجنبي عام 53، على سبيل المثال ، بنية مبيتة على تمصير البنوك الاستعمارية فى أعقاب العدوان الثلاثي أو ان يفهم من السعى الدؤوب للحصول على السلاح والتدريب الامريكيين فى السنوات الاولى بنية مبيتة على عقد الصفقة المسماة بالتشيكوسلوفاكية مع الاتحاد السوفييتى ،وأن نجد البروفة الاولى لتأميم قناة السويس فى المشروع المصري الامريكي الذى صار الى الفشل لبناء السد العالى . ويستعير الرفيق ط .شاكر من الصورة التى تحققت بها (التنمية الاقتصادية) فى أواخر الخمسينات وأوائل الستينات مبدءا يضخمه بصورة ميتافيزيقية . وهذا المبدأ هو عبارة عن (تنمية اقتصادية) كنموذج مسبق ، يفرضه بأثر رجعي على الاطوار المختلفة لتطور النظام الناصري . ومن هنا يركز على دور الوعى والاختبار الواعى والادراك فتشكل هذه الالفاظ قاموسا لوصف عمليات من نوع اختيار طريق ثم فشله الذي يؤدى الى اختيار طريق آخر ينتهى الى الفشل ليؤدى الى اختيار طريق جديد وهكذا.. وكأن التنمية الاقتصادية قد نظرت اليها السلطة من نفس زاوية النظر فى مختلف اطوارها وكأنها لا ترتبط بظروف موضوعية وصراعات محتدمة لا يحكمها نموذج محدد سلفا ، بل لها منطقها الخاص وضروراتها التى تطرح الاشكال الجديدة للحياة الاقتصادية للبرجوازية وصيرورتها ولكن تلك الفترة 52 الى 61 الحافلة بجدل التاريخ تتجلى فيها حقبتان تتميزان بمواقف مترابطة . والواقع أن تأميم قناة السويس ، الذى سبقه كسر احتكار السلاح والاعتراف بالصين الشعبية ومؤتمر باندونج وتلته احداث جسام ، يمثل فاصلا نسبيا واضحا بين الحقبتين . فبعد الاشارة لقانون تنظيم استثمار رأس المال الاجنبي(30 مارس 1953) الذى يمثل خطوة الى الخلف حتى بالنسبة لقانون 1947 فى العهد البائد والذى وقعت على أساسه (عقود مع شركات النفط الامريكية يمنحها امتيازات التنقيب عن البترول واستغلاله فى مناطق واسعة من الصحراء الغربية ) يضيف المؤلف :
انه ( ومن التبسيط المخل أن يعزى هذا الموقف الى عماله أو خيانة القيادة السياسية ، بقدر دلالته على سطحية وضحالة وعيها السياسي ووقوعها تحت التأثيرات الفكرية للبرجوازية الكبيرة التى لم تبدا الصدام الحقيقي معها الا بعد سنوات وبالاضافة الى سذاجة النظرة الى امريكا ، بنفى صفة الامبريالية عنها ، لدى غالبية عناصر هذه القيادة ، وهى نظرة سادت بين بعض قطاعات البرجوازية الوطنية التى كانت تعادى الاستعمار البريطانى وتتصور امكانية الاعتماد على منافسة فى المنطقة دون التعرض لخطر ما ...) (ص 98)حقا ان اتهام القيادة السياسية بالعمالة المباشرة بالذات (من التبسيط المخ ) ولكن أليس من التبسيط المخل، أيضا ، ان نعزو الاتجاه الى رأس المال الاجنبي والاستعمار الامريكي بالذات الى (سطحية وضحالة وعيها السياسي ) أو الى سذاجة النظرة الى أمريكا )!.
أن الاتجاه الى أقامة الجسور مع رأسمالية استعمارية ليس سوى أتجاه طبيعي منطقى . فأي رأسمالية لابد أن تعمل على الترابط مع الرأسمالية العالمية . وهذا الاتجاه الموضوعي أقوي من أي ( سذاجة نظرة ) . أليس من الخراقة (أن نتهم ) طبقة رأسمالية بأسرها بهذه النظرة الساذجة ولا نكتفى بوصف قيادة سياسية بها . غير أن هذه القيادة أثبتت فى نفس العام 1953 أنها أقل سذاجة فى نظراتها للامور مما يعتقد الرفيق شاكر. ففى ذلك العام قدم الى القاهرة جون فوستر دالس يدعو هذه القيادة السياسية الى الاشتراك معه فى حلف عسكرى لمواجهة الخطر السوفييتى . ولم يقتنع عبد الناصر بل أفهمة موضحا أن مثل هذا الخطر ليس له سوى شكل واحد هو الغزو السوفييتى من الداخل متمثلا فى الحركة الشيوعية فى البلاد التى لابد أن تتضاعف قوة وتزداد انتشار ونفوذا بين الجماهير الشعبية بعقد مثل هذا الحلف . وبرغم الكراهية والخيبة التى عاد يهما ذلك الوزير الامريكي ،الا أن هذا الموقف المعادي للشيوعية لايمكن الا ان يمثل نقطة التقاء بالغة الاهمية كانت تعيها القيادة السياسية (الساذجة).
ولكن هل كانت تلك القيادة من السذاجة بحيث لا تفهم أن مثل ذلك الحلف سوف يثبت الاحتلال البريطانى كقوات صديقة بالاضافة الى بقية (شروره )الذى لا يدعو اليه سوى (نوع معين من الناس) (نوع استعماري)؟ ومع ذلك ألم تستمر فى اندفاعها الشديد نحو الاستعمار الامريكي بالذات من أجل تحقيق (الجيش القوى والاقتصاد القوى)؟! فى تلك الحقبة التى كان فيها الموقف من الاستعمار (ايجابيا) بأسوأ معانى الكلمة وكان الموقف من الاتحاد السوفيتي (سلبيا)وكانت الدائرة العربية تقبع الى جوار الدائرتين الاسلامية والافريقية فى كتيب صغير . وكان موقف القيادة السياسية(الساذجة) من اسرائيل موقف التجاهل الذي ينطوى على استعداد للتحول الى موقف ايجابى بأسوأ واحط معانى الكلمة . فى تلك الفترة كان هناك نوع من التطابق بين مواقف السلطة ومواقف البرجوازية القومية الكبيرة ، وبالاخص فى الارتباط بالعالم والعالم العربي....وموقف داخلى يكتفى (باصلاح زراعى) محدود وبتدخل الدولة فى الاقتصاد تدخلا خجولا ، ومع ذلك تعلن الف مرة أن هذا التدخل سوف يصب فى المجرى البرجوازى الخاص ، كما تعلن عن موقف عدائى من الحركة الشعبية (يستحق كل التقدير والعرفان) . ومهما تكن المنغصات الصغيرة التى اشتكت منها البرجوازية الكبيرة فانها لم تكن لتحول دون اللذة الكبرى أمامها !
وقد أضاف واقع تدهور الامبراطوريات الاستعمارية القديمة وبالاخص غياب شمس امبريالية بريطانيا العظمى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية العنصر الجديد ، العنصر الجديد ، عنصر الاتجاه نحو الاستعمار الامريكي الذي برز دوره كقيادة جديدة للرأسمالية الاستعمارية العالمية . ولقد كانت السلطة البرجوازية الجديدة فى أشد الحاجة الى حليف (موضوعى) فى عالم الغرب الاستعماري ، وكانت شمس امبريالية الولايات المتحدة الامريكية أسطع من أن تخطئها تلك العيون (الساذجة ). وكم تأسف كبار المسؤولين الامريكيين وعلى رأسهم الرئيس السابق ريتشارد نيكسون على الفرصة الذهبية التى أضاعها فى تلك الحقبة غباء الوزيرالامريكي الاسبق فوستر ، ولكن (غباء) دالس ليس حجة أقوى من (سذاجة) القيادة المصرية . وقد سبقت الاشارة الى شدة حاجة الاستعمار الامريكي الى ضمانة تضع القيود على الا تستخدم هذه السلطة الجديدة مساعدتها فى توجية الضربات الى حلفائها ، بينما السلطة الجديدة ، لم تكن تكفيها (سذاجتها ) قبول حلف عسكرى يودي بحياتها . أى أن ((حوار الطرشان)) هذا لم يكن سوى حوار الواقع الموضوعى فى ظروف نوعية بعيدة عن الغباء أو الذكاء بعدها عن السذاجة أو الدهاء .
وهنا برزت قضية موت أو حياة أمام السلطة البرجوازية . فقد هدد منطق الكفاح الشعبي المسلح ضد قوات الاحتلال بأن يشق طريقه أذ كانت السلطة قد حصلت من خلال المفاوضات على اتفاقية الجلاء مثقلة بالقيود والشروط الاستعمارية . مما يجعل ضمانات تنفيذها ليست اكيدة . أما اسرائيل التى كانت السلطة تتجاهلها أو تبدى الاستعداد للصلح معها فقد كررت هجماتها المسلحة على الحدود الشرقية للبلاد . وهكذا فأن الاستعمار الامريكي لا يقدم لها مخرجا من هذا المآزق ، لذا عليها أن تبحث فى العالم بأكمله عن مخرج لتجده لدى الاتحاد السوفييتى على رأس المعسكر الاشتراكي وياله من عنصر جديد خطير ! ولاننا لن نقوم هنا بسرد القصص المعروفة جيدا ، فاننا نكتفى بالاشارة الى اتجاه الصراع مع الاستعمار العالمى بقيادة الاستعمار الامريكى نحو الاحتدام ، والى ارتباط هذا الصراع المحتدم بظروف خطورة اسرائيل من الناحية العملية منذ العدوان الثلاثى بالذات . هذا بالاضافة الى بروز ضرورة ارتباط قضية الاستقلال القومى بالمنطقة العربية كمجال لنمو البرجوازية المصرية ، ومن أجل توثيق العلاقات مع حركة التحرر الوطنى العربية برجوازية الطابع والقيادة ، والى تأكيد هذا الصراع المحتدم مع الاستعمار لضرورة الاستفادة من التناقض بين المعسكرين واللعب على حباله ، ودور المعونة السوفييتية الاقتصادية والعسكرية والفنية فى مواجهة العنف الاستعمارى الذى ارتدى اشكالا ضاربة .
وقد كان هذا التطور الجديد بعناصره المترابطة هو الاطار العام للحقبة الثانية من تلك الفترة ، الحقبة التى حفلت بصراعات محتدمة على جبهات عديدة أدت الى صدام لا مفر منه مع الامبريالية ومصالحها ، وأدت الى اعتبار كبار ملاك الارض (من جديد) فى خندق واحد مع الرأسمالية الكبيرة . ومن ناحية أخرى فقد برزت فى تلك الحقبة أسلحة التمصير والتأميم والحراسة التى تسلحت بها البرجوازية البيروقراطية الناشئة يفضل أمساكها المباشر بسلطة الدولة .
ويمكن أن تقول فى هذه المرحلة من عجالتنا ، باختصار ، أن عناصر الصدام الحاد من طبقتى الملاك والرأسمالية الكبيرة قد تحولتا على أسس واضحة ، اذ من الطبيعي أن تكون لحظات الصدام الحاسمة مجالا حيا لاحتدام التناقض والصراع بحكم تباين النظرة النابعة من الاختلاف بين سلطة أتت من خارج الممثلين المباشرين لهذه الطبقة وبين الطبقة نفسها . فقد نشأ وضع دولى جديد لا يتفق مع مصالح الطبقتين الاستغلاليتين الكبيرتين ولا يمكن لآفاقهما التقليدية أن تتسع له أو تتكيف معه . وكأن ذلك الوضع الدولى الجديد ينطوى على وجهين لميدالية واحدة : فقد تجاوزت صراعات السلطة الجديدة مع الاستعمار الامريكى على رأس المعسكر الاستعماري مستوى المشاكل العادية لتتجه نحو مزيد من الاحتدام ، واستطاعت سلسلة ردود الافعال بين الطرفين واخد موقف الاستعمار المتشدد العنيد يدفع السلطة الى المزيد من المواقف المعادية للامبريالية ومصالحها فى مصر والمنطقة العربية . وفى هذا الاطار ، فقط ، اقدمت على ما لم تفكر فيه من قبل ، التمصير والتأميم على نطاق واسع للمصالح الاستعمارية فى تدرج يبدأ لا بمنطق متماسك فى الاستقلال الجذري بل (بتمصير)المصالح الانجلو – فرنسية فى أعقاب شن الامبرياليتين عدوانهما الثلاثى مع اسرائيل على بلادنا . وكان الوجه الآخر لنفس الموقف والاتجاه ، توطيد الصلات مع الاتحاد السوفيتي فيما يعرف بمنطق الابتزاز ، ولم تقف تلك العلاقات عند حدود جزئية مبعثرة ، بل دفعها الموقف الامبريالي العدوانى الى تطور متسارع لتشمل كافة المجالات الاقتصادية والفنية والعسكرية ، مع الموقف السوفيتي المعادي للامبريالية واستعداده الى مد يد العون الى أى طبقة قومية تعاديها وتقاوم محاولاتها الضاربة للاحتواء والتطويع . ولقد كان ترابط ما هو اقتصادي بما هو سياسي وعسكري عميقا فى هذا الوضع الدولى الجديد . لقد كانت الفئة الطبقية البيروقراطية الناشئة على قمة السلطة أقدر من الطبقات الاستغلالية القائمة على تفهم هذا الوضع الجديد وضروراته (المرحلية) وكونة الاتجاة الوحيد الذى ندفع اليه ضرورة قاهرة . أما تلك الطبقات ( كبار ملاك الارض والرأسمالية الكبيرة) فقد كان من الطبيعي وفقا لتكوينها الخاص أن تقابل بأشد الذعر هذا التدهور المتواصل للعلاقات مع الحلفاء (الطبيعيين) فى الغرب الاستعماري . وكأن ما هو أشد هولا لديها هو ارتباط ذلك بأتجاه العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وبقية البلدان الاشتراكية .
ولم يكن من الممكن أن يثمر هذا الاتجاه تحالفا منطقيا مع الرجعية ، بل أخد يربط معاداة الاستعمار بتوثيق العلاقات مع حركة التحرر الوطني العربية البرجوازية ، الامر الذى وضع السلطة فى مواجهة عدائية قاسية مع الرجعية العربية .
وهكذا أخذت البلاد تسير فى اتجاه أساسي يتناقض مع مصالح الطبقتين الاستغلاليتين الاساسيتين ( الرأسمالية الكبيرة وكبار ملاك الارض ) . وهو اتجاه لا تضعانة وتحددان مداه ، بل يفرض بخلاف ارادتهما وضدها ، ولم تعد ثمار هذا الاتجاه تسقط فى فم الرأسمالية الكبيرة التقليدية . لان هذا الاتجاه كان يرتبط بصورة وثيقة بواقع جديد تمثلة نشأة البرجوازية البيروقراطية التى تسلحت بالتأميم والحراسة والتمصير ! فلم يعد (تدخل) الدولة يقف عند ذلك الحد الخجول ، اذ ان إحجام الرأسمالية الكبيرة عن التنمية الاقتصادية اتجه به نحو توسع متزايد ، وبدا بصورة واضحة نوع من التراكم الرأسمالى البيروقراطي ( فى اتجاه رأسمالية الدولة) على حساب طبقة ملاك الارض ، وعلى حساب المصالح الامبريالية البريطانية والفرنسية ، وعلى حساب اليهود الاجانب والمتمصرين ، وعلى حساب فئة الكومبرادور ، الخ . ولم تفلح محاولات الرأسمالية الكبيرة فى (ابتلاع) ما يمصر أو ما يؤمم من مصالح استعمارية . فقد تناقضت محاولات شراء السيطرة والانفراد بالسوق المصرية مع واقعين مترابطين هما (1) ذلك التراكم الرأسمالي البيروقراطي داخل شبكة العلاقات الرأسمالية القائمة (2) ضرورة تزايد الانفاق العسكرى والاقتصادى من خلال خطة التنمية لتثبيت اقدام نظام محاصر على أسس الاستقلال القومى مما يجعلة يختلف عن أى نموذج سابق فى مداه . أى أن ضرورات قاهرة كانت تدفع فى اتجاه دور حاسم تقوم به السلطة فى الاقتصاد . فلم تكن هذه السلطة ، ذات التناقضات الخصوصية مع الطبقات الاستغلالية القائمة والقادمة من خارج حركتها السياسية ، لتستطيع الاعتماد على هذه الطبقات لحمايتها وتثبيتها أمام العواصف الاستعمارية وتقديم الامكانيات الاقتصادية والمادية الضرورية للمواجهة السياسية والعسكرية ، بل لقد كان هناك لقاء موضوعى فى موقف المعاداة العنيفة تجاه هذه السلطة بين الامبريالية وهذه الطبقات .
وفى ذلك الصراع المحتوم ، بين الطبقات والسلطة المنطوية على طبقة فى طور التكوين ، كانت هذه الطبقات البعيدة عن الامساك المباشر بهذه السلطة والتى تحطمت أدواتها السياسية الحزبية السابقة ، تركز على التغلغل فى البناء السياسي القائم باتحاده القومى ، وبالاخص على الاشكال الاقتصادية فى الصراع من احجام عن تمويل خطة التنمية ، التى تناقض اتجاه استثماراتها مع الاتجاه القاهر الذى بدات تسير فيه البلاد (1) . وبرغم مباركتها لسحق قوى الاشتراكية والديمقراطية ، فقد ادى بها افتقاد اشكالها وادواتها السياسية الخاصة الى وضع خضعت فيه بصراعها مع سلطة تسير فى اتجاه تدفعها اليه الضرورة .
وفى أواخر هذه الفترة كانت البرجوازية البيروقراطية وتراكمها تسيران فى اتجاه التبلور وازداد اتجاه السلطة الى تمثيل نفسها فى المحل الاول ، فقد برزت كقوة اقتصادية ذات وزن وميول اكبر مما لاي قوى سياسية رأسمالية من ميول للمنافسة واحتمال الصدام مع القوى الرأسمالية الاخرى (2) . وفى الطريق الى صدام ، كان قد صار محتما ، كانت القضية الرأسمالية تواجه قضايا حاسمة طرحت عليها نفسها بحدة تتعلق بمدى معاداة الاستعمار ، ومدى تطوير العلاقات مع المعسكر الاشتراكي ،ومدى رأسمالية الدولة ، ومدى ربط الاستقلال بالمنطقة العربية وأسرائيل

1- بلغت استثمارات المبانى سنة 1955 ما قيمته 47,3 مليون جنية أى 75.8 من مجموع الاستثمار الخاص – عادل غنيم- اضواء على اتجاهات الرأسمالية الوطنية – الطليعة نوفمبر 1966.
2- وقد ارتفعت استثمارات المؤسسة الاقتصادية من 67,5 مليون جنية سنة 1957 الى 64 مليون جنية سنة 1959 وارتفعت الودائع من 68,3 مليون جنية الى 133,6 مليون جنية وزادت القروض والسلف من 67,7 مليون جنية سنة 1957 الى 1,6 مليون جنية سنة 1960 ( صدقى سليمان ، من بحوث الخمسينى للجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع ، ص 589).
وقوة الصراع مع الطبقات الاستغلالية القائمة .. وبرغم أن الظروف الموضوعية المتشابكة قد فرضت على هذه القضية الرأسمالية أن تسير فى اتجاه محدد يتخذ مواقف مترابطة من هذه القضايا ، الا أن انعدام التجانس فى المصادر والاصول الطبقية التى كانت البرجوازية البيروقراطية الناشئة تتكون منها ، قادها بالضرورة الى تعدد الاتجاهات وفقا لاختلاف المواقف من هذه القضايا ، مع تفاوت وزن هذه الاتجاهات فى اللحظات المختلفة القادمة فالى جوار الوزن المسيطر لاتجاه تفرضه الضرورة كثرت الاتجاهات والتيارات الاخرى . ولكن حدة تلك القضايا المطروحة من خلال صراعات محتدمة كانت تؤدى الى استقطاب حاد يهبط بوزن الاتجاهات الوسطية الكثيرة ويبرز اتجاهين اساسيين داخل الطبقة البرجوازية البيروقراطية يتميزان بطريقتين فى معالجة تلك القضايا ويفوز بالقوة والسيطرة اكثرهما مقدرة على الاستجابة للضرورة فى ظروف متغيرة . ولعل من المفيد أن نختتم هذا الفصل بملاحظة ختامية عن تلك الفترة فيما يتعلق بمعاداة الاستعمار ، فهى ليست بالمعاداة الجذرية ولا سيرا فى طريق الاستقلال الجذري .
وقد يستطيع الرفيق شاكر أن يتحدث عن تمكن النظام من تحقيق انجازات هامة بتحرير الاقتصاد الوطنى عندما قام (بالتمصير والتأميم) ..الخ . ولكننا لا نملك الا أن نلاحظ التهادن الخطير المائل فى موقف السلطة من الاستعمار سواء من الناحية السياسية أو من الناحية الاقتصادية . فقد كان لجوءها الى أسلحة التمصير والتأميم والحراسة يأتى بأشكال تدريجية تقترن بأقصى أشكال العنف والحصار والتشدد الموجه من جانب الامبريالية . وقد ظلت مصالح استعمارية أساسية قائمة حتى الستينات . فلم تمس المصالح البلجيكية الا عام 1960 ، اي تأميم بنك مصر. ولم تمس شركة شل البريطانية الا عام 1964 . وظلت مصالح استعمارية ذات وزن حتى أواخر هذه الفترة . ولم تمس مصالح أجنبية وثيقة الصلة بالاستعمار الا فى النهاية أيضا ، وظلت مصالح الجالية اليونانية فى الاقتصاد المصرى حتى قوانين التأميم البيروقراطي . ومن البديهي أن الاستغلال الامبريالي التجارى قد أستمر . فقد بلغت قيمة واردات مصر من الولايات المتحدة أكثر من 118 مليون عام 1959 مقابل ما قيمته أكثر من 63 مليون جنية واردات الاتحاد السوفييتى والبلدان الاشتراكية . أما الصادرات فقد بلغت قيمتها بالنسبة للمجموعة الاولى اكثر من 39 مليون جنية مقابل اكثر من 71 مليون جنية للمجموعة الثانية .
وفيما عدا الاستثمارات المباشرة التى عرفتها تلك الفترة ، فقد بلغت الفروض والسلفيات التى قدمتها الكتلة الغربية (الاستعمارية) فى الفترة بين 1952 ما يزيد عن 599 مليون دولار بنسبة 40,6 % من اجمالى القروض والسلفيات الاجنبية التى تلقتها مصر فى تلك الفترة . بالاضافة الى أكثر من 56 مليون دولار بنسبة 78،3 من البنك الدولى مقابل 840 مليون دولار بنسبة 16،56 % من الكتلة الشرقية (الاشتراكية ) .(1)
وبرغم خطورة (الالتقاء) بين هذه السلطة والاتحاد السوفيتى فى مواجهة المصالح الاستعمارية عامة وأهداف الاستعمار الامريكي فى المنطقة على وجه الخصوص ، فان ذلك الالتقاء كان خاليا من أى مضمون ديمقراطي ، بل لقد شهدت فترة ازدهار العلاقات المصرية – السوفيتية تصفية قاسية ، لا رحمة فيها ، بالاساليب الادارية والبوليسية للحركة الشيوعية فى نطاق حملة واسعة ضد الشيوعية فى المنطقة العربية كلها . لقد كان(تحالفا) مؤقتا اضطراريا ونوعا من الابتزاز الدولى للاستفادة من التناقض بين المعسكرين فى زمن الحرب الباردة . ولم ينفصل يوما عن انتهاج سياسة معاداة الشيوعية على المستوى المحلى والعربي بالاخص . وكان هذا الجانب المعادى للشيوعية بثماره المجزية للامبريالية ، التى فاقت أحلام الاستعمار الامريكي فى المنطقة العربية ، نقطة التقاء أساسية لهذا الاستعمار مع السلطة فى مصر ...
(1) – Magdi M.L Hawash, Economic development and planning in Egypt.pp.313 314.ny. 1968
الفصل الثالث
ما هى البرجوازية البيروقراطية ؟
تتعدد القضايا التى تثيرها البرجوازية البيروقراطية . وفى كتاب الرفيق شاكر نجد أنفسنا أمام خليط عجيب من (التحليلات ) التى تستحق وقفات بقدر ما تسمح به هذه العجالة .
الهيدروليكا تحرك التاريخ !
يقول الرفيق شاكر فى معرض حديثه عن السمات المميزة للنظام الناصري (الواقع الجغرافي التاريخي لمصر كمجتمع هبدرولوجي – يقصد طبعا هيدروليكي – احتاج دائما لتخطيط وتنظيم مركزى لعمليات الري، فرض وجود دولة مركزية منذ أقدم العصور . ولذلك فإن للبيروقراطية فى مصر تراث وتقاليد راسخة ) .(ص 25) . ويقول أيضا فى معرض اشارته للتطور البيروقراطي قبل حركة 1952 (والحجم والوزن النسبي لهذه الفئة يفوق مثيله فى البلدان الرأسمالية الاخرى ، بسبب طبيعة المجتمع الاقتصادي الزراعى القائم على أساس نظام الري ، وسلطة التصرف فى تفتين وتوزيع المياه، بالاضافة الى المشروعات الاجنبية التى كانت تدار بواسطة عدد متزايد من الاداريين والفنيين المصريين ) .(ص 174)..
(الواقع الجغرافى التاريخى ) ، ان صفة التاريخى فى هذه العبارة تقوم بدور شرقى ، فالفرض الاول لا يفعل سوى انه يفسر البيروقراطية بالهيدروليكا.. فعندما وجد مؤلفنا أمامه (بيروقراطية تخطط وتنظم مركزيا) تمتم بالتعويذة المحفوظة ، تعويذة تفسير مشوه للنظام الفرعونى ، برده بميكانيكية الى الجغرافيا . بدلا من دراسة الخصائص والاسس النوعية لذلك النظام الاسيوى القديم ، فهل يقصد هذا النص الغامض تفسير رأسمالية الدولة وبيروقراطيتها ( بالتقاليد الراسخة) للمجتمع الهيدروليكي ، برغم أن ذلك تفسير فظ للمجتمع الفرعونى نفسه ؟ فمن الواضح أن نقل خصائص ذلك المجتمع بصورة آليه الى مجتمعنا المصري الحديث والمعاصر ، يتجاهل انقطاع ذلك المجتمع بنهاية نطاقه التاريخي،مهما تكن أهمية العناصر المستمرة من الابنية العلوية على وجه الخصوص . ويبدو أن خرافة ( التخطيط المركزي الشامل ) من القوة ( قوة الوهم ) بحيث تحمل بعض الناس الى هذا النوع من التفسيرات .
ويوضح الفرض الثانى عبث اللجوء الى مثل هذا التفسير ، فقد واجه المؤلف فى مصر ما قبل حركة 52 ضرورة تفسير مشكلة تضخم حجم ووزن البيروقراطية فراح يتمتم بعبارة (المجتمع الاقتصادى والزراعى القائم على أساس نظام الري ) وكأن موظفي وزارة الري يشكلون أساس البيروقراطية فى مصر ، وكأن موظفي الوزارات الاخرى كالزراعة وغير الزراعة لم يكونوا مرتبطين يأسس اقتصادية وعلاقات انتاجية تختلف كل الاختلاف عن النظام الفرعونى الاسيوي القديم (وبيروقراطيته) التى شكلت قمعها النظير الطبقى لكبار ملاك الارض والرأسمالية الكبيرة وأصحاب المصالح الاستعمارية والاجنبية فى وقت واحد. ومهما يكن من شئ فمقالنا لن يتسع لاطالة الوقوف عند هذا الامر وانما أردنا به مجرد بداية مرحة لموضوع البيروقراطية .
فكر البرجوازية الصغيرة :
يقول الرفيق طه شاكر : ( فى التحالفات التى تتابعت، ظل النفوذ الرئيسي فيها للفئات الوسطي من البرجوازية الوطنية ، خاصة فى المجال الاقتصادى وتوجيه السياسة العامة ، بينما الثقل الاساسى فى المجال الفكرى للبرجوازية الصغيرة .(التشديد من عندنا) . ففى المرحلة التاريخية من يوليو 1961حتى 14 مايو 1971تميز النظام الناصري بتعبيره أيديولوجيا عن فكر البرجوازية الصغير (التشديد من عندنا)
بينما كانت سياسته العملية تخدم فى الاساس مصالح الفئات الوسطي من البرجوازية . (ص 23 -24 ).
من المنطقى أن يشعر الرفيق يتناقض يدفعه الى التساؤل (ما مصدر هذا التناقض ؟) ولكن بدلا من أمعان النظر فى هذا التناقض ينبري للاجابة بخفة : ((أنه ينبع من واقع علاقات القوى فى مصر والطبيعة البينية المتارجحة للسلطة (التشديد من عندنا) التى تعادى الاستعمار وكبار الملاكين الزراعيين ورأس المال الاحتكارى والكومبرادوري ، فى نفس الوقت الذى تتعارض فى مصالحها جذريا مع مصالح الطبقة العاملة ، ونتيجه صدامها مع الاولى بكل ما يشكله العداء لها من تهديد للنظام ، ونتيجة فزعها من الطبقة العاملة والحركة الشعبية المنظمة ، لما يمثلانه من خطر على مصالحها – رغم الفارق بين التهديد الاول المباشر والخطر الثاني الآجل - ، فقد لجأت القيادة الناصرية الى البحث عن قوى اجتماعية – قوة ثالثة – خارج اطار اعدائها ، لا تشكل خطرا على مصالحها ويمكن التحكم فى حركتها والاعتماد عليها والاستناد اليها فى الصراع المحتدم مع الاعداء . ووجدت ضالتها فى البرجوازية الصغيرة . ومن هنا كان عليها أن تكسب وتعبئ البرجوازية الصغيرة ، بتبني فكرها ومنحها بعض المكاسب الجزئية ،واستثارة تطلعاتها وآمالها فى مستقبل أفضل ، واحتضان مطالبها وشعاراتها والمزايدة ببعض أفكارها الراديكالية والاستعانة بعدد من ممثليها على هوامش السلطة ( التشديد من عندنا) والواقع أن معظم الذين استعاروا دور(ممثلي مصالح البرجوازية الصغيرة ) كان دورهم وظيفى أكثر من كونه حقيقي ، يعبر عن واقعهم الطبقى ). (ص25) ويقول (واعتمادا على هذه القوة الواسعة واستنادا الى عجزها عن اتخاذ مواقف مستقلة ، استخدمتها الفئة الوسطى من البرجوازية للتصدى لليمين الرجعى ولاستيعاب الحركة الشعبية . فالماركسية تعلمنا أن البرجوازية الصغيرة لا تشكل طبقة وتعجزعن الدفاع عن مصالحها ويصعب أن تجمعهم رابطة مشتركة ولايستطيعون تمثيل أنفسهم ، اذ لا بد أن يمثلهم غيرهم . ولابد لمثلهم أن يظهر فى الوقت نفسة كقوة متفوقة ، سلطة فوق سلطتهم ، وكما يقول ماركس ( حكومة غير محدودة تحميهم ضد الطبقات الاخرى وترسل لهم الغيث وضوء الشمس على أفضل طراز على طبقات المجتمع بأسرها وأجبر الطبقات الشعبية بما فيها البرجوازية الصغيرة على أن تدور فى فلك سلطته الطبقية . والى جوار الاجراءات البوليسية والادارية والقانونية والسياسية ، استند فى فرض تحالفه الاجبارى على قاعدة منجزاته القومية الضخمة ، التى خلقت شعبية متضخمة لهذه السلطة وقائدها البونابرتى ، فقدت الحركة الشعبية أشكالها المستقلة وأخذت تدور حول هذه القيادة الطبقية ، بل فقدت الحركة الشيوعية القديمة ذاتها استقلالها الايديولوجى والسياسي بمبالغتها فى الدور القومي الذى قامت به هذه السلطة فسارت فى طريق المراجعة وانتهت الى التصفوية
والتصفية .
ولكن القضية هى : هل هذا النوع من التحالف يحقق مصالح الطبقات الشعبية بالذات ؟ فى الواقع لا يجب الخلط بين مصالح الطبقات الشعبية بأهدافها القريبة والبعيدة من جهة والمكاسب الجزئية المبعثرة من جهة اخرى ...فالمكاسب الجزئية التى تمليها ، ) ما يسمى بالاصلاح الزراعى الاول وقوانين يوليو1961 المتعلقة بالعمال على سبيل المثال ) لا يمكن وصفها بتحقيق مصالح العمال والفلاحين ، ليس فقط لأن أكثر منها يمكن تحقيقه فى ظروف رأسمالية تقليدية ، وليس فقط لانها نائية جدا عن الاهداف البعيدة والمصالح البعيدة لهذه الطبقات ، بل ايضا لأنها تمت بصلة وثيقة بتصفية حركة الطبقات الشعبية ، السياسية والاقتصادية . وهى صلة وثيقة بتكثيف استغلال هذه الطبقات بما يعنى ذلك من تحقيق أعظم الارباح بصورة لا تقاس بها المكاسب الجزئية المبعثرة . وكل ما هناك ان هذه المكاسب المبعثرة اتخذت شكل الاجراءات العلوية بسبب افتقاد الجماهير العاملة والكادحة والمقهورة ، لنضال مستقل لتحقيقها ، بينما ندفع الى تدعيمها ضرورة اقتصادية نابعة من التدهور المستمر لأوضاع هذه الطبقات الشعبية واحتياجات الرأسمالية المصرية . ففيما يسمى بالاصلاح الزراعى بمراحله المختلفة لم يكن يركز على حالة الفلاحين بل ارتبط ، ارتباط السبب بالنتيجة بأزالة العوائق امام تطور الرأسمالية فى مصر . أما المكاسب العمالية المبعثرة التى ارتبطت بتكثيف استغلال الطبقة العاملة وحرمانها من اسلحتها الكفاحية وينمو فئة ارستقراطية عمالية على حساب مصالحها المباشرة والبعيدة ، فقد كانت حدا أدنى تفرضه ضرورة فى بلد اخد يعانى من الظواهر التضخمية . واخيرا فقد كان تدهور الدخول الحقيقية لهذه الطبقات يكشف عن جوهر منطق المكاسب العلوية المبعثرة . ان الشكل الفوقى لهبوط هذه المكاسب الجزئية على هذه الطبقات هو السبب فى هذا البحث عن تفسير (السلطة الطبقية ) برغم انه شكل منطقى ووحيد فى هذا الاطار التاريخي المحدد .
ان افتقاد الكاتب لتصور واضح عن أوضاع الحريات والحقوق والمطالب الديمقراطية فى هذا النظام يقوده الى تفسير (بعض المكاسب الجزئية ) للبرجوازية الصغيرة ، بتحالف السلطة معها وتمثيلها . ولا شك فى أن معادة الاستعمار والفئات الطبقية المرتبطة به والصراع مع طبقات استغلاليه قائمة ، كانا يؤديان الى حاجة السلطة بشدة الى التفاف الشعب حولها ..التفافه من خلال جبهة داخلية لا تتسع لاي خلاف فكرى وسياسي ، وليس من خلال اطلاق الحريات الديمقراطية ..
وهى لم تكن اقل حاجة الى الطبقة العاملة من حاجتها الى البرجوازية الصغيرة وقد فرضت على الجميع تحالفها الفاشستي ، وهى لم تعمل على السيطرة على البرجوازية الصغيرة فقط ، بل ركزت من خلال نقاباتها الصفراء واتحادها الاشتراكي وجهازها الطبيعي على السيطرة على الطبقة العاملة المصرية . ومعاداتها للطبقة العاملة المصرية بصورة جذرية لا تؤدي الى تجاهل معاداتها لحقوق وحريات الفلاحين وبعض أقسام البرجوازية الصغيرة .
ومن هنا فانه من اللغو أن يتحدث عن (طبيعة متأرجحة) لهذه السلطة الطبقية التى جمعت بين معاداة الاستعمار ، فى ظروف تاريخية نوعية مع مضمونها الرأسمالى الكبير بموقفه الطبقى من الطبقة العاملة، وبين بقية الطبقات الشعبية .
وقد انتشرت فكرة مؤداها ان السلطة القائمة هى سلطة البرجوازية الصغيرة ، انطلاقا من واقع أن البيروقراطية موظفون وأن سلطتهم متأرجحة ولكنها سلطة لا تعرف المعاداة الجذرية مع الاستعمار ، ولا مع المضي بحزم ( فى طريق التحول الاجتماعى الى الاشتراكية ) وأن هذه السلطة تحقق مكاسب حقيقية للشعب الخ .. الخ وبرغم أن مؤلفنا لا يعبر عن نفس الفكرة الا انه يتأثر ببعض عناصرها الى الحد الذى يجعله ( ينشئ ) اتجاها داخل البيروقراطية ( من ممثلي البرجوازية الصغيرة ) كما سوف نرى ، مدفوعا برغبته فى تفسير تعارض المواقف داخل البيروقراطية ونظامها الاجتماعي الاقتصادي السياسي . وأمام أي تحالف لابد أن يكون السؤال عن نوعه ومضمونه ، وهل هو تحالف زائف تفرضه الطبقة الحاكمة على بعض الطبقات لتحقيق مصالحها هى ولتجريم الحركة المستقلة لتلك الطبقات ؟ أما انسلاخ عناصر معينة عن طبقات وصعودها الى السلطة والى مراكز الطبقات الاستغلالية والتحالف معها ، فان ذلك لا يعنى أن التحالف يتسع ليشمل الطبقات التى جاءت منها وانسلخت عنها هذه العناصر ، فتحالف سلطة البرجوازية البيروقراطية مع الارستقراطية العمالية يتحقق على حساب مصالح الطبقة العاملة ولا يتضمن التحالف معها ، وكذلك فانها فى تحالفها مع (صفوة البرجوازية الصغيرة ) واستخدامها لمصلحة الطبقة الحاكمة لا يعنيان أبدا أن هذه الطبقة الحاكمة تتحالف بالفعل مع البرجوازية الصغيرة .
وينقلنا ذلك الى تعيين الايديولوجية . فالماركسية الهشة لدى رفيقنا عجزت بطبيعة الحال عن ان تمنعه من ان يستشهد بالماركسية – اللينينية . فالايديولوجية السائدة لا يمكن الا ايديولوجية الطبقة السائدة فى الاقتصاد والمسيطرة على سلطة الدولة ، وقد ترتدي الايديولوجية البرجوازية أشكالا نوعية خصوصية ، وفقا للاوضاع التاريخية الخاصة ، ولكنها تظل ايديولوجية البرجوازية . وقد تتعدد أشكال أكثر خصوصية الى جوار الايديولوجية البرجوازية السائدة ولكنها تشترك معها فى جذور وأسس واحدة . ولا تتناقض معها تناقضا جذريا حاسما سوى الايديولوجية الاشتراكية الحقيقية .
واذا كانت الايديولوجية البرجوازية المحلية ترتدي صورا نوعية من الايديولوجية البرجوازية العالمية ، فانما يرجع ذلك الى الخصوصية التاريخية القومية الناتجة عن صراع خصوصي للطبقات الاجتماعية فى المجال السياسي والفكرى ، اى ان ايديولوجية البرجوازية الكبيرة .الايديولوجية السائدة ، لها اتجاهاتها وأشكالها وظلالها وتنكراتها النابعة من علاقات الاستيعاب والاستفادة والتقارب والاستبعاد مع أشكال الايديولوجية القائمة والتى تستتند الى تقاليد خاصة وعناصر معينة فى التراث القومي وهى تنفق معها ، ومع كل الايديولوجيات البرجوازية بوجه عام فى الجذور والأسس العميقة .
والطبقات الشعبية المقهورة التى لم تعرف طريقها الى الايديولوجية الاشتراكية أو السير وراء قيادتها السياسية تظل أسيرة الايديولوجية البرجوازية السائدة التى تتخذ لدى فئاتها وأقسامها وطبقاتها المتعددة أشكالا وألوانا وظلالا وملامح وسمات خاصة نوعية . والبرجوازية الصغيرة التى تحمل جرثومة الملكية الخاصة ( هذه الصفة البرجوازية) تتفاعل مع الايديولوجية البرجوازية السائدة لتخلق لنفسها نسيجا من الاوهام التى تتغذي من تلك الايديولوجية على أكثر عناصرها سلبية وعودة الى الوراء . وقد عالج ماركس ولينين اشتراكية البرجوازية الصغيرة باعتبارها جانبا رجعيا متخلفا لديها مما بوجب محاربتها بدون هوادة بخلاف أى حركة ديمقراطية تقدمية تقوم من البرجوازية الصغيرة حيث يكون الواجب الثورى تطويرها والتحالف معها على أسس مبدئية من الوحدة والصراع .
أي أن البرجوازية الكبيرة لها ايديولوجيتها السائدة التى لا تتناقض مع مغازلة الميول الفكرية للبرجوازية الصغيرة واستثارة تطلعاتها وآمالها عن مستقبل أو آخر . وذلك بعيد عن أن تكون السلطة السياسية ( تعبر عن فكر البرجوازية الصغيرة ) أو أن يكون ( الثقل الاساسي فى المجال الفكري للبرجوازية الصغيرة ) . وهو بعيد أيضا عن ( احتضان مطالب وشعارات البرجوازية الصغيرة أو ممثليها ) هذه الطبقة التى ظلت فى كل الفترات والمراحل مضطهدة مقهورة أشد ما يكون الاضطهاد وأقسي ما يكون القهر .
أما الماركسية فانها لا تعلم أن الجماهير البرجوازية الصغيرة – التى تعد بالملايين فى بلادنا والتى يعكس أهميتها الاقتصادية والاجتماعية فى مختلف فروع الاقتصاد تخلف الرأسمالية فى مصر – تقع خارج الاوضاع الطبقية ، وأنها لا تشكل طبقة اجتماعية ذات مركز اقتصادي محدد الملامح يجمع بين الملكية والعمل فى نفس الافراد .
ولكنها ترشدنا الى فهم واقع أن هذا المركز الاقتصادى الطبقى الذى يجمع هذه الجماهير ، يشتتها فى الوقت نفسه ، فهى اذن طبقة فى ذاتها أو أن تحولها الى طبقة لذاتها ، واعية بمصالحها وهى أيضا بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي للدفاع عن مصالحها وايجاد الرابطة المشتركة التى تجمع أبناءها . والمدهش أن هذه (الجماهير) التى تعجز عن تمثيل مصالحها ، بل تعجز عن مجرد الدفاع عنها قد تمكنت من فرض ممثليها على سلطة البرجوازية الكبيرة ومن فرض ( نقلها الاساسي فى مجال الايديولوجية ) .
كيف ظهرت البرجوازية البيروقراطية ؟
هل يسقط المطر لتنبت الارض أم تنبت الارض لان المطر يسقط ؟ وهل نبتت قرون الماعز كي ينطح بها أم أن الماعز ينطح لانها نبتت ؟ يبدو ان مشكلة مماثلة لهذه المشكلة القديمة التى عالجها أرسطو بعمق ، تحير رفيقنا المؤلف عند تناوله للبيروقراطية ، فلنستمر فى تتبع مؤلفه ... يتحدث الرفيق طه شاكر عن (عوامل أساسية ساعدت على ظهور فئة البيروقراطية ) وهى : (1) السلطات الواسعة التى تتمتع بها فى غياب الحريات الديمقراطية ونظام الحزب الواحد والسيطرة على النقابات وشكلية الرقابة العمالية .(2) الخلل فى نظام الاجور وضخامة التفاوت بين حديه الادنى والاعلى والامتيازات العينية والبدلات ( الثروات التى جمعها الضباط من اليمن) ..(3) استغلال النفوذ والفساد والرشوة واختلاس المال العام والسمسرة.(4) تسخير القطاع العام فى خدمة مصالحهم الخاصة فى غيبة الرقابة الشعبية ودعم مراكزهم عن طريق الملكية الخاصة فى الميادين العقارية والزراعية والتجارية والمقاولات . (ص29- 30) .
أن الجدل المادى يربط النتائج بالاسباب بطريقة متناسقة متماسكة مستقيمة ، وهذه نفسها أسباب لنتائج أخرى فى زمان ومكان آخرين و (لخبطة) الرفيق شاكر لا تربطها صلة بمثل هذا الجدل المادى . فالسلطات الواسعة للبيروقراطية لا يمكن أن تفسر (ظهورها ) والقضية كيف حصلت على هذه السلطات التى لا تتمتع بها بيروقراطية تقليدية والتى لا يفسرها الاستقلال النسبي التقليدي لسلطة عن طبقة ، وهكذا بقية براهينة ضمن نظرية (العوامل المساعدة ) التى يقدمها . فبدلا من دراسة التراكم البيروقراطي يعمد المؤلف الى ابتذال المادية التاريخية ويهبط بها الى مستوى (نظرية العوامل) التى تخفى دور أى عامل وصلته بالآخر خلال نسيج متشابك معقد لا تمثل عناصره عوامل متوازية مبعثرة . أن (السلطات الواسعة) و(خلل نظام الاجور) و( استغلال النفوذ) أو (تسخير القطاع العام فى خدمة مصالح أفراد البيروقراطية ) يظل فى حاجة الى تفسير عن الوضع الطبقي الذي يؤدى بالبيروقراطية الى التسخير والاستغلال والسلطات الواسعة والحصول على المرتبات الضخمة أو الامتيازات، الخ ، الخ .
أما الوضع الطبقى الذي يجعلها تتميز بهذه الخصائص والامتيازات فلا يمكن تفسيره بعمليات اللصوصية أو الفساد أو الرشوة أو السمسرة التى تقوم بها البرجوازية البيروقراطية فهذه مجرد أعراض للطفيلية الاستثنائية لهذه الطبقة . والا فلماذا لم يفض الفساد والرشوة والسمسرة والاختلاس التى كانت العناوين البارزة لخصائص واعراض البيروقراطية فى العهد البائد ، الى ظهور بيروقراطية من نفس الطراز الذى جاءت به رأسمالية الدولة ؟
ولكن الرفيق شاكر يملك ما هو أكثر جدية ، فهو يتحدث عن أمور ساعدت على ( الاختيار الواعى ) لطريق رأسمالية الدولة : المعركة مع الاستعمار التى أدت ألى ( تأميم الملكيات الاجنبية ) ، تآمر الرأسمالية الكبيرة على السلطة ، تآمر القوى الرجعية فى مصر وسوريا ضد النظام والمتمثلة فى مؤامرات الاخوان المسلمين والمحاولات الانقلابية وانفصال سوريا بعد الوحدة . (ص 106 – 107).
وكان مؤلفنا قد فسر التأميم بأن الانفصال السورى الذي تم يوم 28 سبتمبر 61 شجع عبد الناصر على المبادرة الى اجراءات التأميم فى يوليو 61 أي قبل الانفصال بأكثر من شهر ! ولا نشير الى ذلك من قبيل تصيد الاخطاء بل بقصد الفكاهة التى لا تخلو من مغزى ، فمنطق الرفيق فى تفسيرالاحداث يؤدى الى نكات مضحكة كثيرة فلا عجب أن نجد نكتة مباشرة كهذه لايبدو أنها خطأ مطبعي بل ثمرة رغبة ملحة فى البرهنة على تفسيره لبعض قوانين التأميم . ويمكن تلخيص هذه (العوامل المساعدة ) الجديدة فى أن العداء الشديد الذي ووجه به النظام من جانب الامبريالية والقوى المرتبطة بها فى مصر وفى المنطقة العربية والرأسمالية الكبيرة المصرية ، هذد بالفشل خطة التنمية فأتجهت السلطة الى التأميم . ولكن هذه (العوامل) برغم أهميتها الكبري لا يمكن أن تكون كامنة وحدها خارج الاوضاع التاريخية المحددة التى يجب أبراز عناصرها الاساسية . والحلقة المفقودة لدى صاحبنا دائما هى واقع تنامي رأسمالية الدولة فى ارتباط وثيق بافرازها النوعى المتمثل فى البرجوازية البيروقراطية الناشئة فى تلك الآونة .
وبمنهجه الذى يكتفى بوضع الاشياء متجاورة ، بدلا من مناقشة روابطها وعلاقات وصلاتها المتشابكة العميقة ، يضيف الرفيق شاكر عاملا جديدا يتمثل فى (تعدد وتداخل التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية فى مصر ، وما ينتج عن ذلك من ( حالة التوازن بين البرجوازية والبروليتاريا، الطبقتان الاساسيتان فى المجتمع ) وعجزها عن المضي بالمجتمع نحو الرأسمالية المكثفة الخالية من الشوائب أو نحو الاشتراكية بسبب ( عزلة الرأسمالية عن الجماهير وعدم بلوغ البروليتاريا مستوى النضج السياسي الضرورى لاحداث التغيير ) ونتيجة لهذه الاوضاع ( يبرز دور البيروقراطى) ( ص 108 -109 ) .
مضمون هذه العامل الجديد ، أن عدم وصول التبلور الرأسمالي فى المجتمع الى أقصي حدوده هو السبب فى ابراز دور البيروقراطية كمخرج وحيد . ولكن هذه الظاهرة واسعة النطاق فى البلدان المتخلفة دون أن تؤدى الى أتساع نطاق رأسمالية الدولة فى حاجة الى مناقشة أوضاعها التاريخية النوعية الخاصة فى بلادنا بمنهج تاريخي مادى يدرس ظروف بلادنا فى هذه الفترة فى تطورها وصيرورتها ، الا ان الرفيق يكتفي بوضع الامور متجاورة كما تعلم نظرية العوامل المتعددة ، لا كما كان ينبغي أن يتعلم من المادية التاريخية .
والدرس الذي نخرج به من كل هذا الاضطراب هو أن التفسير العلمي للتغيرات الطبقية التى حدثت فى مصر لابد أن يرتكز على دراسة علمية للتراكم البيروقراطي بوقائعه وأرقامه ومعلوماته وفى صلته بالظروف المحيطة المحلية والدولية وصراعات الطبقات الاستغلالية فى مصر. وذلك التراكم الذي حدث فى داخل شبكة العلاقات الرأسمالية القائمة ،وعرف لحظات هادئة نسبيا فى البداية ، لم يتخذ شكل الصدام والانفجار الواسعين حتى قوانين 1961 والقوانين والاجراءات التى نلتها فى أوائل الستينات لتحل رأسمالية الدولة فى النهاية محل الرأسمالية القومية الكبيرة ، فيما عدا بعض العناصر الرأسمالية الكبيرة المبعثرة فى الفروع الاخرى مع الرأسمالية الزراعية من أجل استغلال مزدوج للفلاحين . ولم تكن اجراءات وقوانين 60 – 61 حتى 1964 من تأميمات وحراسات صداما مع الرأسمالية التقليدية وحدها ، بل أيضا صداما مع المصالح الاستعمارية ومصالح الجاليات الاجنبية ومصالح كبار ملاك الارض الذين أستمر الحد الاقصي لملكية أسرهم ثلثمائة فدان حتى عام 1961 ( وقد بلغت حيازة من يملكون أكثر من خمسين فدانا الى ثلثمائة – بالملكية أو الايجار –مليونان ومائة وخمسة وستون الف بنسبة 34,9 % من مساحة الارض ولم يتجاوز عددهم 12,9 الفا أي 1% من عدد الحائزين ،(1)
ولم تتجاوز الارض التى تم الاستيلاء عليها وفقا للقانون رقم 1952 لسنة 1957 بتنظيم استبدال الارض الزراعية الموقوفة على جهات البرالعامة وتقسيمها وتوزيعها على صغار الفلاحين 110,45 فدان . وقد آلت الى الدولة بتطبيق القانون 127 لسنة 1961 بتخفيض الحد الاعلى للملكية الى مائة فدان للشخص مع التعويض 214,132 فدانا، أي أقل من ربع مجمل الاراضي التى آلت الى الدولة بتطبيق القوانين المتعاقبة فى هذا المجال حتى عام 1961 (2).
الجهاز البيروقراطي والفئة البيروقراطية:
لقد أشرنا من قبل الى خطا تجاهل ما جرى من تحول للجهاز البيروقراطي وبقية أجهزة الدولة بعد 52 ، الى خطأ النظرة الميتافيزيقية لدى الرفيق شاكر الذي يتحدث عن استمرار (الطبيعة الطبقية) لهذا الجهاز كما كان فى العهد الملكى باعتباره (ممثلا للطبقة الوسطي) فى العهدين .
ونتوقف هنا قليلا لنميز بين البرجوازية البيروقراطية وهذا الجهاز البيروقراطي برغم اتفاقهما فى الاندراج فى الشكل الوظيفى الهرمى الحكومى . يقول الرفيق شاكر : (وبمشاركة الدولة فى النشاط الانتاجي واتساع قطاع الدولة ، تنمو القاعدة الاجتماعية لهذه الفئة الحاكمة لتضم جماعات مهنية متباينة – البيروقراطية والتنكوقراط – من ضباط الجيش وموظفى جهاز الدولة والقطاع العام والمثقفين . وتستغل الفئة الحاكمة الامكانيات المتوفرة لها بعد سلوك هذا الطريق ، فى تطوير المجالات غير الانتاجية وفى الخدمات ويتضخم الجهاز الادارى ، وتقبع فى قمته اعداد مضطردة النمو من ( البرجوازية البيروقراطية ) تستقطع لنفسها امتيازات ضخمة وتحصل على دخل يفوق كثيرا قيمة العمل الذي تؤدى) (ص 110)
(1) فوزى جرجس ، دراسات فى تاريخ مصر السياسي منذ العصر المملوكي، عن نشرة البنك الاهلى (ص234) .
(2) فوزي عبد الحميد ، المرجع السابق (ص 115) .

(التشديد من عندنا ) . ويقول أيضا : ( لكن الطفرة الاساسية فى حجم ووظيفة هذا الجهاز ، جاءت مع قوانين الاصلاح الزراعي ونشأة القطاع العام والتوسع فى اجراءات التأميم ، وتولى الدولة مهام مباشرة فى ادارة الانشطة الاقتصادية المرتبطة بها . وحينئذ لم تعد الدولة مجرد جزء من البناء العلوى ولكنها أصبحت تشكل أيضا جزءا هاما من البناء التحتى ( التشديد من عندنا ) . ومع نمو هذه المؤسسات والهيئات العامة تضخم جهاز الدولة وتعددت الاجهزة الادارية . تقبع على قمتها فئة عريضة من الفنيين والاداريين، انضم اليها جيش من كبار الموظفين ( فهناك ما يزيد على 1400 يحملون درجة مدير عام ) . هذا غير رؤساء ومديري المصالح المختلفة والمحافظين والامناء العاملون للمحافظات ورؤساء مجالس المدن . بل ان الاتحاد الاشتراكي اصبح هو الآخر فى حكم المؤسسة العامة تحتل المناصب القيادية فيه على المستوى القومي وعلى المستويات المحلية عناصر تنتمي الى هذه الفئة المتميزة . وهذا بالاضافة الى قيادات القوات المسلحة والاعداد الغفيرة من الوزراء وكبار المسئولين السابقين الذين يلحقون برئاسة الجمهورية ، بعد عزلهم ، للاحتفاظ لهم بمرتباتهم وامتيازاتهم دون أن يكون لهم عمل يزاولونه) ( ص 26) .
لقد اطلنا الاقتباس هنا ليغنينا عن الكلام فى هذه النقطة . فهنا نضبط الكاتب متلبسا وهو يميز بوضوح قاطع بين شيئين مختلفين ، فالبرجوازية البيروقراطية لا تختلط بالجهاز البيروقراطي فى تلك الفئة المسيطرة التى تتربع على قمته وهى ليست فئة تكنوقراطية ذات امتيازات وليست مجرد عناصر ضيقة فى البيروقراطية تدور فى فلك طبقات تقليدية لدولة عادية . وهى لا ترقى الى وضعها المسيطر بالترقية العادية على السلم الوظيفي ، بل تتشكل بمنطق خاص حول القيادة السياسية بعناصرها الادارية والعسكرية من (أهل الثقة) وعناصرها الفنية والتكنوقراطية من (أهل الخبرة) حيث تدمج كل هذه العناصر فى وضعها البيروقراطي كمنطق فى الاستغلال والسيطرة ، فحامل الدكتوراه رئيس مجلس الادارة أو الوزير ليس تكنوقراطيا يتميز بالدخل المرتفع وفقا لخبرته ، بل هو قبل ذلك بيروقراطي يتخذ القرار الاقتصادي والسياسي . ويسهل بعد ذلك رد جميع العناصر وأفراد أجهزة الدولة من جيش وبوليس وجهاز بيروقراطي الى الطبقات التى تنتمي اليها باعتبارها أقساما وفئات منها وفقا لموازاتها للمركز الاقتصادي لهذه الطبقة أو تلك بخلاف هذه الفئة الطبقية البرجوازية البيروقراطية التى تتميز بالسيطرة الاقتصادية والسياسية وتجمع بين أيديها كل مراكز اتخاذ القرارات . ولا بأس فى أن يهتم الرفيق بدراسة الجهاز البيروقراطي أي الجهاز الادراي ( الدواوين ) أو بقية أجهزة الدولة . ولا بأس أيضا فى أن يتعمق فى مثل هذه الدراسة ويعمل على تأصيلها مع الحذر الواجب من الهيدروليكا وما شابه ذلك . ولكن المهم الا يخلط بين الجهاز البيروقراطي والبورجوازية البيروقراطية هذه التى تتربع على قمته ، كما يقول ، والا ينقل بآلية كل ما يمكن أن يصدق على الجهاز البيروقراطي من خصائص الى هذه الفئة الطبقية بعد أن ميز بينهما . ولكن سوف ينسي ذلك وبسرعة للاسف .
الملكية والسيطرة :
يقول المؤلف بعد أن يشير الى القانون 118,117 لسنة 1961 اللذين كانا ( حجر الزاوية فى تكوين القطاع العام ) : ( وهكذا بدأت الدولة تتحول من مجرد جزء من البنية العلوية للمجتمع الى جزء من علاقات الانتاج ، أى من قاعدة المجتمع الاقتصادية ذاتها ، ) (ص 107) ويقول أيضا( ومن هنا تبدو الاهمية الخاصة للسلطة فى حد ذاتها ليس فقط لحماية العلاقات الرأسمالية والتراكم الرأسمالي ، بل انها تلعب دور رأس المال بالنسبة للفئة الحاكمة باعتبارها وسيلة استقطاع جزء كبير من الفائض الاقتصادي وسبيل الى تحقيق التراكم الرأسمالي ، يتيح لهذه الفئة أن تشارك القطاع الخاص فينشأ التداخل بين مصالح القطاع الخاص والبرجوازية البيروقراطية ، سواء عن طريق مشاريع مشتركة أو خاصة أو بواسطة الصفقات والاتفاقات غير المعلنة وغير المشروعة ) ( ص 110) ويقول فى موضع آخر ( هذه الفئة وان كانت لا تملك وسائل الانتاج الا أنها تملك بحكم مواقعها امكانية التحكم فى الانتاج ذاته ، أي أنها تسيطر على وسائل الانتاج ليس بالملكية كما هو الحال مع البرجوازية ، ولكن عن طريق حق اتخاذ القرار وتوجيه النشاط الانتاجى والاشراف الاداري والفني ، بالاضافة الى توزيع الاستثمارات والفائض الاقتصادي ( العائد) . كما ان الافتقار الى الاشراف والرقابة العمالية – بسبب عداء هذه الفئة المتأصل للديمقراطية – يطلق يدها فى التصرف ويجعلها تملك من الحقوق ما يتعدى فى بعض جوانبه ما كان يملكه صاحب المصنع أو المشروع الاقتصادي . (التشديد من عندنا) . كذلك فان العلاقات الاسرية المتاشبكة مع قادة السلطة تكفل لهم الحماية والاستقرار ، وتؤمنهم ضد فقد مواقعهم مهما اقترفوا من آثام ، (ص 28 ) .
طيب : الدولة أي القطاع العام (جزء من علاقات الانتاج الرأسمالية والاستغلالية ) بالطبع ( والسلطة تلعب دور رأس المال بالنسبة للطبقة الحاكمه) (هذه الفئة لا تسيطر على وسائل الانتاج ) وتملك من الحقوق ما يتعدى أحيانا ( ما كان يملكه صاحب المصنع أو المشروع الاقتصادي ) ، ولكن هذه السيطرة ليست بالملكية المباشرة ( كما الحال مع البرجوازية) . هذا هو التناقض الذي تنطوى عليه الاقتباسات السابقة ولكن لتجاوز هذا التناقض (الظاهري) يقفز المؤلف بسرعة الى القطاع الخاص ، لماذا ؟ لانه لابد من ايقاف هؤلاء البيروقراطيين على رؤوسهم على ارض الملكية الخاصة ، ولكن هذا التناقض ( الظاهرى) ليس مستعصي التوضيح . برغم أن السلطة تلعب ( دور رأس المال بالنسبة لهذه الفئة التى تسيطر على وسائل الانتاج فأنها لا يمكنها ولا تملك ذلك الرأسمال )) من يملك اذا؟ هذا هو السؤال ومن البديهي ان الذي يملك هو الدولة ولكن من هى الدولة ؟ أن الدولة ليست سوى – نحن – فهذه العبارة الرائعة الشهيرة التى تنزع عن الدولة كل الغلالات الاسطورية التى تصعد بها الى السماء وتجعلها دولة بشر محدودين يكونون طبقة اجتماعية أو فئة طبقية ، ان من يسيطر على الدولة هو الدولة، وفى الدولة التى تتغلغل فى الانتاج الاقتصادي تكون الدولة هى كبار رجالها المسيطرين عليها والممثلين لمصالحها مهما كان شكلها الخصوصي واول المستفيدين من عائداتها .
ان اى مفهوم يجرد الدولة من واقعها الملموس أنما يتورط موضوعيا فى المفاهيم البرجوازية عن الدولة باعتبارها هيئة للتوفيق بين مصالح الطبقات لا ادارة القهر الطبقى . فاذا كانت الدولة أو السلطة تلعب دور رأس المال وتصبح جزءا من علاقات الانتاج الاستغلالية ، فأين يذهب فائض القيمة ؟ الى الدولة بالطبع ، ولكن ما هى الدولة ؟ والدولة- من جديد- نحن ، من يملك مباشرة وسائل الانتاج ؟ ولكن من هى الدولة ؟ وهكذا بأسئلة محددة واضحة واجابات مستقيمة يمكن أن تكسر الحلقة الشريرة من عقل الرفيق المؤلف ونضع أصبعنا على الحلقة المفقودة .
وبدلا من ذلك يقيم المؤلف تناقضا بيزنطيا بين الملكية والسيطرة الاقتصادية وهنا تظهر قسوة المؤلف الذي يصر على هجر الماركسية التى يعشقها من بعيد ، فليست الملكية الخاصة أو الفردية شكلا وحيدا أوحد للملكية الفعلية .
فالمفاهيم الماركسية لم تقف حائرة مضطربة أمام سيطرة فعلية de factoاجتماعية أو مشتركة من خلال ملكية الدولة من الناحية القانونية de jure ولم تضع تحليلها المادي التاريخي فى بوتقة رجال التشريع والفقة . وبرغم الاهمية القصوي لدراسة الاشكال القانونية التى تعكس العلاقات الفعلية القائمة ، فان الماركسية لم تنظر الى ملكية الدولة فى العهود القديمة والحديثة باعتبارها ملكية الشعب كله او ملكية جميع السكان . وتتضاعف أهمية ملكية الدولة عندنا لانها كانت واقعا ملموسا اقتصاديا وسياسيا كما كان الامر مع النظام الفرعونى او نظام محمد على أو هذا النظام الحالى . والقضية هى أن من يملك الدولة يملك ما تملكه من الناحية الفعلية ، لكن (يملك ) لا يمكن أن تكون بالمعنى الفردى الخاص . وبرغم الامتيازات الفردية الخاصة والشخصية التى توفرها السيطرة على الدولة والتربع على قمتها من خلال العلاقات التوزيعية يظل مصدر أو أسلوب أو منطق الحصول على هذه الامتيازات رهنا بشكل حقوقى نوعى يعطي الملكية والسيطرة صورة جماعية مشتركة بين كل من يستندون الى هذا الشكل الحقوقى ، أي ان السيطرة ليست لافراد منفصلين ، بل هى بقدر تكوينهم لطبقة مشتركة بصورة جماعية فى هذه السيطرة . وهذا العنصر الحاسم فى الوضع الطبقي لكبار رجال الدولة لا يدحضه واقع ان المقارنة التفصيلية بينهم وبين الرأسماليين الفرديين تؤدى الى اظهار فروق شتي .
ويستكثر الرفيق المؤلف تسمية الطبقة أو الفئة الطبقية على هذه البرجوازية البيروقراطية ، التى صفت خلال تراكمها العاصف معظم الاساس الاقتصادي لطبقة الرأسمالية القومية الكبيرة وأقسام من الطبقات الاستغلالية الاخرى ( كبار ملاك الارض) وتقريبا كل المصالح الاستعمارية الاجنبية المباشرة . وبسبب هذه الهوة ( المستعصية على التجاوز لدى مؤلفنا) بين الملكية والسيطرة تضيع البرجوازية فى زحام الجهاز البيروقراطي من ناحية ، والقطاع الخاص من ناحية اخرى .
البيروقراطية والقطاع الخاص :
وليس هؤلاء الرأسماليون البيروقراطيون ملائكة الرحمة أو انبياء الانسانية الذين يتفانون فى خدمة الشعب فلهم كأفراد ومجموعات مصالحهم الخاصة الفردية . واذا كان انجلز قد برهن فى ( أصل الاسرة والدولة والملكية الخاصة ) على أن الملكية الخاصة كانت الاصل التاريخي للاسرة لتوريث الابناء ما يملكه الآباء ، فالاسرة هنا تلعب دورا عكسيا لتأكيد المصلحة الخاصة الفردية لهؤلاء الرأسماليين البيروقراطيين . حقا ان المصلحة الخاصة للبيروقراطيين الافراد تصب فى مجرى منطق رأسمالية الدولة ولايد لفائض دخولهم أن يبحث عن مجال للتوظيف . واذا كان التفاوت فى الاجور الذى وصل فى جيش محمد على الى 1:85(850/1) ذات يوم يلقى ضوءا على واقع تحول كبار رجال الجيش مع بقية رجال الدولة الى ملاك اقطاعيين ، فان فائض دخول البرجوازية البيروقراطية لابد أن يصب ، أيضا، فى مجرى الملكية الخاصة . ولكن من المبالغة الفظة أن نظن أن البيروقراطيين هم أول من يحملون المعاول لهدم منطق رأسمالية الدولة الذي يرتبط بضرورات نمو الرأسمالية المصرية ، مهما يختلف وزن ومدى دوره فى ظروف متغيرة .....
ولكن الرفيق طه شاكر الذى سوف نقف على نظرته الى البرجوازية البيروقراطية كحالة مؤقته عارضة ، ينطلق الى المبالغة فى هذا التناقض حتى أنه يرفض النظر الى هذه الفئة ، (التى تتربع على قمة السلطة ، التى تلعب دور رأس المال بالنسبة لها والتى تسيطر برغم عدم ملكيتها المباشرة وتملك سلطات وحقوق مطلقة الخ ) ، من زاوية أنها طبقة على أساس وضعها البيروقراطي بالذات أي من حيث كونها بورجوازية بيروقراطية (وليس من حيث ثروات أفرادها) فحسب ، بل انه يضع الثروات الخاصة والعلاقات بالقطاع الخاص فى المحل الاول وكأن الشر الرأسمالي يحتكره القطاع الخاص ، دون أن تشاركه رأسمالية الدولة (شرها) الطبقى الخاص المتمثل فى البرجوازية البيروقراطية الحاكمة .
لم يكن استبقاء القطاع الخاص اذن مصادفة ، فهو المجال (الطبيعي)لازدهار واحدة من أهم خصائص هذه الطبقة الاستغلالية التى تجمع بين ملكيتها البيروقراطية لتحقيق قضة الرأسمالية وبين المصالح الخاصة الفردية لافرادها .
هل البرجوازية البيروقراطية ملتقى حكومى للبيروقراطيين ؟
لقد ضبطنا الرفيق المؤلف تحت عنوان سابق بهذا الفصل متلبسا بتمييز واضح بين الجهاز البيروقراطي والبيروقراطية البرجوازية التى تتربع على قمته ، ولكن ضعف الذاكرة الذي يجعله ينسي الماركسية ، حيث ينبغي تذكرها ، وينسيه نفسه .. فمن جديد يخلط بين الشيئين . ويعود الرفيق لانكاره المستمر لواقع أن البرجوازية البيروقراطية طبقة فيقول : (البرجوازية البيروقراطية تعبير سياسي أكثر منه علمى لانها لاتملك أدوات الانتاج )( هامش ص127) ويستقيم ليعلن ( والمعيار الذى يحدد أنتماء الفرد الى هذه الفئة الاجتماعية ليس فى حجم دخله ولاموقعه ولا منصبه وأنما فى الاساس مدى نفوذه فى اتخاذ القرار السياسي أو الاقتصادى أو الاجتماعي فى مجالات النشاط المختلفة على النطاق القومي أو المحلى أي دوره فى عملية الانتاج وعلاقته بأدواتها ) (ص 27- 28). مع أن اتخاذ القرار لا يكون على الرصيف ، بل من فوق المنصب والمواقع ولهما صله بحجم الدخل ! والجهاز البيروقراطي والقطاع الخاص هما عنصرا تفاهم لديه فيقول المؤلف : ( وقد اصطلح على تسميه هذه النخبة الحاكمة المتسلطة ( بالطبقة الجديدة) والواقع أن تسميه هذه الفئة الاجتماعية بالطبقة الجديدة تسمية غير علمية لانها لا تشكل فيما بينها طبقة اجتماعية طبقا للتعريف العلمي للطبقة ، ولاتعدو هذه العناصر أن تكون فئة من البرجوازية الوطنية ذات طابع طفيلي – اذ تستقطع لنفسها نصيبا كبيرا من الفائض الاقتصادي – تتميز بملامح وسمات خاصة ومشتركة ، بحكم دورها الوظيفى رغم انتمائها الى أصول اجتماعية وطبقية متباينة ، الامر الذى يشكل جوانب الاختلاف والتباين فى اتجاهاتها الفكرية والسياسية . منها عناصر ذات أصول برجوازية صغيرة ( بعض الموظفين البيروقراطيين والضباط وقيادات التنظيم السياسي) ، بل وفيها عناصر ذات أصول عمالية (بعض القيادات النقابية وفى الاتحاد الاشتراكي واتحاد العمال) ، الا أن غالبيتها تنتمى الى البرجوازية المتوسطة والكبيرة (بعض الكوادر السياسية وقيادات القطاع العام وضباط القوات المسلحة من أبناء اغنياء الريف ومن الطبقات القديمة )(ص26-27).
ليست البيروقراطية طبقة فهى اذا اقسام من طبقات مختلفة حسب انتماءات هذه الاقسام ، أي انها نادي تلتقى فيه الطبقات البرجوازية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة والطبقة العاملة. والمؤلف يأتى هنا بمغالطات...فهو يطبق على البرجوازية البيروقراطية على القمة نفس المعيار الخاص بالجهاز البيروقراطي وبقية أجهزة الدولة . فالعاملون فى هذه المجالات ينتمون الى مراكز اقتصادية متنوعة فهناك موظف يمكن اعتباره برجوازيا صغيرا وآخر ممكن اعتباره برجوازيا متوسطا وهناك ساع بعد من حثالة البروليتاريا ..
أما العامل فى زي الجندى أو الفلاح فى زى الجندى فهما عامل وفلاح يعملان مؤقتا فى جيش الدولة ، وضباط الجيش والبوليس ، على سبيل المثال ، يمثلون مراكز اقتصادية لطبقات مختلفة ، ويلاحظ أننا نتكلم هنا عن مراكزهم الاقتصادية وليس عن أصولهم يستوى فى ذلك من يهبط أو من يرتفع ، ويلاحظ أن هؤلاء جميعا يصنفون كفئات لها خصائصها كموظفين أو عسكريين ضمن طبقات بعينها . أما البرجوازية البيروقراطية ( من اداريين وفنيين وعسكريين وبوليس) فأنها مركز اقتصادي للبرجوازية الكبيرة بحكم دورهم فى الانتاج . ولا يمكن ردهم الى طبقات خارج الدولة لانهم يرتبطون بملكية الدولة . والشكل الحقوقى لسيطرتهم الفعلية ، ومهما تتعدد مجالات عملهم فى مختلف فروع الانتاج ) بالاضافة الى أساسهم الطبقى الراهن )،يجعلهم دائما وبالاخص فى ارتباطهم برأسمالية دولة تلعب الدور الحاسم فى الاقتصاد ومن المغالطة الواضحة ردهم الى أصولهم الطبقية مهما تكن . فالعامل الذى يصبح وزيرا كبيرا له بايبه ( غليونه) أو يلبس باريسي، كذلك البرجوازي الصغير الذي ينتقل الى المركز الاقتصادي للبيروقراطية البرجوازية بصورة ثابتة انما يصبح برجوازيا كبيرا بيروقراطيا – السنا فى الظروف التقليدية ندرج من ينتقل الى الطبقة التى ينتقل اليها دون تفكير فى ادراجه الى الابد فى الطبقة التى جاء منها ؟ أن ذلك ينطبق على من يهبط وعلى من يرتفع . فالتراكم الرأسمالي الكلاسيكى لايحتفظ بقوائم الطبقات كما هى ولا يصنف البشر وفق ما كانوا عليه ذات يوم ، بل وفق ما هم عليه لحظة ملموسة .
ولكن التراكم الكمى لتوظيف البيروقراطية لفوائض دخولهم فى القطاع الخاص يؤدى الى التساؤل عن أثار هذا الاتجاه على تنازع الطبقتين للبيروقراطية. والواقع أن ذلك ليس مسألة مجردة ، فمن الضرورى دراسة هذا الواقع بصورة علمية لفهم واقعنا ولفهم هذه الطبقة المسيطرة ولفهم نمو الرأسمالية التقليدية خصوصا فى هذه الظروف الجديدة... ولكنها على المستوى النظري ليست مشكلة محيرة للالباب فالقضية هى اي طبقة تتغلب فى الواقع الفعلى . ويقول الرفيق شاكر .... فى هذا الصدد أن البيروقراطية البرجوازية تلجأ الى ( توظيف الفائض من أموالها فى مشاريع رأسمالية مربحه ارض زراعية – حدائق – عمارات- تجارة البضائع المستوردة – استغلال سيارات الاجرة والنقل ...)
(وهكذا نجد أن هذه القيادات فى أجهزة الدولة والقطاع العام تقوم بتعزيز القطاع الخاص ومشاركته وهنا تتم عملية حراك اجتماعي واسعة أي الانتقال من فئة اجتماعية الى أخرى . فالواقع أن المجال الذي تستخدم فيه هذه الفئة رؤوس أموالها هو الذي يحدد موقفه على الخريطة الطبقية فأذا استخدم عنصر من هذه العناصر رأسمالة فى شراء الارض الزراعية أصبح جزءا من الرأسمالية الريفية واذا استخدمها فى التجارة أصبح جزءا من البرجوازية التجارية وهكذا ... وبذلك تنسلخ هذه العناصر عن الفئة التى كانت تنتمى اليها وتتحول فى مواقعها الى تمثيل مصالح الطبقة الجديدة التى التحمت بها ،(ص29) وميكانيكية هذه الكلام تكمن فى انه يستبدل بالدراسة العلمية لهذه الظاهرة مخططا تجريديا عن نتائجها مدفوعا الى أقصي حدود لها ، فتلك النتائج بانسلاخاتها الطبقية لن تكون نقلة ميكانيكية الى أوضاع طبقية جديدة . فلابد من التحليل الملموس لهذا التراوح الطبقى التدريجي الحافل بتصارع صفات طبقية قائمة وتوازنها فى تغلبها على هذه العناصر أو المجموعات البيروقراطية أو تلك مع الصفات الجديدة من المصالح الفردية الخاصة لابناء هذه الطبقة وصيرورتها .
والمؤكد أن الاقسام التى تنسلخ من البرجوازية البيروقراطية لا يجب ان نصر على أنها ماتزال بيروقراطية عملا بقاعدة الرفيق فى تصنيف الطبقات والفئات الطبقية على أساس أصولها وعلى أساس ما كانت عليه ، لا ما انتقلت اليه . وبالاخص فى هذه الفترة التى تشهد الانفتاح الشامل حتى استقالة بعض الافراد من مواقعها البيروقراطية لنعمل بكل طاقاتها على تطوير وتنمية مصالحها الخاصة الفردية . ولكن كل ذلك بعيد عن الدفع باحدى خصائص البيروقراطية الى أقصاها وتجاهل الخصائص الاخرى .
الاتجاهات داخل البيروقراطية :
يقول الرفيق ط.ث.شاكر ( ورغم السمات المشتركة التى تجمع بين أفراد هذه الفئة الا أن هناك عدة اعتبارات وعوامل تفرق بينهم ومن ثم مجمل الانتماء الطبقى هو الاساس وان كان الوقع الوظيفي له تأثيره فالبيروقراطي فى الجيش غيره فى القطاع العام أو الجهاز الحكومي أو النقابة العمالية أو التنظيم السياسي أو المشتغل فى القطاع الزراعي تبعا لوظيفة هذا الجهاز أو ذاك ومجال العمل وتقاليده (الضبط والربط فى الجيش مثلا بالمقارنة مع العمل القيادي فى منظمة نقابية )، ومدى اقبال أو أحجام كل فئة اجتماعية على نوع معين ومجال محدد من الوظائف وفرص الاثراء غير المشروع ( حيث العامل مع القطاع الخاص) واختلاف المنابع التى تستقي منها عناصر التكنوقراط الخبرة الفنية والادارية (الغرب أم الشرق) .
كل هذه العوامل لها انعكاساتها داخل صفوف هذه الفئة. فتقريها – أو تربطها – فكريا من هذه الطبقة الاجتماعية أو تلك . هذا بالاضافة الى عمليه الحراك الاجتماعية والانتقال الدائم من هذه الفئة الى أخرى حيث تنسلخ عنها وتنضم الى فئة اجتماعية محددة . ولذلك تتعدد الاتجاهات والاجنحة. ولكن أبرزها اتجاهات ثلاث. أ- اتجاه يرى المحافظة على خط التنمية الوطنى المستقل وما يترتب عليه من ضرورة توسيع قاعدة القطاع العام والمضي فى خطة التنمية وخاصة التصنيع الثقيل والاستعانة فى ذلك بالمعسكر الاشتراكي أساسا مع الابقاء على العلاقات بالغرب دون الخضوع لشروطه والبقاء داخل اطار الحركة التحريرية العالمية .
وقد انكمش حجم هذه الفئة وضعف تأثيرها فى السنوات الأخيرة .
2- اتجاه محافظ يقلل من أهمية التوسع فى القطاع العام وينادى بوقف نموه فى هذه الحدود والاكتفاء بما تحقق ويدعو الى تنشيط العناصر الرأسمالية مع الاتجاه الى توازن علاقاتنا الاقتصادية بين الشرق والغرب، بالحد من الاعتماد على المعسكر الاشتراكي وتحسين وتوسيع التعامل مع السوق العالية ، وبحيذ هذا القطاع التعامل مع الغرب على التعامل من أمريكا.3- اتجاه رجعى يبغي تصفية أجزاء أساسية من القطاع العام (تصفية القطاع السينما للانتاج السينمائى ثم الدعوة الى تكليف القطاع العام بمسؤولية الموصلات والنقل ...والزحف تدريجيا من قطاع الى آخرة والاعتماد على القطاع الخاص والانفتاح على الغرب والارتباط بالسوق الاوروبية الغربية عامة – خاصة الولايات المتحدة الامريكية – ويتآمر على العلاقات مع المعسكر الاشتراكي ويعمل على تخريبها ) ( ص 175-176).
فى مكان سابق من كتابه، كما سوف نرى ، قسم الرفيق المؤلف النظام الناصري الى ثلاث اتجاهات ، يمين ناصري ، وسط ناصرى، يسار ناصرى ويمكن أن نلاحظ أن الاتجاه الاول هنا هو عماد الوسط الناصري هناك وأن اليسار الناصري هناك لا مكان له وقد يكون مدمجا فى الاتجاه الاول ( الوسط الناصرى). ومهما يكن من شئ فأن البيروقراطية ( هذه الفئة المسيطرة دون أن تشكل طبقة أو فئة مستقرة لدى رفيقنا ) ، استطاعت اتجاهاتها ، بشكل عام ، أن تكون هى نفس اتجاهات النظام الناصري بأكمله أما الفروق التى يراها فلا تعدو أن تكون أشياء مفتعلة بالنسبة للمنطق الاساسي لهذا التحليل . فما هو الفارق الخطير الذى يبرر وضع الاتجاهين الثانى والثالث فى النص السابق فى اتجاهين بدلا من دمجهما فى اتجاه أساسي واحد ؟ طالما أنهما مشتركان فى نفس الشعارات والمواقف تقريبا ازاء القطاع العام والوضع الدولى الخ ...مع فصل أي مجموعات صغيرة متطرفة صوب اليمين عنها باعتبارها مجموعات وسطية لم تنجح فى (ربيع ) النظام الناصري أن تمثل اتجاها أساسيا . أما الاتجاه الاول هنا فمن الواضح انه الاتجاه المسيطر الاساسي فى الفترة السابقة وبالاخص قبل 15 مايو . فهل هناك يسار ناصري فى قمة السلطة خارج هذا الاتجاه ! واذا تأملنا فى هذا التقسيم وجدناه مفتقدا الى أى منطلق واضح ، فالهوة واسعة بين الاساس الذى طرحه للتقسيم فى بداية النص والتقسيم الذي ينتهى اليه دون اتجاه الى عناصر محددة فى ذلك الاساس . أما الاساس نفسه فمفهوم تماما، لان هذا الرفيق الذى انقاد الى تصور قانونى فقهى عن الملكية والطبقات ينكر أن البيروقراطية التى ورثت طبقات وفئات طبقية بأسرها تشكل مع ذلك طبقة وفئة طبقية مستقرة ، وبالتالى فأن البيروقراطية (وضع حكومي ) يلتقى عنده البيروقراطيون ( باعتبارهم موظفين يمثلون) طبقات أخرى خارج رأسمالية الدولة). وبما أن رأسمالية الدولة تشترط عنده ، مع اتساع نطاقها الى هذا الحد ، فئة طبقية نوعية ترتبط بها لها خصائصها ومواقفها الاصلية ازاء مختلف القضايا فلا مناص عند دراسة هذه الفئة البيروقراطية التى تجمع عناصرها من طبقات مختلفة ) سوى أخذ أمرين فى الاعتبار : مواقف تلك الطبقات من ناحية وخصائص الجهاز البيروقراطي وبقية أجهزة الدولة من جيش وبوليس من ناحية أخرى . ويستطيع ، اذا ، مؤتمر مديري شؤون العاملين فى الحكومة والقطاع العام أن يقوم بتحليل طبقى مستند الى قوائم تفصيلية للفئة البيروقراطية وحبذا لو استعانوا ببعض الاختصاصيين فى علم النفس لدراسة أثار الضبط والربط على المواقف السياسية والاقتصادية ، وفى علم الاجرام لدراسة العصابات اللصوصية والاختلاس والكسب غير المشروع!! فما الحاجة الى الماركسية وتحليلها الطبقى اذا كان الرفيق شاكر بتخصص بهذه الصورة المؤسفة فى مواقع الوظيفية وما بينها من فروق خاصة ( وبالذات الضبط والربط اللذان يختلفان عن العمل القيادي فى منطقة قيادية) والدلالة الطبقية للذهاب الى الشرق أم الغرب فى البعثات لتحليل هؤلاء الذاهبين . وبالطبع لا أحد ينكر دراسة هذه الاشياء ولكن القضية أنها أساس خط التحليل الطبقى لدى الرفيق شاكر بدلا من أن تكون تفاصيل خصائص ( الفئة البيروقراطية هذه ) . وهنا ترفع ( نظرية العوامل) رأسها من جديد فالعوامل السابقة لها انعكاساتها داخل صفوف هذه الفئة فتربطها فكريا ( بهذه الطبقة أو تلك) .
ويضيع الفرق الجسيم الفادح بين الاسباب الاكثر عمقا والتفاصيل الجزئية الصغيرة فيبتعد عن فهم علمى لمتطلبات اى تحليل طبقى جاد . ويفقد بعد ذلك صاحبنا الاتجاه فى حديثة عن الاتجاهات والاجنحة أو تفسيره للاحداث الجارية ، فهو يخلط بصورة مستمرة بين الاتجاهات والاجنحة والمجموعات والفرق والعصابات ومراكز القوى الخ ....ويرسم خرئط تفسيرمضحكة لهذه التفاسير المقترحة للاحداث والوقائع . فى مكان سابق أشار الرفيق الى أن لهذه الفئة منذ نشأتها جناحان عسكري ومدنى (ص27) : وهو يعود فى نهاية (تحليله الطبقى) الى هذه المسألة . والحق انه لا بأس من التحدث عن جناح عسكرى وجناح للبيروقراطية بشرط الا يختلط هذا بقضية الاتجاهات السياسية والاقتصادية والدولية والعربية داخل الطبقة البيروقراطية ، فهذه الاتجاهات لا تنبع من واقع توزيع أفراد هذه الطبقة على فروع الاقتصاد .
ان العسكريين والمدنيين (ولا يستهان بقدر ووزن الاول منهم يجمعهم منطق رأسمالية الدولة والمنطق البيروقراطي فى الاستغلال ولا يختلفون من هذه الزاوية الوظيفية فى موقفهم المشترك الواحد من قضايا الديمقراطية ، ولعل الرغبة فى البرهنة على هذا التحليل المجرد لواقع مفترض هى التى تقود مؤلفنا الى (اختراع ) موقف يتميز به العسكريون عن المدنيين من قضايا الديمقراطية . فأين وجدت تلك الاتجاهات الاكثر ديمقراطية داخل البيروقراطية البرجوازية (المدنية) فى مواجهة (البيروقراطية العسكرية ) المعادية للديمقراطية ؟!
وتختلط عند الرفيق المؤلف المعايير السليمة للتمييز بين الاتجاهات السياسية والاقتصادية ، والاختلافات بين الفروع الادارية والبوليسية والعسكرية ، والاشكال الاخرى للمجموعات والاتجاهات الوسطية أو مراكز القوى . فمراكز القوى، على سبيل المثال ، تختلط عنده باتجاهات أو اجنحة فى الطبقة ، بالرغم من أن أى مركز للقوى لم يكن ينشأ فى النظام فى جهاز واحد من أجهزة الدولة وفروع الاقتصاد . ولم يكن القضاء على أحد مراكز القوى يعنى بحال من الاحوال تصفية اتجاه سياسي كامل داخل الطبقة .
وعند الحديث عن الاتجاهات السياسية والاقتصادية ، والدولية المكونة للاجنحة داخل هذه البيروقراطية البرجوازية ينبغى الاهتمام بدافعين أساسيين أولهما انعدام التجانس فى أصول الأفراد الذين يكونون هذه الطبقة من ناحية وثانيهما القضايا الحادة التى واجهتها القضية الرأسمالية فى بلادنا فى المراحل السابقة من ناحية أخرى . فالبرجوازية البيروقراطية استمدت أفرادها من أصول طبقية مختلفة ( البرجوازية المتوسطة والصغيرة فى أجهزة الدولة من جيش وجهاز بيروقراطي ومن ابناء الطبقات الاستغلالية القائمة ومن منظمى ومديرى الشركات الاستعمارية والرأسمالية التقليدية ..) وهذه الاصول غير المتجانسة لابد أن تأتى معها اختلافات فى وجهات النظر الى القضايا الاساسية أمام الرأسمالية برغم اشتراكها فى موقف اصيل واحد من الطبقة العاملة والطبقات الشعبية ولم تكن بلادنا تمر فى ظروف هادئة أو عادية ، بل لقد مرت فى فترة نشأة تبلور هذه الطبقة فى صراعات هائلة مع الاستعمار وفيما بين الطبقات الاستغلالية والسلطة ومع الحركة الشعبية . وكانت القضايا الحادة التى تواجه الرأسمالية كنقاط للصراع والصدام : الموقف من المعسكر الاستعمارى ، العلاقات مع الاتحاد السوفيتى، والبلدان الاشتراكية ، العلاقات الانتاجية فى الريف والقطاع العام ورأسمالية الدولة والقطاع الخاص ، المواقف والقضايا التى حفلت بها المرحلة السابقة . وكان من الطبيعي أن تختلف ونتباين وتتفاوت المواقف من هذه القضايا والاحداث مكونة الاتجاهات والاجنحة حولها . كان ذلك طبيعيا مع طبقة فى أطوار النشأة والتكوين والحداثة من أصول غير متجانسة لها ماضيها الطبقى المتنوع ، الذى كان لابد أن ينبع من مواقف مختلفة . ولكن طابع الصراع المحتدم الحاد لتلك القضايا فى أوضاع محلية وعربية ودولية محددة كان يؤدى الى نوع من الاستقطاب الحاد ، الامر الذي يفسر فى أنه بالرغم من كثرة الاتجاهات فقد برز بينهما اتجاهان أساسيان متميزان بسلسلة من المواقف ازاء هذه القضايا : لقد تعددت الاتجاهات والمجموعات الوسطية والمتفرقة يمينا بالذات وكان مصيرها الطبيعي الانزواء أو العزل والعزلة ..أما الاتجاهان الاساسيان الذين جمع بينهما موقف موحد أساسي هو أن رأسمالية الدولة فى الهياكل الاقتصادية الاساسية كانت بالنسبة اليهما قاعدة مادية مشتركة واحدة ، بالرغم من الاختلاف فى موقفهما حتى مدى انتهاج منطق رأسمالية الدولة نفسها . ولم يكن الاتجاهان الاساسيان متساويان فى حجمهما وبالاخص فى وزنهما . فالاتجاه الذى كان أقدر على الاستجابة لنوعية وخصوصية الظروف المحلية والعربية والدولية أصبح هو المسيطر ( لقد فرضت هذه الاستجابة الى المركز الاتجاه المسيطر وعلى رأسه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ) . ومع تبلور هذه الطبقة من خلال تلك الصراعات المحتدمة يتميز الاتجاه الاساسي الاول المسيطر على الاتجاه الاساسي الآخر باستعداده الاكثر للتماسك فى معاداة الاستعمار والرجعية العربية والذهاب الى مدى أبعد فى التحالف التكتيكي الاضطرارى مع الاتحاد السوفييتى ، وبالتالى لتوسيع القطاع العام ووضع القيود على الرأسمال الاجنبي والرأسمال الخاص ولربط قضية الاستقلال القومي فى مصر بحركة التحرر الوطني العربية ذات القيادات البرجوازية . وكان وجود عبد الناصر على قمة الطبقة برمتها بكافة اتجاهاتها الاساسية والوسيطة، بكل ما تمتع به من شعبية وكل ما تمتع به من سلطة حاكم مطلق فى نظام رئاسي استثنائى ، يساعده على القيام بالتوازن الدقيق بين الاتجاهين وتغليب الاول ( الاكثر معاداة للامبريالية ) . ولكن الظروف التى واجهت هذه الطبقة فى أطوار صعودها الطبقى لا تظل على حالها مع تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية الاساسية ومع اتجاهها بالتالى فى طريق انحدارها وهبوطها كطبقة . ووفقا لذلك كان لابد أن تتجه الاختلافات فى المواقف بين الاتجاهين داخل الطبقة نحو التصفية التدريجية للاتجاه الاكثر معادة للامبريالية . وهكذا تتجه الطبقة برمتها فى المدى الاستراتيجى نحو الترابط والتحالف مع الرأسمالية العالمية . وكان ذلك من الطبيعي أيضا أن يضع الطبقة كلها أمام اتجاه اساسي من نوع جديد يختلف عن مرحلة الصعود ، لاتجاه يضع الطبقة برمتها ، من جديد ، أمام ضرورة أن تتكيف اتجاهاتها المختلفة مع متطلبات ومقتضيات واحتياجات هذا الاتجاه الجديد أمام الطبقة البورجوازية البيروقراطية .
أما الرفيق ط. ث .شاكر فقد نظر الى تطور السلطة الطبقية فى المراحل السابقة واتجاه تطورها الحالى ، باعتبارهما فشلا متواصلا يقود الى الامبريالية ، حيث تتضخم أهمية تصفية مجموعة أو أخرى متجاهلا ضرورة التمييز بين فترة الصعود وفترة الانحدار (وما يحيط بها من ظروف متغيرة ) بالنسبة الى الطبقة برمتها .
كلمات أخرى حول الطبيعة الطبقية للسلطة :
يرفض الرفيق شاكر محقا فى هذا الرفض تحديد الطبيعة الطبقية للسلطة فى مصر بناء على تحليل طبقي لاعضاء مجلس قيادة الثورة (ص 34-35) ويرفض نظرية التكنوقراط (ص36) ولكنه يصر على تمثيل هذه السلطة الطبقية للبرجوازية المتوسطة فى عديد من النصوص ، بل يستشهد بتصريح لعبد العناصر عام 1950 يقول فيه : (( قامت الثورة لتمثل ثورة الطبقة الوسطى )) ( ص 34) معتمدا على الاسلوب الخاطئ فى فهم نظام اجتماعي من خلال تصريحات زعمائه. وكما رأينا اي وضع طبقى نوعى للبرجوازية البيروقراطية الا انه يذهب الى القول (رغم أن النظام السياسي فى مصر يعتمد دون شك على البيروقراطية والتكنوقراط فى مباشرة مهام الحكم وحمايته فهناك من التداخل والتزاوج العضوى بينهما وبين الطبقات الاجتماعية ما يصعب على أساسه أن نحدد خطا فاصلا أين تبدأ الحدود وأين تنتهي؟ . ص 36) . وكيف يحدد الحدود وهو يصر على الخلط بين الجهاز البيروقراطي وبقية أجهزة الدولة من ناحية ، وبين البيروقراطية البرجوازية على قمتها جميعا من ناحية اخرى ؟ ولقد قال المؤلف كثيرا عن السلطة السياسية والاقتصادية لهذه الفئة البيروقراطية ويكفى ان نقتبس هذه النصوص ( وتحتكر هذه الفئة عملية الادارة لا على أساس الملكية وانما باعتباره حق مفوض لها من الدولة و( المجتمع ) وهى تتحكم فى كل وظائف اتخاذ القرارات وسياسة الانتاج والتوزيع والادارة وتصريف المنتجات والتصرف فى توزيع الفائض الاقتصادي) . (ص174) ( نتيجة لسيادة هذه الاوضاع المتميزة يبرز دور الفئة أو المجموعة الحاكمة والقيادات البيروقراطية والفنية المرتبطة بها المهيمنة على شؤون ومؤسسات الدولة الرئيسية على قطاع رأسمالية الدولة بصفة خاصة ). (ص 109) (تملك سلطة اتخاذ القرار فيما يتعلق بالشئون السياسية العليا وتخطيط السياسة الاقتصادية وتوزيع الاستثمارات وتوجيه العمليات الانتاجية وتحديد سياسة الاسعار والادخار وتوزيع الفائض الاقتصادي ).(ص109).
ولكنه برغم كل ذلك لا ينظر اليها كطبقة ، الا الى المالكين بصورة مباشرة بالمفهوم القانونى للملكية الخاصة والفردية !! فمن الطبيعي الا تمثل السلطة نفسها ، بل قسمها البرجوازي البيروقراطي فى المحل الاول الى جانب بقية الطبقات والفئات الطبقية الاستغلالية القائمة . فوفقا لمنطق الرفيق شاكر فهى تمثل البرجوازية المتوسطة وتعتمد على البرجوازية الصغيرة كقاعدة اجتماعية ..الخ والواقع أننا اذا نظرنا الى المجتمع البرجوازي المصري بعد التأميمات واسعة النطاق وجدنا أمامنا رأسمالية زراعية كبري وبقايا الرأسمالية الكبيرة ( كبار تجار الجملة ، كبار المقاولين وكبار أصحاب المبانى السكنية ومختلف بقية العناصر المبعثرة فى الفروع المختلفة) . فالرأسمالية المتوسطة (الاستغلالية) فى الريف والمدينة وفى مختلف فروع الاقتصاد ، ونجد فى نفس الوقت رأسمالية الدولة وهى تلعب دورا حاسما فى اقتصاد البلاد ونتساءل هل تتشكل حاجة رأسمالية الدولة الى السلطة من حاجة بقية تلك الطبقات وبقايا الطبقات ! وهل تكتفى العناصر الطبقية المرتبطة برأسمالية الدولة بتمثيل تلك الطبقات فقط ؟ وهل رأسمالية دولة واسعة النطاق والمختلفة عن رأسمالية دولة ، محدودة الوزن ، والتى حطمت طبقات رأسمالية اخرى ، هل لا تستطيع ان لا تمثل مصالح تلك الطبقات والبقايا ؟ وهل تستغل لمصلحة تلك الطبقات فقط ؟ مرة أخرى انه الخلط بين البيروقراطية البرجوازية والجهاز البيروقراطي . ولكن الجهاز البيروقراطي نفسه وأجهزة الدولة كلها الجيش والمخابرات والبوليس والجهاز البيروقراطي الدواوينى .. هذه الاجهزة ما هى وظيفتها الطبقية وما هى مصالحها التى تحميها وتخدمها ولمصلحة من تقوم بدورها فى القمع ؟ الاجابة البديهية لحساب مصلحة رأسمالية الدولة ببرجوازيتها البيروقراطية وكذلك لحساب حلفائها الطبقيين من رأسمالية زراعية كبيرة وبقايا رأسمالية كبيرة وقمم البرجوازية المتوسطة . وفى هذا الاطار لابد أن نلاحظ العلاقات العضوية الاستثنائية الفريدة ( النوعية ) بين البيروقراطية البرجوازية وأجهزة الدولة ( ومن بينها الجهاز البيروقراطي ) بسبب الوضع الهرمي الوظيفى الذى يضع البيروقراطية البرجوازية على قمة أجهزة الدولة هذه . واذا كانت درجة الاستقلال النسبي للسلطة عظيمة بالنسبة للطبقات التقليدية فى ما قبل التأميم ، وازدياد اتساع الهوة بسبب الصراعات التى دارت بين السلطة وتلك الطبقات ، فقد ضاعف استقلال السلطة ازاءها . فقد أصبحت السلطة الطبقية تمثل ،فى المحل الاول ، البرجوازية البيروقراطية ورأسمالية الدولة وتحمي مصالح تلك الطبقات دون أن تكون هى الخاضعة . أما العلاقات بين الجهاز البيروقراطي والبيروقراطية البرجوازية فأنها نوعية أيضا فى ابتعادها عن استقلال الأول بصورة جديدة بسبب البناء الهرمي الواحد حيث تتربع البرجوازية البيروقراطية على القمة .
وبرغم ان المؤلف ينسي الماركسية فى اغلب الاحيان فقد تذكرها هنا ولكنه يصر على فهمها بصورة خاطئة بالبيروقراطية هذه اداة الطبقة السائدة . (ص111) . نعم انها كذلك ياسيدي ولكن بشرط أن تكون الطبقة السائدة هى البيروقراطية ، فأن هذه الاخيرة لا يمكن النظر اليها باعتبارها أداة لاي طبقات اخرى ، أنه يستعير من ماركس نظرته الى فرنسا (لويس بونابرت ) دون أن يستعيد معها ظروفها على حد تعبير شهير لماركس . فالبيروقراطية ، ( البرجوازية ) عندنا شئ مختلف تماما عن الجهاز البيروقراطي فى فرنسا ، والجهاز البيروقراطي وبنية أجهزة الدولة فى بلادنا ليست أداة لطبقات خارج الدولة، بل هى أداة البورجوازية البيروقراطية فى المحل الاول ، ثم هى بعد ذلك لحلفائها الاستغلاليين . ولوفهم المؤلف ذلك لفهم أيضا موضوع الاستقلال النسبي ، فالاستقلال النسبي ( للجهاز البيروقراطي ) يبدو لناظرية ضخما استثنائيا شبة كامل عن ( الطبقات الرأسمالية ) . ولكن هذا ليس مصادفة أيها الرفيق ، فالجهاز البيروقراطي ليس هو المستقل من حيث كونه، جهازا ، المستقل هنا هو البيروقراطية البرجوازية التى وجهت تلك الضربات القاصمة للطبقات التقليدية ، أما استقلالية القيادة فى أعلى مستوياتها ممثلة فى شخصية ( الزعيم ) ، (ص37) داخل البيروقراطية فانها نابعة من الوضع الخاص لطبقة لا تحكم بحزب سياسي ، بل لها طبيعتها النوعية ذات الشكل الهرمي الفوقي حيث تتدرج السلطات . وهى استقلالية نسبية على أي حال ، فالقيادة السياسية و ( الزعيم ) لا ينفصلان عن مصلحة البورجوازية البيروقراطية ، بل يعملان على تحقيقها ولا يستطيعان غير ذلك . ويفاجئنا الكاتب بشطحة من شطحاته الكثيرة عندما يتحدث عن اجهاض البيروقراطية والتكنوقراط والجهاز البيروقراطي ( لجميع الاجراءات الثورية الراديكالية والقرارات التى اتخذتها القيادة السياسية فى مرحلة (الذروة) من تطورها وافرغوا هذه القوانين المسماة بالاشتراكية من كل محتوى لها فى التطبيق العملى بساسة واعية مخططة تستهدف التخريب والتمرد وتعبر عن موقف طبقى واضح ضد هذه الاجراءات وفى تعارض مع تلك السياسية ). (ص 36-37) واتخاذهم ( موقفا معاديا للاتجاهات السياسية لهذه المرحلة ) . ( التشديد من عندنا . ص37) .
(القيادة السياسية) تتخذ الاجراءات الثورية (والجهاز البيروقراطي) يفرغها من محتواها ، وبما أن كل القوانين والقرارات قد نفذت بالفعل فالسؤال هو هل كانت (القيادة السياسية ) تقصد بها شيئا آخر ثوريا له محتوى معين مختلف ؟ لا بد أن هذا القول سببه اسطورة شهيرة حول القيادة السياسية وعبد الناصر ، بالاخص دون تحديد مضمون طبقى محدد لهذه الثورية ، أو ادعاء انها ثورية اشتراكية ، تلك الثورية التى تقاومها البيروقراطية وأجهزة الدولة ، الخ والا فما معنى أن تنفذ القوانين والقرارات كلها بصورة تتفق مع مصالح البيروقراطية البرجوازية ورأسمالية الدولة ( أساسها الاقتصادي ) ، ثم يأتى من يقول أنها جميعا اجهضت وافرغت من محتواها الثوري ؟!
ومنذ سنوات متعددة جرت فى مصر مناظرة ضخمة جوفاء اتخذت عنوان (الدولة والثورة) وكان موضوعها نفس الاسطورة فالثورة (23 يوليو) التى تحولت من ( ثورة سياسية) الى ( ثورة اجتماعية ) سارت فى (طريق الاشتراكية ) وعلى رأسها بحمد الله (مجموعة اشتراكية) أخطأت فى عدم تحطيمها لآلة الدولة التى تقاوم وتهدد بافراغ (اجراءاتها الثورية ) من محتواها . حقا لقد ادان مؤلفنا القائلين بالمجموعة الاشتراكية بالسلطة ولكن واجبه ان يتخلص من لغتهم البغيضة !
مصائر البيروقراطية :
يرى الرفيق طه شاكر أن البيروقراطية البرجوازية تلعب دورها البارز كفئة بيروقراطية (مؤقتا ) لها ( دور مرحلي متميز) ( ص 109) وأن استقلاليتها مرحليه موقوته ( وأن مصيرها الحتمي هو الارتباط العضوي باحدى الطبقات أو الفئات المالكة عندما تتطابق مصالح المجموعة الحاكمة أو القوى المؤثرة فيها مع صالح هذه الطبقة أو تلك وحينئذ تفقد استقلاليتها تماما وتصبح المعبر المباشر عن هذه الطبقة) . (ص 111) ومن الواضح ان المؤلف لا يتحدث هنا عن البيروقراطية كمجرد ( جهاز بيروقراطي ) أو كمجرد ( سلطة ) . فأي طبقة سائدة فى حاجة دائما الى (سلطة) والى (جهاز بيروقراطي) ، الى ( اداة القهر الطبقي) . انه يتحدث عن مصير رأسمالية الدولة وبيروقراطيتها البرجوازية ، أي انه يستمر هنا فى نفس الحديث السابق عن المصالح الخاصة للبيروقراطيين وانتقالهم ( الحتمي ) الى الرأسمالية الخاصة . وعندنا ، كما أسلفنا القول ، أن الدراسة العلمية تشير الى التزاوج الذي يتم الآن بمعدلات أسرع بين رأسمالية الدولة وقطاعها العام وبيروقراطيتها البرجوازية من ناحية . والرأسمالية التقليدية التى نشهد احيائها والرأسمالية الاستعمارية من ناحية اخرى من خلال الانفتاح الشامل الذي أعلن سياسة وخطا وفلسفة .والاجدر بالاهتمام اعتبار ذلك تزاوجا وليس قفزا الى نهاية حتمية عاجلة لرأسمالية الدولة وبيروقراطيتها البرجوازية كما يفعل الرفيق طه . ولنا عودة الى هذه النقطة .
الفصل الرابع
بقية الطبقات
يكتب الرفيق طه . ث .شاكر 22 صفحه تحت عنوان كبير ( الخريطة الاجتماعية للريف والمدينة الناصرية ) . ولا توفر هذه الصفحات القليلة فى كتاب ليس شديد الصغر مادة محددة أو افكارا محددة للمناقشة ، فوق اننا لا نكتب سوى عجالة ، ولهذا فسوف تتكون سطور هذا الفصل قليلة العدد فتدلى ببعض الملاحظات المحدودة . وقد يكون مقبولا من مقال يقدم تشخيصا سريعا للطبقات ان يمر بها بسرعة ولكن كتابا متوسط الحجم يناقش قضايا الطبقات ويفرد فصلا لها لايمكن ان يقبل منه ذلك خصوصا وانه ليس بالعرض المكثف المركز بل نوع من (سد خانة) فى استمارة فرضها المؤلف على نفسة .
وفى المدينة ( الناصرية) على سبيل المثال لم تحظ الطبقة العاملة سوى بأربع صفحات أما أشباه البروليتاريا فى المدن فقد فازوا بعشرة سطور فقط لا غير ، أما ( صغار التجار والمشتغلين بالحد مات فى المدينة ) فلم يفوزوا من كرم المؤلف سوى بسطرين اثنين فيما عدا العنوان الذى ملأ سطرا ، أما البرجوازية البيروقراطية ( التى ينكرالمؤلف طبقيتها) فقد احرزت قصب السبق ليس فقط لانها فازت هنا بأكثر من خمس صفحات بل لان الكتاب يكاد يدور حولها باستفاضة كما رأينا من قبل . فأين اذن تلك البرجوازية المتوسطة برغم دورها وعدد أبنائهما الذين لا يستهان بهما ، وبرغم ما قيل الف مرة من أن السلطة والبيروقراطية تمثلانهما وللانصاف فقد أشار المؤلف الى المقاولين وتجار الجملة فى مكان آخر . اما فى الريف فازت ( ستة أصناف طبقية) تقريبا بأكثر من أحد عشر سطرا . اما ما قيل فليس اكثر من بعض الارقام المبعثرة عن كل صنف من الاصناف على أساس جداول الملكيه ويبدأ المؤلف حديثة عن الريف بتقسيمة الى قطاعين من حيث أسلوب الانتاج ( اقل من خمسة أفدنة واكثر من خمسة أفدنه أما القطاع الاول فيمثل ( الانتاج السلعي الصغير) حيث الهدف هو تحقيق ( اقصى انتاج ) أما الآخر فهو القطاع الرأسمالي) حيث الهدف هو تحقيق (أقصي ربح ) وهناك العمال الزراعيون ( الدائمون ....) . اما من يملكون أقل من خمسة أفدنة فينقسمون الى اشباه بروليتاريا اى مالكو فدان فأقل ومستأجروا فدانين فأقل .أما الفئة الثانية فلا تتميز باسم أو عنوان سوى انها تشترك مع أشباه البروليتاريا فى عنوان ( صغار الملاكين والمستأجرين )
*نقدم اعتذارنا عن الاخطاء الكتابية الكثيرة التى قد يجدها القارئ وذلك لسوء النسخة المنقول عنها هذه الصفحات
--------------------------------------------------------------------------------------
ثم يأتى الفلاحون المتوسطون (من 5الى 10 أفدنة ) وكان لينين يسمى الفلاح البرجوازي الصغير فلاحا متوسطا ، فهل المقصود بهم ذلك ؟ غير أن المؤلف يقول أنهم يهدفون الى ( أقصي ربح) أي أنهم نوع من الفلاحين الاغنياء حيث مكانهم فى الصف الثانى أم أنهم برجوازيين صغار والا فلماذا لا يوضعون مع الفئة الثانية من ( صغار الملاكين والمستأجرين ) ويأتى بعد ذلك ( الفلاحون الاغنياء من الرأسمالية الزراعية ) ومنهم تتكون فئتان الاولى 10- 20 فدان والثانية من 20-50 فدان ويسمى هذه الفئة الثانية ( كبار الملاكين الرأسماليين) فهل نفهم من ذلك أن الرأسمالية الزراعية الكبيرة هى مجرد فلاحين أغنياء والا فلماذا يدرجون تحت هذا العنوان ؟ فى الواقع لا يهتم الرفيق المؤلف بالاشياء الصغيرة من قبل لماذا يصنف أو (يحلل) على هذا الاساس أو ذاك ؟ ولماذا هذا العدد من الافدنة ( بالملكية أم بالايجار) وذاك؟ ويكتفى بما تتضمنه جداول الملكية من أرقام شديدة الشهرة .
ان أى تحليل جدير بهذا الاسم ( ولا يدعى أحد أنه يملكه) للريف لابد أن يرتكز على الدراسة التفصيلية العميقة للاسس الاقتصادية للطبقات ليس بالاعتماد من جانب واحد على جداول الملكية ، بل لابد أن يرسمها بالايجار والمزارعة وأسلوب استخدام (التملى ) بقراريط المعاش ، بأدوات والآت العمل العتيقة والحديثة ، والثروة الحيوانية وحيوانات الجر ، باستخدام العمل المأجور ، بظاهرة المال الغائب ، بأساليب استغلال الأرض فى المزارع الكبيرة ، أهى رأسمالية ترتفع الى الحدية التكنولوجية أم أنها تعتمد على التقسيم على الفلاحين بالأساليب العتيقة المتخلفة ، ببقايا علاقات الانتاج الاقطاعية وشبه الاقطاعية الخ ......للخروج بمعايير دقيقة توضح الاوضاع الفعلية لهذه الطبقات . وعلى سبيل المثال فانه لا يمكن اهمال الثروة الحيوانية اذا عرفنا أن الدخل المتولد عن الانتاج الحيوانى بلغ (256) مليون دولار امريكي عام 1960 فأذا قارناه بالدخل المتولد عن الانتاج الزراعى الذي بلغ فى نفس العام (1.022) مليون دولار امريكي ، نجد الاول اكثر من ربح الثانى وخمس مجموعهما أي انه ليس بالشئ الذي يستهان به .
وعلى سبيل المثال أيضا فقد بلغت المساحة المستأجرة فى موسم 11/1967 – 2.810.067 فدانا بنسبة 047.6/0 من أجمالى الزمام المزروع فى ذلك الموسم ، وبلغت القيمة الايجاريه النقدية للمساحة المستأجرة نقدا 46.880.294 جنية (2) وتتعدد الامثلة الدالة على أهمية هذه العناصر جميعا وغيرها وعلى ضرورة الربط بينهما جميعا من أجل فهم علمى لواقع الطبقات فى الريف واتجاهات تطورها واستعدادها للحركة المستقلة من أجل تحقيق مصالحها القرية والبعيدة .
وفى مجتمعنا البرجوازي قامت السلطة الطبقية بدور ضخم فى أعادة تشكيل طبقاته فقد اختفت طبقات ، وتوسعت طبقات ، ومن أبرز الامثلة على ذلك طبقة الرأسمالية الزراعية الكبيرة التى تشكلت عن اندماج كبار ملاك الارض السابقين مع عناصر جديدة كبيرة العدد على طريق انتهاج الاساليب الرأسمالية فى الزراعة وكذلك شرائح مختلفة من الرأسمالية الزراعية المتوسطة . وتمثل البرجوازية الفلاحية الصغيرة مثالا بارزا فقد أسهمت السلطة بصورة مباشرة فى اتساعها فى مثل هذا الوضع لابد من دراسة تطور هذه الطبقات ودراسة علاقتها بالسلطة القائمة وسياسات هذه الاخيرة ازاءها فأي دراسة يقوم بها مناضلون ثوريون لها أهميتها العملية من زاوية النضال الاقتصادي والسياسي لهذه الطبقات ، ومع أى طبقات وضد أى طبقات ، وأي مطالب يجب تأييدها وأيها لا تستحق التأييد ، بل قد تستوجب النقد والمعارضة والمقاومة ؟ وما علاقة كل ذلك بالمسألة الزراعية فى بلادنا ؟ الخ ....الخ... وفى بلادنا لم يبلغ ، ولن يبلغ ، منطق أسلوب الانتاج الرأسمالي أقصي ما يمكنه بلوغة نظريا من .....تبلور العلاقات الانتاجية الى الحد الاقصي . وفى مثل هذه الاوضاع تتعدد الهياكل الاقتصادية الاجتماعية التى تجمع بين أساليب انتاجية معينة وطبقات مرتبطة بها ، حيث لا نجد أى هيكل منها فى أقصي تبلورة أو أقصي ازدهارة ، لان هذا التعدد ليس مجرد تجاور بين هذه الهياكل متبادلة التأثير بصورة تاريخية فلا الجديد الرأسمالى فى عصر اضمحلال الرأسمالية على النطاق العالمى بقادر على تحطيم علاقات الانتاج السابقة على الرأسمالية أو الاشكال البدائية والمتخلفة من الرأسمالية ذاتها ولاتستطيع العلاقات – العتيقة المتخلفة أن توقف الشمس كما فعل يوشع فى قديم الزمان ولا يمكنها ايضا ان تنهار من تلقاء نفسها فلا بديل لها سوى رأسمالية متقدمة أو اشتراكية وهذه الاوضاع لها أثارها الجديرة
(2) فوزى عبد الحميد ، المصدر السابق الذكر ص 118
بالدراسة على كل الطبقات فالرأسمالية الكبيرة فى أى مجتمع رأسمالى متقدم بالاضافة الى دورها الطبيعي فى تبلور المجتمع من الناحية الطبقية ، تتبلور هى ذاتها وتندمج أكثر قطاعاتها وفئاتها المختلفة الموزعة على مختلف فروع الاقتصاد ، فالقطاعات الصناعية والزراعية والتجاريه تتماسك فى داخل الطبقة برغم أن الطبقة ليست الا وحده نسبية لا يمكن ان تخلو من صراعات داخلية واتجاهات واجنحة . ويقال مثل ذلك عن البروليتاريا بأقسامها الصناعية والزراعية والتجارية فى البلدان المتقدمة رأسماليا . أما فى بلادنا فاننا ازاء أوضاع تبدو فيها قطاعات من طبقة تنتمى الى أسلوب انتاج واحد كما لو كانت طبقات متباينة وبرغم تغلغل الرأسمالية فى الزراعة الا أن الرأسمالية الزراعية الكبيرة تتميز بحده، بتخلفها الشديد مثقله بجذورها غير البعيدة فى كبار ملاك الارض الذين يكونون طبقة ذات خصائص نوعية أما رأسمالية الدولة التى ورثت الرأسمالية التقليدية فى الاساس فانها لاتشكل بدورها برجوازية صناعية متماسكة قادرة على ادماج وتطوير مختلف فروع الاقتصاد على أساس رأسمالى متطور . وباختصار تظل الرأسمالية الكبيرة فى وضع اقرب لوضع الطبقات المختلفة بل أن أى طبقة منها كالرأسمالية خارج حقل الزراعة تتفاوت قطاعاتها وفروعها ومناطقها فى درجات التطور بصور تبتعد بشدة عن اى توازن . وهذا المنطق المتخلف يسود المجتمع فالطبقة العاملة على سبيل المثال موزعة على هذه الرأسمالية ومختلف فروع اقتصادها ، حيث يتضخم التفاوت بين أقسامها فلا تكاد تعيش كطبقة حياة واحدة . وفى مثل هذه الاوضاع بالغة التعقيد ينبغى الا تقف اى دراسة عند ذكر اسماء الطبقات وعناوينها بل ضد سد الخانات فمره أخرى تقول أن أى تحليل طبقى واسع النطاق لن تقف ضد الجانب العلمي برغم أهميته الضخمة فسوف يكون لها بالتأكيد جانبها العملي المتعلق بالنضال الثورى وقضايا برنامجه .
الفصل الخامس
تخطيط مركزى شامل أم فوضي انتاج
اننا ازاء خليط مدهش حقا من المثالية والمادية الميكانيكية ، واذا كان نوع من المثالية الموضوعية قد تمثل فى تلك السلطة التى ظلت طبيعتها الطبقية واحدة لا يعتريها تغيير كممثلة للبرجوازية المتوسطة قبل وبعد حركة 1952 ، وبعد تأميمات 1961 ، ثم بعد ذلك فأن المادية الميكانيكية الفظة ، السطحية، تتمثل فى تجاوز الارقام المعروفة المشهورة ، دون أن ترتبط بأفكار محددة تجرى البرهنة عليها ، وما ينتظر من أى ماركسى منسجم متماسك عند تناوله للاقتصاد المصري فى هذه الفترة هو الا يقفز على عدد من أهم القضايا التى لا يمكن تجاهلها الا بتبني نوع كسيح من الاكاديمية التى لا تعرف التمييز بين ( العوامل ) التى تتناولها ، وكأنها جميعا تتمنع بنفس الاهمية والوزن ، وما أبعد الاكاديمية بكل ضيق افقها ، مع ذلك ، عن هذا الذي نجده أمامنا من انتزاع ارقام معلومات ووقائع من هنا وهناك ووضعها متجاورة متوازنة ( كمؤمرات ) دون مناقشة اى شئ واذا كان الرفيق المؤلف يدين اكثر من مرة القول بأن هذا النظام كان أو ما يزال يمثل ( التحول الاشتراكي ) و ( الطريق اللارأسمالى) ، واذا كان يدعى فى الوقت نفسه تبنى المنهج الماركسي ، فمن الطبيعي ان ننتظر منه أكثر من مجرد الادانة فى كلمات وسطور ، وهل تسهم عبارات الادانة مهما تشدد فى البرهنة على شئ ؟ وتتضح الضحالة النظرية الفريدة لدى مؤلفنا عند ما تكون التمتمة بكلمات الادانة بدلا من دراسة الاقتصاد الرأسمالي المصري من زاوية أى علاقات انتاجية تسود القطاع العام ، من زاوية الكشف عن الجوهر الاستغلالى الرأسمالي لهذه العلاقات ، ففى مجتمع رأسمالي يضلل بالاشتراكية بصورة منهجية لا يمكن لماركسى منسجم ان يتجاهل هذه القضية ، ليفعل ما يمكن أن يفعله تلميذ ضعيف الموهبة من تلامذة الاقتصاد السياسي البرجوازي ، من ملأ بعض الصفحات ببعض الارقام المبعثرة .
ولا يزعج المؤلف نفسة بمحاولة التمييز الواضح بين الاشتراكية وهذه الرأسمالية النوعية ، ابتعادا بنفسه عن مناقشة نظرية لادعاءات مفكرى البرجوازية ولادعاءات الذيليين المراجعين ادعياء الماركسية ، أما خرافة الطريق اللارأسمالي فلا يسعي مؤلفنا لتبديدها سوى بكلمات الادانه الماضية : ولا يكلف نفسة عبء بعض الصفحات أو الفقرات التى توضح من الناحية النظرية ما هو المفهوم العلمي لمثل ذلك الطريق ، ولتطبيق ذلك المفهوم على الاوضاع القائمة فى بلادنا .
فما أكثر السياسيين العاديين الذين يمكن أن يقولوا أن ما عندنا ليس اشتراكية ولا رأسمالية وأن يدينوا القول بذلك ، ولكن ما يميز الماركسي عنهم هو أنه الاقدار على توضيح الاسس التى يبنى عليها موقفة ، هو ادراكة ان علية واجبا لا يمكن أن يتركة لاحد هو القيام بكفاح نظرى متواصل ضد هذه الافكار الخبيثة لاقتلاعها من حياتنا السياسية بلا رحمة ، فالخط الماركسي الثورى لن يشق طريقة الا فى صراعه مع هذه النظريات الجوفاء المراجعة ولا يمكن ان نستبدل بمثل هذا الكفاح النظرى مجرد الشجب والادانة .
وهناك نسبة لا تقل خطورة لا تلقى من مؤلفنا سوى التجاهل ، فمنذ أن اطلق لقب ( تحرير الاقتصاد المصرى) على التمصيرات فى أعقاب العدوان الثلاثى فى الجانب الاقتصادي للقضية الوطنية ، نسي قضية الاستقلال الاقتصادى ، فلا يمكن لعبارة (الاستقلال الاقتصادى النسبي) ان تكون بديلا عن مناقشة مدى ( هذا الاستقلال الاقتصادى النسبي باعتبارة قضية حاسمة ، وتتضاغف أهمية هذه القضية فى مرحلة الانفتاح الشامل التى نعيش بداياتها الحاسمة الخطيرة ، ومستقبل هذا ( الاستقلال الاقتصادى النسبي) لا يمكن الا أن يكون وثيق الصلة بمداه ، فلسنا أمام قضية مبسطة من الانتقال من التبعية الى الاستقلال الى أشكال جديدة من التبعية فهذه الاخيرة لا يمكن فهمها بعيدا عن أى تصورات تآمرية عن انقلاب 14 مايو الا فى ارتباطها بمدى الاستقلال الاقتصادي النسبي السابق بثغراته القاتلة وهذه المسألة تضع أى ماركسي متماسك أمام ضرورة المناقشة النظرية والتطبيقية لعديد من القضايا الحيوية : الى اى مدى تصل رأسمالية محلية فى استقلالها النسبي من الرأسمالية الاستعمارية العادية ، الى أى مدى ليس فقط من زاوية الزمان فالزمان ليس فقط مجرد مرور الوقت ، ولكن من زاوية استحالة قيام رأسمالية محلية بالنصفية النهائية لعلاقاتها مع السوق الاستعمارية ، وعجزها عن تصفية التخلف السابق الموروث الذى ثبتته وضعية التبعية السابقة بسبب عجزها الاكيد فى عصر اضمحلال الرأسمالية على المستوى العالمي عن القيام ببناء رأسمالي متامسك ، وبتكرار ما تم فى الغرب الاستعمارى من بلوغ منطق أسلوب الانتاج الرأسمالي الى أقصي مداه .
واذا كان التضليل الديماجوجي للسلطة عن الاشتراكية القائمة وتضليل المراجعين الذيليين عن هذه الاشتراكية القائمة او التى يجرى السير اليها على قدم وساق عبر فترات الانتقال وعن التطور اللارأسمالي ، قد فرضا علينا ضرورة مناقشة هذه الادعاءات ، فرضا علينا مناقشة الاوهام والاكاذيب والاضاليل ، فرضا علينا عبئا اضافيا غير تقليدي ، فان الواقع الموضوعى هو الذى يوجب علينا ضرورة مناقشة مدى الاستقلال الاقتصادي النسبي ، ويوجب علينا الا تنسينا ذلك الادعاءات والاهام جوهر القضية ، فقد بدا لبعضهم أن الواقع قد تجاوز قضية الاستقلال ، أى القضية الوطنية ، الى قضية هل هذه اشتراكية أو تطور رأسمالى فبدأ الاستقلال الناجز فى حكم البديهات وهكذا طمست ملامح جوهر القضية كما يطرحها الواقع .
فكان لابد لمن يقع فى براثن هذا التضليل المزدوج من جانب السلطة والمراجعة اليمينية ان ينظر الى وطنية البرجوازية (الوطنية) قضية أبدية لا تتغير ولاتتبدل ، وكان لابد لمن يقرر منهم أخيرا ان يصدق عينية وهما تريان التبدل والتغيير واقعين بالفعل أن يعجز عن ربط الحاضر والمستقبل بالماضي ، عن البحث عن الاسباب العميقة فى مدى استقلال الاقتصاد الرأسمالي المصري فى أوج تطورة ، فلا مفر له اذن من الفهم التآمرى للتاريخ بافتراض ان التفسير الاعمق يكمن فى انقلاب 14 مايو 1971 ، وليس فى ان ما استطاع هذا الانقلاب أن يحققه من تدهور وخطوات الى الخلف لم يكن ممكنا الا بربطه بأركان ودعائم هذا النظام الطبقى بأسره .
وقد ارتبط الاستقلال الاقتصادي النسبي بفكرة (التخطيط المركزى الشامل) كما تدعى السلطة واذيالها المراجعة ، وهذه الفكرة تعود بنا الى دعاوى الاشتراكية لتطرح على الرفيق طه شاكر ، قضية لا تلقى منه بدورها سوى التجاهل . فأي ماركسى لا يمكن الا أن يهتم بتوضيح ان التخطيط الشامل ليس مجرد قضية فنية ، ولابد له أن يشرح ارتباطه العميق بالاشتراكية العلمية واستحالة تحقيقة الا فى ظل نظام اشتراكي بروليتاري . ثم يكون بعد ذلك الانتقال الى حقيقة ما يسمي تخطيطا مركزيا شاملا من ... واقعة كمجرد برامج للاستثمار من ناحية ، ومن زاوية الاهداف الطبقية لهذه البرامج التى لا تستهدف تحقيق الاحتياجات المادية للطبقات الشعبية وجماهيرها العاملة من ناحية أخرى ، ومن زاوية النتائج التى انتهت اليها الخطة الخمسة الاولى من النواحي الاقتصادية والاجتماعية (أي الطبقية ) وتلك المتعلقة بآثارها على مدى الاستقلال ومدى تجاوز التخلف الخ....الخ ثم تطور الاقتصاد المصري ، بعد ذلك من ناحية ثالثة .
ولكن رفيقنا المؤلف لا ينسي فقط ما توجبه عليه الماركسية من مناقشة نظرية لكل هذه القضايا الحاسمة ، ولا يكتفى بالسطحية الشديدة فى عرضة الاقتصاد ، بل يتحفننا بما ينتج حتما عن كل ذلك من أخطاء فظيعة. ولسنا هنا بصدد عرض افكارنا حول هذه القضايا بل سوف تقتصر على ابداء بعض الملاحظات على طريقة المؤلف .
يقول المؤلف : ( حقا ، لقد نجحت رأسمالية الدولة الوطنية فى تحقيق معدلات مرتفعة نسبيا فى محاولات التنمية والتصنيع ، لكن سرعان ما أتضح عجزها عن الاستمرار الخ ).
ص 152 ويقول ( ..................... – المعتمد على رأسمالية الدولة الوطنية نتائج ايجابية ، وتعتبر مرحلة الخطة الخمسية الاولى بحق ، مرحلة الانتعاش والاستقرار الاقتصادي للنظام الناصرى، بفضل توفر المدخرات من ناحية الكم اللازم للاستثمارات المتضمنة فى الخطة ، ومن ناحية السيطرة التى سمحت بتوجيهها فى القنوات المخطط لها ... لذلك أمكن تحقيق اكبر طفرة فى مستوى الانتاج وبلغت معدلات التنمية 07.2/0 وأمكن التغلب الى حد كبير على البطالة خاصة فى المدينة – بين المثقفين والعمال- وحصلت الفئات الشعبية على بعض المكاسب الاقتصادية ) ص 113- 114 . ويقول أيضا ( لكن هذه الصحوة لم تعمر طويلا ، اذ لم تستمر فى الواقع اكثر من ثلاث سنوات ،
العام الاول من الخطة قصرعن تطبيق أهدافها ، لانه جاء قبل اتخاذ اجراءات التأميم اما فى العام الاخير ، فقد بدأت تتجمع عناصر الازمة من جديد ، وشهد بوادر تردى الوضع الاقتصادي والسياسي ، وعجز الرأسمالية الحاكمة عن تجاوز ازمتها ، التى كانت تتطلب مواقف واجراءات تتعدى قدراتها وتتناقض على طول الخط مع الطبيعية الطبقية للسلطة ) ص 114
هل تكفى اشارة عابرة لتناقض تخطي الازمة التالية للخطة مع الطبيعة الطبقية للسلطة كاسهام فى كشف زيف ما يسمي بالتخطيط الشامل فى بلادنا ؟ وهل تكفى لتوضيح الازمة النوعية الاساسية لهذه الرأسمالية القومية ،أو لتوضيح ازمتها الخاصة ، التى بدأت منذ ذلك الوقت واستمرت حتى الان ، حتى الاعلان ( السري) للسادات قبيل حرب أكتوبر 1973 افلاس الاقتصاد المصرى وهبوطه الى الصفر واستحالة تو فير رغيف العيش عام 1974 ان استمرت نفس الاوضاع ؟ ولكن المؤلف لا يكتفي بهذا السكوت أو بهذه الاشارة العابرة بل يتكلم عن النجاح فى تحقيق معدلات مرتفعة نسبيا فى مجالات التنمية والتصنيع برغم ما هو معروف عن تصور تلك المعدلات عما هو مستهدف ، ويتكلم ، مع تزيين كلامه ،(بحقا ويحق) عن مرحلة الانتعاش والاستقرار الاقتصادى فى سنوات الخطة الخمسية الاولى وعن جورج القصور فى تحقيق المستهدف فى العام الاول الى أنه سبق اجراءات التأميم فقط ، فمن المنطقى ان تبدو الازمة لدية طارئة ، نابعة،وبالتناقض من النجاح والانتعاش والاستقرار الاقتصادى والمعدلات المرتفعة الخ...الخ برغم تحفظة فى هامش الصفحة (113) تجاه الارقام الرسمية ومنها تنفيذ الخطة بنسبة 095/0 : ؟ولان الرفيق طه شاكر لا يعلن ملاحظات مبدئية نظرية وتطبيقية بشأن التخطيط الشامل ومدى ملائمته للرأسمالية- مهما تكن متقدمة أو متخلفة فمن الطبيعي أن يتدهور حديثه الى مستوى الاشارة الى كلام عبد الناصر عن (ثورة جديدة وضرورة اجراء تغيرات جذرية فى أجهزة الدولة ومؤساساتها وشن حملة على الرجعية . والطبقة الجديدة.) ودعوته الى تكوين( حزب اشتراكي) اى التنظيم الطليعي ( دون تعليق من المؤلف بل طرحة لتصورة من ايجاد (حزبين اشتراكيين) وعن ( الدور القيادى للعمال) وكل ما يعلق به الرفيق انها ( احاديث غير جادة ) وان السلطة البرجوازية لم تكن تملك ( القدرة على تجاوز هذه الازمة) ص 145 اما لماذا وكيف ؟ فهذه اسئلة يتحاشاها المؤلف بصفة مستمرة . فلماذا البرجوازية غير قادرة وما علاقة ذلك بقضية التخطيط ؟ ولماذا وكيف؟؟الخ الخ ولماذا اذن يذكر( احاديث غير جادة ) مضللة وهو لا يقوى القيام بأبسط تعليق عليها ؟
والواقع ان الاقتصاد المصري فى تلك المرحلة لا يمكن الحديث عنه بدون التعرض النظرى والتطبيقي لقضية التخطيط ولا يمكن مناقشة ( برامج الاستثمار) هذه من ناحية معدلات النمو فقط من جانب واحد بل ينبغى توجهه نقد مترابط يستند الى معالجة .....الطبقية والاقتصادية التى احاطت بالخطة الخمسية الاولى والاخيرة وما تلاها من اوضاع الاقتصاد البرجوازي المصرى ، فبرامج الاستثمار هذه لا تستهدف اشباع احتياجات شعبنا وجماهيره العاملة بل تضعها لمصلحتها سلطة البيروقراطية البرجوازية وتناقض مصالح افراد وعناصر ومجموعات البيروقراطية لابد أن يؤثر عليها دون أن يكون سببا وحيدا ( لفوضي الانتاج) التى يعيشها هذا الاقتصاد والتى لابد ان يعيشها بطبيعته الرأسمالية والتى تقدم التفسير الوحيد الصحيح لوقائع الخطة الخمسية الاولى ولما بعدها من ازمات طاحنه ، انتهت الى ذلك ( الاعلان السري ).....وبسبب ارتباط هذه ( الخطة) بفروع الاقتصاد فأنه لها علامات متشابكة لابد من تناولها بالطبقات الاستغلالية الاخرى القائمة وبالاخص من زاوية علاقة هذه السياسات الاقتصادية بنمو وتطور الطبقات الاستغلالية القائمة كما أن مدى أسهام هذه ( الخطة ) وما تلاها من برامج سنوية فى تدعيم الاستقلال الاقتصادي النسبي فأنه قضية حيوية بلاشك . وكذلك الامر مع الطبقات الشعبية من زاوية دراسة تطور اوضاعها فى تلك المرحلة . وللظروف الاقتصادية المحيطة بهذه ( الخطة) وعلاقاتها بالطباقات الاستغلالية القائمة ، وفى الأسس التى بنيت عليها برامج الاستثمار ، أهميتها الحاسمة فواقع الزراعة ، مثلا ظلت ملكيتها من الناحية الاساسية خاصة ، ومرتبطة بالاخص بطبقات استغلالية وواقع بقاء القسم الاعظم من التجارة الداخلية ، خارج رأسمالية الدولة ، وكذلك واقع بقاء جزء كبير من المقاولين خارج القطاع العام ، وواقع بداية ( الخطة) قبل التأميمات الخ ...الخ ...كل هذه الوقائع ، فى ارتباطها بفلسفة ( التخطيط) ورأسمالية الدولة لدى الفكر النوعي لهذه الطبقة وفى ارتباطها بكل النواحى الادارية والفنية ونواحى التمويل ( الادخار او القروض الاجنبية) الخ...الخ....
كل هذه الوقائع لابد من مناقشتها ، فى ترابطها بما هو ترابطها بما هومستهدف وبما هو متحقق وبالنتائج النهائية التى هى الاوضاع الفعلية .
ولا يمكن بالطبع الوقوف عند حد التوضيح النظرى لاستحالة التخطيط الشامل فى هذه الاوضاع الاقتصادية الرأسمالية ، وعند حد توضيح أن برامج الاستثمار التى توضع وتنفذ لا يربطها شئ بالتخطيط الشامل.
فبعد هذه القضية التى فرضها علينا تضليل السلطة وتضليل المراجعة الذيلية ، يأتى دور الاهتمام بالواقع ، من زاوية انه لا يمكن انكار ان حدا أدنى من وضع وتنفيذ برامج استثمار عرفته رأسمالية الدولة وقطاعها العام ، فالقضية أذن دراسة هذه البرامج من حيث دورها ، وسلامتها فى حدود تدعيم الاستقلال الاقتصادي النسبي ، وفى حدود مقدرتها كنماذج على القيام ببناء اقتصادي اكثر تماسكا ، وتوازنا وعلى السير فى طريق تجاوز نسبي للتخلف الموروث الخ ، ومن ناحية ما تحقق بالفعل على أساس هذه البرامج .
وقد رأينا أن الرفيق طه لا يتعمق فى مناقشة هذه القضية بل أنه لا يناقشها ، وكل ما يحزنه ان ( الصحوة لم تعمر طويلا) دون دراسة الصحوة التى وصفها بالنجاح ( حقا) وبالانتعاش والاستقرار الاقتصادي ( بحق) وبالمعدلات المرتفعة فى مجالات التنمية والتصنيع .
وثنائية الايجابيات والسلبيات ، تحل هنا محل دراسة الوقائع فى ترابطها ، بدون الاقتصار على ابراز جوانبها السلبية والايجابية ، ويذكر الرفيق بالاضافة الى الايجابيات السابقة : انخفاض عوائد التمليك ، وزيادة الاجور وزيادة نصيب الفرد من اجمالى الدخل ( ينسب طفيف) وزيادة الاستهلاك برغم تجاوزه نسبة زيادة الدخل المحلى ص 114) ، ولكن هنا سلبيات أيضا فى التخطيط والتنفيذ ، فيقول مؤلف( وقد تعددت السلبيات) وجوانب القصور فى تنفيذ الخطة ، بسبب الطبيعة الطبقية والفعلية البرجوازية للقائمين على تنفيذها ، وانفراد هذه القوى بالسلطة فى غيبة رقابة الجماهير الخ ) ص 115 ومن تلك السلبيات واقع قطاع الدولة ( كمصدر ربح تراكم رأسمالي للقطاع الخاص) ص 116 ، والاحتلال الهيكلي (بزيادة الاهمية النسبية لقطاع الخدمات بالنسبة للقطاع السلمي) بما، لذلك من تأثير على زيادة الطلب الاستهلاكي والضغوط التضحية التى صاحبت الخطة ص 116 – 117 ، وارتفاع معدلات الاستهلاك وما بها يؤدى ذلك من انخفاض الطاقة الادخارية ص 117 و(.....) للصناعات الاستهلاكية ص 118، ( والتغيرالطبقى وسؤ التوزيع فيما يتعلق بالقوى العاملة) ص 118 : كل ذلك بسبب ( العقلية البرجوازية النفعية) تخطيطا وتنفيذا ص 120 مما أدى الى أمرين أساسيين : (1) الاختلال بين الادخار والاستثمار ( 2) العجز فى ميزان المدفوعات بخلاف توقعات الخطة ص 120 ثم يتحدث عن الميل المتزايد لانخفاض فى معدلات التنمية، وتدهور فى الانتاج والدخل القومي، والتطور الصناعى ، ومستوى معيشة الجماهير الكادحة الخ ...الخ
ويستعرض فترة ما بعد الخطة الخمسية الاولى من خلال الارقام التى تدل على انخفاض معدل زيادة الدخل القومى وانخفاض أثناء مجموعات القطاعات السلمية وانخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومى ص 121-122.
كيف يتم الانتقال من النجاح والاستقرار والازدهار الى الازمة التى صارت عنوانا شاملا لكل شئ فى الانتاج والخدمات الى أزمة الطاقات العاطلة كمظهر ... عن تحقيق الممستهدف بقدر ما يرجع الى نموذج توزيع الاستثمارات والى طبيعة الصناعات التى اختيرت نتيجة لهذا النموذج . وفى الزراعة وعلى سبيل المثال أيضا ، حظى التوسع الافقى بحوالى 077/0 من الاستثمارات زراعية 058/0 من استثمارات القطاع الرى والصرف .
وكان المعدل السنوي المستهدف 05/0 فلم يتحقق سوى معدل قدرة 02/0 خلال سنوات الخطة ، أى060/0 من المستهدف ، بينما بلغ معدل النمو السكانى 02.8/0 سنويا خلال سنوات الخطة .
ومما يذكر ان معدل النمو السكانى المتحقق فى الزراعة خلال الخطة كان أقل من معدل النمو فى السنوات السابقة على الخطة . وتمثل الاستثمارات المحققة فى الزراعة 050/0 من المستهدف . أما الاراضي المستصلحة فتمثل 077/0 من المستهدف استصلاحه.
ويربط الدكتور عمرو محى الدين فى مقالة القيم بوضوح وعمق بين هذه الاوضاع وغيرها من ناحية والنتائج المنطقية التى انتهت اليها الاوضاع الاقتصادية ، ويعلق الدكتور على نتائج الخطة بقوله : (اذا حاولنا معرفة التغيير الذي أصاب الهيكل الاقتصادي نتيجة تنفيذ الخطة الخمسية الاولى سواء نظرنا الى التغييرات التى أصابت هذا الهيكل . من وجهه نظر الدخل أو من وجهة نظر العماله فان النتيجة واحدة ، وهى أن الهيكل الاقتصادي لم يلحق به تغبير يذكر نتيجة هذه الخطة .
بينما نجد الزراعة التى كانت تساهم بحوالى 031.5/0 من الدخل المحلى الاجمالى انخفضت هذه النسبة فى عام 64/65 الى 027/0 ، بينما زادت نسبة مساهمة الصناعة الى
"تعتذر كراسات الطريق ( ناشر النص ) لفقدان صفحة كاملة من الطبعة التى تنقل عنها ، ولم نعثر حتى الان على الفقرات المفقودة ، التى تبدأ " بعد صارت الطاقات الماضية كمظهر" وتنتهي قبل عبارة عن تحقيق المستهدف .
-----------------------------------------------------------------------------------------
الدخل من 019.9/0 فى عام 59/1960 الى 021.8/0 وهى زيادة لا تذكر أما قطاع التشييد فقد زادت نسبته الى اجمالى الدخل المحلى من 03.7/0 الى 05.2/0 نتيجة تنفيذ الخطة ، اذا أخذنا فى الاعتبار القطاعات السلعية جميعا نحد أن نسبة مساهمتها للدخل بقيت على ما هى عليه عند 055/00
وكذلك الحال بالنسبة لقطاع الخدمات) وينتهى الى القول : ( وهذا لاشك يؤدى بنا الى القول بأن عملية التنمية لم تدخل أى تغيير جوهرى على هيكلنا الاقتصادى) انظر كيف يهتم هذا الدكتور ( الاقتصادى) بقضية هامة هى مدى تجاوز ( الهيكل الاقتصادى المتخلف بينما يصر الرفيق المؤلف ( المناضل الثورى ) على الوقوف طول الوقت عند الاشياء الصغيرة وما يؤسف ان رفيقنا تجاهل أهم القضايا التى تواجه ماركسيا يتصدى لتناول الاساس الاقتصادي للنظام
الناصرى كما يسمى ذلك الفصل من كتابه .
ما ( فضل المدخرات من ناحية الكم اللازم للاستثمارات المتضمن فى الخطة ، ومن ناحية السيطرة التى سمحت بتوجيهها فى القنوات المخطط لها ) الامر الذى . مكن من ( تخفيض اكبر طفرة فى مستوى الانتاج ) ، فيمكنه أن يعرف ذلك ( الفضل) اكثر اذا عرف أن التخطيط نفسه قدر للنقد الاجنبي ما يعادل 1485.8 مليون دولار ، مقابل ما يعادل 2141.1 مليون دولار للنقد المحلى فى الخطة الخمسية الاولى وكان نصيب الصناعة والكهرباء من النقد الاجنبي المقدر ما يعادل 862.5 مليون دولار مقابل ما يعادل 468.5 مليون دولار للنقد المحلى .
واذا عرف مثلا أن غياب القروض وفقا لتقديرات الاستاذ مجدى القماش كان يمكن أن يؤدى أن يكون الدخل المحلى 3.6 بليون دولار فى عام 64/1965 مقابل الدخل المخطط 4.4 فى تلك العام أى فى نهاية الخطة الخمسية الاولى . ومن المعلوم أن أزمة النقد الاجنبى التى اشتدت منذ عام 1964 كان لها آثارها وعلاقاتها بنقص مستلزمات الانتاج وظهور الطاقات العاطلة فى صناعات كثيرة وانخفاض معدل النمو الى 04.5/0 بين عامي 64/1965 واذا تأمل ما قاله هو نفسه من التناقض بين الاستهلاك والادخار هذا التناقض الذى لم يبدأ بعد الخطة بل بدأ خلالها .
وفى قضية الاستقلال القومى تبرز ناحيتان : الهدم والبناء وفيما يتعلق بالهدم فقد هدمت السلطة الطبقية بشدة بل كان هدم المصالح الاستعمارية من أسس تراكمها وتبلورها من الناحية الاقتصادية برغم أن هذا الهدم لا يمكن ان يكون شاملا ، فقد استمر الاستغلال المالى والاستغلال التجارى ، وعندما اممت شركة شل عام 1964 ، منحت شركات احتكارية امريكية فى نفس العام امتيازات التنقيب عن البترول وانتاجة وفى العام السابق على الهزيمة كانت الولايات المتحدة الامريكية على رأس قائمة البلدان التى تستورد منها مصر فى الميزان التجارى ، كان ذلك جانب الهدم أما جانب البناء فلم يكن فى مستواه ، فألى اى مدى كان ذلك من خلال ما تحقق من بناء من خلال الخطة الخمسية الاولى والتطور اللاحق .
تلك القضية التى لا تقدمها دراسة الرفيق طه شاكر خطوة واحدة أى.....فى سبيل معالجتها من وجهة النظر الماركسية .
......مع نظريته البرجوازية المتوسطة يركز المؤلف اهتمامة على القطاع الخاص وانتعاشه ونموه المطرد ، وعن تسخير رأس المال العام فى خدمته ، ولمساعدته على تحقيق التراكم وعن ( الكشف عن الطابع الاستغلالى للقطاع الخاص) ص 124 ومن المؤكد ان القطاع الخاص تجنب دراسته بكل جدية ، ولكن هناك امران اولهما الا يطغى ذلك على اهمية دراسة رأسمالية الدولة المسيطرة والقضايا الحيوية المرتبطه بتطورها ، وبطبيعتها الاستغلالية ، ثانتيهما : ضروة ادراك ان القطاع الخاص ليس طبقة واحده بل يتشكل من الرأسمالية الكبيرة ببقاياها وعناصرها، الجديدة والرأسمالية المتوسطة والبرجوازية الصغيرة واى ارقام تخلط بين هذه الطبقات لتقدم صورة اجمالية للقطاع الخاص بكاملة بهدف الوصول الى ان الرأسمالية الخاصة ( او الطبقة الوسطى ) هى المسيطرة ماهى الا التضليل نفسه، غير ان الرأسمالية الخاصة تكتسب ابعادا خطيرة من خلال الانفتاح الشامل الامر الذى يضاعف ضرورة الاهتمام بدراستها ليس لاعلان نهاية رأسمالية الدولة وبيروقراطيتها بل من أجل فهم أعمق لاشكال التزاوج والترابط والتحالف بين شكلى الرأسمالية هذين .
وبدلا من دراسة آثار هزيمة يوليو 1967 على الاقتصاد المصري حتى حرب اكتوبر 1973 أو على الأقل رسم خطوطها العريضة يكتفى المؤلف بالتصريح بأنه لا يمكن انكارها ثم يستعرض أبرز وقائع الانفتاح السابق على حرب اكتوبر 1973 منذ انقلاب 14 مايو، والواقع ان الاتجاه الاصيل لدى البرجوازية البيروقراطية الى الترابط مع الراسمالية العالمية على المدى الاستراتيجي لا يتحقق فى ظروف عادية بل انه يتحقق من خلال الاوضاع الاستثنائية التى نتجت عن الهزيمة وقد وضعت تلك الهزيمة الطبقة الحاكمة باتجاهين اساسيين امام مشكلة الاحتلال الاسرائيلي التى نظرت اليها من زاوية ان الاستعمار الامريكى هو الذى يملك وحده مفتاح حلها ، فكان من الطبيعى ان يتقارب الاتجاهان وتضيق شقة الخلاف بينهما على أساس اندفاع الطبقة برمتها صوب الاستعمار الامريكى وصوب الغرب الاستعمارى بأكمله ، من خلال شعار الانفتاح الذى مر بمرحلة خجولة قبل حرب اكتوبر ، ثم بعدها فلسفة وخطا وسياسة ولهذا فانه لا يمكن النظر الى الهزيمة ( برغم الاعتراف بآثارها فى اشارة عابرة ) من زاوية انها لم تدمر المصانع والمؤسسات الانتاجية الخ ... كما يقول المؤلف ضمن المعروف أنها قضت بضربه واحده على دخل قناه السويس وبترول سيناء ودمرت اقتصاد مدن القناه الخ الخ فيما عدا الضغوط الخطيرة التى نتجت عنها من الناحية الاقتصادية ، الامر الذى ادى الى استفحال عناصر الازمة التى كانت قائمة قبلها.
تلك ملاحظات فى حدود هذه العجالة ، وفى حدود التعليق على طريقة المؤلف ، فليس هنا مجال بحث القضايا الحيوية الكثرة التى أشرنا اليها فى هذا الفصل .
الفصل السادس
التحالف الحاكم
من أجل مزيد من محاولة الفهم لهذا الخط السياسي خط الرفيق طه.ث.شاكر ، نتوقف عند بعض تطبيقاته تحت عنوان ( الخريطة الطبقية للنظام الناصرى) ويقول الرفيق شاكر فى موضع سابق (وقد دخل النظام فى صراعات عنيفة مع قوى اجتماعية عديدة ، .... تحالفات اتسعت وضاقت ، اتجهت يمينا ويسارا ، لكن السلطة لم تضرب ابدا فى اتجاه الطبقة الوسطى ، عماد وقاعدة تلك التحالفات ، التى عقدها نظام الحكم ، وضمت المراحل الاولى كل القوى الرأسمالية – بما فى ذلك الرأسمالية الكبيرة – ثم انكمش التحالف ليقتصر على الفئات الوسطى والصغيرة من البرجوازية ، وعاد ليسير فى اتجاه عكسى ، فيقصي البرجوازية الصغيرة ( حركة 14 مايو الانقلابية) ويرتبط بممثلي الرأسمالية الكبيرة . وفى كل هذه المراحل ظلت البرجوازية المتوسطة هى محور هذه التحالفات) ص 24.
وقد تناولنا من قبل الطبيعة الطبقية للسلطة البرجوازية البيروقراطية باعتبارها طبقة حاكمة تحمى وتمثل وتتحالف مع بقية الطبقات الاستغلالية ( الرأسمالية الزراعية الكبيرة ، الرأسمالية الكبيرة ببقاياها وعناصرها الجديدة ، قمم البرجوازية المتوسطة ) ، فلنتأمل الان هذه الخريطة التى يرسمها المؤلف ( موقع القوى الاجتماعية داخل التحالف) وعماد هذا التصنيف الجديد هو طمس معالم الطبقات المحددة ( واختيار) اقسام من هذه الطبقة وتلك ( لاختلاق) اجنحة منها داخل كل طبقة على حده بل بالنسبة لكل النظام الامر الذى بلا شك فيه ان اى تحالف برجوازى حاكم لا يتكون من طبقات فى صورة كتل مصمته فهناك تداخل معقد بين ما هو مشترك بين جميع هذه الطبقات وما هو مشترك فى كل طبقة على حده وما هو التقاء بين أقسام واتجاهات واجنحة من احدى الطبقات مع أقسام بعينها من الطبقات الاخرى . ولكن التحليل الطبقى الحاكم الماركسي لا يمكن يهبط الى مستوى الكف عن النظر الى الطبقات بما هى كذلك ثم النظر الى مختلف اقسامها من زاوية واحدة هى ( موقعها) فى النظام ومن التحالف الحاكم ، فلابد لاى معالجة ماركسية ان تبرز قبل كل شئ الطبقة المسيطرة على التحالف والنظام بحكم سيطرتها على الاقتصاد والسلطة ، وأن تحدد الاتجاهات الاساسية داخل هذه الطبقة . وعلاقاتها المتباينة ومواقفها المختلفة ازاء الطبقات الاخرى ، من اجل ان يكون ذلك مبنيا على الوقائع الفعلية وليس على مجرد الافتراض الذى يقدم كحقائق وبديهيات بسبب ( لزوم استكمال مظهر الشمول) .
..... من المؤلف ان كل نظام (او تحالف او طبقة) يجب تقسيمة الى ثلاث اتجاهات أو اجنحة ( يمين ووسط ويسار) فانه يعتمد هذا التقسيم الثلاثى دون مبرر واضح مما يضطرة الى افتعال الاختلافات الدقيقة بدون برهنة مع ذلك، أما الجناح المسيطر ( الوسط الناصري) فانه يمثل مصالح ( البرجوازية المتوسطة ) ونعلم هنا أن البرجوازية بجناحيها المدنى والعسكرى تحتل ( البند الاول ) من اقسام الطبقة الوسطى مع انه كان قد انكر على تلك البيروقراطية واقع كونها تشكل طبقة وقلنا من قبل ان المركز الاقتصادي لهذه البيروقراطية ليس سوى مركز البرجوازية الكبيرة لا المتوسطة ولا الصغيرة اما ( البند الثانى ) فهو خليط من ( البرجوازية المتوسطة فى الريف الى 10 أفدنة) والفئة الدنيا من طبقة الفلاحين الاغنياء ( 10- 20 فدانا) بالاضافة الى قطاع من الرأسمالية المتوسطة فى مجالات الصناعة والتجارة والخدمات والمقاولات والعقارات ص 38 ، ومما يلاحظ على هذا الكلام ان البرجوازية المتوسطة فى الريف هى الطبقة الاستغلالية الرأسمالية الزراعية تحت سفح البرجوازية الزراعية الكبيرة ، وفوق البرجوازية الصغيرة ، فهل يمكن ادراج كل من يملكون من 5 الى 10 أفدنه ، فى هذه الطبقة الاستغلالية مع ملاحظة أنه يسمى هذه الفئة الطبقية بالفلاحين المتوسطين ، فى صفحة 164 والفلاح المتوسط ، عند لينين برجوازى صغير ، متوسط .
هنا لا يجب خلطة ( بالبرجوازية المتوسطة) فالمقصود به انه يحتل موقعا وسطا بين الفلاح الغنى والفلاح الفقير، شبه البروليتاري من تحته .
اما الفلاحون الاغنياء ( 10- 20 فدانا) فليسوا سوى برجوازية متوسطة وطبقا لنظرته المذكورة للوضع الطبقى النوعى للبيروقراطية باعتبارها لديه (حشدا) من طبقات خارج رأسمالية الدولة ، يقول المؤلف ( وهذه الفئات وان كانت تبدو متشعبة المصالح باعتبار ان بعضها يشكل جزء من القطاع الخاص والبعض الاخر يضم قيادات القطاع العام وأجهزة الدولة ، الا أنها فى الحقيقة ذات مصالح متناسقة متداخلة ، بحكم العلاقات والمعاملات التى تربط القطاع الخاص بجهاز الدولة والقطاع العام والذى نجح فى غيبة الرقابة الشعبية فى تسخير الملكية العامة ، ادوات الانتاج لخدمة رأس المال الخاص، وانتقال المهيمنين على المؤسسات العامة الى دائرة الملكية) ص 38 – 39 ، واذا كنا قد توقفنا عند هذه الامور فمن حقنا التساؤل هنا عن موضوع بسيط :- لماذا يقول المؤلف بتحالف البيروقراطية البرجوازية ( وهو يتحدث عنها بأسرها هنا ) مع هذه الاقسام بالذات من الطبقات الاخرى .
لاشك عندنا فى أن السبب الوحيد أنه ( وفر ) الاقسام الهامة لاستكمال تصنيفة التجريدى ومهما يكن من شئ فمؤلفنا لا يهتم بتوضيح الاسس التى يقيم عليها افكارة ، او هذا النجاح من النظام كانت له السيطرة ( ولقد كان للوسط الناصرى دور القيادة داخل التحالف ، رغم الضغوط التى باشرها الجناح اليمينى والجناح العسكرى من الطبقة الجديدة ص 39 ، وهنا يمكن ان نلاحظ بالرجوع الى حديثنا السابق عن الاتجاهين الاساسيين داخل البيروقراطية البرجوازية ، ان هذه الطبقة كان لها وما يزال دور قيادة المجتمع البرجوازى والسيطرة على التحالف الذى اقامته داخل هذه الطبقة ، كان الاتجاه الاكثر استعدادا للتماسك فى مواجهة الامبريالية ، هو الاتجاه أو الجناح المسيطر الذى كان يمكن وصفة ايضا ، بيسار الطبقة .
ومن الملاحظ أن ما كان يميز هذا الجناح يضع المؤلف معظمة لخصائص ( الوسط الناصرى) الذى يتكلم عنه برغم الاختلاف الهام فى التعابير المستخدمة عن تلك الخصائص .

أما الحديث عن بعض الميول الليبرالية واطلاق الحد الادنى الضرورى من مظاهر ( الحرية ) ، لدى الجناح المدنى هذا ( الوسط الناصرى ) ، فلم يسمح بذلك احد وبالاخص لدى ( الجناح المدنى ) للبيروقراطية . والجناح الاخر هو ما يسمية الرفيق ( باليسار الناصرى ) والواقع ان الرفيق المحترم يلفق هذا الجناح تلفيقا ، وهو يميز بين قيادة هذا الجناح وقاعدته العريضة ، من جماهير البرجوازية الصغيرة ، والمثقفين الثوريين ، وعناصر من العمال والفلاحين ومن كوادر الاتحاد الاشتراكي ، وكوادر منظمة الشباب ، خاصة فى المدينة وتتأثر هذه القاعدة بشكل متفاوت ولكن مطرد بالفكر الماركسي .
ويقول لنا أن قيادة الجناح قادمة من أصول برجوازية صغيرة ولكنها انسلخت طبقيا وانتقلت الى مواقع أعلى ويزعم مع ذلك انها ما تزال تمثل البرجوازية الصغيرة مخترعا شيئا اسمة ( من الناحية الوظيفية أساسا ) ، ولو علمنا أن هذه القياده هى مجموعة ( شعراوى جمعه وعلى صبرى وسامي شرف .الخ...) وعرفنا أنهم من كبار البيروقراطية البرجوازية يتضح زيف تمثيلهم للبرجوازية الصغيرة ، وليس هناك ما يميزهم عما سماه المؤلف ( بالوسط الناصرى) والواقع انهم جزء من الجناح الذى يمثل يسار البيروقراطية ، اما جماهير البرجوازية الصغيرة وعناصر من العمال والفلاحين الخ ...الخ فلا يمكن أن يكونوا جزءا من هذا التحالف الحاكم ولا ( شركة اصغر واضعف ) داخله ، كما يزعم المؤلف وقد وضحنا هذه الفكرة بما فيه الكفاية فى حدود هذا المقال فى الفصل الثالث ، أما الجناح الثالث فى هذا النظام فهو اليمين الناصرى ،( وهو ضده غير اليمين الرجعى الذى يرفض نظام عبد الناصر برمته ، ويمثل الثورة المضادة) ويمثل اليمين الناصري مصالح الشرائح العليا من الفلاحين الاغنياء (10-20 فدانا) وبعض شرائح كبار الرأسماليين الملاكيين الزراعيين ( 20- 50 فدانا) باعتبار ان بقية الشرائح يمين رجعى وثورة مضادة ، وكبار الرأسماليين الوطنيين" الذين يشتغلون فى مجالات المقاولات والتجارة والخدمات والبناء والانشاءات .
وقد اضيرت بعض عناصر هذا الجناح بتأميمات 61 واجراءات الحراسة ، وتلقت ضربات سياسية باقصاء بعض ممثليها الخ... ، ويتضح من استعراضة لاسماء ممثلية انه يجمع عنده خليطا من مجموعات بيروقراطية انزوت لتطرفها ( جمال سالم- البغدادي – كمال الدين حسين – حسن ابراهيم – القيسوني الخ) ، ومن الاتجاه البيروقراطي الذى نسميه اكثر تهادنا مع الامبريالية ( زكريا محى الدين – حسن عباس زكى- سيد مرعى ) ومن ممثلى الرأسمالية الخاصة .
وبتطبيق ( التصنيف ) على نحو مجرد، يتصدى المؤلف لتفسير الاحداث التى جرت فى بلادنا ، فى السنوات الاخيرة ، بحيث تجرى تحولات فاصلة تنتقل فيها الأجنحة بيسر من موقع الى آخر فجناح اليمين الناصري ، يلتقى مع الثورة المضادة ، واليمين الرجعى ( خارج النظام الناصرى) ثم تتبدد معظم قوى جناح ، الوسط الناصري لتنضم بعض أقسامها الى جناح اليمين الناصري ، وبعضها الاخر الى جناح اليسار الناصري فيبقى ( الوسط ضعيفا مهلهلا لا فاعلية له أو وزن يذكر فى الحياة السياسية ) ص 61 وبسهولة وبلا حاجة الى تفسير ( انضم الى اليمين الناصري) الشرائح العليا من الرأسمالية المتوسطة ، وخاصة تلك التى تعمل فى المجالات شبه الطفيلية كالتجارة ، والمقاولات والخدمات .
كما استوعب اليمين الناصري القيادات البيروقراطية والتكنوقراطية اما غالبية العاملين فى مجالات انتاجية ، خاصة البرجوازية ، المتوسطة الصناعية ، وبدرجة أقل البرجوازية الزراعية المتوسطة ، فقد استقطبت الى جانب اليسار الناصري ) ص 62 ، أما الاطار السياسي الاقتصادى ( الطبقى) الذى تجرى فيه هذه ( التحولات) فليذهب الى الجحيم ، مادامت ( التحولات) ذاتها تتم بكل هذه السهولة ، اما لماذا تنضم قوى رأسمالية خاصة ، ذات مصالح فى رفع القيود عن حركتها الاقتصادية ، الى اليسار الناصرى ، بالذات الاكثر تشددا ، تجاهها والذى كان يرفض منذ قليل منح القوى المضادة واليمينة ، حرياتها السياسية والاقتصادية ص 53، وفيم تجد ذلك الاستقطاب بين ( خاصة البرجوازية المتوسطة الصناعية وبدرجة اقل البرجوازية الزراعية المتوسطة) مجموعة شعراوى جمعة – على صبرى ، كل ذلك ليس فى صميم الموضوع فيما يبدو ، وبما ان الوسط الناصري قد تبدد فالصراع يحتدم بين اليمين الناصرى واليسار الناصري وحول ماذا ؟ ( اسلوب الحكم ، فاليمين مع انفراد الرئيس السادات ، واليسارمع جماعية القيادة ودور اللجنة التنفيذية – ازالة آثار العدوان فاليمين مع مبادرة السادات واليسار ضدها – والاتحاد الثلاثى فالرئيس السادات يحاول اتمامه لان دستوره يقرر أن يكون مجلس الرئاسة الذى سوف يرأسه هو السلطة الاعلى فى اتحاد الجمهوريات ) واذا شاء مؤلفنا ان يصف بشئ من الاستقامة لوجد فى هذه الوقائع وغيرها من وقائع ما يسمى بحركة التصحيح وثورة التصحيح فى مايو 1971 صراعا محددا بين رئيس الجمهورية من ناحية والمجموعة البوليسية المسيطرة والممثلة لما نسمية بالجناح الاكثر استعداد للتماسك والاقل تهادنا داخل البيروقراطية .
وقد كان صراعا على القمة بين الرئيس الجديد وتلك المجموعة التى ضمت أبرز ممثلي جناح أساسى مسيطر ، ولكن من التبسيط المخل ان نقول ان ذلك الصراع كان واسع النطاق شاملا لاتجاهى الطبقة وبالاخص لان جناحى الطبقة كانا يتقاربان منذ الهزيمة على وجه الخصوص وعلى أساس مشترك من اندفاع الطبقة البيروقراطية بأسرها نحو الاستعمار الامريكي .
ولم يكن السادات نفسه تاريخيا الا بجوار عبد الناصر على رأس الاتجاه المسيطر، وهذا التقارب بين الاتجاهين يفسر التطور اللاحق بشكل اكثر تماسكا من الفهم التآمرى لانقلاب السادات ، فلم يشهد احد صراعا محتدما بين الاتجاهين على نطاق واسع و كان التطور اللاحق مصداقا لان الطبقة برمتها كانت قد قطعت شوطا ضخما فى اتجاه الاستسلام أمام الاستعمار الامريكى واسرائيل وفى التهيئة للتسوية الاستسلامية وفتح الابواب أمام الامبريالية من خلال الانفتاح الاقتصادي وفى التهيئة للهبوط التدريجي بالعلاقات مع الاتحاد السوفيتى الى وزن أقل ، وبأختصار للرد فى جميع الاتجاهات ، والسير الحثيث محو الكارثة الوطنيه.
ومن يحاول أن يفهم هذه ( التحولات) بدون ربطها بالاتجاهات الاستراتيجة لدى البيروقراطية البرجوازية ، وبدون ربطها بالمشاكل الاقتصادية المستعصية ، التى انتهت اليها تنميتها ، وبالتطورات الطبقية التى تجرى غبر منفصلة عن مواقفها فى هذا المجال ، لابد وأن يتخبط كما يفعل رفيقنا المؤلف المحترم الذى يبتعد عن الماركسية ومنهجها وتحليلها الطبقي بقدر ما تجذبه مهنة البهلوان .
**************
الفصل السابع
************
وننتقل الآن الى الجزء البرنامجى من كتاب الرفيق طه .ث.شاكر ، وسوف نركز باختصار على قضايا الثورة المصرية لان منطق ( سد الخانات فى استمارة برنامجية مفترضة هو الذى أملى على الرفيق المؤلف الاجزاء الخاصة بالقومية العربية والوحدة العربية والقضية الفلسطينية والاوضاع الدولية ، فهذه القضايا الحيوية لا يجوز الاستخفاف بها ، بل يجب تناولها بجدية وعمق وتوفر على الدراسة .
خدعوا الحركة الشيوعية القديمة :-
***********************
ولأن طرح أى برنامج لا يتم فى فراغ فقد كان من الطبيعى ان يتعرض المؤلف لقضيتين نوعيتين فى واقعنا المصرى ، وهما الحركة الشيوعية القديمة المنتحرة، والحركة الشعبية الوليده .
ويقول المؤلف :- ( فكانت تصفية الحركة الشيوعية نتيجة - ..............انتهازية القيادات- مخطط ذكي للسلطة عندما أكد عبد الناصر قناعته بالاشتراكية ، وتحدث من الدورالقيادى للطبقة العاملة وضرورة احداث ثورة فى جهاز الدولة والحاجة الى حزب اشتراكي يقود الاتحاد الاشتراكي ويوحد" كل القوى الاشتراكية" ، وشرع ى فى تشكيل التنظيم السرى واشرف بنفسه على التنظيم وعلى ادخال عدد متزايد من الماركسيين فى المراكز القيادية – وذلك قبل حل الحزب – واتاح لهم حرية العمل وعلى أساس " التزامهم" بالماركسية – اللينينية، التى كان يجرى تجنيد عناصر جديدة على اساسها دون اعتراض قيادة التنظيم .
ويلعب حبكة... انه عندما جرى اعتقال بعض العمال فى مصنع ... للنسيج بحلوان ، أفرج عنهم فى الحال بمجرد اتصال تليفونى بين مسؤل هذا القسم ووزير الداخلية . وقد خلق هذا ايضا تصورات ( تصورا زائفا ) عند عديد من هذه العناصر بامكانية تحويل التنظيم السري تدريجيا الى حزب للطبقة العاملة .
بعد حل التنظيمات الشوعية مباشرة ، وبدعوى أعادة التنظيم السري على أسس جغرافية تم تسريح الغالبية العظمى من العناصر الماركسية ولم يستمر بداخلة الا عدد قليل مكافأة لهم على دورهم فى حل الحزب ، وهم الذين قبلوا التعاون بدون تحفظ مع النظام .
وكشف بعد ذلك أن هناك سبعة تشكيلات موازية للتنظيم السري بعضها موفل فى يمينيته ) ص 182- 183 .
لماذا نقتبس كل هذا النص الطويل الابلة ؟ لانه كل ما يقوله الرفيق المؤلف حول هذه القضية الهامة بالنسبة لاى حزب ماركسي ، لينيني جديدا ، ولعلنا نؤكد بديهيه أن قلنا ان الخط الماركسي الثورى لن يبرز الا من خلال صراعة المتواصل مع الاسس الفكرية والسياسية ، والتنظيمية للاتجاهات المراجعة .
لن يبرز الا من خلال صراعه المتواصل مع الاسس الفكرية والسياسية والتنظيمية للاتجاهات المراجعة اليمينية التى سيطرت على الحركة الشيوعية السابقة ومثل هذا الصراع ، لابد أن يركز على دراسة الظروف الموضوعية والذاتية التى احاطت بتلك الحركة وبمواقفها الاساسيه التى سارت بها فى طريق المراجعة والتصفية الفعلية بالحل الذى كان فى الواقع تحصيلا للحاصل كما يقولون .
فهل يقدمنا هذا النص خطوة واحدة الى الامام فى هذا الصراع المبدئى الضرورى ؟ لقد اكتفى فيما سبق بمجرد الادانة الغاضبة لبعض مواقف وشعارات تلك الحركة وهنا يكتفى بجمله استدراكية بين شارطتين عن انتهازية قياداتها فهذا يكفى فى الواقع ؟ هل تكتفى حبكة الخدعة ومكالمة تليفونية من وزير الداخلية الخ ...الخ .. لتفسير الحركة الشيوعية القديمة ؟ اننا هنا ازاء منهج ذاتى يقدم كوادر الحركة الشيوعية القديمة بوصفهم ضحايا السذاجة والتغرير الذكى والارتزاق بالمعنى المبتذل برغم انه كان قد اشار.الى بطولات الشيوعية .
ويهبط هذا المنهج الى مستوى التبرير للمراجعة اليمينية مادامت السلطة قد اعلنت الاشتراكية وفتحت ( مكاتبها) السياسية ( السرية) للماركسيين اللينينيين لا قيمة له مادامت هذه الماركسية – اللينينيية قد حولت الى ايقونه وحطمت روحها الثوريه الطبقية .
وكان الاجد بالمؤلف الا يكتفى بمكالمة تليفونية من وزير الداخلية ، أوماشابهها لتفسير تصفية الحركة الشيوعية لان مكالمة تليفونية جديدة مع بعض "التحابيش" الاخرى يمكن ان تخدعه وتخدع كل من يتبنى هذا المنطق .
ان النقد الماركسي للحركة الشيوعية المنتحرة لا يهتم فقط بقضية التأريخ لها بل عليه ان يركز على ان دراسة أسسها الفكرية والسياسية والتنظيمية لأن لها اهمية حاسمة لحاضر ومستقبل الماركسية فى مصر فلا يمكن تفادى مصيرها المأسوى بدون تجاوز حقيقى جذرى لتلك الاسس .
وهنا لا يجوز ان نكون من البلاهه بحيث نفسر مواقف تلك الحركة بالعوامل النفسية والسذاجة وبراءة الاطفال او سوء التربية المنزلية للقيادات والكوادر ، بل ينبغى التركيز على دراسة خصائص نشأة الحركة وجذور مراجعة تياريها الرئيسيين وبقية مجموعاتها وآثار المراجعة السوفيتية والعالمية على استفحال هذه المراجعة المصرية وانعكاس ذلك فى المبالغة فى سلطة 23 يوليو البرجوازية وتدهورها من خلال المزيد من المبالغة والذيلية مع طرح هذه السلطة لشعارات الاشتراكية قومية الطراز الخ ..الخ..
ان أى خط ثورى ماركسي لن يسير خطوة واحدة الى الامام دون أن يحارب بلا هوادة أسس ومواقف تلك الحركة دون أن يدمج الكفاح النظرى لهذا الشكل النوعى من المراجعة اليمينيه فى كفاحه النظرى ضد المراجعة اليمينية على نطاق الحركة الشيوعية العالمية .
واذا كان هذا الخط لا يدرك هذا الواجب الى هذا الحد المؤسف فمن المنطقى اذن ما رأيناه من قبل وما سوف نراه هنا من انه لا يمثل حقا نفيا جذريا حاسما لتلك الحركة فى أى قضية من قضايا الثورة المصرية من تحليل طبقى وتحديد لطبيعة السلطة وطرح برنامج ثورى ...الخ...الخ..
ظروف الصراع الطبقى :-
******
أما القضية الاخرى فهى الظروف المحدده للصراع الطبقى والحركة الشعبية ، ولابد لمن يعالج هذه القضية ان يشرح موقف السلطة الطبقية من قضية الديمقراطية والبناء السياسي الذى يجسد هذا الموقف من ناحية وان يشرح حركة التاريخ التى تضيق بذلك البناء السياسي الرئاسي وديكورات مؤسساته الديمقراطية وديكتاتوريته البوليسية وتتجه الى البحث عن الاشكال المستقلة للحركة الشعبية من ناحية اخرى .
ومن خلال الجمع بين هاتين الناحيتين لابد من التمييز بين فترتين محددتين للحركة الشعبية والصراع الطبقى ، حيث تتميز الفترة الاولى بعدد من الجماهير فى مقدمته ا:-
(1) ان البناء السياسي الديكتاتورى البوليسي انتهج الوسائل الديماجوجية والاداريه البوليسية فى قمع الحركة الشعبية وتحطيم ادوات الصراع الطبقى للطبقة العاملة وللطبقات الشعبية الاخرى من تنظيمات سياسية شيوعية وأى مبادرة سياسية مستقله ومن نقابات عمالية وفلاحية ومهنية وطلابية وأى اشكال للنضال الديمقراطي الاقتصادى للشعب المصرى .
(2) أن الديكتوتورية البوليسية استندت واعتمدت على الانجازات القومية بالغة الاهمية التى قامت بها السلطة الطبقية فى الفترة الاولى فقد خلقت تلك الانجازات شعبية ضخمة لهذه السلطة ولقائدها البونابرتى وارتدت هذه الشعبية بسبب تخذف الجماهير أشكال عبادة الفرد من جانب ملايين الافراد المتناثرين بدون أشكال كفاحية محدده والتصفيق المفروض من خلال السرادقات الخانقة التى تقيمها السلطة .
(3) ان تلك الانجازات القومية دفعت الحركة الشيوعية القديمة الى المبالغة فى دور السلطة البرجوازية وبالتالى الى استفحال المراجعة اليمينية والتصفوية فى صفوفها فأتجهت الى نهايتها المنطقية .
(4) واقع الطبقة العاملة المصرية من زاوية ان اقسامها الجديدة الضخمة ( مثل حلوان) قادمة من الريف والحرفيين المفقرين وخريجى المدارس الفنية وتدين بوجودها لهذه السلطة دون أن يكون لها تاريخ سابق حتى فى النضال النقابي ، فكان لابد لها لكى تنصهر فى البوتقه النضالية للطبقة العاملة ان تعيش ظروفها الطبقية ، وبالاخص فى فترة من مصادرة الحريات السياسية والنقابية وصعود الطبقة البرجوازية ومراجعة الحركة الشيوعية السابقة وظهور الدور الاصغر للارستقراطية العمالية الخ...الخ ..
(5) وبرغم وجود أساس التناقض الطبقى بصورة مكثفة من الاستغلال والقهر بين البيروقراطية البرجوازية وغيرها من الطبقات الاستغلالية من ناحية والطبقة العاملة المصرية وحلفائها من الطبقات الشعبية من ناحية اخرى ، وهو تناقض رئيسي وليس ثانويا كما أدعت الحركة الشيوعية السابقة ورفيقنا طه شاكر بدوره فى صفحة 240 من كتابه برغم وجود أساس هذا التناقض الرئيسي فقد كانت الطبقة العاملة المصرية فى تلك الاوضاع بعناصرها المختلفة تفتقد ادوات واسلحة الصراع الطبقى لممارسة ذلك التناقض الرئيسي ومعالجته وحله لصالح اهدافها القريبة والبعيده .
واذا كان موقف السلطة الطبقيه المعادى للامبريالية فى اطار برجوازى محدد وعدم نضج الظروف الموضوعية والذاتية للثورة الاشتراكية ، يضعان قيودا تاكتيكية فى تلك الفترة التاريخية على شعار الاطاحه بالبرجوازية وسلطتها من اجل اقامة الاشتراكية والشيوعية فى بلادنا ، فان هذه القيود التاكتيكية لم تكن لتقف حائلا دون التحضير الثورى الطويل من خلال النضالات الطبقية الاقتصادية والسياسية والفكرية للثورة الاشتراكية المقبلة غير ان الظروف الموضوعية والذاتية التى أشرنا اليها باختصار جعلت الطبقة العاملة عزلاء مجردة من اسلحتها الكفاحية فيما سمى بمصادرة الصراع الطبقى ، فذلك الصراع شأن أى صراع – لا يمكن أن يدور بأى أسلحة . ولكن مثل هذه المصادرة للصراع الطبقى كانت بطبيعتها مؤقته تكن أحلام السلطة الطبقية التى لا تستطيع أن توقف حركة التاريخ التى ترتهن بظروف وشروط موضوعية وذاتية مختلفة لتسير فى طريقها عبر المراحل التاكتيكيه الى الثورة الاشتراكية المحتومة وتتميز هذه الفترة الثانية للاوضاع المحيطة بالحركة الشعبية والصراع الطبقى بعناصر الموضوعية والذاتية وفى مقدمتها :-
(1) لقد استمرت الديكتاتورية البوليسية حتى الان ولسوف تعمل السلطة الطبقية بكل قواها على استمرارها، ولكن هذه الديكتاتورية البوليسية لم تكن تكفى وحدها لتصفية الحركة الشعبية وهى لم تنجح فى ذلك مؤقتا الا من خلال استنادها الى الانجازات القومية للسلطة ومانتج عنها من شعبية وفقدان استقلال فكرى وسياسي ودوران فى تلك الحركة الخاصة بالبرجوازية الحاكمة . ولكن صراع السلطة مع الامبريالية بتلك الاشكال المحتدمه لم يكن الا لحظة فى حياتها برغم سنواتها المتعدده وكان تحقيق الحد الادنى من أهداف الرأسمالية المصرية النوعية فى الاقتصاد والسلطة يعنى كما حدث بالفعل – سعيها الحثيث الى تسوية مشاكلها مع الامبريالية والى تحقيق اتجاهها الاصيل الاسترتيجي الى الترابط والتحالف مع الرأسمالية العالمية المترابطة . وهذه العمليات التى بدأت قبل هزيمة يونيو اكتسبت أبعاد جديدة كما أسلفناه القول فتحقيق الاتجاه الطبيعي للارتباط بالامبريالية اخذ يجرى ومن خلال استثمار الامبريالية للهزيمة العسكرية والاحتلال الاسرائيلي أى من خلال أقصى الضغوط التى مارستها الامبريالية على سلطته البرجوازية البيروقراطية بالاستناد الى الاحتلال الاسرائيلي .
وقد كانت تلك الهزيمة نتيجة منطقية للاوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية للنظام الناصري أى أنها كانت هزيمة للنظام الذى ملأ الدنيا بالاكاذيب والادعاءات والوعود فمن المنطقى ان تكون لها آثارها الحاده من زاوية فقدان الثقة وخيبة الآمال فى هذه السلطة وتكشف لجماهيرنا الشعبية عجزها هذه السلطة عن حماية البلاد .
واتجهت السلطة الطبقية نحو الغرب الاستعمارى الامريكي على وجه الخصوص من أجل الضغط على اسرائيل لكي تنسحب ، وانتهجت خطا استسلاميا على طول الخط ادى فى سياقة الانفتاح الخجول بعد حركة مايو 1971 وبالاخص تم الانفتاح الشامل بعد حرب اكتوبر . وباختصار عجزت السلطة عن تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي وانتهجت خطا استسلاميا ينتهى الى تصفية لقضية الوطنية والى الكارثة الوطنية ، ومن احل التسوية وبسبب أزمتها الاقتصادية الحانقة انتهجت سياسة الانفتاح على الامبريالية أى فتح ابواب البلاد امامها على مصاريعها .
وحول هذه القضايا وفى مواجهة هذه المواقف المترابطة للسلطة من القضية الوطنية ومن اجل مقاومتها سياسيا فى ارتباطها بقضية الحريات الديمقراطية نشأت الحركة الوطنية الديمقراطية الشعبية التى تجمع الرفض الثورى مع الاشكال النضالية الثورية مع منطق الانتفاضة والصدام مع الاستسلام أمام الامبريالية واسرائيل .
(2) وكان من الطبيعي ان تتغيير الظروف التى بدأت بها الاقسام الجديدة من الطبقة العاملة المصرية ، فقد اتجهت الدخول الحقيقية لهذه الطبقة العاملة بأقسامهاا القديمة والجديدة نحو التدهور المستمر برغم كل المكاسب الجزئية الهزيلة فى ظروف من استفحال الضغوط التضخمية والازمة الاقتصادية الخانقة والطاقات العاطلة الخ .
اى أن تدهور الدخول الحقيقية لا يتم فى ظروف عادية بل بمعدلات متسارعه من خلال الازمة الاقتصادية التى بدأت قبل الهزيمة التى أدت الى استفحاله .
لقد جرى انصهار الاقسام الجديدة من الطبقة العاملة فى اوضاع الاستغلال والقهر التى تعيشها هذه الطبقة اذن من خلال الازمة التى تمسك بخناق الاقتصاد البرجوازي بينما يلقى عجز البرجوازية الحاكمة عن حل القضية الوطنية وعن الحفاظ على الاستقلال النسبي فضلا عن تطويرة والسير به الى الامام بظلاله االكتبية على كل شئ .
وحول هذا الواقع نشأت الحركة التلقائية الحالية الاقتصادية من الناحية الاساسية لطبقتنا العاملة منذ حركة عمال حلوان فى منتصف عام 1971 بصورة واضحة متزايدة ، وهذه الحركة تتجه الى البحث عن أشكالها المستقلة النقابية والسياسية ،وان التقاءها بالخط الثورى للماركسية – اللينينية لهو معقد الآمال بالنسبة لتطور نضال الطبقة العاملة المصرية بقيادة حزبها الشيوعى من أجل تحقيق مصالحها القريبة والبعيدة مصالحها الديمقراطية فى سياق هذا النضال ومصلحتها فى الثورة الاشتراكية الشاملة على المدى الاستراتيجي .
(3) وعلى المستوى الفكرى والسياسي والتنظيمي يبرز مغزى التصدى للمراجعة اليمينيه بقيادة المراجعة السوفيتيه على المستوى العالمي وعلى مستوى بلادنا ومنطقتنا .
ولم يتقدم الخط الماركسي الثورى خطوة واحد الى الامام الا من خلال نضاله ضد هذه المراجعة اليمينية بكل أسسها النظرية والسياسية والتنظيمية . وكما اهمل رفيقنا المؤلف اتخاذ موقف حاسم من الحركة الشيوعية السابقة كما رأينا ، فانه يهمل مناقشة هذه الاوضاع المحدده للحركة الشعبية والصراع الطبقى فى مصر ، والواقع انه فى كل كتابه يهمل عددا من اهم القضايا فى مقدمتها القضية الوطنية بركنيها الاساسيين الاقتصادى والسياسي ، وقضية الحريات الديمقراطية ، وبدلا من كل ذلك يبسط الامور بل يسطحها. بالحديث الذى لا معنى له مثل قوله ( لم يتوقف النضال الوطنى والديمقراطي والصراع الطبقى فى مصر رغم كل محاولات الاحتواء والاستيعاب بالديماجوجية ، والاساليب المبتكرة الذكية فى الهيمنة على المؤسسات السياسية والجماهيرية ) ص 181 ، وكان النضال مشتعلا ملتهبا ونحن نائمون ، كأن السلطة كانت تحاول فقط بأساليبها المبتكرة السيطرة على المؤسسسات السياسية والجماهيرية التى كانت فى الواقع ادواتها المباشرة ولكنه يكرر بأستخفاف بالعقول ( رغم كل هذه الاساليب المكثفة من القهر والاحتواء لم يتوقف النضال الوطنى والديمقراطي والصراع الطبقى ابدا ) ص183 ، ذلك ياسيدى تسطيح أفضل منه الف مرة ان تعمل على اذكاء الصراع الطبقى بتوضيح عميق للظروف الموضوعية والذاتية التى تحيط به وباتخاذ مواقف ثورية ... ذلك افضل بالفعل من الظن ان تكرار الفاظ الصراع الطبقى المشتعل ، سوف يكون له فعل السحر فى تحقيق احلامك :.
اه مجرد سرد اخبار الحركات الشعبية فى الفترة الثانية فانه يحول الكتاب الى مجرد راديو ثورى بدلا من ان يحاول أن يكون ما اراده من ارشاد الحركة الشعبية لا وصفها وسرد اخبارها .
طبيعة الثورة المقبله :-
*********************
يبدأ الرفيق المؤلف حديثة عن هذه القضية الهامة بالاشارة الى المغالطة النظرية المائله فى القول بأن بلادنا تمر بمرحلة التحول الاشتراكي قائلا انها سادت ردحا من الزمن حتى بين اليسار وبعض العناصر الماركسية ) ص 193-194 ، وأى استخفاف قاتل فى (حق) هذه مادامت الحركة الشيوعية المراجعة بأكملها قد انتحرت على مذبح هذه النظرية الخرفاء : ثم يتحدث عن انه قد تم بحمد الله ( قطع مرحلة طويلة فى طريق الثورة الوطنية الديمقراطية ، وحقق انجازات اساسية فى مختلف مجالات الحياة، خاصة فى مرحلة اعتماده على رأسمالية الدولة فى عمليات التنمية والتصنيع ) ص 195 غير مدرك ما تنطوى عليه هذه النظرة ايضا من مغالطات ، فقد انجزت الثورة البرجوازية ( لا الثورة الوطنية الديمقراطية ) فى بلادنا من أعلى فلم تنجز ( ديمقراطية ) بل ذبحت اما ( الوطنية) .... .
نحن من جديد أمام الاستسلام السياسي والاقتصادى أمام الامبريالية بعد أن سحقت القوى الوطنية واليمقراطية والاشتراكية الحقيقية بأسم المعركة الوطنية وما يستوجبهه من جبهه داخليه ( جاهزة خالية الا من الصفقين والهتيفه ) : أما ان الثورة البرجوازية عندنا قد انجزت ليس من خلال الديمقراطية بل ضدها ليس الاستمرار بالقضية الوطنية وحماية وتدعيم وتطوير الاستقلال السياسي والاقتصادى النسبي بل مع العجز عن كل ذلك بالاتساق مع المضمون الرأسمالي المتخلف لهذه الثورة العلوية التى انجزها انقلاب عسكرى بصورة تدريجيه . ومؤلفنا لا يجهل ذلك تماما بل انه يلح على ( ضرورة استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية ) ص 195 برغم تجاهلة لواجبه الماركسي فى ما تحقق ( بالبورجوازية ) والنظر الى مهام الديمقراطية لا باعتبارها استكمال المنجزات الديمقراطية تحققت بها باعتبارها ديمقراطية ممكنة التحقيق فى النطاق التاريخى للرأسمالية ، فما دامت هذه الثورة البرجوازية الفوقية لم تحققها فمن الواجب انتزاعها من .... طبيعتها البرجوازية غير الاشتراكية .
ويدرك المؤلف أيضا أن السلطة البرجوازية لن تحقق تلك المهام : فيقول ( وهكذا فأن مهام الثورة الوطنية لا تقل بل تتزايد ، ونحن لا نقترب من هدف استكمال هذه المهام ، بل تبتعد عنها ص 196 "ان السلطة الطبقية تفرط حتى فيما تحقق من استقلال سياسي واقتصادى نسبي ، بل انه يوضح هذه النقطة اكثر بقولة : ( ان السير بالثورة الوطنية الديمقراطية حتى نهاياتها والانتقال المباشر للثورة الاشتراكية ، لن يتحقق عن طريق القيادة السياسية الراهنة او السلطة القائمة ) ص 202 بل يضيف أن ( نفس القيادة المؤهلة لانجاز ما تبقى عن مهام الثورة الوطنية الديمقراطية هى القادرة على تخطى هذه المرحلة والانتقال المباشر الى الاشتراكية ) ص 202 اى ان استكمال هذه المهام يقع على عاتق الطبقة العاملة المصرية .
ولاشك ان هذا التخلص من عقد الآمال على السلطة البرجوازية جدير بكل ترحيب برغم اضطراب الصياغات وميوتها. ولكن القضية الان : ما هى طبيعة الثورة المقبلة اذن ؟
والواقع ان مؤلفنا يتخذ موقفا يمكن وصفه بالنفاق ان لم يكن الخلط والضحالة النظرية هما السبب الوحيد فهو لا يتحدث عن ثورة مقبلة بل عن ( مرحلة ثورية راهنة ) وحتى تسهل مناقشتة نريد أن نوضح مسألة سبق ان تعرضنا لها فى الفصل الاول : فطبيعة الثورة تتعلق بالمضمون الطبقى للثورة الشاملة التى سوف نقوم او التى قامت او التى تشتعل فى وقت معين وبما أن مفهوم الثورة الاجتماعية يتعلق بانتقال من نطاق تاريخى لنظام اجتماعى الى نطاق تارخى لنظام اجتماعى آخر ، فأننا لا نعيش ثورات اجتماعية لا تنقطع فالثورة تؤدى الى نظام يعيش بالقرون أو عشرات السنين او الشهور فى حالات تاريخية نادرة ( كالثورة البرجوازية الروسية فى حلقتها الثانية فى فبراير 1917 ) .
وبين الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية لا وجود لثورة ثالثة فبينهما فقط نظام برجوازي سواء أكان ديمقراطيا برجوازيا أم استثنائيا فى ممارسة الديكتاتورية التى ينطوى عليها أى نظام برجوازى وأى نظام استغلالى . ولقد جرت عندنا ثورة برجوازية فوقية ويقوم الان نظام برجوازى أى أن الثورة البرجوازية قد جرت بالفعل قد انجزت ، قد تمت ، قد انتهت وليس أمام مصر الا الآبدين سوى ثورة واحدة هى الثورة الاشتراكية وهى التى سوف تفضى الى النظام الاشتراكي والى الشيوعية فى النهاية.
والان فأن أمامنا مشكلتين بسيطتين اولهما أن قوى الاشتراكية سوف تقوم بتحضير ثورى طويل لتلك الثورة الاشتراكية القادمة ونضالها وهذا سوف يمر دون ريب بمراحل فهل نسمى طبيعة الثورة بمراحل تطور ونضج الحركة الثوريه ام بالضمون الطبقى لتلك الثورة الآتيه ؟.
فى الواقع لا يجب الخلط بين الامرين فطبيعة تلك الثورة اشتراكية لان الاشتراكية هى مضمونها الاجتماعى الطبقى ومادامت الثورة البرجوازية قد انتهت فانما ذلك ايذان بأن أبواب التاريخ قد فتحت أمام مرحلة استراتيجية واحده للنضال من اجل الثورة الاشتراكية ، وبرغم ان تحقيق تلك الثورة الاشتراكية رهن بتطوير قواها وارتفاعها الى مستوى النضج السياسي المطلوب بتحقيقها الا ان مدى نضح او عدم نضج هذه القوى فى هذه اللحظة او تلك لا يؤثر على طبيعة تلك الثورة ولا طبيعة المرحلة الاستراتيجية المؤدية اليها .
اما المراحل او فترات او اطوار نمو وتطوير ونضج الحركة الاشتراكية او الحرية الثورية التى تستهدف الثورة الاشتراكية فانها قضية آخرى لان المهام الثورية لا تنمو بنمو هذه القوى الثورية كما كان يقول مارتينوف بل ان هذه القوى الثورية هى التى تنمو من خلال تحقيق المهام الثورية التى يطرحها الواقع كما كان يقول فلاديمير اليتش لينين .
ان مرور الحركة الثورة بمراحل أو اطوار الطفولة والصبا والشباب والرجولة او السريه والعلنية أو نجاحها فى تحقيق هذه المهام الديمقراطية او الوطنية او تلك قضية مختلفة عن مسألة طبيعة الثورة .
والمشكلة البسيطة الآخرى هى : عندما تقوم وتقعد وتنتهى ثورة برجوازية فوقية وتظل مهام الديمقراطية بحرياتها السياسية وحقوقها الاقتصادية باقية فهل يشكل استكمال هذه المهام مرحلة ثورية استراتيجية خاصة قبل الثورة الاشتراكية ؟ لقد اسلفنا القول بأن الثورة الفوقية تعنى ليس فقط انعدام الديمقراطية بل وفوق القوى التى حققتها ضد الديمقراطية . فالقضية اذن هى انتزاع الحقوق والحريات الديمقراطية وليس انتظار قيام البرجوازية بذلك لأن ذلك لن يحدث .
اى ان الذى يستكمل تلك المهام هو الطبقة العاملة وليست البرجوازية الحاكمة . ما معنى ذلك ؟ معناه ان انتقال الثورة من المحور البرجوازي الرأسمالي الى المحو البروليتاري الاشتراكي يعنى فى نفس الوقت انتقال قضية الاستكمال بنفس الصورة .
فاذا كانت البروليتاريا بتحالفها الطبقى الثورى هى التى سوف ( تستكمل) فمعنى ذلك ان هذا ( الاستكمال) رهن بمقدرة البروليتاريا على فرض ارادتها الثورية الذى يبدأ من أبسط مكسب وينتهى الى الثورة الاشتراكية أى أن الطبقة العاملة سوف تدمج النضال من أجل الديمقراطية ومن أجل القضية الوطنية فى سياق نضالها من أجل الثورة الاشتراكية محققه ما يمكن تحقيقة قبلها مدمجة ما يتبقى بعدها فى البناء الاشتراكي فكل ديمقراطية فى ظل البرجوازية سوف تظل فى النهاية ناقصة مبتورة مشوهة . وبالتالى فان استكمال تلك المهام لا يمكن ان يشكل فى ظروف بلادنا مرحلة استراتيجية منفصلة عن المرحله الاستراتيجية المؤدية الى الثورة الاشتراكية .
وما اسخف ان نقوم بدور المدرس فى المدارس الابتدائية ولكن ما العمل أمام ضرورة قاهرة ؟ ولكى يتجاوز المؤلف هذه المعضله ، معضلة ان مهام وطنية ديمقراطية لم تستكمل بعد فى الوقت الذى انتهت الثورة البرجوازية يلجأ لاول مرة الى الجدل ( وهو جدل بهلوانى) فيؤكد استحاله الفصل بين الاستقلال الوطنى والديمقراطية والثورة الاشتراكية بينما القضية المطروحة هى قضية طبيعة الثورة القادمة .
ولكى نختبر ( قوة ) هذا الجدل ولكى نقف على الاهمية النظرية والعملية للتوضيحات السابقة نمضى فى فحص موقف الرفيق المؤلف . أنه يقول :-
( أن هدفنا الاساسي هو القضاء على النظام الرأسمالي لبناء مجتمع اشتراكي ينتفي فيه استغلال الانسان للانسان ) وعلى طريق النضال من أجل هذا الهدف ، فان حزب الطبقة العاملة يناضل من أجل اقامة حكم وطنى ديمقراطي تسهم فيه كل القوى الوطنية بلا استثناء . وتقوم فيه الطبقة العاملة بدور رئيسى مؤثر ويكون لها وزنها الكفيل بإنجاز هذه المهام ، ليفسح المجال للانتقال مباشرة الى الاشتراكية تحت قيادة الطبقة العاملة المصرية .( ومن ثم تكون المرحلة الثورية الراهنة هى مرحلة استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية للانتقال الى الاشتراكية وهى مرحلة ثورية تواجه اهدافا ذات طبيعه مزدوجه وطنية واجتماعية اذ يتداخل فيها باضطراد مهام الثورة الاجتماعية .
فالاستقلال الوطنى والديمقراطية والاشتراكية لا يمكن فصلها عن بعضها البعض فى عالم اليوم ) ص 197 ، لقد رفعنا من هذا النص علامات التشديد التى وضعها المؤلف ووضعنا علامات التشديد التى ابرزها بها ما رأينا هنا . والايمان بالثورة الاشتراكية يعنى القول بضرورة الاطاحة بالبرجوازية وسلطتها فالاطاحة الثورية هى الشعار الاستراتيجي المحدد الذى يميز الماركسيين الثوريين من الآخرين الذى يمكنهم أن ينادوا بالقضاء على النظام الرأسمالي لبناء المجتمع الاشتراكي دون أن يربطوا القضاء عليه بالاطاحة الثورية واعتبارة ثمرة عمل تدريجي طويل ونلاحظ ان المؤلف لا يستخدم ابدا فى كل كتابه شعار الاطاحة الثورية وقبل هذه الاطاحه الثورية ومن اجلها لابد من تحضير ثورى طويل ولابد من نضال من أجل الديمقراطية التى لا تخفى على أحد طبيعتها البرجوازية وكذلك من أجل القضية الوطنية ، ولكن لا تتطلب مرحلة استراتيجيه خاصه .
اما المؤلف فيتكلم عن ( المرحلة الثورية الراهنة هى مرحلة استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية ) للقيام بعد ذلك بالانتقال الى الاشتراكية وهو لا يقول الثورة الاشتراكية
وتؤكد الشعارات والاهداف التى يحددها للمرحلة الراهنة (..) انه ينظر الى استكمال المهام الوطنيه والديمقراطية باعتباره مرحلة ( الديمقراطية – استكمال الثورة الزراعية –الاصلاح الزراعي الجذرى – تصفية الرأسمالية الكبيرة والطفيلية – تحرير الارض- حماية استقلال البلاد الخ...الخ....) وايضا (حكم وطنى ديمقراطي ).
واذا امعنا النظر فى هذه الاهداف لهذه المرحلة الراهنه وجدناها تخلط بين أشياء يؤدى الخلط بينها الى اضطراب كامل فهناك قضايا تاكتيكية بالفعل واخرى استراتيجيه أصيلة وعلى سبيل المثال فأن استكمال الثورة الزراعية والاصلاح الزراعى الجذرى لا يمكن تحقيقهما بمجرد دور مؤثر تقوم به الطبقة العاملة فى حكم وطني ديمقراطي بل يجب ادماجها فى سياق الثورة الاشتراكية والنضال من أجلها بدون افراد مرحلة خاصة بذلك .
وتصفية الرأسمالية الكبيرة ( والطفيلية أن شئت أيها المؤلف قضية استراتيجية اصيله فهى قضية الاطاحة الثورية فى المدى الاستراتيجي ،وما يقوله المؤلف فى هذا الصدد غريب وفظيع حقا : ( من أجل تصفية الرأسمالية الكبيرة والطفيلية من أجل احداث تغيير جذرى فى جهاز الدولة والمؤسسات العامة وتخليصها من عناصر الثورة المضادة وقوى اليمين الرجعى – التشديد من عندنا ") ص 196 وفوق ان تصفية الرأسمالية الكبيرة اى الاطاحة الثورية الاشتراكية وفوق ان اى شعارات تاكتيكية تسهدف أضعاف الطبقة الحاكمة بالاستفادة من التناقضات داخلها لا تعنى تصفية هذه الطبقة فى المدى التاكتيكي فان ( أحداث تغيير جذرى) فى جهاز الدولة والمؤسسات العامة ( وتخليصها من عناصر) بدلا من تحطيم ذلك الجهاز انما يعنى نوعا من الاصلاح فى التركيب بدلا عن الثورة الشامله.
أما القضية الوطنية فلها أبعادها الاستراتيجية من زاوية ان الاستقلال الجذرى لابد ان يرتبط بالثورة الاشتراكية فلا يمكن تحقيقة فى ظل سلطة البيروقراطية البرجوازية وحلفائها الاستغلاليين برغم كل الاهداف التاكتيكية التى يمكن تحقيقها ضد العلاقات الامبرياليه التى تفرضها هذه السلطة على بلادنا دون أن تعنى ذلك استقلالا جذريا او حلا جذريا للقضية الوطنية .
ويتحدد النضال من أجل الديمقراطية فى عمل القوى الثورية الاشتراكية والديمقراطية والوطنية من أجل الاطاحة بشكل الحكم القائم دون خلط بين الاطاحة بشكل الحكم والاطاحة النهائية بالبرجوازية أى الثورة الاشتراكية .
وينقلنا ذلك الى حديث المؤلف عن الحكم الوطنى فى ( اقامة حكم وطنى ديمقراطي تسهم فيه كل القوى الوطنية بلا استثناء) أو( حكم وطنى ديمقراطي يمثل ارادة الشعب بكل فئاته الوطنية بقيادة الطبقة العاملة وحزبها الطليعى ) ص 202 أولا ، ما هى ( القوى الوطنية بلا استثناء) ؟ اذا كانت تضم الطبقات الاستغلالية التى يضعها المؤلف كحلفاء احتياطيين للاستعمار الامريكي بصفة خاصة والامبريالية العالمية بصفة عامة فكيف تكون قوى وطنية فى نفس الوقت ؟ واذا كانت قاصرة على التحالف الشعبي الثورى اى الطبقه العاملة والفلاحين والبرجوازية الصغيرة فى المدينة ( والشرائح الدنيا من البرجوازية والطبقة العاملة والفلاحين والبرجوازية المتوسطة ) وبقيادة الطبقة العاملة وحزبها الطليعي فى احد النصين ويدور رئيسى مؤثر كما جاء فى النص الاخر فالسؤال ، هو كيف يمكن أن يوجد هذا الحكم الوطنى الديمقراطي فى ظل سلطة البرجوازية القائمة والتى لم يطح بها بعد ؟ واذا كان ذلك على أساس الاطاحة الثورية بها فلما الاكتفاء بالحكم الوطنى الديمقراطي بدلا من بناء الاشتراكية والشيوعية فى الواقع انه لا مخرج من كل هذا الاضطراب والفوضي الشاملة بدون تمييز واضح حاسم بين برنامجين الحد الاقصى أى برنامج الثورة الاشتراكية والحد الادنى اى ما يمكن تحقيقة فى النطاق التاريخى للنظام الرأسمالي .
ومن الممكن نظريا ومن الواجب عمليا ، أن نناضل من أجل الاطاحه بشكل الحكم المعتمد على النظام البروسي والحكم المطلق والديكتاتورية البوليسية ومصادرة الحريات الديمقراطية دون مبالغة فى طبيعة النظام الاجتماعى الاقتصادى الذى سيظل برجوازيا و.....فى قائمتين وكل ما هنالك ان الديمقراطية ( البرجوازية) تكون قد فرضت على هذا النظام البرجوازى ولكن هذه الديمقراطية برغم طبيعتها البرجوازية سوف تعنى الكثير بالنسبة للقوى الاشتراكية فهى تسلحها بأداوات وأسلحة الكفاح وتحسن شروط تحضيرها الثورى من أجل الثورة الاشتراكية المقبلة .
التحالف الطبقى الثورى :
**************
واعتمادا على كل ما سبق قوله ، نجعل ملاحظاتنا هنا فى نقاط شديدة الاختصار :-
(1) استمرارا لطريقته فى تسطيح الاشياء يتناول المؤلف قضية التحالف الطبقى الثورى وكأنها قضية بلا تاريخ أو مواقف متناقضة ازائها وبالتالى فلسنا أمام مناقشة نظرية سياسية بل أنه لا يدرك اهمية مناقشة موقف الحركة الشيوعية السابقة من هذه القضية . لذلك فأنه يكتفى بايراد قائمتين احداهما : لاعداء الثورة والاخرى لقوى هذه الثورة ( وهى بالطبع الثورة الوطنية الديمقراطية للانتقال الى الاشتراكية ) .
(2) ومما يلاحظ على القائمة الاولى انها تتحدث عن الاستعمار الامريكي على رأس الاستعمار العالمى كعدو رئيسي أما اسرائيل فهى العدو المباشر ( ولا أحد يدرى هل الاول ليس عدوا مباشرا أيضا وهل الثانى ليس عدوا رئيسيا أيضا فالمؤلف لا يهتم بالتفسير ابدا ) أما الطبقات الاستغلالية المحلية فانها حلفاء واحتياط حلفاء للعدو الامبريالي .
ولكن ما مغزى وصف الامبريالية فقط بـ ( عدو رئيسي) دون وصف الحلفاء بذلك اليس هؤلاء الحلفاء للامبريالية أعداء طبقيين رئيسيين ؟ وبالنسبة للبيروقراطيا البرجوازية ينبغى ان تلاحظ ان انتقالها الى صفوف الاعدء التاريخيين لشعبنا يرتدى صورة تدريجية من خلال تسوية لمشاكل معهم . وفى موجهة هذه الطبقات الاستغلالية فى بلادنا يجب ان ترفع بكل وضوح شعار الاطاحة الثورية .
ومادامت الاطاحة قضية استراتيجية فكان أجدر بالمؤلف ان يواجه بها هذه الطبقات كطبقات بدلا من تفصيصها وتشريحها على طريقته التى رأيناها من قبل ثم ليفصص وليشرح كما يشاء عند مناقشة النضال الراهن فى مواجهة هذه الطبقات بالاستناد على دراسة اوضاعها وظروفها ومواقفها .
(3) ومما يلاحظ على القائمة الثانية التى تتحدث عن معسكر الثورة مؤلفنا الرفيق طه يضيع وقته بتكرار كل ما هو عام عن العمال والفلاحين أو البرجوازية الصغيرة بدلا من الحديث عن الاوضاع المحددة لهذه الطبقات او السكوت مكتفيا بذكر السطر الصحيح الذى يسمى هذه القوى الطبقية ويحدد نواتها الاساسية بالعمال والفلاحين ويتحدث عن الدور القيادى للطبقة العاملة وبقيادة حزبها الشيوعي .
(4) ان وضع اليسار الناصري باعتبارة عماد وأساس ( القطاعات اليسارية من البرجوازية الصغيرة ) التى يجب التحالف معها ( على أساس الوحدة والصراع ) خطأ ... لأن الاقسام الواسعة من البرجوازية الصغيرة ( من الحركة الطلابية على سبيل المثال) .... تقاوم التسوية الاستسلامية والديكتاتورية البوليسية منذ سنوات متعددة والتى سرد المؤلف اخبار انتفاضاتها وهو يهاجمها ولا يتفق موقفه مع شعاراتها الوطنية والديمقراطية ويتخذ هذا اليسار موقفا (مفصلا) على نموذج نظام حكم عبد الناصر من القضايا الديمقراطية برفض كل كل المطالب الديمقراطية التى ترفعها الحركة الثورية باعتبارها خروجا على الميثاق ، وهو يهاجم الشيوعية والشيوعيين على وجه الخصوص ، كما انه يوافق بوجه عام أعلى التسوية الاستسلامية والقرارات الدولية التى تجرى على أساسها .
ولما كانت قيادات هذا التيار انتهازية مرتزقة وقواعده مضللة فان القضية هى انتزاع هذه العناصر المخدوعة من براثن من خدموهم وضللوهم من أجل كسبهم كمنطق ثورى فى القضية الوطنية وقضية الحريات الديمقراطية وليس بالتحالف معهم واستبقائهم كناصريين فالخط السياسي والفكرى والتنظيمي للناصرية هو الذى يجب النضال من أجل عزله عن قيادة جماهيرنا وهو اساس مايسمية المؤلف اليسار الناصرى الذى يعطيه أ ...على كل الحركة الوطنية الديمقراطية التى تنمو من خلال تجاوز الاسس التى تقوم عليها الناصرية وطريقها .
(5) فى الوقت الذى ينادى فيه المؤلف بالحريات الديمقراطية وحق تكوين الاحزاب السياسية فانه يحدد موقفه من قضية الجبهه على أساس غيبة احزاب أن ( بناء تحالف للقوى الاجتماعية ، وليس تحالف جبهوى ) تحالفا جبهويا ( وبين تنظيمات) ص 206 لا يمكن أن يكون شرطا مسبقا ، فالتحالف قضية استراتيجة ويجب الشروع الآن فى خلقة بطرح اسمه المحدد وطرح ..... ولكن الشروع فى البداية فى مختلف ....الاكثر نصحا .
.........ان قد تقوم فى المستقبل بل توجد فى الواقع حركات سياسيه تبحث عن أشكال واطر مستقله دون أن يكون مهيأ ، لان تستوعب بالكامل فى حزب ماركسي وبالتالي فان القول بالاعتماد على التجمعات النقابية والمهنية ص 207 فقط استنادا الى غياب الاحزاب انما هو شرط متعسف . ( هنا ينتهى النص ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب