الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زلزال 25 جويلية/ محنة الفعل السّياسيّ في تونس

الطايع الهراغي

2021 / 11 / 8
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


"المثقف هو الشّخص الذي يتدخّل في ما لا يعنيه ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة".
(جان بول سارتر/ 1905-1980 )
"إحدى مهامّ المثقّف هي بذل الجهد لتهشيم الآراء المقبولة والمقولات التّصغيريّة التي تحدّ كثيرا من الفكر الإنسانيّ والاتّصال الفكريّ".
( ادوارد سعيد/ 1935 -2003 )
"راحة الحكماء في وجود الحقّ وراحة السّفهاء في وجود الباطل".
(سقراط/ 470 ق.م- 399 ق.م )
المجتمع السّياسيّ في تونس يعيش إرهاصا، إن لم يكن إعصارا، فمنذ زلزال25 جويلية2021 وتمكّن الرّئيس من كلّ مفاصل السّلطات ومجاهرته باستعداء كلّ الطّيف السّياسيّ تحت جبّة مقاومة الفساد والفاسدين واعتبار كل متردّد في دخول بيت الطّاعة - ناهيك عن الرّافضين- خائن لثورة 17ديسمبر 2010 ولثورة القصر، منذ ذلك التّاريخ باتت السّاحة السّياسيّة، المترهّلة بطبعها، على فوهة بركان محكومة بضبابيّة وأفق مجهول.

1/ العشريّـة الضّائعـة والإنقـاذ الفـجّ
الرّئيس، إمام الفرقة النّاجيّة( أهل الولاء) في مجابهة ما عداها ومن عاداه من الفرق الهالكة (أهل البراء) مزهوّ بالفتح المبين وانتصاره على القوم الضالّين، وشيعته وأنصاره منتشون بما يعتبرونه اندحارا لكلّ (كـلّ) منظومة ما قبل 25جويلية، والبقيّة تائهون في رحاب ورهاب ما فرِض عليهم كخيار يتيم. خيار تتحمّل مسؤوليّاته التّرويكات المتعاقبة(غير مأسوف على اندحارها)فقد حوّلت الانتخابات إلى بيْعة يُرجم تاركها ويُجلد المرتدّ عنها.بموجبها يصبح المجتمع مسؤولا عن تحمّل تبعات مبايعته، فيحرَّم عليه أن يحاسِب ويُحكم عليه أن يُعاقَب باسم شرعيّة مغتصبة ومآل مجهض ،وأملت موضوعيّا،وعت ذلك أم لم تع، على المتبرّمين بسياساتها ومن اكتوى بعذابات عشريّة حكمها التّشبّث بوهم نجاة، كالغريق يتشبّث حتى بحبال الهواء.استعدت التّرويكا وتناسلاتها الجنيسة المتاعقبة والمستحكمة استحكام الجوائح، كلّ معارضيها وحوّلت الحكم إلى تحكّم فبات لعنة وسوط عذاب على ما عداها وعلى نفسها أيضا، وهي مفارقة محيّرة (ماركة تونسيّة مسجّلة من "بركات" الثورة). عفّنت كلّ مجالات الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة ولوّثتها بقصديّة-وبغباء أيضا- لتنفّر "العامّة" وتلجمها عن قليل الكلام فتهجر كلّ ما يتعلّق بالشّأن العامّ وتكفر بالحياة السّياسيّة في بعديها المعقّد والبسيط، فتستأثر"الخاصّة" بكلّ الكلام. هذا الانسداد الذي فرض الإسلام السّياسيّ (تعبيرته الرّسميّة حركة النّهضة) وحزامه التّابع والدّاعم خلق حالة من اللاّمعقوليّة واللاّقابلية للحكم،وفرض مزاجا عامّا يطابق بين الدّيمقراطيّة والفساد،المؤسّسات والفوضى،الحكم والتّغوّل. فشل الطّبقة السّياسة (طبقة سياسيّة بعينها) يصبح مطيّة لرجم عالم السّياسة في كلّ تمظهراته (برلمان /إدارة /مؤسّسات/ شخصيّات ومنظّمات اعتباريّة كان لها الفضل في مقارعة نظام الاستغلال والاستبداد أيّام كان للنّضال ضريبته). حالة الموت السّريريّ الذي أصبحت عليه "تونس المريضة حسّا ومعنى" شرّع عمليّا الخروقات بل وخلق مصوّغات الاستيلاء على السّلطة والاستئثار بها من ناحية والتهليل لذلك بشكل احتفاليّ كرنفاليّ من ناحية ثانية وحقن النّخبة بحبوب هلوسة وإنعاش الوهم وانتعاشه والاستمتاع بتزكيّة ومبايعة "العصفور النّادر" الذي فشلت النّهضة في ترويضه ولم تفلح في المحافظة عليه.اهتبلت النّخبة وتاهت، وأطلقت العنان لخيالها المجنّح ليسبح في ملكوت الأحلام الورديّة.جزء منها اعتبر إجراءات25 جويلية تصحيحا لمسار وإيذانا بميلاد عهد جديد يقطع مع عالم الفساد ويستأصل دابر الفاسدين،والبعض الآخر تخمّر فأعلاها إلى مصاف الثّورات التّاريخيّة، مع الجزم بخصوصيّتها كونها لا شرقيّة ولا غربيّة بل قيس سعديّة(ثورة الجمهوريّة/ ثورة الشّباب/ ثورة الرّئاسة) واعتبرها ثأرا ممّن تآمروا على ثورة "الشّعب يريد" فأجهضوها واستكمالا للمسار الثوريّ 17 ديسمبر 2010.
2/ حســاب الحقــل/حســاب البيــدر
الجزم بعدم أهليّة الإسلام السّياسيّ للحكم (على وجاهة مرتكزاته ومبرّراته) مسألة قد تكون خلافيّة ما دامت محكومة باعتبارات سياسيّة وإيديولوجيّة وفكريّة وبمقاربات تمتدّ من النّقيض إلى النّقيض وتتباعد تباعد الخلفيّات والحقول المعرفيّة وطبيعة المرجعيّات. فماذا عن المآلات - وهي أكثر إنباء وإفحاما من الأحكام التي قد (قد) تُــتّهم بالانطباعيّة والتّحامل والأدلجة المدفوعة إلى أقصاها-؟
تكشف فترة حكم التّرويكات الهوّة السّحيقة بين بريق الخطاب،بهرجه، مكابرته، ما يقوله عن نفسه، ما يسوّقه،ما ينطق به،وبين ما تبوح به الحصيلة ويفضحه الواقع، حساب الحقل وحساب البيدر. حكومات وسلطات ما بعد الثّورة هي حكومات ما دون "الصّفر فاصل" في مستوى الإنجازات باعتراف وشهادة شهود من أهلها،كلّ مكوّنات الحكم ،مع تبادل التّهم وتنصّل كلّ طرف من المسؤوليّة.
التّناحر القبليّ بين المؤسّسات(رئاسات/برلمانات/ حكومات/ هيئات - وما أكثرها-) والتّنافر بين السّلطات في ما يشبه تنكيد الضّرائر خلق حالة انسداد مرضيّة سرياليّة عبثيّة مترجمة في العجز عن مركزة الحكم(بقطع النّظر عن نجاعة ذلك وعن رأينا فيه وحكمنا عليه) والفشل في تقاسم السّلطات. والنّتيجة هائلة: عشريّة ضائعة/ بلد غير قابل للحكم. تلك هي الجريمة السّياسيّة الأولى لحكّام عشريّة النّكد.والبقيّة تفاصيل. وجريمتهم الثّانيّة، تسهيل وتشريع انقلاب مؤسّسة على مؤسّسات، مراكمة وخلق موجبات تعطيل الحياة السّياسيّة وإحالة كلّ الشّأن السّياسيّ والمجتمعيّ إلى ساكن قصر قرطاج .

3/ انتعـــاش الأوهــام وإنعاشهــا
خاصّيّة من خاصّيّات النّخبة في تونس الانفعال والوقوع في أسر وحبائل اللّحظة. خطيئتها الأولى أنّها تصدّق ما يقوله الحاكم عن نفسه وتتماثل معه حالما يلبس جبّة المنقذ الأعلى.خطيئتها الثّانية عدم الاتّعاظ من/وبالتّاريخ القريب (القديم قد يقع الاتّكال على عامل الزّمن والتّقادم لتبرير الإغفال والنّسيان وحتّى التّناسي). بن علي قدّم لنا درسا في إكراهات السّلطة وإغراءاتها ودولابها ودفاعها عن ديناميكها الدّاخلّيّ ومراودتها حتّى لنفسها وانقلابها على ما سوّقت له مرارا وتكرارا.آية ذلك أنّ للأحداث منطقها وتداعياتها الخاصّة. تنكّر السّلطة للوعود التي قطعتها على نفسها من الثّوابت في تاريخنا الذي يشهد بأنّ عبث الحكّام تحوّل إلى نوادر أين منها نوادر الجاحظ في بخلائه .فهذا بن علي يقطع بسرعة برقيّة مع ما حبّره في بيان "لتّحوّل المبارك"،من دولة القانون والمؤسّسات إلى الدّولة القانونيّة التي تسلّط القانون سيفا على خصومها ومعارضيها. ما ورد في بيان السّابع من نوفمبر" لامجال في عصرنا لرئاسة مدى الحياة ولا لخلافة آلية" كلام دبِّـر ليلا (ليلة الانقلاب). وكلام اللّيل دوما يمحوه النّهار."لا رئاسة مدى الحياة " نعم ،ولكنّ المعنيّ بذلك بورقيبة وليس لبن علي."شعبنا جدير بحياة سياسيّة متطوّرة"،"لا مكان للحقد والبغضاء والكراهيّة"، " سنحرص على إعطاء القانون حرمته". فماذا كانت النّتيجة؟ نظام استبداديّ لم تفلح المحاججة بما حُبّر في بيانه وما تضمّنه من معسول الوعود،وعود [أحيت شهوات قد كان اليأس أماتها على حدّ تعبير صاحب المقامات بديع الزّمان الهمذانيّ] ولا التلاقيح المضادّة للفيروسات التي زرعها في شرايين المجتمع،لم تفلح في كبح جماح تغوّله .فمتى ندرك أنّ كلّ نظام مهما كان بائسا لا يخجل من تسويق صورة ورديّة عن نفسه؟ فالظّالمون غالبا ما تدثّروا بعباءة المظلوميّة وقدّموا أنفسهم دوما على أنّهم طليعة المظلومين.
نخبنا رغم أنّها اكتوت دوما برهاناتها الخاسرة فقد ظلّت دوما متآمرة على نفسها و على إرثها، تعشق التّرحال من ضفّة إلى ضفّة بلا أدنى رابط منطقيّ وما يقتضيه من حدّ أدنى من التّماسك حتّى في بعده الشكلانيّ الصّوريّ. من أوهامها - مثلا ومثلا فقط- تشبّثها بالحوار الوطنيّ في ما يرقى إلى مستوى المناشدة، حوار من تملّك مفاتيحه وصادرها–إذا (إذا) سلّمنا جدلا بصدقيّته – ينسف الحوار من أساسه، إذ لا حوار مع الفاسدين. ومن هم الفاسدون؟ كثر في قاموس السّيّد الرّئيس، يصعب على الأمّة عدّهم ويستحيل على من لم يُؤتَ من العلم إلاّ القليل حصرهم، بالعربيّ الفصيح، الحوار إذا عنّ لقيس سعيّد أن يجريه "على وجه الفضل" فسيكون مع من يقتنع الرّئيس أنّهم أهل البراء،مهمّتهم التّلميع والتّسويق وليس النّقاش والبلورة المشتركة.صورة تذكّر بمعارضة الدّيكور على أيّام بن علي، مفتونة بالإشادة بسياسات وإنجازات حاكم قرطاج أكثر من اقتناعها بضرورة التّعريف بسياساتها.وبعض الأطراف التي تلهج بالحوار مصابة بداء التّوهّم، به تتحصّن من رهاب مشهد ما قبل 25جويلية (الأدقّ فوبيا النّهضة).تقدّم نفسها،ولعلّها تعتقد، أنّها ناطقة باسم الرّئيس ومدركة لما يختلج في صدره فتسقط لاشعوريّا ما تريده هي منه،ما تتمنّى لو أنّه يطبّقه. وتنسى أنّ ما يبدو لها إجراءات استثنائيّة انتقاليّة محكومة بحيّز زمنيّ وبملابسات حتّمتها حالة العطالة السّياسيّة هي في أجندا قيس سعيّد خيار نهائيّ، الانتقام من المشهد الحزبيّ والجمعيّاتي والمنظّماتيّ، مهمّة لن يتركها، جزم أن ينجزها أو يهلك دونها. إنّها محنة وأزمة الفعل السّياسيّ في تونس. أمّا الأزمة فدامغة يعيشها التّونسيّ مفردا وجمعا، ولا تحتاج من يقّـرّ بها .وأمّا الوعي بها وبمخارجها وتلمّس سبل تجاوزها فدونه شوك القتاد.
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز