الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (290) لمحة من تاريخ الاستخبارات العراقية

بشير الوندي

2021 / 11 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (290)
لمحة من تاريخ الاستخبارات العراقية
----------
مدخل
----------
آلينا في سلسلة المباحث ان لاتختص ببلد دون آخر الا في بعض المفاصل , وقد تناولنا في مباحث سابقة عن مجموعة من اهم مدارس الاستخبارات في العالم , فصار لزاماً – من باب أولى - ان نخوض في تاريخ و مرتكزات الاستخبارات العراقية واهدافها وتاريخها ونجاحاتها واخفاقاتها وتقييمها , وهو مدار مبحثنا.
-----------------------------
عسكرة منذ التأسيس
-----------------------------
يرى بعض الباحثين في تاريخ العراق المعاصر والحديث ان الانقلابات العسكرية هي التي ادخلت العسكر الى بوابة السياسة من قبيل انقلاب بكر صدقي عام 1936 , الا ان نظرة متمعنة في تأسيس الدولة العراقية الحديثة , التي قامت على اعقاب الحكم العثماني المفكك والمدمر إثر الحرب العالمية الاولى , تكفي لنرى ان الذي كان يحكم المشهد انذاك هم مجموعة من الجنرالات والضباط الانكليز , فكانت سلطة الاحتلال تتشكل من مجموعة ضباط انكليز وكوادر فنية هندية ومن خليط مستعمرات بريطانيا والاعتماد على مجموعة موظفين عسكريين من بقايا الحكم العثماني من ذوي الاصول العراقية .
فمنذ لحظة التأسيس , اعطيت الاولوية للمفاهيم العسكرية والعسكرة قبل التنمية والاقتصاد والتربية والبناء , لذا نعتقد ان دخول العسكر للحياة السياسية في العراق كان وارداً , ذلك ان ضباط العهد العثماني كانوا قد استخدموا منذ التأسيس في ادارة مرافق الدولة العراقية.
وقد كانت الدول طوال العهد الملكي والعهد الجمهوري حتى انقلاب البعث عام 1968 تعتمد على جهازين استخباريين هما مديرية التحقيقات الجنائية (مديرية الامن لاحقاً) والاستخبارات العسكرية , ومع استيلاء البعثيين على السلطة اصبح الاعتماد الاستخباري منوطاً باربعة اجهزة هي مديرية الامن العام والاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة والجهاز الحزبي , كما سنفصل.
-------------------------
مديرية امن النظام
-------------------------
كان جهاز الامن العام - على الدوام - هو الجهاز الاستخباري الاقوى ضمن حدود تقسيمات اجهزة الاستخبارات في البلد , وكان يعتبر جهازاً استخبارياً للأمن الداخلي , وهو مايقابله بعد عام 2003 وكالة المعلومات والتحقيقات الجنائية بمثابة التشكيل المشابه في المهام للامن العامة.
وقد تشكلت مديرية الامن العام عام 1928 تحت مسمى مكتب التحقيقات الجنائية من قبل البريطانيين , وتعد بذلك أقدم تشكيل أول جهاز استخباري في المنظومة الامنية , وفي مطلع الخمسينات اصبحت مديرية الامن العام وارتبطت بوزارة الداخلية .
وطوال مسيرتها , كانت مديرية الامن العام بمثابة اخطبوط متعدد الاطراف والمهام والتوسع وكثرة الواجبات , فكانت تسعى لمعرفة كل شيء والتجسس على كل شيء , وهكذا اجهزة تكون كبيرة في العدد والعدة , وتنتشر في كل مكان وزمان وتبحث عن كل شيء , ومرهقة دوماً , وهي صفة الاجهزة الامنية في الانظمة الدكتاتورية.
في عام 1970 صدر قانون 83 لتنظيم عمل وكلاء الامن (الجديرون بالثقة للدفاع عن منجزات الثورة) , وعلى ضوء هذا القانون تم تجنيد الكثير من الناس للعمل وكلاء لجهاز الامن وكانت اعدادهم هائلة تصل الى عشرات الالوف.
وفي عام 1990 انفصلت مديرية الامن العامة من وزارة الداخلية وارتبطت برئيس الجمهورية حتى سقوط النظام عام 2003 , وبعد 2003 تشكلت وكالة المعلومات والتخقيقات بدل عن مديرية الامن العام وارتبطت بوزارة الداخلية.
من المفارقات ان اغلب مدراء الامن العام حكموا بالاعدام سواء بعد انهيار الانظمة كما في حالة بهجت العطية ابرز مدير في العهد الملكي حيث اعدم بعد سقوط النظام , وكذلك سبعاوي ابراهيم الحسن الذي اعدم بعد انهيار حكم صدام , ومنهم من اعدمهم نظامهم كما في حالة ناظم كزار و فاضل براك الذان اعدما على يد نظامهم .
------------------------------
الاستخبارات العسكرية
------------------------------
تشكلت الاستخبارات العسكرية مع تشكيل الجيش العراقي 1921 كفرق استطلاع في الوحدات , ثم تشكلت الاستخبارات العسكرية في العراق لاحقاً بعد توسع تشكيلات الجيش العراقي حيث انتظمت في الاربعينات كمديرية منفصلة لتأخذ دورا استخبارياً على دول الجوار والاقليم كإسرائيل وايران وتركيا , وقد تورط قادة جهاز الاستخبارات العسكرية بكثير من المؤامرات الانقلابية سواء في عهد عبد الكريم قاسم او في انقلاب البعث.
وفي عام 1984 تم فك ارتباط الاستخبارات العسكرية من وزارة الدفاع وارتبطت بالقائد العام , وقد اعيد بناء الاستخبارات العسكرية بعد عام 2003 لكن ضمن مؤسستين هما المديرية العامة للاستخبارات والامن ومديرية الاستخبارات العسكرية , وهو مؤشر لفشل تنظيمي صارخ من خلال وجود جهازين استخباريين في وزارة الدفاع .
لقد كانت الاستخبارات العراقية ضمن تصنيف ( الاستخبارات المحلية ), فقد استمر العراق قرابة 50 عام يعمل بجاهزين استخباريين فقط احدهما الاستخبارات العسكرية بالاضافة الى مديرية الامن , ثم جاءت فترة البعث لتكثف العمل الاستخباري لكن بمفهوم امني داخلي يركز للسيطرة على الامن الداخلي حتى في عمل المؤسسات الاستخبارية الخارجية .
---------------------
جهاز المخابرات
---------------------
اثر سيطرة حزب البعث , تم تحويل جهاز امن الحزب (منظمة حنين ) الى "مكتب العلاقات" , كمكتب يقوم بالاشراف على جهاز الامن العام والاستخبارات العسكرية بشكل فني وتحت اشراف صدام حسين المباشر.
ثم تشكل جهاز المخابرات العراقي عام 1979 نتيجة ادغام جهاز حنين ( امن الحزب ) ومكتب الامن القومي ( جهاز امن القيادة القومية للحزب ) ومكتب العلاقات العامة ( جهاز امن الدولة التابع لنائب رئيس مجلس قيادة الثورة ) فتم دمج الثلاثة وتشكيل جهاز المخابرات .
وعمل جهاز المخابرات كجهاز استخبار خارجي , ودام عمله الفعلي الخارجي حوالي احد عشر عاماً حتى احتلال الكويت وماتلاها من عقوبات دولية على العراق مما جعله يتقلص وينحسر الى داخل البلد ويعمل عمل البوليس السري ايضا.
--------------------------------
حزب بمهمات استخبارية
--------------------------------
بعد استتباب حكم البعث وانتشار الحزب بعناصره وفرقه الحزبية في كل شبر في العراق , تم اعداد الحزبيين ليكونوا في بوتقة الاستخبار كجهاز استخباري عملاق مساند للنظام , حيث امسى الحزب بكافة تشكيلاته وعناصره ليكون اكبر جهاز استخباري امني , حيث الزم عناصره نهاية السبعينات بكتابة تقارير امنية يومية ودورية عن المواطنين (بما فيهم اهاليهم) والمؤسسات والعشائر والناس والمقاهي والمدارس والشركات وعن كل شيء , حيث ترفع تلك التقارير جميعاً الى مديرية الامن العام , فأصبح الحزب هو الجهاز الاستخباري الاكبر داخلياً وثالث جهاز استخباري حتى سقوط النظام.
--------------------
اخفاقات وقمع
--------------------
بعد عام 1991 , اكثر النظام من تشكيل اجهزة عسكرية وامنية ومليشيات حتى انها امست تتصارع فيما بينها , ورغم تعدد الاجهزة الاستخبارية الا ان الفشل كان يلاحقها طيلة فترة نظام البعث , ولم تنجح الا في القسوة وجز الرقاب والمقابر الجماعية الوحشية.
وتأثر العمل الاستخباري خلال حقبة البعث بالمدرسة الشرقية السوفيتية وفلكها من دول المنظومة الاشتراكية , وكان جهاز استخبارات المانيا الشرقية وبولندا ويوغسلافيا من الاجهزة التي نقلت خبراتها واساليبها الى العراق , وهي اجهزة تعودت على الوحشية المفرطة والتلذذ بالتعذيب , وكانت من نتائج اساليبها انها اخفقت في الحفاظ على بلدانها وانظمتها حيث انفرط عقدها جميعا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .
وكانت اخفاقات الاستخبارات كبيرة , ابرزها التورط في حرب ايران (وهذا ما إعترف به رأس النظام لاحقاً) , وتمكن اسرائيل من قصف المفاعل النووي العراقي تموز , والتورط بحرب الكويت التي انتهت بتدمير الجيش العراقي , وهروب حسين كامل زوج ابنة الرئيس ومسؤول اسرار التصنيع العسكري , وضرب عدي صدام حسين وسط بغداد , والتخاذل في حرب عام 2003 , واخيراً الفشل في الحفاظ على النظام ورأسه.
ومن يطلع على ارشيف اجهزة استخبارات النظام البعثي للبحث عن عقيدة تلك الاجهزة سيخرج خالي الوفاض الا من حجم الكوارث والاجرام والقسوة والعمل على حماية رأس النظام فقط وطاعة رأس النظام وعدم التجرؤ على ابداء الرأي المخالف , فبرغم وجود بعض العقول والكفاءات في الاجهزة الاستخبارية لكن نوع الحكم كان يحتم عليهم استنفادها في ارضاء الحاكم.
فقد تحولت الاجهزة الاستخبارية بمجملها الى مراكز رعب بدل ان تكون اجهزة استخبارية محترفة , لقد امست كل الاجهزة الاستخبارية تعمل بشكل البوليس السري , ولم يعد يمر يوم من حكم البعث من دون اعدامات و صراعات و محاولات اغتيال وحفلات رعب جماعي ومجازر كما في مجزرة قاعة الخلد , لان الاجهزة الاستخبارية كانت لحفظ رأس النظام فقط
وامتهنت مديرية الامن في عهد حكم البعث المسار العنيف في الاداء باساليب القهر والخشونة والعنف في اتجاهين , ففي تجنيد المصادر كانت تستخدم التهديد والوعيد وتكسب المعلومة بالخوف والقهر , وفي معالجة الاهداف كانت تنتهج العنف ايضا في معالجة الاهداف , فتميزت بالتصفيات الدموية في سلم قيادات حزب البعث والمعارضين ( اسلاميين . شيوعيين . قوميين . كورد وغيرهم ) والوحشية المفرطة في قمع الانتفاضة الشعبانية .
--------------------------------------
ما بعد 2003 فرصة تأريخية
--------------------------------------
بعد عام 2003 , والاحتلال الامريكي للعراق وسقوط البعث , اصبح البلد ساحة صراع دولي واقليمي وتم ارباك العقل الاستخباري بالانتقال من الدكتاتورية المطلقة الى الديمقراطية الفوضوية فتشكلت اجهزة استخبارية عديدة ومتنوعة كما يلي :
1- جهاز المخابرات
2- وكالة المعلومات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية
3- المديرية العامة للامن والاستخبارات في وزارة الدفاع
4- الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع
5- جهاز الاسايش في اقليم كردستان
6- جهاز الزانياري في اقليم كردستان
7- استخبارات جهاز مكافحة الارهاب
8- استخبارات الحشد الشعبي
9- جهاز الامن الوطني
وهي اجهزة اخذت وقت طويل واكتسبت الخبرة العملية وجهزت بالتكنولوجيا والاموال وواجهت اعنف عدو وهو داعش واثبتت في كثير من الاحيان انها قادرة على التصدي رغم حاجتها للرعاية والتطوير , واصبحت اجهزة بخبره عالية في مجال مكافحة الارهاب وقدمت تضحيات كبيرة .
الا ان تلك الاجهزة تحتاج الى اعدة النظر في هيكليتها من قبيل ان تكون هنالك استخبارات واحدة لوزارة الدفاع ولاتكون برأسين , وان يتم تحديد مهام الاجهزة وتقسيمها بوضوح بدون تداخل , واعادة النظر في القيادة والسيطرة لتلك الاجهزة , وتحديد المرجعيات , وخلق روح التنافس , وايجاد مظلة جامعة لكل الاجهزة الاستخبارية بمسمى ادارة المجتمع الاستخباري , وابعاد المؤسسات الاستخبارية عن الصراعات السياسية والحزبية , وصد اية محاولات اجنبية للولوج والسيطرة على اي من تلك الاجهزة .
-------------
خلاصة
-------------
خلال ثمانية عقود لم يعرف العراقيون عن عدو سوى الاجهزة الامنية والاستخبارية التي تؤسسها الدولة , العراقي طيلة عقود يعتبر ان مهمة تلك الاجهزة قمعه ولايقتنع ان الجهاز الاستخباري في العالم له مهم جليلة وله تضحيات ومغامرات وليست من ضمن مهامه ان يؤذي شعبه بل على العكس هو يحارب العدو الذي يريد ان ينال من ابناء وطنه .
وبقى هذا المفهوم الملتبس قائما في اوساط المجتمع العراقي , وكان يرى في كل يوم مصاديق لما ترسخ في ذهنه من خلال وحشية الاجهزة الاستخبارية التي وصل بها الامر في ظل نظام البعث الى ان تتعمد بث الرعب في النفوس والمساهمة في نشر قصص التعذيب والقسوة , وهو مايفسر الانتقام الشعبي من كل مايتعلق بمنشئآت تلك الاجهزة ومنتسبيها بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 .
ان الحقبة التي نعيشها الآن كانت كفيلة بترميم الكثير من الجراح وفي تصحيح الكثير من المفاهيم المجتمعية عن تلك الاجهزة , الا ان المتبقي هو ان تثق تلك المجتمعات بكفاءة تلك الاجهزة وابتعادها عن الصراعات السياسية , وان تصل الى مستويات كفيلة بحفظ دماء العراقيين وان تتمكن من اختراق العدو وشل قواه , والله الموفق.
للمزيد انظر : ويكيبيديا (تأسيس العراق الحديث - بكر صدقي - القوات المسلحة العراقية - مديرية الأمن العامة ) , كتاب الامن المفقود للمؤلف , سلسلة مباحث في الاستخبارات (37 مؤشرات العمل الاستخباري , 79 الاستخبارات والسلطة , 111 التجنيد الداخلي وأمن السلطة , 149 مديات النفوذ الاستخباري , 154 الامن الخارجي وادوار الدول , 199 المدرسة الروسية للاستخبارات).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط