الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نستحق الوعي و ماذا يمنعنا من إدراكه؟

ردوان كريم
(Redouane Krim)

2021 / 11 / 7
الادب والفن


قد يبدو لك السؤال غريبا من الوهلة الأولى و قد تستفهم ماهذا الذي يقوله هذا الرجل؟ فبدون ذكاء، تأمل، و شرود تجيب تلقائيا أنه "بالطبع نستحقه كأفراد و كشعب ". و بدوري أؤيد رأيك و أضيف سؤال آخر يقول:" ما العمل من أجل أن نستحق الوعي أو بتعبير أسهل؛ كيف ندرك الوعي؟" فالوعي ليس هدية أو قرار لحظي، لا يأتي صدفة، ولا مجانا و لا أوتوماتيكيا حين نرغب فيه. الوعي ليس إستيقاظ من النوم أو الخروج من غيبوبة بعد عملية جراحية. الوعي ليس أن تقود سيارتك عائدا إلى البيت ثم تتساءل كيف وصلت و أنت كنت غارق في التفكير في أمر ما، فتقول: "كان ذلك وعي عفوي نتيجة التعود." و لكن الوعي العوفي أصلا يتم حين تصدر عنك قرارات و أفعال ذات أهمية أكبر كأن تتوقف عن شراء بضاعة ما حين يزيد سعرها عن المعقول وتجد جيرانك قد تصرفوا بنفس الطريقة دون إتفاق مسبق و يكون رد الفعل هذا وعي عفوي.

أما كونك كنت تفكر في موضوع ما و أنت تقود سيارتك فذلك ليس بالوعي التأملي طالما أنه لم يمنعك من القيادة. و عليه الوعي التأملي يتطلب كل خصائص البحث العلمي، كأن يقوم الفرد بالتفكير في طريقة تنهي مشكل إنقطاع المياه في حيه أو وضع حد للنفايات المتناثرة هنا و هناك و يقترح حل يرضي الجميع سواء السلطات أو أهل حيه. و أما كونك قد خففت السرعة عند إقترابك من مدرسة إبتدائية فذلك ليس بالوعي الحدسي الذي أود التطرق إليه رغم أن ذلك جاء مباشرة و فجائيا و إدراك مصدره معرفة مسبقة، فالوعي الحدسي هو أن ندرك أن بعض الأحداث هي مجرد تحصيل حاصل و نتائج لعمليات بديهية فنعمل على تجنبها قبل حدوثها كالإعتماد على معطيات علمية لتجنب أزمة إقتصادية أو التنبأ بنمو إقتصادي و العمل على تحقيقه، أو توفير متطلبات تمنع إنتشار وباء قادم كالكورونا، الخ. أما شعورك كسائق بالمسؤولية إتجاه نفسك و الأطفال(الأخرين) ليس بالوعي الأخلاقي بل إلتزام بقانون المرور و إلتزام الإنسان العاقل على الحفاظ على حياته و حياة الناس. أما الوعي الأخلاقي في الحقيقة مرتبط بالإيمان بقضايا و الدفاع عنها. بناء أفكار بعد التأكد من صحتها و الوفاء لها أو رفض أفعال مسيئة للقيم الإنسانية و مباديء التمدن، التحضر و التصدي لها لأن أخلاقك و أخلاق المجتمع كائن من كان يرفض ذلك، و هذه الأخلاق مصدرها الإنسانية، العلم و المواطنة و غير إقصائية كالأخلاق الدينية الصالحة داخل أعضاء حلقتها و تبطل على من هم خارج سربها.

هل نعي حقا ما يحدث لنا أم أننا ندعي ذلك فقط؟!
عادة الناس تتوجه إلى القواميس في كل مرة يودون تفسير كلمة يجهلون معناها، فإن لم يكفي يعتمدون على وعيهم الخاص أو إدراكهم الشخصي المبني على المعرفة التي يوفرها عقلهم. و لكن ماذا لو كانت الكلمة التي نريد التطرق إليها هي الوعي بحد ذاته؟! كيف نعقل هذا الوعي بنفسه ؟ هل هو الفهم و القدرة على الحفظ و التعلم؟ أي الوعي هو الدرية، إكتساب العلم و المعرفة؟ هل هو إدراك الإنسان لما يحدث في بيئته و علاقته بها؟ هل هو التحلي بالمنطق في تفسير أحداث حياته الواقعية، التحكم المنطقي بأفكاره، و ضبط أحاسيسه؟ هل هو أن يحس الفرد بما يحدث له و ما يحدث لمجتمعه و ما يطرأ عليه و عليهم من تغيرات وتحولات؟ هل هو إدراك الإنسان لما يقوم به و ما يواجهه من ظروف الحياة بقواه الشعورية و العقلية؟ هل هو إكتساب الحكمة و الرزانة اللازمة لمواجهة تطورات الحياة الحاضرة و تقبل إرثها الماضي كشرط للتعامل معها، و إكتساب رؤية مستقبلية حول ما ستؤول إليه حياته و حياة مجتمعه؟ هل الوعي يكمن في طريقة مواجهتنا لأحداث حياتنا و تصرفاتنا وسط أحداث الحياة و تفاعلنا معها بالطريقة الصحيحة، و عليه يترتب إزاء ذلك نقد وحكم على أنها طريقة إيجابية (أي إننا بهذا واعون) أو طريقة سلبية (أي أننا غير واعون) ؟ و هل الحكم على تصرفاتنا الإيجابية أو السلبية هو الوعي بحد ذاته؟ و هل المفاهيم العتيقة و المعارف المبنية على التقاليد و الأفكار الغابرة التي ترفض التأقلم مع الواقع و الحياة الراهنة تعد وعيا؟ هل فهم نصف موضوع يعتبر وعيا؟ و هل فهم جانب من جوانب موضوع ما يعد وعيا؟ هل يمكن الإلمام بفهم كل الجوانب المؤثرة على الحياة ؟ و إن حدث ذلك هل ذلك يقصد به وعيا كاملا؟ وهل وعي الإنسان نسبي لا يرقى إلى الكمال؟ و عليه هل الوعي الغير كامل يعد نسبي أم زائف ؟ هل علينا أن نفهم أن الوعي هو إمتلاك مستوى فكري و ثقافي، و القدرة على إختيار الصواب و التحلي بالمسؤولية نحو إختياراته اليومية، بحيث يقدر المرء عواقب و نتائج قراراته و جزء من قرارات المجتمع الذي ينتمي إليه و يتفاعل معه، و ذلك بالفهم العميق للحياة و طبيعة محيطه؟

الوعي بعيدا عن التعريفات العلمية، الدراسات السيكولوجية، الإجتماعية و الفلسفية هو أن يدرك المرء أن الإنسان مجرد كائن من بين عدد ضخم من الموجودات على كوكب الأرض أو الكون، و أنه ليس بالشيء العظيم و المؤثر إلى درجة عدم الإستغناء عنه، بحيث يكون محور كل شيء ، و لأن الحياة وجدت قبله و ستستمر بعده، و إدراكه أنه ليس العنصر الأساسي للكون يتحول وعيه إلى التفكير أن حياته مهمة بالنسبة له و رؤيته للعالم و مفهومها مرتبط بإدراكه الذاتي فقط، و بالتالي يعمل على تعريف نفسه عبر الطبيعة و الكائنات من حوله و البشر على الخصوص و أنه جزء من ذلك المحيط الذي ينتمي إليه و لا يستطيع العيش دون التعامل معه، و وجوده مرتبط بوجود الطبيعة و ليس العكس. و ليست الحضارة الإنسانية إلا تجسيد لما يحمله الإنسان من معرفة الذات و فهمه لوجوده. فالوعي يعبر عن نظرة الإنسان لنفسه فالتمدن و التحضر الذي يعمل على تطويره هو إسقاط لوعيه الداخلي على العالم الخارجي.

كل شيء يحدث في الدماغ و كل شيء مرتبط بالعقل، فنظرة الإنسان إلى العالم هي تحليل للصور التي ترسلها حواسنا إلى عقلنا الذي يستعين بدوره بأفكار إكتسبناها من احتكاكنا بالطبيعة و تجاربنا و خبراتنا السابقة. فهمنا للوجود بالتالي صادر من عقلنا و حين نعبر عن وعينا نعبر عنه. و قد لخص ديكارت ذلك في مقولة بسيطة تتناقلها الشفاه مرة عن علم و مرة عن روتينية التكرار، يقول: "أنا أفكر إذن أنا موجود". ديكارت شك في وجوده و أثبته بالتفكير و عليه فهم الإنسان للوجود مرتبط بأفكاره و تفسير أفكاره للموجودات خارج ذاته. و لأن لكل شخص أفكاره و طريقة تفكيره لا يتساوى الوعي لدي شخص و أخر. فإنطلاقا من العقل خلقنا معاني و مفاهيم للعالم و سمينا هذه الرؤية وعيا. و لعلى الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر القائل أن " الجحيم هم الأخرين" بفلسفته الوجودية هو أحد المفكرين الذين ربطوا الوعي بالأخرين و ليس بالذات بحيث لكي يعي الفرد وجوده يحتاج للأخرين الذين يقومون مقام المرآة العاكسة، التي تحكم على مستواه الفكري، قيمته، و دوره في المجتمع و عليه الفرد يستعين بمجتمعه لفهم نفسه و مجتمعه بالذات. بينما قام كارل ماركس بتفسير الوعي على أنه متصل بواقع المجتمع، أين الوعي الصحيح هو ما يعمل على تطوير واقع الإنسان إلى حالة إقتصادية، إجتماعية، سياسية و ثقافية أفضل. و الوعي الزائف هو ما يزيد واقع الإنسان تأزما في كل هذه الحالات المذكورة. بينما رأى سيغموند فرويد أن الوعي غير كافي لفهم العالم الخارجي و الذات الإنسانية، و عليه عبر نظريته الشهيرة "جبل الجليد" التي ترى أن ما خفي أعظم و هو اللاشعور، أي أن فهم الإنسان لنفسه و للحياة البشرية لا يعتمد فقط على الوعي بل يحتاج إلى اللاشعور (اللاوعي)، و أن كل منهما يكمل الأخر.

في حين يعتقد نيتشيه أن الإنسان ليس بحاجة إلى الوعي ليعيش حياة سعيدة، فالوعي مرتبط بالمنطق و العقل المبني على الأفكار الأفلاطونية التي تعمل على تهذيب الإنسان و جعله يعيش وفق قوانين و قواعد تمنعه من الإستماع بالحياة و الفن و بالتالي تخرجه من طبيعته المتناغمة مع الطبيعة. فالفن التراجيدي الغير ملموس و النشوة الديونيزوسية التي نجدها في الإنغماس في الموسيقى و السكرة هي من تجعل المرء يندمج في الحياة و يصبح جزء من الطبيعة التي ينتمي إليها، عكس العقلانية الأبولونية المفرطة. و عليه يعتقد نيتشيه أن الإنسان تحركه الرغبة في القوة (السلطة) المبنية على صراع البقاء، ما جعل الضعفاء و هم الأغلبية إلى تطوير اللغة، المفاهيم، و المباديء لتقنين المعاملات البشرية. و بالتالي خلق الإنسان لنفسه عادات وتقاليد، أعراف و طقوس دينية إلى جانب الأخلاق على شكل نظام يتحكم في حياته و قد تبناه المستضعفين جيل بعد جيل، و عملوا على تمجيده ليحتموا به من الأقوياء و تبرير ضعفهم. و رغم ذلك يكسر الأقوياء تلك القواعد كالواجب، المسؤولية، الحرية الخ وفق ما يساعدهم و يعمل البسطاء على إيجاد الأعذار لمواقفهم و أفعالهم. إلى هنا يرى نيتشيه أن الوعي هو مجرد تصورات و أوهام خلقها الإنسان لينظم بها حياته و يحتمي بها من شبيهه (الإنسان) القوي، و تتغير حسب الزمان و المكان و تتطور حسب ظروف الأقوياء لأن الضعفاء غير قادرين على تخيل حياتهم دونها.

الوعي ضرورة و ضريبة ندفعها إن تأخرنا في إكتسابها كوطن طالما أن جميع الدول تسعى إلى تطوير نفسها بأقصى ما لديها من قوة من أجل التغيير نحو الأفضل، و لا يمكن مجاراة الدول المتقدمة بشعب فاقد للوعي. الوعي تسعى إليه الشعوب و تحقق نسبا كبيرة طوعا أو كرها لأن المنافسة شديدة في كل الأمور، و لا يخدم البلد أحد أحسن من إبنها و لو كانت الإستعانة بالخبرة الأجنبية مهمة. و لتحقيق الوعي نحن بحاجة إلى الحياة الكريمة، العدل، و الحرية كحقوق بسيطة تتم بتعقل السياسين و تصالح المختصمين فيما بينهم من أجل مصلحة البلد. و السعي وراء العلم الحقيقي بكل أشكاله واجب وطني لا شك فيه. علينا نحن الجزائريين الإهتمام بتطوير الصناعة و الزراعة و تحسين قطاع الخدمات بكل ما نملكه من رغبة و قدرة من أجل تحقيق إكتفاء ذاتي على الأقل في الغذاء و الضروريات، و أن يشعر الفرد بالمسؤولية دون أي إستهتار في شتى المجالات، فقد بدأ العالم المتقدم يبتعد عنا، و هذا خوفا من أن يحاول أعداء الأمس و اليوم التدخل في شؤوننا أو أن تخول لأنفس من كنا نضحك على مهازلهم أن يتجرؤوا على السخرية منا أو حتى رفع أصبعهم لتهديدنا. فتحقيق الوعي يستدعي النضال و التضحية و التخلي عن اللامبالات و التبلد الذي أدخلنا في غيبوبة لا علم لنا بما وصلت إليه الشعوب، و أبقتنا مشلولين لا إرادة لنا في التطور و التحضر. اليوم أصبح السؤال ليس هل نستحق الوعي لأن إيجابية الجواب لا غبار عليه، و لكن كم من معركة يجب القيام و الفوز بها لتحقيق الوعي الجماعي. فمن جهة معركة الحرية و الديموقراطية قطعت شوطا كبيرا عند الحضارات الراقية و نحن باقون في مكاننا كالكسالى المقهورين، و من جهة أخرى معركة التحضر و التمدن ضد التخلف مازلنا لم نتجاوزها رغم أن أسلافنا معروفين بأخلاقهم المنافية للتخلف و الفساد و المتميزين بإعتدالهم و تفتحهم و هذا من أجل أن نعيش الحاضر و المستقبل. اليوم لكي نفكر في الوعي كأمة يجب أن تتغير غاية الإنسان في بلدنا من السعي وراء تأمين حياته و رزق أولاده إلى السعي وراء الثقافة و العلم و الرغبة الملحة في صناعة التاريخ من جديد عبر تحقيق الألقاب و تحطيم الأرقام في شتى المجالات الإقتصادية، الإجتماعية، السياسية، الثقافية، و الرياضية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير