الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفاح الحمير

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 11 / 8
كتابات ساخرة


هو مظلم ظلام ليل حالك، عيناه تقذفان شرر برق حارق. عظمه مكشوف، وجثته ضئيلة، لكن عصبه قوي وهائج. صوته رعد لا يهدأ، غير مفهوم لكن مخيف. يكابد حنقه وغضبه أعلى الحمار، من رقبته، في ترعة ممتلئة عن آخرها ماءً. يسقط ويختفي تحت الماء وسط الحوافر، ثم يطفو مجدداً ويزيد هياجاً، يرعد ويزبد. يعتلي الرأس من الجبهة، يحكم قبضتيه على الأذنين ويشد لأسفل، يغرقهما. ينشب أظافره برأس الحمار كحيوان مفترس، ويعض بأسنانه، تارة من فوق وأخرى من تحت، يدفع بقوة نحو القاع. ثم بعد معركة مضنية، تمتلئ أذنا الحمار ماءً، وتتمدد جثته فوق صفحة الماء البيضاء. حينئذ، تهدأ ثورة صاحبنا ويخرج من الماء ظافراً، ثيابه ملطخ بالوحل، والماء يسيل من جسده النحيل سيل الدم من شرايين ذبيحة لتوها. يرمي بجثته النكراء فوق الجسر يلتقط أنفاسه، منفوخاً بمشاعر العزة والظفر على الحمار المسجى بلا حراك. لن تمضي ساعات قليلة حتى يأتي رفيقه، سلاخ الحمير، لإتمام المهمة قبل أن تنثر الرياح نكهة جيفة شهية تستجمع حولها أنياب الكلاب.

نحن نقتل الحمير لأننا لا نذبحها. لحوم الحمير ليست من العناصر الغذائية المفضلة على مائدة الإنسان. إذا كانت الحمير مثل أغلب الحيوانات المستأنسة الأخرى صالحة لطعام الإنسان وضمن نظامه الغذائي، كانت بالقطع ستذبح بالسكين بالطريقة الشرعية الكريمة- الحلال- وما كانت ستقتل بمثل هذه الطريقة الوحشية. لكن، في كل الأحوال، هل ثمة فرق كبير بين الموت غرقاً والموت ذبحاً بالسكين، إذا كانت النتيجة هي نفسها واحدة- إنهاء الحياة!

ونحن نقتل الحمير أيضاً لأنها شديدة الوفاء لنا والارتباط بنا. الحمير وفية للإنسان ومتعلقة به لدرجة تجعل من القتل الطريقة الوحيدة لوضع حد لهذه العلاقة، متى أصبحت عبئاً على عاتق الإنسان. ليس من السهل أبداً على أي رجل أن يتخلص من حماره. إذا كان الأمر كذلك، ما كان استأجر قاتلاً محترفاً مثل صاحبنا أعلاه ولكان ترك رفيق دربه يمضي في حال سبيله بسلام بعد انتفاء المصلحة. لكن هيهات، إذا ترك الرجل حماره وأدار ظهره للعشرة الطويلة التي جمعت بينهما، لن يفعل الحمار أبداً. سيعود لبيت صاحبه مهما بعد المكان الذي يرميه فيه. الحمار يملك ذاكرة فولاذية للطرق والأماكن، يحفظها عن ظهر قلب، ولا ينسى أبداً الطريق إلى حظيرته. هو سيرجع، سيرجع وسيضع صاحبه في موقف وجداني صعب: إما أن يطعمه ويأويه من دون أن يجني من ورائه منفعة، أو أن يقتله. وهو ليس خائن للعشرة لدرجة أن يقتله بنفسه، لذا سيستأجر من ينوب عنه في تنفيذ العملية.

كذلك الحمار، إلى حد كبير شبه الإنسان، هو من الحيوانات ذات الشبق الجنسي غير المرتوي طوال الوقت، ذكوراً وإناثاً. معظم الحيوانات والكائنات الحية لها دورة جنسية محددة، تبدأ وتنتهي بمواسم الحيض والتبويض والتخصيب. بخلاف ذلك، تتحول الحيوانات إلى ما يشبه الإخوة الجنسية، حيث يصبحون كأنهم جميعاً ذكوراً فقط أو إناثاً فقط، إلى أن يحين موسم الإخصاب القادم. لكن الإنسان، والحمار كذلك، دائم الشبق الجنسي طوال الوقت، حتى أثناء الحمل والرضاعة. بيد أن الإنسان قادر على أن يحتشم ويتوارى بعيداً عن الأنظار، لكن الحمار لسوء حظه لا يملك نفسه، ما يشكل إحراجاً وضغطاً أخلاقياً على الإنسان. لذلك، تكون علاقة الإنسان بالحمار ذات طبيعة اضطرارية، يتحين فيها أول فرصة للتخلص منه وفضها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا